الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

الاتفاقية الامنية : مخاطر منظورة وكوارث مطمورة

( 3 - 8 )

 

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

 

يروي الجاحظ انه شاهد بغلا يركض خلف فقيه التف بطيلسان اخضر ظنا منه انه حزمة عشب

الجاحظ في ( رسالة البغال )

ما حكاية ( مساعدة ) امريكا للعراق ؟

في ضوء الملاحظات السابقة يمكننا ان نفهم لم تريد امريكا ابقاء العراق بلا جيش قوي والسماح فقط ببناء قوات هي اقرب للشرطة منها الى الجيش .

ثالثا : الدلالات الاقتصادية : في ( ثانيا ـ المجال الاقتصادي( ورد في الفقرة 1 ـ دعم جمهورية العراق للنهوض في مختلف المجالات الاقتصادية وتطوير قدراته الانتاجية ومساعدته في الانتقال الى اقتصاد السوق. (  ان من يقرأ هذه الفقرة يتصور ان العراق عالة ويفتقر الى الخبرة والامكانيات ويبدأ من الصفر في بناء الدولة كأي دولة خرجت لتوها من بطون الغابات ، وهو لذلك عاجز عن ادارة شؤونه الاقتصادية ، فتأتي امريكا لمساعدته على النهوض !!!

ما حقيقة وهدف تعمد صنع هذا الانطباع ؟ هل له صلة بالتصفيات الدموية للالاف من علماء ومهندسي وخبراء العراق في شؤون بناء الدولة وادارة المجتمع من قبل امريكا بعد الغزو مباشرة ؟ وهل يمكن فصل ماورد في هذه الفقرة عن التدمير المنهجي والشامل للدولة بكافة مؤسساتها التي تجعل منها دولة ؟ هل يمكن تجاهل ان التهجير المنظم لملايين العراقيين ، ومنهم عشرات الالاف من العلماء والمختصين ، الى الخارج كان مقدمة لجعل العراق في حاجة للخبرة والدعم الاجنبي ؟ هل هناك غبي لم يدرك بعد ان وضع خبراء العراق امام خيار قبول عرض عمل في امريكا والغرب عموما برواتب مغرية جدا او مواجهة الخيار الاخر وهو التصفية الجسدية ، كان هدفه تنفيذ القرار الامريكي بتجفيف المصادر العلمية والتكنولوجية والادارية للعراق ؟

لننظر الى العراق خلال فترة حكم البعث بين عامي 1968 و2003 وما تحقق فيها من تقدم علمي وتكنولوجي ، وكيفية التغلب على التحديات الادارية والفنية أضافة للتحديات السياسية ، لنتذكر حقيقة يجب ان لا تغيب عن البال ابدا وهي ان العراق قد انفرد ، من بين كل الاقطار العربية ، بتحقيق قفزات تقدمية هائلة في مجال العلوم والتكنولوجيا ، ولننتبه الى مارافق صعود العراق هذا من تراجع القدرات التكنولوجية والعلمية للدولة التي عول عليها كل العرب لتكون انموذجا للنهضة القومية للامة العربية وهي مصر في زمن المرحوم عبدالناصر ، لان ثمة ترابط عضوي بين تدمير العراق وما سبقه من تحييد مصر في كافة المجالات ، تنفيذا لمخطط ( مشروع بنرمان ) تبلور في مطلع القرن العشرين في بريطانيا وتبناه الغرب ودعمته الصهيونية ويقوم على منع العرب ، كل العرب ، من حيازة العلوم والتكنولوجيا الحديثة .

عندما قامت الثورة في عام 1968 كان العراق يعتمد بشكل شامل على الخبرة الاجنبية والخدمات والسلع الاجنبية لدرجة انه كان يستورد اكثر طعامه وملابسه واسلحته وكافة السلع الصناعية ! بتعبير اخر كان العراق يعتاش طفيليا على منتجات وخدمات دول اخرى ، ولذلك كان العراق خاملا ومتخلفا ويواجه ازمات اجتماعية واقتصادية وسياسية معقدة واحيانا خطيرة . ماذا حصل بعد الثورة ؟

1 – من منطلق ان الاعتماد على الذات - بصورة عامة واساسية - هو المدخل الطبيعي الى عالم التحرر السياسي والاقتصادي والتقدم العام ، اقدمت قيادة الثورة على اعداد وتأهيل عشرات الالاف من العراقيين علميا وتكنولوجيا في جامعات ومعاهد العالم المتخصصة ، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ، فامتلك العراق خلال حوالي عشر سنوات ( جيشا من العلماء والمهندسين والفنيين ) المختصين ، كما وصفه ديفيد كي ضابط المخابرات الامريكية الذي كان مسؤولا عن فريق التفتيش النووي اثناء الحصار وبعد الغزو ، وقدر عدده باكثر من 40 الف عالم ومهندس وفني ، مختصين في المجالات الاساسية للعلوم والتكنولوجيا والخدمات الاجتماعية الاساسية .

2 – بفضل التخطيط الستراتيجي لقيادة الثورة ، الذي قام على بناء عراق جديد متقدم علميا وتكنولوجيا وقوي عسكريا ومرفه اجتماعيا يساهم في اغناء الحضارة الانسانية وانهاض الامة العربية ووضعها على طريق التحرر الحقيقي والوحدة القومية ، واعتمادا على جيش العلماء والمهندسين نجح العراق في تأسيس جامعات متخصصة في كل محافظات القطر وليس في العاصمة فقط كما كان الحال قبل الثورة ، وبناء مصانع ومعاهد علمية ومهنية متقدمة ، وطور خبرات كوادره ليصبح بعضهم من بين المع علماء العالم . هذه القوة العلمية التكنولوجية والخبرة المكتسبة والمتراكمة مكنت العراق من تقليص الاعتماد الطفيلي على الخارج ، واخذت الصناعات العراقية توفر الكثير من السلع ، بينما تولى الخبراء تقديم الخدمات لدرجة ان تأميم النفط حينما حصل كان الاستعمار العالمي المسيطر وقتها على نفط العراق يظن ان التأميم سيفشل نتيجة افتقار العراق للخبرة التكنولوجية والادارية في مجال الصناعة النفطية ، لكن معركة التاميم وما اعقبها اثبتت بان العراق يملك كوادر متخصصة قادرة ليس فقط على ادارة الصناعة النفطية بنجاح تام بل ايضا تطوير هذه الصناعة والتغلب على معوقات ذلك ، وتجربة اعادة بناء مصافي النفط بخبرات عراقية ، بعد تدميرها من قبل الاشرار الذين شنوا العدوان الثلاثيني في عام 1991 وفرضوا حصارا شاملا لكل شيء حتى الدواء والغذاء ، تؤكد ان العراق كان قادرا قبل الغزو على تحقيق الاعتماد الذاتي النسبي !

لقد نجحت العبقرية العراقية في اعادة بناء المصافي في زمن استثنائي بقصره عجزت كل الشركات الاجنبية عن انجاز العمل ضمن حدوده رغم المقاطعة والحصار . بل ان العبقرية العراقية تمكنت من اعادة اعمار كل ما دمره الاشرار في اثناء ذلك العدوان في زمن تراوح بين ستة اشهر وسنة في حين ان كل التقديرات التي توصلت اليها دراسات اوربية ويابانية وامريكية ، اعدت قبل العدوان حول الزمن الذي تستغرقه عملية اعادة العراق للوضع الذي كان عليه قبل العدوان ، بخمس سنوات على الاقل ! اما التكلفة التي وضعتها تلك الشركات فقد تراوحت بين خمسين مليار دولار وسبعين مليار دولار ، في حين ان العراق لم يصرف على اعادة الاعمار سوى حوالي مليار دولار ! ببعد نظر القيادة العراقية وباستفادتها القصوى من الطاقات العراقية تغلب العراق على الحصار وصمد 13 عاما بوجهه ووصل الى حد تحطيمة في عام 2001 بعد ان اعاد بناء ما دمره الاشرار واعاد نسج علاقاته التجارية والاقتصادية مع عدد من الدول يكفي لاسقاط الحصار ، لذلك اضطرت امريكا للجوء الى الغزو في عام 2003  لمنع العراق من اعادة البناء كاملة ، للانسان وللمجتمع وللعمارة وخدمات العمارة البشرية . لقد تغلبت العبقرية العراقية على كافة المعايير الفنية للدول المتقدمة في مجال استثمار القدرات الانسانية في الخلق والابداع وبناء المشاريع .

3 – رغم كل التحديات الخارجية والداخلية التي واجهها العراق ، ورغم انه مقارنة بامريكا بلد متوسط الثراء ، فانه نجح في القضاء على الفقر والامية والمراض المستوطنة ووفر الطب المجاني والتعليم المجاني والخدمات شبه المجانية والسلع الاساسية كالغذاء والملابس والادوات المنزلية باسعار رخيصة جدا ، لانها مدعومة من الحكومة ، ومقابل ذلك ماذا نجد في امريكا الاغنى والاقوى والاكثر تقدما علميا وتكنولوجيا في العالم ؟

أ – يوجد في امريكا اكثر من 40 مليون امريكي من مجموع 300 مليون يعيشون تحت خط الفقر حسب الاحصاءات الامريكية والدولية .

ب – يوجد في امريكا ( 11 ) مليون متشرد بلا مأوى ! انهم بشر لا يجدون مايأكلونه ولا مكان يسكنونه فيضطرون للبحث عن الطعام في مناطق وحاويات الزبالة ، ويقيمون في بيوت تصنع من كارتونات ترمى في الزبالة ، وبعضهم ينام ليله البارد جدا فوق شبابيك معدنية على ارض الشوارع يخرج منها البخار الحار ! فما معنى ذلك مقارنة بامتيازات الانسان العراقي المذكورة  ؟

ج -  يوجد في امريكا 6‚46 مليون أمريكي لا يتمتعون بأي ضمان صحي لان الطب ليس مجانيا ، وتلك واحدة من اخطر مشاكل امريكا لانها تجعل الامريكي مرعوبا من المرض ومن الغد ، ومن يملك المال يدفع للحصول على التامين الصحي .

د - حصل تغيير حاد في التركيبة السكانية الامريكية ، منذ انهيار الاتحاد السوفيتي ، تقلصت جدا بموجبه الطبقة الوسطى الامريكية ، وكانت الطبقة الاكبر عددا وتشكل عماد المجتمع الامريكي ، ونزلت الى مستوى الطبقة العاملة واصبحت قليلة العدد .

اذا اكتفينا بهذه المعلومات عن امريكا مقارنة بالعراق فسوف ندرك بان من كان يسمح بتعرض هذه النسب الضخمة من سكانه للجوع والتشرد والموت مرضا لا يمكنه تقديم ( الخدمات المجانية ) لغيره ، خصوصا حينما تصل هذه           ( الخدمات ) الى حد مقتل الاف الجنود وخسارة تريلونات الدولارات في العراق نتيجة للاحتلال ، رغم ان الدولار هو اله امريكا الاوحد ! ان الاتفاقية ، وهي تشير الى دعم ومساعدة شعب العراق ، تحاول خداع الناس وتغطية الهدف الحقيقي وهو نهب العراق ، كما فعلت الراسمالية الامريكية مع شعبها المنكوب بالنهب البشع ، والذي ازداد بعد انهيار الكتلة الشيوعية وانفراد امريكا بممارسة التاثير الاقوى ، فسقط الخوف من النقد وانتهى التردد ، وظهرت الراسمالية على حقيقتها بصفتها الوحش الاكثر شراسة في كل التاريخ الانساني والذي لا توجد حدود لوحشيته ونزعته التدميرية .

هنا لا مفر من طرح السؤال التالي : ما معنى حقيقة ان العراق يملك القدرات الفنية والخبرات والموارد ومع ذلك تريد امريكا ان ( تساعده وتدعمه ) ، رغما عنه وعن ارادة شعبه ، وتستخدم الغزو الشامل ، وتدمير القطر بكامله وابادة اكثر من ثلاثة ملايين عراقي ، منذ فرض الحصار في 1991 وحتى الغزو الشامل في عام 2003 ، لتقديم هذه ( المساعدة ) وذلك ( الدعم ) ؟  ان المعنى الاساسي لهذه الحقيقة هي ان الانسان العراقي يمتلك القدرة والارادة على ادراة شؤونه بنفسه معتمدا بالاساس على امكانياته البشرية والتكنولوجية وموارده المادية ، مع الاستفادة من الخبرات الاجنبية لتطوير الخبرة العراقية . ان صناعة الدبابات والمدفعية واصلاح الطائرات الحربية والمدنية ، وتصنيع الكثير من قطع غيارها ، واختراع طريقة عراقية لتخصيب اليورانيوم ، وغيرها من ابداعات العقل العراقي ، تؤكد بلا شك ان العراق قادر على حل المعضلات الاساسية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية والخدمية والادارية مع القليل من الاعتماد على السلع الاجنبية .

في ضوء ما تقدم ، وبعد ان تأكدنا من ان العراق قادر على اعادة اعمار نفسه بالاعتماد على قدرات ابناءه وانه ليس بحاجة ماسة لامريكا ، فاننا نواجه تفسيرا واضحا ل( لغزين ) ، لغز تدمير العراق الشامل والكامل من قبل امريكا ومن تعاون معها ، دون وجود حاجة عسكرية وامنية لذلك الدمار الشامل ، لكل شيء من البنية التحتية الى مباني الحكومة مرورا باسلحة القوات المسلحة ومنذ الايام الاولى للغزو ، الامر الذي يؤكد بان ذلك الدمار الشامل كان ضروريا لقيام شركات امريكية باعادة البناء من الصفر ونهب ثروات عراقية اضافية تحت غطاء اعادة الاعمار ، ولغز ثان  وهو تدمير كل بنى العراق الاقتصادية والادراية والسياسية وخلخلة البنية الاجتماعية ، من اجل اعداد العراق نفسيا واقتصاديا واجتماعيا لبناء نظام اقتصادي اجتماعي سياسي مغاير كليا ومناقض جذريا لكل ما تعود عليه العراق ، خصوصا الاعتماد على الدولة المركزية في البناء والخدمات المجانية والرخيصة ، وهذا النظام اقترن فرضه على العالم بانفراد امريكا بالهيمنة على مقدرات العالم بعد زوال الرادع السوفيتي ، وهو المسمى ب( اقتصاد السوق ) .

يتبع ...

النصف الاول من تموز – يوليو / 2008

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين /  11  رجــــب  1429 هـ

***

 الموافق   14  /  تمــوز / 2008 م