الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

مقتطفات من المقال الهام
 السيناريو الامريكي ألاخطر: حروب تأهيل ايران !

 

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

 

مع أقتراب زلزال هزيمة امريكا في العراق تفتح ملفات كانت تبدو سرية نتيجة الفقر المدقع في فهم اساليب امريكا الاستخبارية في التعامل معنا، ومن بين اهم هذه الملفات ملف الحرب الاعلامية والسياسية الامريكية والتهديدات ضد ايران لاجل تأهيلها  لخوض حروب وممارسة ادوار تخدم امريكا كما تخدم الصفوية الايرانية، لكن ضحيتها في كل الاحوال هو الامة العربية، وهذا الملف يعد الاخطر منذ غزو العراق على مصير الامة العربية بشكل عام ومصير الثورة العراقية المسلحة بشكل خاص. فما معنى حروب تأهيل ايران ؟ لاجل الاجابة وتقريب الصورة للقارئ الكريم من المفيد تقديم امثلة توضح ما نريد الخوض فيه واثباته .

 مقدمة : حرب اكتوبر انموذجا اوليا:

     في نهاية عام 1972 وجهت مجلة ( دراسات عربية ) ، التي كانت تصدرها دار الطليعة في بيروت ، سؤالا لمجموعة من المثقفين والمفكرين العرب مضمونه هو التالي : بعد مرور خمس سنوات على نكسة حزيران ما هو تحليلكم للمرحلة القادمة ؟ وكنت من بين تسلم السؤال فكتبت دراسة نشرت بكتاب صدر في مطلع عام 1973عن دار الطليعة بعنوان ( الاعتراف بإسرائيل ومستقبل الثورة العربية ) ونفذ فورا بسبب ما تضمنه من اراء وتوقعات. وكان ابرز ما فيه هو توقع ان تقع حرب تحريك في المنطقة لاجل تنفيذ القرار 242 الصادر عن مجلس الامن عقب عدوان حزيران 1967والذي يقوم على مبادلة ارض ( وليس كل الارض المحتلة ) مقابل ما سمي ب( السلام ) ، لان قمة الخرطوم العربية، التي عقدت بعد ذلك العدوان، تبنت موقفا قوميا صلبا، وهو المتجسد في اللاءات الثلاثة المشهورة :  لا صلح لا تفاوض لا اعتراف باسرائيل، ووجود القائد المرحوم جمال عبدالناصر في السلطة كانا عقبة امام استثمار الهزيمة لفرض حل يقوم على الاعتراف باسرائيل لانهاء الصراع وفقا للمصالح الصهيونية والاستعمارية .

     فما العمل لتجاوز حالة الجمود والعجز عن الاستثمار الامثل لهزيمة الانظمة العربية امام اسرائيل في حرب عام 1967؟ كان لابد اولا من التخلص من جمال عبدالناصر لاحداث فراغ سياسي وسايكولوجي، يطور ليصبح البيئة المناسبة لتدمير الحاجز الاهم وهو الحاجز النفسي، الذي كان يمنع أي حاكم عربي من الاقدام على الصلح مع اسرائيل حتى لو اراد ذلك. وكانت هذه الضرورة تزداد الحاحا لان المرحوم القائد عبدالناصر كان يهئ جيش وشعب مصر العظيمين لحرب تحرير سيناء تقترن بحرب تحرير للجولان والضفة الغربية، وهو تطور لو وقع كان سيحرم امريكا واسرائيل من الفرصة التي وفرتها الهزيمة لاجبار العرب بطرق مدروسة على الاعتراف باسرائيل. لذلك كانت ضرورة التخلص من عبدالناصر احد اهم الشروط المسبقة بالنسبة لامريكا واسرائيل ودول غربية كثيرة، لمنع العرب من تحقيق انتصار عسكري يفتح الباب امام العرب شعبا وحكومات لاتخاذ موقف قوي يضع اسرائيل مجددا في الزاوية .

     مات عبدالناصر بطريقة تبعث على الشكوك العميقة في انه اغتيل بطريقة علمية مدروسة وحل محله انور السادات، فغير اكثر طاقم عبدالناصر واتهمهم بالتامر وضرب الناصريين، وشرع بتغيير الوضع السياسي في مصر جذريا، باطلاق التيارات الدينية السياسية لتعمل بحرية كمصد ضد اليسار والناصرية، فحدث تخلخل في تركيبة مصر السياسية يتسم بالانقسام، وهو ما قاد الى ضعف الحركة الشعبية المصرية. وبنفس الوقت اخذ السادات ينفذ خطة لابعاد السوفييت من مصر والتقرب العلني من امريكا ! هذه الخطوات كانت مؤشرات قوية الى وجود سيناريو خطير جديد يقوم على احداث انقلاب جذري في الوطن العربي انطلاقا من مصر السادات. وبدراسة الوضع انذاك توصلنا الى استنتاج خطير وهو ان الصلح مع اسرائيل، بصفته قلب جذري للعلاقات العربية وتغيير جذري في المفاهيم السياسية والايديولوجية، كان يتطلب بيئة نفسية مناسبة في اوساط الجماهير والقوى السياسية تدعم هذا التوجه، اهم ما فيها هو ان من ينفذ التغيير الجذري يجب ان يؤهل ليصبح قادرا على الاقدام على خطوة خطيرة كالصلح مع اسرائيل وهو متسلح بوضع سياسي وسايكولوجي قوي يجتذب قسما من الناس لدعمه ويمنحه منطقا قويا ومقبولا .

     فكيف كان ممكنا تأهيل السادات للصلح مع اسرائيل دون التعرض لانتفاضة شعبية مصرية شاملة تسقطه عنفيا، ولرفض عربي مطلق وشامل يعزله؟ الجواب كان من المخابرات الامريكية: يجب ان يصبح السادات بطلا بالسطو على قضية التحرير ونزعها من الوطنيين العرب فيمتلك السمعة والحجة التي تحميه من تكون اجماع وطني مصري ضده واجماع قومي عربي رافض لخطوته. وكان الخيار الامثل لجعل السادات بطلا بسرعة ومنحه المنطق والموقف القويين هو خيار شن حرب ضد اسرائيل ليس بهدف التحرير بل بهدف التحريك والاعداد للصلح مع اسرائيل. تلك كانت عبقرية هنري كيسنجر والمخابرات الامريكية، التي خططت لحرب حقق فيها السادات نصرا اوليا بعبور القناة، فصفقت له الجماهير وحصل على  دعم نخب المنطقة، واكتسب سمعة القائد الذي حارب وحقق نصرا، وهو ماكان مطلوبا امريكيا واسرائيليا لاكمال تأهيله للصلح من موقع قوة. لكن تلك الحرب كانت لها صفحة ثانية تمهد الطريق للصلح مع اسرائيل وهي صفحة الكبوة والتراجع وتقدم اسرائيل وتغييرها لمجرى الحرب بفضل الدعم الامريكي المباشر، فحدثت ثغرة الدفرسوار واصبحت الادارة المصرية في وضع من لا يستطيع الا قبول حل تراجعي ! فصدر القرار 338 الذي يكمل القرار 242 ويدعمه، وتبلور وضع يتسم بما يلي :

     1 – لقد حققت مصر وسوريا انتصارا اوليا انتهى بتغلب اسرائيل، وأدى ذلك الى تكوين شعبية للسادات ولكن بنفس الوقت وفر له حجة للتراجع الجذري عن الموقف العربي التقليدي، وهو رفض الصلح، بتاكيد السادات انه بذل اقصى ما يمكن وحقق نصرا اوليا لكن الدعم الامريكي غير كل شيء، الامر الذي يفرض على العرب التيقن من انه غير مسموح بدحر اسرائيل لان 99 % من اوراق اللعبة بيد امريكا كما قال، وان التعقل والواقعية تفرضان التأقلم مع هذه الحقيقة والاعتراف باسرائيل مقابل تراجعها عن الاراضي التي احتلت عام 1967 !

     2 – أصبح السادات قادرا على الرد بعنف على من يعارض خطوته الخطيرة بالقول انني حاربت ولا احد يزايد علي، ومن يريد ان يرفض خطوة الاعتراف باسرائيل فليتفضل ليقوم بما ينادي به ان استطاع !

     3 – وجد السادات شريحة مصرية تدعمه بقناعة لانه حارب وضحى ولكن موازين القوى الدولية كانت عائقا قويا جدا لا يمكن تجاوزه، لذلك فالحصول على القليل افضل من ضياع كل شيء !

     أذن حرب السادات تلك كانت حرب تحريك هدفها تأهيل السادات للاقدام على عمل كان مستحيلا ان يقدم عليه الا اذا امتلك تاثيرا وحجة قوية، وهذا بالضبط ما حصل اذا اقدم السادات على زيارة القدس في عمل تاريخي كسر الحاجز النفسي العربي وحطم التابو الذي ساد منذ عام 1948 وهو تحريم الصلح مع اسرائيل او التفاوض معها .

     اثناء السبعينيات حينما توقعنا وقوع تلك الحرب، قبل وقوعها بعام كما يثبت كتابي المذكور، كان الكثير من المثقفين العرب ضحية نمط تفكير ساذج لا يري الا الصورة المباشرة للاحداث، ولا يتعامل الا مع ما يعلن رسميا، لذلك عندما وقعت الحرب فرح الكثيرون واحسنوا الظن بالسادات ودعموه من منطلق طيب، ولكنه كان ساذجا مع الاسف لانه لا يفهم ماتخفيه تلك الحرب من اهداف تتناقض كليا مع المصلحة القومية للامة العربية، وكلفتنا تلك السذاجة في فهم الخطط المركبة والمعقدة الكثير، واهم ما كلفتنا هو حصول اول انقسام عربي كبير بين مؤيد للسادات ومعارض له ! كان من يدافع عن السادات، ويصفه بانه وطني وقوي لانه حارب اسرائيل، لا يتجاوز في تفكيره ارنبة انفه، لانه لم يطرح السؤال الحتمي لاجل معرفة الحقيقة: هل اراد السادات التحرير ام التحريك ؟ والفرق بين التحريك والتحرير جذري تماما، ومن لم ينتبه له وقع في فخ التفكير الساذج الذي خدم السادات واسرائيل واضر بحركة التحرر الوطني العربية. واليوم يدرك القسم الاعظم من الذين عايشوا حرب اكتوبر انها كانت القابلة التي ولدت الردة في الوطن العربي، وفي بيئة هذه الردة ولد مسلسل الاعتراف باسرائيل او ما سمي ب(نهج  التطبيع)، وانه لولا حرب اكتوبر لما تمكن السادات من زيارة القدس لافتقاره للقوة المعنوية والسياسية التي اكسبته اياها تلك الحرب.

     بين التفكير المباشر المسطح والتفكير الستراتيجي المعمق، وقع جيل او اكثر من العرب ضحايا صعوبة التمييز بين حرب تحرير وحرب تحريك، ومن ثم التذبذب في اختيار الموقف المطلوب وطنيا وقوميا، وهو ما اوصلنا الى حالة الكارثة التي نعيشها الان. ولادراك طبيعة هذا الخلل في التفكير النخبوي العربي أشير الى حادثة وقعت وقتها، حيث سألني دكتور بدرجة بروفسور في القانون الدولي ( هو ح . ش ) بحضور دكتور بروفسور أخر في الفيزياء هو ( س. ر . س)، بعد وقوع حرب اكتوبر مباشرة : استاذ صلاح هل بنيت توقعك الدقيق قبل عام من وقوع الحدث على معلومات استخبارية؟ لم ينتبه هذا البروفسور الى ان التحليل الستراتيجي وليس التحليل السياسي هو ما يوصل لمعرفة خطط العدو قبل ان تنفذ بزمن ربما يكون طويلا مع انه بروفسور وسياسي شيوعي متقاعد وظن ان لدي معلومات استخبارية !

     ماذا حققت امريكا واسرائيل من حرب اكتوبر التي فاجأت الثانية والحقت بها خسائر بشرية ومعنوية كبيرة ؟ لقد ثبت بعد عقود من تلك الحرب ما يلي :

     1 – ان هنري كيسنجر كان مهندسها ومخططها الاول، وانها كانت سيناريو امريكي لاعادة تشكيل جذرية للوطن العربي ، او طبقا لتعبيراته ( اعادة ترتيب المنطقة ) .

     2 – تم الاعتراف باسرائيل من قبل النظام المصري فكسر اهم جدران العرب المقدسة، فتبع مصر الاردن، ثم كرت السبحة لنجد حتى الاقطار البعيدة عن الصراع تفتح مكاتب لاسرائيل وتتاجر معها وتتبادل الزيارات بين مسئوليها ! اليس هذا نصر ستراتيجي ما كانت اسرائيل تحلم بتحقيقه لولا حرب اكتوبر التي وفرت غطاء مناسبا لخطوة السادات؟ وللتذكير بخطورة هذا الانجاز نذكر بان امن اسرائيل احد اهم عمودين دائمين في كل سياسة امريكية تجاه الوطن العربي منذ قيام اسرائيل، والاعتراف بها هو خطوة اساسية حاسمة في ضمان امنها .

     3 – بدأت بعد حرب اكتوبر عملية تحييد اوبيك او اضعافها من خلال تحشيد الراي العام الغربي ضدها نتيجة رفع اسعار النفط الفوري والذي هز اقتصادات العالم كله، فتبلورت ضرورة ايجاد حل لمشكلة سيطرة اوبيك بشكل عام والعرب بشكل خاص على عصب الحياة العصرية وهو النفط. وكان انشاء وكالة الطاقة الدولية بعد حرب اكتوبر، باقتراح من مهندسها كيسنجر، الخطوة الاولى التي ادت فيما بعد الى احتواء اوبيك او اضعافها. وللتذكير بخطورة هذا الانجاز نذكر مرة اخرى بان العمود الثاني الثابت في كل سياسات امريكا تجاه الوطن العربي هو امن النفط، ولذلك فان حرب اكتوبر باضعافها لاوبيك حققت واحدا من اهم عمودين في السياسة الامريكية.

     وهنا لابد من طرح سؤال جوهري : ماهو الثمن الذي دفع لتحقيق هذين الانجازين التاريخيين بالنسبة لامريكا واسرائيل؟ امريكا لم تدفع ثمنا وحققت ارباحا ستراتيجية صافية، اما اسرائيل فقد قادتها امريكا دون ان تعلم الى خوض حرب خسرت فيها جنودا واموالا كثيرة وتعرضت سمعتها العسكرية للضرر، بسبب عبور القناة وتداعي قواتها السريع، لكنها قبضت ثمنا عظيما وستراتيجيا مقابل خسارة ثانوية وتكتيكية هو الاعتراف بها من قبل السادات ودخول عرب اخرين من نفس البوابة التي فتحها السادات! بثمن بخس دفعته اسرائيل تحقق لها حلمها الاول وهو اعتراف عرب بها ! ألا ترون ان السياسات الغربية والصهيونية معقدة وليست بسيطة كسياساتنا؟ من كان يفكر مثلا ان على اسرائيل ان تدفع ثمنا ثانويا للحصول على مكسب ستراتيجي جوهري؟ ومن تصور ان امريكا ستعرض اسرائيل لحرب دون علمها فتفاجئها وتؤذيها لكنها كأذى الدواء المر الذي يحقق الشفاء السريع؟ ان العقل الغربي يعرف ان لكل شيء ثمن والنصر لا يتحقق بلا ثمن ويعد نصرا اذا كان الثمن المدفوع للوصول اليه اقل بكثير من المكاسب التي يحققها. دعونا نبحث في كيفية تطبيق هذا النمط من السياسات الاستخبارية على ايران.

      ما دور ايران في المخطط الامريكي – الاسرائيلي ؟

لتبديد الغموض المحيط بالدور الايراني وعلاقته بالغرب واسرائيل من الضروري جدا تحديد ما المطلوب امريكيا واسرائيليا من ايران، لان ذلك فقط يتيح لنا فرز الخيط الاسود عن الخيط الابيض. لقد اتضح الان على نحو لا يقبل الالتباسات بان المخطط الامريكي تجاه الوطن العربي يستند على اسس المشروع الإسرائيلي القديم - الجديد وهو مشروع (التفتيت الطائفي العنصري للاقطار العربية)، بعد ان قامت اتفاقية سايكس بيكو بتمزيق الوطن العربي، الذي كان مفتوح الحدود وموحد الهوية اثناء الحكم العثماني، وتكريس ما كان موجودا قبل ذلك من تشرذم. في تحديده للاطراف التي يمكنها المساهمة بفعالية في تنفيذ خطة تقسيم الاقطار العربية يقول الكاتب الاسرائيلي عوديد ينون في دراسته المعنونة (ستراتيجية لاسرائيل في الثمانينات)، بان اهم طرفين يخدمان هذه الستراتيجية هما الاقليات في الوطن العربي ودول الجوار غير العربية.  فالاقليات تدعم من اجل الانفصال، وهو يعني تقسيم القطر الواحد، او استنزافه وتحييد دوره في الصراع العربي الصهيوني، ويذكر التمرد الكردي كأنموذج لدور الاقليات في الشرذمة، كما يذكر ايران كأنموذج لدول الجوار غير العربية التي بامكانها ان تقوم بتسهيل الشرذمة .

واذا اخطأ البعض بافتراض ان ايران المقصودة هي ايران الشاه الموالية للغرب والصديقة لاسرائيل يضع نفسه في متاهة سوء الفهم، لان (ينون) يحدد بدقة ان ايران خميني هي المقصودة، وهي التي تستحق التشجيع والدعم لتسهيل تقسيم العراق ! متى كتب (ينون) دراسته؟ كتبها في عام 1981 اثناء الحرب بين العراق وايران، فالتقط الموقف الصحيح اسرائيليا، وهو استخدام أي طرف لتقسيم العراق بصفته الخطر الاعظم على اسرائيل كما حدد ينون بدقة. ويذهل من يراقب الاحداث في العراق المحتل حين يلاحظ بسهولة ان ما قاله ينون وما طالب به ينفذ بدقة وعلى يد ايران وبدعم امريكي كامل، فقد قال بان (شيعة) العراق موالون لخميني ولذلك فان من مصلحة اسرائيل تشجيع ايران خميني على تقسيم العراق ! ومن الواضح والبديهي ان مشروع خميني لم يكن يشكل تهديدا لاسرائيل لانه موجه اساسا لتحطيم الوضع القائم عربيا واسلاميا واعادة تشكليه ليكون تحت الزعامة الايرانية الطائفية الشوفينية. وهذه المهمة لا يمكن الا ان تقود الى التشرذم العربي والاسلامي ونشوب حروب وصراعات عربية- ايرانية تحول طاقات العرب والمسلمين الى هذه الصراعات فلا يبقى لمواجهة اسرائيل سوى التعب والاجهاد والانقسامات العربية والاسلامية. وهنا يكمن سر دعم اسرائيل وامريكا لايران خميني اثناء الحرب التي فرضها خميني على العراق، والذي اتخذ شكلا معروفا ورسميا وهو فضيحة ايرانجيت، التي قدمت امريكا بموجبها اسلحة وعتاد حربي لايران اضافة لمعلومات استخبارية عن العراق، كان من اول نتائجها احتلال ايران للفاو، وفضيحة تقديم اسرائيل اسلحة لايران بحجة اعادة دين في ذمة اسرائيل منذ زمن الشاه !

الان علينا ان نتسائل : ما الهدف الامريكي – الاسرائيلي الجوهري في العراق؟ لا يوجد من يجهل ان الهدف هو تقسيم العراق، ومن يستطيع تنفيذ ذلك، عمليا وبالدرجة الاولى، هو ايران لانها تملك طابورا خامسا في العراق هو التنظيمات الصفوية. ولذلك لم يكن غريبا ان تكون هذه التنظيمات الصفوية هي القوة الرئيسية التي ساهمت في الغزو وشاركت في الحكم العميل الذي اقامه الاحتلال وتبنت الفدرالية ونظام المحاصصة الطائفية والعنصرية واستخدمتها امريكا لتدمير العراق وباوامر ايرانية رسمية، وهو موقف عبر عنه محمد خاتمي عام 2004 حينما كان رئيسا لايران بقوله ( بانه لولا الدعم الايراني لما تمكنت امريكا من احتلال افغانستان والعراق ) .

هذه الحقيقة العيانية ، التي تؤكدها كل مجريات احداث احتلال العراق، تترتب عليها نتيجة مهمة جدا وهي ان اكمال تقسيم العراق مازال المهمة الاساسية لامريكا في العراق، وهو ما طالب به العديد من اعضاء الكونغرس رسميا والخبراء والمسئولين السابقين وفي مقدمتهم هنري كيسنجر، لان تقسيم العراق هو البوابة التي ستدخل منها عمليات تقسيم بقية الاقطار العربية وتذويب الهوية العربية، في كل مكان، لصالح اقليات طائفية وعرقية ومصالح انانية صغيرة. وبما ان ايران كشف وجهها الحقيقي نتيجة دورها الاجرامي الذي سهل الغزو الامريكي وقيامها بدور اساسي وحاسم فيه، فقد اصبحت مدانة عراقيا ومن قبل كافة مكونات الشعب العراقي خصوصا من قبل شيعة العراق العرب، ومدانة عربيا واقليميا، لذلك فان دورها في تقسيم العراق والذي تنطلق منه لتقسيم الوطن العربي كله، قد اصبح مهددا بالتوقف والفشل. فما العمل لابقاء ايران سكينا حادة تمزق الجسد العربي انطلاقا من تقسيم العراق؟ من المؤكد ان هدف تقسيم الوطن العربي وليس تقسم ايران هو الهدف المشترك الامريكي الاسرائيلي، وبما ان ايران وكما اثبتت تجربة غزو العراق هي الطرف الاقدر على نشر الفتن الطائفية فان دورها في العراق يجب ان يستمر حتى الوصول الى تقسيم العراق. هذه هي المصلحة الامريكية – الاسرائيلية الرئيسية . اما الخلاف مع ايران فهو ثانوي وحددته بدقة السياسات الرسمية المعتمدة من قبل امريكا واهمها ( سياسة الاحتواء المزدوج ) و( سياسة محور الشر )، واللتان قالتا صراحة بان ايران ليست عدوا وانما لدينا خلافات معها ويجب ان تحل بالحوار والضغط وليس  بالحرب، وترجمت هاتان السياستان على ارض الواقع العراقي بمشاركة ايران في غزو العراق رغم الخلافات بينهما.

ان المعادلة الواضحة جدا الان التي بلورتها احداث غزو العراق هي التالية: لايمكن غزو العراق وتقسيمه الا باشراك ايران في العملية نتيجة افتقار امريكا لاي امكانية داخل العراق وامتلاك ايران هذه الامكانية. ولا يمكن تقسيم الاقطار العربية الا اذا قسم العراق، ولايمكن تكريس الوجود الاسرائيلي والمصالح الامريكية الا اذا تمت شرذمة الوطن العربي. ووفق سياق هذه المعادلة التي تؤكدها الاحداث وليس النظريات، فان العلاقات الامريكية – الاسرائيلية مع ايران تبدو علاقات تلاق او تحالف رئيسي ضد الامة العربية مع جود خلافات، هي ثانوية بالطبع والضرورة، حول دور ايران الاقليمي وحجم ونوعية المكافئة التي تعطى لها نتيجة خدماتها في العراق والوطن العربي. بتعبير اخر هناك اتفاقية جنتلمن بين هذه الاطراف الثلاثة، أي اتفاقية غير مكتوبة وانما مقرة .

أذن من مصلحة امريكا واسرائيل الاحتفاظ بقدرة ايران على التاثير المنضبط في داخل العراق وفي الاقطار العربية لمواصلة الدور التدميري والتقسيمي للعراق والوطن العربي، والعمل ضد الدور الايراني غير المنضبط القائم على محاولة ايران استغلال تعاونها مع امريكا لتحقيق مكاسب اكبر مما تريده امريكا. والسؤال الجوهري هنا هو : ما هي الطريقة التي يمكن من خلالها اعادة تجميل وجه ايران بعد ان اصبح شديد البشاعة نتيجة دورها الاجرامي في العراق والمنطقة؟

 التأهيل الاساسي لايران ايران ؟ كيف ولماذا؟

لنفهم مكونات اللعبة الامريكية الايرانية من الضروري التذكير ببدايات تأهيل ايران لتلعب دورا اخطر واقوى من دورها في زمن الشاه. وفي هذا الاطار فان اسقاط الشاه لم يكن سوى خطوة اساسية ثالثة بعد خطوة حرب اكتوبر وخطوة توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد بين مصر واسرائيل لاعادة ترتيب المنطقة، كما دعا كيسنجر عقب حرب اكتوبر . والترتيب لم يقتصر على الامة العربية بل كان لابد ان يشمل دولا في الجوار وفي  مقدمتها ايران، لان الخطة الامريكية الصهيونية كانت ضخمة وتشمل اعادة رسم الخارطة الجيوسياسية والسكانية، أي تغيير التناسب السكاني وطبيعته. لذلك كان لابد من اعادة رسم الادوار الاقليمية اولا،  ثم رسم الخارطة الستراتيجية باسقاط الدور العربي وابراز الدور الايراني ثانيا، واخيرا اعادة التوزيع السكانية للوطن العربي على اسس التقسيم الطائفي العنصري ، وايران افضل من يستطيع خدمة امريكا واسرائيل لوجود النزعة الطائفية ( كغطاء للمطامع القومية ) لدى نخبها الصفوية، التي وصلت للسلطة بعد توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد ، في أطار تعاقب خطوات المخطط الامريكي – الاسرائيلي ، ثالثا !

هذا الدور الايراني الستراتيجي فشل الشاه في القيام به كما ارادت امريكا واسرائيل، وكانت اتفاقية الجزائر عام 1975 بين العراق وايران جرس الانذار الاول الذي دق في واشنطن لينبهها الى ان الشاه اخذ يلعب لعبته هو وليس لعبة امريكا، لان احتواء العراق كان مرسوما له امريكيا ان يتم عبر استنزاف التمرد البارزاني له مدعوما بضغط ايراني شديد على العراق التقدمي، وهو تمرد كانت ايران الداعم الرئيسي له نيابة عن امريكا. كما ان الشاه منذ النصف الثاني للسبعينيات أخذ يعمل على اساس انه شريك وحليف لامريكا وليس عميل او تابع ، فانضم الى مجموعة الدول الاعضاء في اوبيك والتي كانت ترفع اسعار النفط بقرار من اوبيك ، وشرع بمهاجمة السعودية وغيرها، واصابه الغرور الكامل حينما اراد ان يجعل ايران القوة الخامسة في العالم. واخيرا وليس اخيرا تفاقمت نزعته القومية الفارسية لدرجة انه اقام احتفالات اسطورية دعا اليها زعماء دول وملوك لمناسبة تأسيس امبراطورية كورش الفارسية. فاصبح جليا انه يعمل من اجل مشروع قومي معاد للعرب وتوسعي، وهو تطور اغلق باب تأثير ايران على العراق والامة العربية باسم الاسلام او التشيع الصفوي وخلق حصانة ضد ايران الشاه لدى العرب والمسلمين ...الخ .

 لذلك أصبح لا يصلح لخدمة الاهداف الامريكية كما خططت امريكا وتقرر اسقاطه، واعادة تأهيل ايران للعب دور القوة الاساسية التي تقوم بتنفيذ المخطط الاسرائيلي الامريكي لشرذمة العرب، او حسب تعابير هنري كيسنجر تطبيق خطة النثار العربي، والتي تعني جعل الامة العربية بكافة اقطارها نثارا لا رابط يجمعه. كيف تمت عملية اعادة تأهيل ايران ؟

أذا استعنا بالمثل العربي الصحيح الي يقول ( أن الامور بخواتيمها ) يتضح لنا ألان، وبعد أكثر من ربع قرن، قدمت الاحداث والمواقف والوثائق خلاله تأكيدات وادلة لا يسهل دحضها على ان امريكا وبريطانيا اتبعتا خطة اساسية للوصول الى جعل ايران قوة ضاربة قادرة على تغيير خارطة الوطن العربي وتذويب هويته العربية، تقوم على اعادة انتاج ايران وتقديمها بوجه محبوب عربيا واسلاميا وفي اوساط قوى التحرر العالمية بتصويرها كحركة تحرر وطني بمضمون اسلامي تحرري ، واهم منطلقات الخطة هي:

1 – أسقاط الشاه بالاعتماد على الانتفاضة الشعبية ضده والتي اشتركت فيها كل القوى الوطنية الايرانية، وكان الدور الحاسم فيها لمنظمة ( مجاهدي خلق ) ولمنظمة ( فدائيي خلق )، في حين كان خميني رمزا دينيا كبيرا. وهذه العملية اضفت طابعا تحرريا على النظام الجديد في ايران مكنته من كسب احترام كل القوى التقدمية والتحررية في العالم .

2 – أختيار خميني من قبل الثوار قائدا للثورة بسبب دوره المناهض للشاه، وليس بسبب اقدميته الدينية لانه كان هناك من هو اقدم منه، وكان الثوار يعتقدون بانه سيكون ابا روحيا للثورة فقط وانهم سيبنون دولة ايرانية حديثة. أما الغرب، وبالاخص امريكا وبريطانيا، فقد دعم خميني لسبب اخر، اتضح وتأكد في السنوات اللاحقة انه خطير جدا، وهو ان المخابرات الامريكية والبريطانية قد درست شخصية خميني وهو في المنفى فاتضح لها انه يتميز بسمتين مهمتين، الاولى انه عنيد ومن الصعب تغيير رايه، والثانية انه معاد لاسباب عنصرية للعرب ويحمل افكارا امبراطورية فارسية لا يمكن ان تقوم الا على اساس تفتيت الامة العربية والغاء دورها. وهذا هو اهم اهداف الغرب الاستعماري والصهيونية، والذي ابتدأ تنفيذه في العصر الحديث باتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، وهو ما وضحته خطة اطلق عليها اسم ( تقرير لجنة بنرمان ) او ( تقرير لجنة الاستعمار )، التي وضعها حكماء اوربا ( الان نسميهم خبراء )، بطلب من الحكومة البريطانية في مطلع القرن العشرين، وقامت على زيادة تقسيم العرب وتكريسه ومنع وحدتهم بانشاء جسم عازل بين مشرق الوطن العربي ومغربة، وهو اسرائيل، وحرمانهم من الحصول على العلوم والتكنولوجيا الحديثة. لذلك فان دعم الغرب لخميني لم ينشأ لعمالته، لانه لا يصلح ان يكون كذلك نتيجة لتمسكه بافكاره واعتداده بنفسه، بل لانه بحقده وعناده خير من يصلح لتدمير المنطقة والوطن العربي دون ان يخسر الغرب الكثير .

3 – تبنت الثورة شعارات حبيبة على قلوب العرب والمسلمين، وفي مقدمتها شعار التحرريين في العالم ( الموت لامريكا) وشعار الامة العربية والامم الاسلامية الاول ( الموت لاسرائيل ) ،وبهذين الشعارين كسبت ايران الجديدة دعم العرب والمسلمين وقوى التحرر في العالم .

4 – لم يكشف النظام الجديد عن هويته العنصرية والطائفية بل ركز على شعارات اسلامية وغلبها، في الاعلام فقط ، على الانتماء القومي والطائفي للقيادة الايرانية الجديدة لازالة مشاعر الخوف من مطامع ايران القومية، التي تولدت منذ الاف السنين وتعززت في زمن الشاه، مع ان المحرك الاساسي، كما ثبت فيما بعد ، كان المصلحة القومية الايرانية .

بهذه الخطوات برزت قوة جديدة في الاقليم تحظى باحترام الكثير من مناهضي الاستعمار والصهيونية، ووضعت في موقع مناقض كليا للموقع الذي احتله الشاه، فانتعشت قدرة ايران على التاثير داخل بعض الاقطار العربية وفي مقدمتها العراق ودول الخليج العربي، خصوصا بوجود كتل جماهيرية مرتبطة بايران عرقيا او طائفيا وكانت معزولة لان الشاه كان  بطبيعة نظامه لا يسمح لاحد بدعمه او الدفاع عنه .

ولكن مع تثبيت هذه السمات التحررية والايجابية للنظام الجديد في ايران لوحظ ، بقلق شديد، انه تبنى شعارا اخرا اراد امراره وتنفيذ مضامينه في ظل الاجواء الايجابية التي خلقتها عملية تأهيل نظام خميني، وهو شعار ( نشر الثورة الاسلامية )، والذي بدا جذابا لمن لم ينتبه الى اهدافه الحقيقية. لقد كان اول مصدر لقلق قوى التحرر العربية خصوصا القومية منها هو ان نظام خميني، سار في طريقين : طريق تكفيري للقوى الوطنية والقومية، فعد كل من لا ينتمي للتيارات الاسلاموية كافرا، وطريق تحديد العراق هدفا اولا لنشر ما اسماه ( الثورة الاسلامية ) بتبني هدف اسقاط نظام البعث في العراق وتحويله الى (دولة اسلامية ) على الطريقة الايرانية، مع ان النظام في العراق كان نظاما وطنيا تقدميا وهو الوحيد الذي بقي يرفض الاعتراف باسرائيل وهو من تصدى لكامب ديفيد ولنهج الاستسلام للصهيونية !

وهنا بدأت التغييرات الخطيرة تطرأ على الوضع العربي والاقليمي، وبرز نظام خميني وهو يحمل رايات فلسطين ويشتم امريكا واسرائيل في طقوس وثنية متعصبة جدا تشبه طقوس المجوس وهم يرقصون حول النار ! وكان مطلوبا امريكيا واسرائيليا ان تنجح ايران خميني في قلب قواعد الصراع الاقليمي ودوافعه واهدافه جذريا، فبدلا من وجود اتفاق عربي اسلامي على ان اسرائيل وامريكا هما مصدر الخطر الاكبر في الوطن العربي كان يجب ان يطغى خطر اقليمي داخلي ويحل محل الخطرين الامريكي والاسرائيلي هو خطر الانقسام الاسلامي. فمن قام باحداث هذا التحول الخطير ؟ انه نظام خميني الذي حمل شعارات دينية، تجنبت الشعارات الطائفية في البداية لاجل كسب عموم المسلمين، وركز هجماته الاعلامية على أمريكا ووصفها بالشيطان الاكبر واسرائيل، وراح يزايد على القوميين العرب في ذلك، لكنه دس بين هذه الشعارات هدف اسقاط وتدمير التيار القومي العربي، الاقوى والذي اقام تجربة ناجحة في العراق ! ولم يكن موقف خميني مجرد دعوة لقلب النظام الوطني في العراق واسقاط انظمة الخليج العربي وغيرها بل كان، قبل ذلك وبعده، عملية تأريخية كبرى لاعادة تشكيل المنطقة بطريقة تضمن زعامة ايران ونشر الدعوة الصفوية المتبرقعة باسم الاسلام !

وكان الاسلوب الاساسي لنشر الدعوة الصفوية الخمينية هو العنف وليس الحوار ! وهكذا وجدت المنطقة نفسها تواجه ايران جديدة تحمل شعارات ضد امريكا واسرائيل لكن رصاصها القاتل كان يوجه ضد الاقطار العربية. صحيح ان الهدف الرسمي كان اسقاط انظمة عربية بعضها مرتبطة بالغرب لكن المشكلة الاكبر التي واجهت العرب هي ان النظام الجديد ينطلق من هدف قومي وهو تغليب القومية الفارسية واقامة امبراطوريتها وتغييب العرب وشرذمتهم وتذويب هويتهم القومية. وهذا المخطط يشمل بقية المسلمين  من خلال نشر التشيع الصفوي على حساب انتماء اغلبية المسلمين مما يؤدي حتما، وبغض النظر عن نوايا خميني، الى حروب طائفية بين المسلمين . بدلا من التوجه نحو محاربة اسرائيل اتجه خميني الى محاربة العرب، وكان الشعار التمويهي الخطير الذي رفعه هو ( تحرير القدس عبر تحرير بغداد ) ! وبما ان هذا الهدف لا يمكن عمليا تحقيقه الا بالحرب فان نظام خميني دخل حربا لم تقوده الى القدس بل الى تمزيق العرب والمسلمين !

والاسئلة المنطقية التي تفرض نفسها هي : ماهي نتيجة فرض الحرب على العراق تحت شعار مضلل؟ وما معنى انتشار وتغلب حروب الطوائف في الوطن العربي والعالم الاسلامي ؟ ولمن تخدم ؟ ومن المتضرر الاساسي منها ؟

كانت اول نتيجة هي الحرب التي فرضها نظام خميني على العراق حينما اصر على اسقاط النظام الوطني ورفض رفضا قاطعا أي حل سلمي للمشاكل معه، وتجاوز القول الى الفعل بشن هجمات عسكرية على العراق في المناطق الحدودية، واصدر اوامره لحزب الدعوةالعميل لايران للبدء بحملة ارهابية داخل العراق تستهدف رجالات العراق وابناءه ومؤسساته الخدمية! ولم يكن هذا التوجه سريا بل كان علنيا لان ايران كانت تتنبنى كل العمليات الارهابية وتنشرها في اعلامها، وكان العراق يوثق ذلك بارسال مذكرات الى الامم المتحدة حول تلك الاعتداءات والتدخلات في الشأن العراقي. وتميزت الفترة بين 4 – 9 و22- 9 – 1980 بتصعيد عسكري على الحدود قامت به القوات الايرانية وتصعيد ارهابي داخل العراق قامت به العناصر الموالية لايران خصوصا الايرانيين المقيمين في العراق ، وهكذا لم يبقى امام العراق الا ان يرد عسكريا على عمليات التهيئة الايرانية لغزو العراق بتوجيه ضربات جوية لمراكز تحشيد القوات الايرانية يوم 22 – 9 – 1980 لاجهاض قدرة ايران على غزو العراق عسكريا. ما الذي نجم عن هذا التطور الخطير الذي ولدته سياسة ايران ؟

1 - ترتب على فرض الحرب بين العراق وايران بروز تناقض رئيسي جديد في الاقليم هو الصراع العربي - الايراني والذي ادى الى تمزيق صفوف من كان يناهض الاستعمار واسرائيل بين مؤيد لايران ومؤيد للعراق، وانقسمت الحكومات العربية بين مؤيد لايران ومؤيد للعراق، فتراجعت قدرة العرب والمسلمين على التفرغ لمواجهة الغزو الاسرائيلي وصار همهم الاول معالجة مشكلة ايران الخطيرة، خصوصا وانها اقترنت بالدعوة الرسمية في ايران لغزو اقطار الخليج العربي وغيرها من الاقطار العربية بحجة اسقاط انظمتها ونشر  ما سمي (الثورة الاسلامية) .

2 – مما اثار الشبهات حول الهوية الحقيقية للنظام الايراني الجديد هو انه لم يركز على نظم اتهمها بالعمالة للغرب بل أعطى الاولوية لاسقاط نظام وطني كان اخر قلعة للعروبة ما زالت صامدة بوجه كامب ديفيد ونهج السادات، هو نظام الرئيس الشهيد صدام حسين ! لقد اجبر النظام الوطني التقدمي على تحويل الموارد المالية التي خصصت للتنمية واعادة بناء الانسان في العراق في اطار مشروع النهضة القومية الى دعم المجهود الحربي. وتعرض العراق الذي كان لديه فائض مالي قبل الحرب كان يقدر باكثر من 30 مليار دولار الى المديونية بسبب التكاليف الباهضة للحرب. وهكذا تراجعت عملية التنمية واخذت الامراض التي تم القضاء عليها في العراق ، مثل الفقر والامية والامراض التقليدية والبيروقراطية وتوقف المشاريع في منتصف الطريق، تظهر من جديد وتشكل مشكلة كبيرة لقطر كان مخططا ومتوقعا له ان يصبح انموذجا جذابا للنهضة العربية الحديثة، وهو ما اكدته تقارير الامم المتحدة .

3 – ارتبكت قوى التحرر في العالم نتيجة هذا الانقسام العربي الايراني ، فايران أهلت لاكتساب سمعة مناهضة الامبريالية باسقاط الشاه، والعراق عرف عنه عالميا بانه مناهض للامبريالية والصهيونية، فكيف تتعامل بلدان متحررة مثل كوبا وغيرها مع هذا الوضع المعقد ؟ وهذا ينطبق على القوى التقدمية ومناهضي الحرب الذين لم يفهموا ما يجري حقا .

4 – تراجع الصراع العربي الصهيوني الى الخلف  بأصرار خميني على اسقاط النظام الوطني في العراق مما ادى الى اشغاله واستنزافه مع انه كان القوة الدافعة الرئيسية ضد التراجع عن الموقف القومي الرافض للانحناء للصهيونية، واخذت الحصانة القومية ضد اسرائيل تضعف، وطغى الصراع العربي – الايراني على الصراع العربي الصهيوني، وذلك هدف جوهري امريكي – اسرائيلي ما له ان يتحقق لولا موقف خميني من العراق .

5 – اصبح بامكان الدعاية الاسرائيلية والامريكية القول بقوة ان مشاكل الشرق الاوسط لم تكن اسرائيل او الغرب السبب فيها، كما كان يسود، لان الحرب بين العراق وايران تؤكد بان المشكلة تكمن في المسلمين والعرب انفسهم.

6 – شجع هذا الانقسام العربي – العربي والاسلامي - الاسلامي اوربا على التراجع عن موقفها، الذي ابتعد عن مواقف امريكا نسبيا، على اعادة تعزيز علاقاتها مع امريكا واقتراب مواقفها من الموقف الامريكي وانتعاش عقلية الاستعمار الاوربي التي اندحرت ببروز امريكا وريثا لها .

7 – ارتباك الاتحاد السوفيتي الذي وجد نفسه مضطرا للتعامل مع حرب تفجرت قرب حدوده بين طرف كان حليفا له، هو العراق، وطرف جديد رفع شعارات ضد الغرب وكان يجب منطقيا ان يصطف مع الاتحاد السوفيتي، لكن الذي حصل هو ان الحرب باندلاعها قد خلقت مشكلة للاتحاد السوفيتي، خصوصا وانه كان منغمسا في مشكلة افغانستان واشعال حرب عصابات ضده فيها بدعم امريكي واضح. وكان من نتائج تلك الحرب بروز شكوك في صلة العراق بالاتحاد السوفيتي دون ان يكسب ايران !

8 – انتعشت الحركة الطائفية في العراق ودول الخليج العربي على نحو قوي واصبحت ايران تملك طابورا خامسا قويا . ومما له دلالة تبينت فيما بعد هو ان الخمينية، التي صعدت الى السلطة بدعم امريكي – بريطاني شبه صريح، وهو ما اعترف به الشاه في كتابه الاخير قبل وفاته المعنون ب ( ردا على التاريخ )، قد اقترنت زمنيا بصعود تيار اسلاموي اخر في افغانستان يمثل الطائفية المضادة للطائفية الصفوية الايرانية، والتي ستكون في المستقبل محل استقطاب طائفي خططت امريكا واسرائيل وايران ليحل محل الاستقطاب القديم القائم على التناقض بين حركة التحرر الوطني العربية من جهة والاستعمار والصهيونية من جهة ثانية. 

9 – أشترك الاعلام الغربي مع الاعلام الايراني في ترويج اكاذيب خطيرة منها  اكذوبة ان العراق هو الذي بدأ الحرب مع  ان كل الادلة تؤكد ان ايران هي التي فرضتها ، واكذوبة ان العراق تلقى تشجيعا امريكيا على شن الحرب، واكذوبة ثالثة وهي ان العراق تلقى دعما عسكريا امريكيا بعد اندلاعها مع ان الذي تلقاه هو ايران، وهو ما اكدته صفقة ايرانجيت. هذه الاكاذيب كانت مصممة لتشويه صورة العراق باعين العرب والمسلمين ودعم ايران، أستنادا لقاعدة البداهة المعروفة وهي ان من تدعمه امريكا يتلقى لعنات وعداء اغلب العرب والمسلمين .

بأختصار : بعكس الادعاءات  الكاذبة التي روجت وخدعت كثيرين، والقائلة بان ايران خميني قوة دعم للعرب في نضالهم من اجل تحرير فلسطين، فان وصول خميني للسلطة غير الوضع الستراتيجي في الوطن العربي ودول الجوار لغير صالح الامة العربية، ببروز تحد جديد اخذ يواجه العرب أضافة للتحدي الامريكي والاسرائيلي، وهو التحدي الايراني، وكان المستفيد الاكبر منه هو امريكا واسرائيل وايران، والمتضرر الاكبر هم العرب!

ان تأهيل ايران، على النحو الذي تم منذ السنوات الاخيرة لحكم الشاه بابراز خميني كقوة مناهضة للغرب واسرائيل ، اعلاميا وسياسيا  لكنها لم تطلق رصاصة واحدة على امريكا واسرائيل، كان الهدف منه هو توجيه كل رصاصها الى العراق والعرب وهي تمتلك حصانة ضد النقد بسبب شعاراتها، مع انها الحقت اضرارا بالامة العربية تبدو الان في العراق لا تقل خطرا، وربما اكبر، من الاضرار التي الحقتها الصهيونية بفلسطين،  ذلك هو معنى وتلك هي نتائج التاهيل المخطط لايران ! ألا يذكر ذلك بتأهيل السادات حينما كلف بمهمة الصلح مع اسرائيل ؟

 التأهيل التكميلي لايران:

بعد ان استنزف العراق في الحرب مع ايران فجرت امريكا حرب الكويت لاكمال عملية الاستنزاف وزيادة انشقاقات الامة العربية وتعميق مسار الاحداث باتجاه جعل الصراع العربي الصهيوني يضيع في بحر صراعات عربية – عربية واسلامية - اسلامية . وكان لايران دور بشع في نهاية الحرب حينما فجرت تمردا مسلحا في جنوب العراق عام 1991، فيما كانت القوات العراقية تنسحب منهكة من الكويت، فادى التمرد الى تعرض العراق لخسائر كانت اكبر من خسائره في الحرب مع امريكا على ارض الكويت!  لقد برزت ايران خميني بصفتها دولة تمارس سياسة معادية للعراق والعرب وتتعاون مع الشيطان الاكبر ضد العراق، لان التمرد تم بتنسيق امريكي - ايراني مباشر .

وحينما قررت امريكا غزو العالم في عهد بوش الابن وخططت جهات امريكية  لمهاجمة البرجين في نيويورك ليكون ذلك مبررا لغزو العالم ، انطلاقا من غزو العراق، كانت ايران هي الطرف الاول الذي ساعد امريكا على غزو افغانستان والعراق كما اعترف خاتمي الرئيس الايراني . واخذت صورة ايران ( الاسلامية ) تتحول فاقدة بريقها القديم ومكتسبة ملامح قبيحة اكتملت بتاكد حقيقة ان ايران هي الشريك الرئيسي لامريكا في غزو العراق وتدميره وتفكيكه واثارة الفتن الطائفية وممارسة القتل الجماعي والاشتراك في الحكم وقيادة الحكومة الحكومة العميلة !

لقد صارت ايران خصوصا منذ مطلع عام 2006 بالغة القبح بدفعها لطابورها الخامس في العراق (جيش المهدي وفيلق بدر) لممارسة نفس الاساليب الصهيوينة ضد عرب العراق، ففقدت كل ما اكتسبته منذ اسقاط الشاه وصارت رمزا للغدر والتعاون مع امريكا ضد العراق والامة العربية، خصوصا بعد ان كشفت عن تبنيها لكل الفتن الطائفية كشريك رئيسي لامريكا. وكان طبيعيا ان تتعرض لخسارة كل ما عملت من اجله منذ 14 قرنا وهو اقامة امبراطورية فارسية تتبرقع باسم الاسلام ! لقد انتهى مفعول لعبة تأهيل ايران الاساسي واصبحت ايران معزولة وعملاءها عاجزون عن الدفاع عنها بمنطق مقبول. فما العمل لانقاذ المشروع الامبراطوري الفارسي؟ وما هي خيارات امريكا واسرائيل لضمان تقسيم العراق وهو الهدف الاول والاهم في خطة تقسيم الوطن العربي، على اسس عرقية وطائفية، بعد ان تعرض الطرف الرئيسي الذي ينفذ عملية تقسيم العراق بالتعاون مع امريكا وهو ايران للعزل والافتضاح ؟ عدنا نشهد لعبة التأهيل من جديد ولكن هذه المرة باستخدام امتدادات ايران الاقليمية في الوطن العربي؛

 

 

salah_almukhtar@gawab.com

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة /  25  جمادي الاول 1429 هـ

***

 الموافق   30  /  أيــــار / 2008 م