الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

 تأميم النفط : عظمة البداية وفخر النهاية

 

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

 

من تعايش مع ، او قرأ ، تاريخ الحركة الوطنية العراقية في العصر الحديث سيلاحظ دون عناء او شك بأن ثمة اجماع بين كافة االقوى الوطنية العراقية على ان تأميم النفط كان المعيار الاول والحاسم في تحديد القوى الوطنية  وفرزها عن غيرها من ادعياء الوطنية ، وهم كثر لدرجة ان اشد العملاء خدمة للاستعمار الذي يحتل العراق لا يكف عن وصف نفسه ب( الوطني ) مع انه جاسوس امريكي او ايراني !!! كانت القوى الوطنية مثل البعث والحزب الشيوعي والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال وغيرها تضع هدف التاميم على رأس قائمة اولوياتها النضالية ، وعلى هذا الاساس تكونت ثقافة وطنية عراقية تضع شرط تأميم النفط كاول شرط من شروط الوطنية الحقيقية واهم معيار للوطنية العراقية .

والسبب في ذلك واضح وبسيط , وهو ان الاستعمار هو ، اولا واخيرا ، ظاهرة هدفها الاساسي هو نهب الثروات وليس التبشير بمبادئ انسانية ، لذلك وببساطة شديدة وعفوية شعبية اصبح الوطني هو ليس من يطرد الاستعمار من البلد المحتل فقط بل يجب ان يقترن ذلك الطرد باستعادة السيطرة على الثروة الوطنية بصورة تامة ودون اي التفاف او تمويه . وهذه القاعدة تنطبق بشكل انموذجي على البلدان النفطية التي وقعت ثروتها النفطية بيد الاستعمار .

ولاجل ارباك الجماهير وتشويش رؤيتها للحقائق فان الغرب الاستعماري تعمد طرح مفاهيم او اثارة مشاكل تميّع المعيار الوطني الاول ، وهو استعادة الثروة الوطنية ، ، مستغلا حالات الامية والتخلف والاهم وجود نزاعات ونزعات طفولية في الاوساط الوطنية تتغلب فيها الاحقاد والخلافات الثنائية على الحقيقة والمصلحة الوطنية .

أساس التحرر

في بلدان تمتلك ثروات كبيرة تسيطر عليها قوى استعمارية اجنبية يصبح المعيار الاهم والرئيسي للتحرر من الاستعمار ومنح الصفة الوطنية هو القدرة على استعادة الثروة الوطنية من الاستعمار ، سواء بالكفاح المسلح او بالعمل السياسي المنبثق عن حركة جماهيرية قوية وفعالة ، او بكلاهما . وبهذا المعنى  فان الوطني الحقيقي هو ليس الذي يهتف ضد الاستعمار ويرفع شعارات وطنية بل انه من يستطيع ، بالعمل المنظم ، ان يطرد الاستعمار ويعيد الثروة الوطنية الى الشعب . والسبب في ذلك واضح فالوطنية لا تورث ولا تشترى ولا تكتسب بالادعاءات اللفظية ولا برفع الشعارات بل انها ، تحديدا ، القدرة على طرد الاستعمار واعادة الثروة الوطنية ، ثم منع الاستعمار من العودة من الشباك بعد ان طرد من الباب . وطبقا لذلك فان الوطنية عملية مستمرة ولا تنتهي بانتهاء النضال من اجل التحرر بل هي تستمر بعد ذلك ، واهم مظاهر الوطنية في مرحلة مابعد التحرر هو التمسك بالتحرر الاقتصادي وعدم الوقوع في فخ التبعية الاقتصادية او السياسية لاي سبب كان .

ان الكثير من حركات التحرر طردت الاستعمار من الباب لكنها اعادته من الشباك ، بصيغة استثمار الثروة التي حررت ! مع منح رشوة للنظام او لفئة من المجتمع ، فما الذي تغير ؟ لم يحصل تغيير جذري وحقيقي ، اخرج الاستعمار وتمت السيطرة على الثروة لكنها اعيدت بصيغة فنية مموهة غالبا تحت شعار نقص الخبرات الوطنية ، مع ان الخبرات الوطنية موجودة او ان بالامكان اكتسابها خلال فترة قصيرة . أذن ما معنى التحرر تحديدا ؟ ان التحرر هو ليس فقط استعادة الثروة الوطنية بل منع الاجنبي من السيطرة عليها مجددا بعد تأميمها كليا او جزئيا وبأي صيغة  ، وقيام الكادر الوطني باستثمارها مع امكانية الاستفادة من الخبرة الاجنبية ، بصيغة تقديم الخدمة لقاء اجر ولفترة محددة . بالاضافة لما تقدم فان التحرر يشمل منع تحويل المالك من اجنبي الى مالك محلي يستولي على الثروة الوطنية الاساسية ويحرم الشعب منها .

ان هذه الحالة هي نوع من انواع الالتفاف على الهدف من التاميم وهو خدمة الشعب من خلال ثروته المستعادة وليس تكديس الثروة لدى فئة من الناس ، وبقاء الشعب بغالبيته الساحقة محروما يعاني من الفقر والامية والامراض والاستغلال . ان الاستغلال هو استغلال سواء تم بواسطة الاجنبي المستعمر او بواسطة ابناء الوطن ولذلك فان التحرر يتضمن هدف جعل الثروة المستعادة في خدمة الشعب بالاساس والجوهر .

وهنا يجب ان نؤكد على الترابط العضوي والحتمي بين الوطنية والعدالة الاجتماعية ، فبعد طرد الاجنبي ومنع استيلاء فئات من الوطن على الثروة يجب البدء بتنفيذ برنامج اجتماعي شامل لتسخير الثروة لخدمة الجماهير ، وبالاخص ازالة الامية والفقر والتخلف وتوفير الخدمات الاساسية مجانا او باسعار رخيصة ، كالنقل والاتصالات والطاقة والتعليم والطب والدواء ... الخ . ان الوطنية بهذا المفهوم تكون الرد الطبيعي على عصر تعمق فيه وتعزز النهب وباساليب مموهة وخطيرة نراها الان متجسدة في زيادة الفقر والكوارث الاجتماعية في العالم الثالث بعد رحيل الاستعمار ودخولنا القرن الحادي والعشرين نتيجة الهيمنة شبه الكاملة للقوى المتقدمة صناعيا على الاقتصاد العالمي باسم العولمة . 

وفي ضوء ما تقدم فان تأميم النفط يعد بحق فيصلا حاسما بين الشعارات التضليلية والانجاوات الفعلية ، اولا ، فالوطني هو ليس من يشتم الاستعمار لكنه لا يريد اعادة ثروات الوطن منه ، بل هو من يربط بين التحرر السياسي واستعادة الثروة ، وهو ، ثانيا ، ليس من يستعيد الثروة ليسلمها لفئات قليلة في المجتمع بل هو من يقيم نظاما عادلا اجتماعيا وقانونيا ، وهو ثالثا ليس من كان وطنيا لكنه ارتد واصبح منسجما مع السياسات الاستعمارية بل هو من تواصلت ممارساته الوطنية وعبرت عن جوهرها وهو الديمومة وعدم التوقف .

التاميم واقعة عراقية

بعد هذه المقدمة التذكيرية والتعريفية نتناول ماجرى في الواقع العراقي . ان التاميم الذي كان الهدف الاول والاسمى للحركة الوطنية العراقية الحديثة ، بكافة تنظيماتها ، اتخذت عملية تطبيقه اشكالا مختلفة ، فبعد ثورة 14 تموز عام 1958 ظهرت خلافات حول كيفية استعادة الثروة النفطية ، فالبعض كان يطالب بالتأميم الكامل لان ذلك حق طبيعي ، لكن البعض الاخر كان يريد تنفيذ سياسة وطنية مدروسة تقوم على التدرج والتأني في اعادة ثروة النفط ، لان الشركات النفطيه تمثل قوى دولية شرسة وقادرة على التسبب بمشاكل خطيرة ، وكانت تجربة محمد مصدق في ايران ماثلة امام عيون كل الوطنيين حيث امم النفط لكن التدخل الامريكي ادى الى قيام انقلاب ازاح مصدق والغى التاميم . وكان القانون رقم 80 الذي اصدره نظام عبدالكريم قاسم خطوة وطنية وتقدمية ، لكنها جزئية ، على طريق التاميم لانها حددت نطاق استثمار الشركات الاجنبية في العراق ولم يعد العراق كله مفتوحا لها . وبعد عبدالكريم قاسم اختلفت السياسات ولكنها ترواحت في اطار المشاركة ، ولم تتجرأ حكومة عراقية على التفكير بالتأميم حتى قيام ثورة 17 تموز عام 1968 والتي ابتدأت بعد ترسخ اركانها بالتخطيط للتأميم ، وشمل ذلك مفاتحة قوى عراقية كانت حليفة للبعث ، مثل الحزب الشيوعي ، وقوى دولية كانت صديقة للعراق ، مثل الاتحاد السوفيتي ، بفكرة التاميم ، لكن هذه الاطراف نصحت البعث بقوة بتجنب التأميم الكامل والاقدام فقط على خطوات متدرجة في السيطرة على الثروة النفطية وتجنب تكرار مأساة تجربة مصدق ، فهل انصت البعث لنصائح الاتحاد السوفيتي واعتراض الحزب الشيوعي ؟

حسم ملكية النفط

كان النظام الوطني مقتنعا تماما بان الصراع الاساسي لحركة التحرر الوطني العراقية مع الاستعمار يتجسد في الصراع مع الاحتكارات النفطية في العراق ، اذ كان الهدف الاساسي للاستعمار هو النفط ولم يكن هناك ما هو اغلى منه  ، لذلك فان الاستيلاء على السلطة في عام 1968 كان مجرد مقدمة تهيأ مستلزمات التاميم وتمهد الطريق للاقدام على خطوات تحرر العراق من تأثير الاستعمار ، وهو استعمار اقتصادي بالدرجة الاولى دون ادنى شك ، لان الحكومة العراقية كانت تحت رحمة الشركات قدر تعلق الامر بدخل الدولة الاساسي وهو النفط ، وبما ان الدولة بقوتها وحرية حركتها وخياراتها تعتمد على الموارد النفطية فان وجود هذه الموارد بيد الشركات الاجنبية كان عقبة خطيرة امام ممارسة العراق لسيادته وتحقيق استقلاله الحقيقي وهو الاستقلال الاقتصادي .

وبهذا المعنى فان التغيير الذي وقع في 17 تموز 1968 بصيغة تغيير عسكري مدعوم شعبيا لا يمكن ان يصبح ثورة حقيقية  مالم يشمل قلب الاوضاع في العراق رأسا على عقب ، خصوصا من ناحية محددة وهي أنهاء الفقر والامية لان نسبتهما كانت 80 %  (!) ، رغم ان العراق كان ومازال واحدا من اهم الدول الغنية بالثروة ، النفطية وغير النفطية  ، وتغيير دور العراق الاقليمي والدولي . ان الثورة ليست انقلابا عسكريا وانما هي عملية التغيير الجذري للمجتمع واعادة بناءه بطريقة تخدم مصلحة الشعب ، لذلك كان على القيادة الجديدة في العراق ان تتهيأ لخوض معارك شرسة مع الاستعمار بكافة اشكاله .

ومن البديهي ان يكون السؤال الاول الذي واجه القيادة في الشهور التي اعقبت التغيير الثوري هو : هل نستطيع اعادة الثروة للشعب من دون صراعات معقدة وصعبة وخطيرة ؟ وكان الجواب كلا ، فاعادة السيطرة على نفط العراق لايمكن ان تتم تدريجيا ولا بطريقة المشاركة ، لان هذه الطرق فشلت بعد ان عمدت الشركات الى افشالها او افراغها من اي محتوى وطني جذري ، فلم يبق سوى طريق الحسم الكامل باستعادة الثروة الوطنية الاساسية عبر تأميمها بشكل كامل ، واقامة صناعة نفطية وطنية متكاملة تستطيع القيام بكل العمليات المتعلقة بالنفط من تنقيب واستخراج وتسويق .

ان النزعة الصدامية ( بكسر الصاد ) الاقتحامية ، التي ميزت البعث في العراق ، كانت تتحكم بالقرار العراقي الخاص بالمسألة النفطية خصوصا وان القيادة الوطنية كانت ترى ان النهضة في العراق يمكن ، بالاعتماد على موارد النفط الضخمة بعد التاميم ، ان تختصر مراحل تأريخية طويلة بتجنب ولوج الطرق التقليدية عند القيام بتطوير العراق ونقله من بلد متخلف الى قطر متقدم صناعيا وتكنولوجيا واجتماعيا ، وبالاخص تجنب الطريقة التقليدية للتطور الراسمالي وهي مراكمة راس المال تدريجيا كما حصل في النهضة الاوربية . وهذا ما تحقق بالفعل بعد التاميم ، اذ ان الثروة انتزعت من الاستعمار واصبحت بيد قيادة الثورة فسارت بسرعة على طريق التغيير الجذري في العراق بالاعتماد على ثروة النفط الضخمة والتي لم تفرض انتظار حصول تراكم راسمالي تسخره لتحقيق التقدم .

ورغم ان القوى الاستعمارية التي تقف وراء الاحتكارات النفطية حاولت افشال التأميم بطرق قانونية وبالضغوط السياسية والاقتصادية الا ان قيادة الثورة رفضت كل الضغوط والتهديدات وتمسكت بالتأميم ووضعت خطة تقشف طويلة الامد لاحتواء اثار اي مقاطعة دولية . كما ان العراق فتح قنوات المصالح مع دول عديدة واهمها الاتحاد السوفيتي وفرنسا ، الامر الذي اقنع القوى الاستعمارية بان تكرار تجربة مصدق في العراق غير ممكن بعد تمتين الجبهة الداخلية وملائمة الوضع الدولي وذكاء القيادة العراقية . لقد نجح التأميم واستسلمت الشركات .

لكن ذلك الاستسلام كان مجرد لعبة طويلة النفس والامد لان الصراع الرئيسي والحقيقي بين العراق والقوى الاستعمارية الغربية ابتدأ في 1 /6 من عام 1971  ، وهو تاريخ أتخاذ قرار التأميم ، وتطور باشكال متعددة فتارة كان الصراع  مموها ، مؤمرات وضغوط ، وتارة كان محاولات احتواء ، التلويح بتسهيل شراء العراق للتكنولوجيا الحديثة ، وتارة اتخذ شكل حرب وحصار ثم غزو بعد عام 1991 .

النفط حادلة الطريق نحو الثورة الاجتماعية

كما قلنا سابقا فان الثورة هي عملية التغيير الجذري للمجتمع ونقله من حالة التخلف والفقر والاستغلال والظلم الاجتماعي الى التحرر من الاستعمار والفقر والتخلف والاستغلال الطبقي ، عن طرق تسخير ثروة النفط لتحقيق قفزة نوعية كبرى تنهي وضعا عاما سيئا وتقيم وضعا عادلا ، في ظل الاستقلال الوطني القائم على الاستقلال الاقتصادي . ولذلك فان التغيير العسكري في 17 تموز عام 1968 تحول الى ثورة حقيقية شاملة وجذرية في العراق وتمثل في تقسيم الثروة السريعة التكون بين هدفين كبيرين : هدف الازالة السريعة للفقر والامية والمرض ، وغير ذلك من امراض المجتمع ، والهدف الثاني استخدام موارد النفط لتحقيق تنمية انفجارية وبناء دولة ومجتمع قويين ، وليس تنمية متدرجة وبطيئة كما حصل في الغرب . فكيف حصل ذلك ؟

1 – اممت الثورة الطب ، العلاجي والوقائي ، وجعلته مجانيا لكل الشعب بل حتى لمن يعيش في العراق من العرب والاجانب ، وشمل هذا النظام مجانية الدواء ، بل ان مجانية الطب وصلت حدا لا يوجد مثيل له ، حتى في الدول التي تقدم خدمات طبية ممتازة مثل كوبا والاتحاد السوفيتي والصين مجانا ، او مثل الاتحاد الاوربي الذي يوفر الخدمات الطبية ولكن ليس مجانا وانما من اموال الضرائب التي يدفعها المواطن ، فلقد انفردت التجربة العراقية في مجال الخدمات الطبية المجانية بايفاد المرضى العراقيين بقرار رئاسي الى الخارج على نفقة الدولة اذا تعذر العلاج في العراق ، وهذه الخطوة حررت الشعب ، كل الشعب ، من واحدة من اهم مشاكله واهم مصدر لخوفه من الغد وهو الخوف من المرض . ان هذه الخطوة جبارة ولا يدرك قيمتها الا من يحرم من الطب المجاني ويواجه خطر الموت او المعاناة يوميا فيقع فريسة القلق الدائم على نفسه وعائلته . لقد حررت الثورة الشعب العراقي كله من هذا الخوف وذلك التهديد . فكيف نقوّم هذه الخطوة وهذا الانجاز الفريد ؟ واين نضعه في سلم الايجابيات الاجتماعية ؟

2 – أنهت الثورة الفقر وقضت عليه كليا ولم يعد هناك فقير واحد في العراق نتيجة الخطوات التالية :

أ – الزامية تعيين الخريجين من المدارس والجامعات ، وادى هذا الاجراء الى وجود اكثر من دخل في العائلة الواحدة ، وبطبيعة الحال فان ذلك خلق حالة رفاهية واضحة تمثلت في وجود فائض مالي لدى العراقيين استمر حتى منتصف الثمانينيات ، حيث اخذت الحالة تتراجع نتيجة التقشف الذي فرضته الحرب الايرانية على العراق التي فجرها خميني في عام 1980 .

ب – الدعم الحكومي للسلع الاساسية خصوصا الغذاء واللبس والطاقة الكهربائية  والماء والاجهزة الكهربائية المنزلية والخدمات كالنقل وغير ذلك  . ووصل الدعم حد ان الملابس الفرنسية والايطالية المستوردة كانت تباع ارخص من مثيلتها في فرنساو ايطاليا مما دفع الكثير من الاجانب لشراء ملابسهم من العراق عند زيارته .

ج – رفع الاجور والرواتب لكافة الموظفين والعاملين ، وبهذا الانجاز حررت الثورة الشعب من مشكلة خطيرة سحقته اجيالا وقرون وهي مشكلة الفقر .

3 – مجانية التعليم في كافة المراحل بما في ذلك نيل شهادة الدكتوراه ، وجعله الزاميا حتى نيل البكالوريوس .

4 – ارسال الاف الخريجين من الجامعات العراقية للحصول على التخصص ( دبلوم عالي ، ماجستير ودكتوراه ) الى الجامعات العالمية المعروفة في الغرب والشرق وعلى نفقة الدولة فاصبح لدى العراق خلال فترة بين 4 – 6 سنوات خبراء في كافة المجالات التي تقرر نهضة وتقدم المجتمع ، وبعد مرور اكثر من عشر سنوات اصبح لدى العراق (جيش من العلماء والمهندسين ) ، حسب تعبير ديفيد كي ضابط المخابرات الامريكية الذي كان رئيسا لفريق التفتيش النووي ، وهو جيش لم يملكه اي قطر عربي على الاطلاق واغلب دول العالم ، وكان فخر العراق والامة العربية وعامل استفزاز للصهيونية والغرب الاستعماري لانهما كانا يعدان التقدم العلمي والتكنولوجي خطا احمرا لا يجوز تجاوزه من قبل العرب .

5 – أقامة بنية تحتية حديثة شملت العراق كله مثل الطرق الحديثة ( هاي ويس ) التي ربطت العراق كله بخطوط نقل سريع وفعال ، والخطوط الجوية والسكك الحديدية ، فصغرت رقعة العراق الجغرافية .

6 – بناء جيش وطني فعال ، عقائدي ومهني بنفس الوقت ، يضاهي جيوش العالم المتقدم من حيث النوعية والكم ، وبذلك تحقق للعراق سلاح ردع للطامعين والمعادين لامة العربية مثل امريكا واسرائيل وايران .

7 – بعد ان تدهورت الزارعة وتغلبت الملوحة على الارض الخصبة في القرون السابقة أحيت الثورة الزراعة بتنفيذ مشاريع جبارة وحفر انهر واقامة سدود وانشاء معاهد للبحوث الزراعية ، وكان الهدف الستراتيجي جعل الزراعة نفطا دائما يؤمن للعراق الغذاء والمواد الاولية ، اما الهدف المباشر فكان توفير حاجة العراق من الغذاء .

8 – اقامت الثورة صناعات حديثة متطورة في مجالات عديدة مثل الحديد والصلب والمعدات والالات الكهربائية والصناعات الغذائية والدوائية ، وبهذه الخطوة وضعت الثورة العراق على طريق تقليل الاعتماد على الخارج وزيادة الاعتماد على الانتاج العراقي . ووصلت الصناعات العراقية ذروة تقدمها بتصنيع قمر صناعي كان على وشك الاطلاق عندما حصل العدوات الثلاثيني في عام 1991وانشاء صناعات عسكرية ممتازة وتطوير القدرة على صناعة الصواريخ والاسلحة بل وتخصيب اليورانيوم بطريقة عراقية مبتكرة .

9 – على المستوى السياسي حاولت الثورة حل اخطر مشكلتين عانى منهما االعراق ، الاولى منذ عام 1958 وهي الاحتراب بين القوى الوطنية العراقية ، والثانية تعود الى الثلاثينيات وهي التمرد الكردي المسلح ، فبادرت قيادة الثورة الى دعوة القوى السياسية الى اقامة جبهة وطنية شاملة ، وبعد جهود طويلة قامت الجبهة ، كما ان الثورة بادرت ومنحت الاكراد الحكم الذاتي ، وهو الحد الاقصى والاعلى للمطاليب الرسمية للحركة الكردية المسلحة ، وتم الاعتراف بالقومية الكردية رسميا وادخل ذلك في الدستور وطبق الحكم الذاتي . صحيح ان الجبهة فشلت والتمرد الكردي المسلح استمر الا ان الاصح هو الثورة من جهتها بادرت وعملت على حل المشكلتين لكن الاطراف الاخرى هي التي قادت الحالة الى الفشل .

10 – عربيا تعزز دور العراق وتعمقت روابطه مع الاقطار العربية على اساس وحدة الهوية والانتماء والمصير ، وعمل البعث على تطبيق شعاراته خصوصا الوحدة العربية وبادر واقام مجلس التعاون العربي رغم كل التحديات والتي ادت الى اجهاض التجربة ، كما ان البعث وثورته قاما بتقديم الدعم السخي للقطار العربية الفقيرة ماليا وتكنولوجيا وفنيا وعسكريا ...الخ .

11 – لعب العراق دورا كبيرا في تفعيل حركة عدم الانحياز التي خملت بعد رحيل زعماءها نهرو وناصر وتيتو وسوكارنو ، واصبح للعراق دور مهم جدا في العالم الثالث .

12 – اخترق العراق بفضل صواب نهجه السياسي معادلة المعسكرين القائمة على الانحياز لاحدهما ضد الاخر ، فلقد حافظ العراق على استقلاله وحياديته بنفس الوقت ، لكن الحياد لم يفهم على انه حياد بين الاستعمار وقوى التحرر بل فسر على انه القيام بدور نشط مع كافة الاطراف ، ولذلك فان الصداقة القوية مع الاتحاد السوفيتي لم تمنع العراق من اقامة علاقات قوية مع فرنسا .

اذا اكتفينا بهذه الانجازات فان من السهل جدا تاكيد ان العراق قد شهد ثورة جذرية وشاملة نقلت العراق من قطر فقير ومتخلف تسوده الامية والمرض ومهمش ، اقليميا ودوليا ، الى قطر قوي في الداخل وحل المشاكل الاساسية في المجتمع وفعّل دوره الاقليمي والدولي وشرع في السير بقوة نحو الخروج من فئة دول العالم الثالث وكاد ان يصل الى مصاف الدول المتقدمة ، كما اشارت تقارير الامم المتحدة ، لولا الحرب التي فرضتها ايران ثم افتعال ازمة الكويت ورفض حلها الا بالحرب الشاملة .

ان اي مراقب محايد ومنصف يستطيع بكل دقة ان يقول بان انجازا واحدا من الانجازات المذكورة يكفي لاعتبار ما حصل في العراق ثورة وطنية تحررية من جهة ، وانقلابا اجتماعيا تقدميا سار على طريق اقامة نظام اشتراكي تقدمي لا فقر ولا استغلال فيه من جهة ثانية . وبترابط واندماج الثورة الوطنية التحررية ( طرد الاستعمار الاقتصادي والقضاء على النفوذ القوي لشبكات التجسس ) بالثورة الاجتماعية التقدمية خرج البعث من اطار الشعارات المجردة واقام تجربة عملية جسدت الشعارات الاساسية وهي حالة نادرة في العالم الثالث .

والان وبعد اكثر من ثلاثة عقود من الزمن على قرار التاميم لا يمكن للمختص والانسان العادي ان يخطئا في ادراك ان التاميم كان القوة الهائلة الدفع التي مكنت الثورة من تحقيق شعاراتها واهدافها ، والتي اسندت النوايا الطيبة والاهداف النبيلة في العراق ، في حين اجهضت تلك النوايا والاهداف في تجارب اخرى ، وكان احد اسباب ذلك هو الافتقار للخبرة والاداة الياسية القوية والمتماسكة .

تصعيد معركة النفط مجددا

الان وبعد غزو العراق تتعزز الحقيقة التي ذكرناها وهي ان الاستعمار اساسا هو سرقة منظمة تفرض بالقوة ، وما يجري في العراق يؤكد ذلك ، فلقد قام الاستعمار الامريكي في اليوم الاول لاحتلال بغداد ، وبقرار امريكي مدروس ، بترك كل الوزارات تحرق وتدمر وتنهب باستثناء وزارة النفط ! وهناك اجماع عالمي على ان الهدف الرئيسي للغزو هو اعادة النفط العراقي لسيطرة الشركات الاجنبية وانهاء التاميم . وهذه الحقيقة بحد ذاتها تؤكد ان التاميم كان الشرارة التي اشعلت الصراع الستراتيجي الجبار والطويل بين العراق المتحرر ، بقيادة البعث ، وقوى الاستعمار العالمي وتوابعها الاقليمية والدولية ، وما قانون النفط والغاز الذي اعد للتوقيع تحت ظل الاحتلال الا اثبات حاسم لكون معركة تأميم النفط مازالت مستمرة ولم تتوقف رغم مرور عقود من الزمن . بل ان المعركة الان تتركز اساسا حول نضال الشعب العراقي ، بكافة قواه الوطنية وطليعته المقاومة المسلحة ، من اجل منع الاحتلال من الاستيلاء مجددا على النفط العراقي .

واكتسبت معركة تحرير النفط قيمة مضافة وخطيرة نتيجة ازدياد الاعتماد على النفط عالميا بسبب توسع الاستهلاك مقابل تناقص الكميات المتوفرة ، من هنا لم تعد معركة النفط عربية بل اصبحت عالمية الطابع والطبيعة ، وطورت نظرية جيوبوليتيكة أمريكية تقول ب( ان من يسيطر على النفط يضمن السيطرة على العالم بلا حروب عسكرية ) ، وهذه النظرية هي التي تحرك الادارة الامريكية في موقفها تجاه العراق ، قبل وبعد الغزو ، لان العراق يملك فعليا الاحتياطي النفطي الاكبر  والاهم في العالم ( 400 مليار برميل في العراق وفي السعودية 220 مليار برميل ) ، كما اكدت عمليات البحث ، من هنا فان القانون الستراتيجي الاول في العالم هو : من يسيطر على العراق يضمن السيطرة على العالم عن طريق الابتزاز النفطي بلا حروب مكلفة ومدمرة .

البعث ، وهو يخوض الان الصراع الاشرس والاخطر في العصر الحديث مع الاستعمار الجديد الذي تقوده امريكا ، يؤكد التزامه بنهجه الوطني والقومي الاصيل الذي ابتدأ به مسيرته التاريخية ، فلقد رفض المساومات التي عرضت وهو في السلطة كي يتراجع عن التاميم ، وهو يعرف بان الرفض خصوصا ذلك الذي حصل بعد انهيار الشيوعية وانفراد امريكا بحكم العالم سيكلفه غاليا . لكن البعث بصفته حركة تأريخية تحمل رسالة خالدة يدرك ، ويؤمن برسوخ ، بان رفضه المساومات ، حتى لو كلفه ذلك فقدان السلطة وقتل مئات الالاف من مناضليه وغزو العراق ، هو الضمانة الاساسية لابقاء المبادئ حية وراسخة ومؤثرة تحرك الملايين من العراقيين والعرب وتضعهم على طريق المقاومة المسلحة والمدعومة بالمقاومة السلمية والتي تضع على راس اولوياتها اعادة التأميم وعودة الحق لاهله مهما طال الزمن وكبرت التضحيات .

البعث ، العظيم في بدايته والاعظم الان ، شق للعرب طريق التحرر والوحدة والكرامة ، ومن اجل ذلك تحمل تضحيات لم يتحملها حزب اخر على الاطلاق ، ونحن نرجو ولا نتحدى من يقول غير ذلك ان يقدم الدليل ، واقام اعظم تجربة حولت الشعارات والاهداف من نظريات الى انجازات تاريخية ذكرنا بعضها ، ولم يسبقها اليه احد ، ونحن نرجو ولا نتحدى من يقول غير ذلك ان يقدم ما لديه ، والان البعث يشق طريق تحرر العراق بدماء عشرات الالاف من شهداءه وشهداء كافة القوى الوطنية العراقية ، وفي مقدمتها المقاومة المسلحة قرة عين العراق والامة العربية والبشرية المعذبة جمعاء ، رافضا اي تراجع او مساومة على حساب استقلال العراق وحقوقه وعروبته .

ان طريق البعث هو طريق التحرير الكامل وغير المشروط للعراق المحتل ليكون ذلك المقدمة الطبيعية لتحرير فلسطين وكافة الامة من الاستعمار . وان عظمة بداية عملية تحرير النفط حينما ترتبط بما وصلنا اليه الان ، وهو محاولات الغاء التأميم ووقوف شعبنا بكافة قواه يدافع عن عراقية النفط ، هو بحق مفخرة لنا جميعا ولاجيالنا القادمة .

لتبقى ذكرى تأميم النفط المحفز الجبار لنا لنواصل طريق الحرية والتحرر الاقتصادي وبناء الاشتراكية .

المجد والخلود لمهندس التأميم وبطله بلا منازع القائد الشهيد صدام حسين ، فله منا ، نحن ابناء الشرف والكرامة ومشاريع الاستشهاد الحقيقية الاف التحايا والترحم على روحه الطاهرة .

المجد والعز لكافة من شاركوا في عملية التاميم من قادة ومهندسين وفنيين واوصلوها الى بر الانتصار والامان .

المجد والفخر لشعب العراق البطل الذي شد الاحزمة وتحمل اعظم التضحيات من اجل نجاح التاميم والاحتفاظ به معلما حاسما لمسيرة التحرر الوطني .

عاشت الثورة العراقية المسلحة الامل الاعظم في تحرير العراق شعبا وارضا وثروة .

النصر او النصر ولا شيء غير النصر

 

 

Salah_almukhtar@gawab.com

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الأربعاء /  30  جمادي الاول 1429 هـ

***

 الموافق   04  /  حزيران / 2008 م