الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

العراق حاضر في معركة القوقاز !
ما ابعاد الركلة الروسية المهينة لنفوذ اميركا وعملائها ؟

 

 

شبكة المنصور

د. عبدالله الغني / اكاديمي و عراقي

 

لا يجوز النظر الى الرد العسكري  الروسي الرادع على العدوان الجورجي على اقليم اوسيتيا الجنوبية ذي الاكثرية الروسية  في الاطار الجغرافي ــ السياسي المحلي الضيق أي بوصفه عملا روسيا لنجدة الاقليم الذي يحتمي  بقوات السلام الروسية من عدوان جورجيا. بل ينبغي النظر الى هذه الضربة الشديدة في الاطار الشامل للعلاقات الروسية-الاميركية وفي الاطار الاشمل للعلاقات الدولية لمرحلة ما بعد غزو واحتلال العراق.

 

وكان الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين، الذي ينحدر من اصل جورجي ومن مدينة غوري الجورجية التي دخلتها القوات الروسية في ردها على العدوان الجورجي، قد الحق الجزء الشمالي من اوسيتيا بجمهورية روسيا الاتحادية  السوفيتية وجعل الجزء الجنوبي اقليما متمتعا بالحكم الذاتي في جمهورية جورجيا السوفيتية. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي رفض الاوسيتيون الجنوبيون الالتحاق بجورجيا المستقلة ، ونشات ازمة ونزاعات بين الطرفين انتهت عام 1992 بوضع قوات سلام روسية في اوسيتيا الجنوبية وبقاء الاقليم مستقلا عن جورجيا استقلالا كاملا رغم عدم حصول اعتراف دولي به. الا ان الازمة تجددت وتصاعدت منذ انتخاب الرئيس سكاشفيلي ، حيث بدأ النظام الجورجي  يثير موضوع السيطرة على اوسيتيا الجنوبية والاقليم الآخر أبخازيا الذي يتمتع بظروف مشابهة. 

 

والنظام الذي قام في جمهورية جورجيا التي استقلت  أثر انهيار الامبراطورية الشيوعية السوفيتية وتفكك قاعدتها الاتحاد السوفييتي عام 1990 هو نظام قريب من الولايات المتحدة، لكنه ، بعد انتخاب الرئيس سكاشفيلي بدعم اميركي واضح ارتبط ارتباطا تاما بالعجلة الاميركية سياسيا وعسكريا وفتح الباب امام النفوذ الاسرائيلي، شأنه شأن الانظمة التي قامت في عدد من الجمهوريات السوفيتية السابقة (مثل جورجيا ولتوانيا واستونيا ولتوانيا) ، او  في  الجمهوريات الاوربية الشرقية الاخرى (الشيوعية سابقا)  ومن ابرزها بولندا  ورومانيا.  فقد عاثت المخابرات الاميركية  فسادا في هذه الدول بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار نفوذه في اوربا الشرقية . فشجعت على نشر الفساد في اوساط الاجهزة الحكومية وخلقت قطاعات اقتصادية طفيلية من خلال دفع عملائها من مواطني تلك البلدان وضعاف النفوس من موظفي الانظمة الشيوعية السابقة على تصفية القاعدة الصناعية والمؤسسات الانتاجية وتدمير اقتصاديات بلدانهم. فقام هؤلاء بنهب ثروات بلدانهم واشتروا مصانعها ومرافقها الاقتصادية بالتحايل والخداع وبأثمان بخسة.  وكان الهدف دفع هذه البلدان الى حافة الهاوية لكي تجثوا على اقدامها امام الولايات المتحدة وحليفاتها الغربيات لتستجدي المساعدات الاقتصادية وتخضع اراضيها للقواعد الاميركية واقتصادياتها لنهب الاحتكارات الاميركية والغربية الاخرى .

 

وهكذا ساعدت الولايات المتحدة على تنصيب أنظمة طفيلية من المرتزقة والعملاء في اغلب هذه البلدان . وبدا ذلك واضحا في سرعة تلبية الأنظمة العميلة لأميركا في بولندا ورومانيا وجورجيا وبعض الدول الاوربية الشرقية  للأوامر الأميركية بالمشاركة في الحملة الحربية  الاستعمارية الاميركية البريطانية لغزو العراق واحتلاله. فشارك بعضها حتى في الاعمال التمهيدية التي قامت بها الولايات المتحدة قبيل الغزو . في رومانيا ،على سبيل المثال، فوجئ السفير العراقي الاستاذ سعد الدوري في شباط/فبراير 2003 ، في اثناء زيارته بمهمة رسمية لمقروزارة الخارجية  الرومانية،  برئيس دائرة الشرق الاوسط ا,هو من كبار  مسؤولي الوزارة يفاتحه للالتحاق بالمخابرات الاميركية وخيانة وطنه وشرفه. ويبدو ان هذا السفير الروماني كان مكلفا بذات المهمة القذرة التي كلف بها موظفو السفارات الاميركية في شتى بلدان العالم في اطار الحملة المسعورة الفاشلة التي شنتها المخابرات الاميركية قبيل الغزو للاتصال بالدبلوماسيين العراقيين لاستمالتهم الى صفوفها وخيانة وطنهم وشرفهم.

 

اما في اطار الجهد الحربي المباشر، فقد سارعت اغلب الانظمة العميلة في هذه الدول لوضع الالوف  من جنودها  بأمرة قوات الغزو والاحتلال الاميركية فشاركت  في غزو العراق واحتلاله ، رغم علاقات العراق الطيبة المتميزة مع كل هذه البلدان قبل عام 1990 ومساعدته لمعظمها. بل ان النظام البولندي العميل  الذي شارك بثلاثة الاف جندي، تعمد وضع اغلب قواته والياتها الثقيلة ومهبط طائراتها السمتية  في داخل مدينة بابل الاثارية معرضا اغلب ابنيتها التأريخية التي تعد من اهم واعرق المواقع الاثارية في العالم  للتصدع. وساهم النظام الجورجي العميل بالفي جندي اوكلت لقسم منهم مهمة حماية منطقة كرادة مريم المطوقة والمسورة بالأطواق والجدران وآلاف الجنود والمعدات الحربية حيث تختبىء قيادة الاحتلال الممثلة بسفارتي اميركا وبريطانيا وقياداتهما العسكرية، وعملاؤها في اجهزة حكومة الاحتلال. ولم تسحب جورجيا وحداتها العسكرية في العراق الا بعد نشوب الحرب بين جورجيا وروسيا لسد الحاجة الطارئة بعد الضربات الروسية الموجعة.

 

وقد نشأت الازمة  الحالية بعد أن زارت وزيرة خارجية اميركا كوندوليزا رايس العاصمة الجورجية  في العاشر من تموز/ يوليو الماضي 2008 وتعهدت علنا بضم جورجيا الى حلف الناتو في استفزاز واضح لروسيا. وبعد اقل من شهر، أي في الثامن من آب/اغسطس، شن النظام الجورجي المرتبط بالولايات المتحدة عدوانا عسكريا واسع النطاق على اقليم اوسيتيا الجنوبية واحتل عاصمته تسخينفالي ودمرها وارتكب مجازر بحق اهلها الروس والاوسيتيين في حملة معلنة لالحاق الاقليم بجورجيا. وقد كان الرد الروسي سريعا وقويا ورادعا اعاد الى الاذهان مكانة روسيا بوصفها دولة كبرى قوية تحافظ على هيبتها وكرامتها القومية وعلى كرامة وسلامة مواطنيها. فاستطاعت القوات الروسية طرد القوات الجورجية الغازية من اوسيتيا الجنوبية بسرعة وملاحقتها في داخل جورجيا وتدمير مقراتها ووحداتها وآلياتها الاميركية والاسرائيلية .

 

ولا يخفى هنا التشجيع الاميركي ، فنظام سكاشفيلي لن يجرؤ على التحرش بروسيا ولن يتكمن من استخدام السلاح الاميركي والجيش الجورجي الخاضع للتوجية والتدريب الاميركي بدون موافقة ،أو بالاحرى، تحريض ادارة الطاغية الارعن بوش . وثمة جملة اهداف  لادارة الشر الاميركية وراء تحريض عميلها رئيس النظام الجورجي لاستفزاز روسيا ومحاولة اذلالها في عقر دارها بمهاجمة اقرب دولة لها  وثلثيها من المواطنين الروس:

 

اولا: تسعى ادارة الطاغية بوش  المأزومة والمهزومة في العراق لاحراز أي انتصار مهما كان محدودا  و في أي مكان من العالم  لكي تسوقه للناخبين الاميركييين  لانقاذ حزب بوش الجمهوري من الهزيمة المتوقعة في الانتخابات الرئاسية القادمة وما يحمله ذلك من كابوس مؤرق لعصابة بوش وجيني ورايس وافراد عصابة المحافظين الجدد المتصهينة يتمثل باحتمالات جرهم لمحاكمات مؤلمة بتهم جرائم حرب.

 

ثانيا: احباط مسيرة الانبعاث القومي الروسي المتصاعدة  والمتمثلة بالتوجهات السياسية والاقتصادية والعسكرية والادارية الوطنية الواسعة التي قادها الرئيس بوتن منذ سنوات لتعزيز الاقتصاد الروسي وضرب بؤر الفساد ذات الأهواء والخيوط  الغربية واستعادة القدرة الردعية للقوات العسكرية  وتحديثها وتعزيز وحداتها وممارسة السياسات القوية للمحافظة على امن روسيا الاقليمي والتصرف بوصفها دولة كبرى وليست ملحقا بالدول الغربية. وبتقدير الادارة الاميركية فأن مهاجمة اقليم يحتمي بالقوات الروسية وتدميره واحتلاله سيكون في حالة اذعان روسيا وتهاونها  خطوة كبيرة لاذلال القيادة الروسية واحباط مسيرة الانبعاث  القومية  الرامية لاسترجاع الهيبة  والقدرات العسكرية والاقتصادية الوطنية والادوار السياسية الداخلية والاقليمية والدولية المستقلة التي تعبر عن المكانة الدولية البارزة للدولة الروسية بوصفها قوة عظمى.

 

ثالثا: اخضاع القيادة الروسية للامر الواقع واجبارها على القبول بتطويق روسيا بحزام من  الدروع الاميركية المضادة للصواريخ على مقربة من حدودها وفي فضائها الاقليمي المجاور مما يعرض امنها الوطني للخطر تحت ذريعة  كاذبة هي مواجهة احتمالات تعرض اصدقاء وحلفاء اميركا لضربات صاروخية ايرانية وكورية شمالية.

 

رابعا: ضمان السيطرة الاميركية على هذه المنطقة الستراتيجية حيث تمر انابيب النفط من اذربيجان عبر جورجيا الى البحر الاسود ، وذلك لمواجهة الميزة الستراتيجية الكبرى في ميدان الطاقة التي تتمتع بها روسيا . فالقيادة الروسية الماضية  في طريق استرداد الكرامة القومية تتحكم الآن بثلث طاقة العالم، وتمسك بمفاتيح الغاز لكل اوربا.  وسبق ان استخدمت هذه  الميزة عندما قطعت امدادات الغاز عن اوكرانيا الى ان فرضت الاسعار التي تريدها.   

 

ولو قدر للهجوم الجورجي  النجاح في الاستيلاء على اوسيتيا الجنوبية لتكرر الامر بسرعة في ابخازيا ولانفلتت الماكنة العسكرية والسياسية الاميركية في احكام الحصار العسكري والسياسي  على روسيا بهدف خنق التوجهات الوطنية الستراتيجية الروسية ولدفع روسيا لاكثر من 15 سنة الى الوراء الى خانة الدولة المهزوزة الذليلة التي وضعها فيها غورباجوف ويلتسن والتي كانت تلهث وراء السياسات الغربية ولا تلقى من الدول الغربية الا الاستهانة والاستخفاف ،مما كان يثير مشاعر الاحباط والاهانة لدى ملايين الوطنيين الروس.

 

وحسب الكاتبة الاميركية ماشا لبمن في صحيفة واشنطن بوست والمحللة السياسية  في فرع موسكو لمركز ابحاث كارنيغي الاميركي فأن تصرف القيادة الروسية القوي الحاسم  ازاء الهجوم الجورجي على اوسيتيا الجنوبية يحظى بتأييد شعبي منقطع النظير في روسيا . وقالت  (في حديث للاذاعة الوطنية الاميركية -18 آب /اغسطس) ان الغالبية العظمى من المواطنين الروس يعتبرون الرئيس سكاشفيلي عميلا لاميركا ومغامرا وعدوا لروسيا . وعلق المحلل الروسي نكولاي زوبلن المحلل في  معهد الامن العالمي في اميركا ( في حديث للاذاعة في اليوم نفسه)  قائلا انه ذهل لدى زيارته الى موسكو مؤخرا لاشتداد المشاعر القومية الروسية وتصاعد المشاعر المعادية لاميركا في اوساط الشعب الروسي.

 

اذن، القيادة الروسية قد تصرفت على نحو يعبرعن ارادة الشعب الروسي الذي ظل ابناؤه يتحسرون على ايام الاتحاد السوفييتي عندما كانت دولتهم مهابة وكرامتها وكرامتهم مصانة،   فاصبحوا الآن يرون احلامهم بعودة الكرامة الوطنية لدولتهم تتحقق اول مرة منذ 18 عاما. وهذا ما يشجع القيادة الروسية على المضي قدما في مسيرة الانبعاث القومي التي تسير عليها والتي كان الرد الفوري الرادع على العدوان الجورجي المدعوم اميركيا واسرائيليا احد مظاهرها.

 

وليس غريبا ان نسمع ونقرأ الآن عن الدور الاسرائيلي في احداث جورجيا . فاسرائيل هي اول من يدخل عبر أي باب  تفتحه اميركا  لنفوذها الاستعماري في  أي بلد في العالم. وفي جورجيا تشير الانباء الى قيام اسرائيل بتزويد النظام الجورجي العميل بالمعدات العسكرية وبالطائرات المسيرة وبالخبراء. ويقول السياسي الروسي فيتشلاف ماتوزوف رئيس جمعية الصداقة الروسية العربية (في حديث لتلفزيون دمشق 19/ 8) ان العمل العدواني الجورجي ضد شعب اوسيتيا الجنوبية يندرج في اطار المخطط الاميركي لفرض ما يسمى بالشرق الاوسط الجديد على المنطقة العربية بأعتبار ان جورجيا تقع على التخوم الشمالية للمنطقة العربية. وليس خافيا على كثير من  القراء ارتباط هذا المشروع الاستعماري الصهيوني بغزو العراق واحتلاله. فلم يخف اركان ادارة الشر والعدوان الاميركية انهم يستهدفون من وراء غزو العراق اعادة رسم خارطة منطقة الشرق الاوسط . وهنا لا يقصد اساطين ادارة الشر والحرب الاميركية  اعادة رسم خارطة المنطقة على الورق، وانما على الارض من خلال غزو اقطارها العربية مثل السعودية ومصر وسوريا  وتمزيقها وتغييرها ديموغرافيا من اجل حماية امن اسرائيل واخضاع المنطقة لنفوذها ولنفوذ حليفتها وحاميتها الولايات المتحدة ولسيطرتها الاقتصادية على مواردها النفطية وموقعها الستراتيجي. وبذلك تتمكن الولايات المتحدة بموجب هذا المخطط من تحويل العراق المحتل الى  القاعدة المركزية  لتنفيذ مخطط  المحافظين الجدد المتصهينين الفاشيين لفرض السيطرة الامبراطورية الاميركية عسكريا وسياسيا واقتصاديا على العالم   .

 

لكن هذا  المشروع الاستعماري الامبراطوري الكوني الاميركي على ضخامته وبشاعته  والامكانيات الهائلة التي وضعت تحت تصرف منفذيه قد تعثر  وتراجع  بل  فشل فشلا ذريعا  وبات انهياره مسألة وقت  بفضل ثورة التحرير العراقية المسلحة والتضحيات والبطولات الهائلة لشعب العراق وجيشه المقدام وفصائله المقاومة. وهكذا فأن الظروف الدولية تشير على نحو أكيد الى أن الولايات المتحدة تمر  اليوم  بأسوأ فترة في تاريخها من حيث تراجع طاقاتها  الردعية وتردي قوتها  العسكرية وضعف قدراتها الاقتصادية وأهتزاز مكانتها الدولية. فقد استطاع الفعل الستراتيجي الكبير والمؤثر  للمقاومة العراقية الباسلة ان يحول الغزو الاميركي للعراق من نصر ستراتيجي باهر للمشروع الاستعماري الامبراطوري الكوني الاميركي الى ما وصفه مستشار الامن القومي الاميركي السابق في عهد الرئيس جيمي كارتر والمفكر الستراتيجي برجنسكي في 30 آذار/ مارس السابق  بـ "  مأساة وطنية ، وكارثة اقتصادية ، وكارثة اقليمية ومصدر ضرر عالمي مرتد على الولايات المتحدة نفسها" ، و "هزيمة مذلة".

 

وقد ترك هذا الانجاز العراقي الستراتيجي والتأريخي ذو الابعاد  الانسانية  العالمية  اثارا عميقة في المشهد الدولي ، حتى لم يعد مبالغة القول ان هناك حقبة جديدة في العلاقات الدولية هي حقبة ما بعد حرب العراق تتسم بتصاعد وتيرة القطبية المتعددة وتسارع انهيار القطبية الواحدة التي عملت الادارات الاميركية منذ عهد بوش الاب عام 1990 على التبشير بها لفرض ارادة وسياسة ورؤية ومصالح الولايات المتحدة على العالم. فقد وضعت الادارات الاميركية المتعاقبة منذ عام 1990 جميع الامكانيات العسكرية والاستخبارية والاقتصادية والسياسية والاعلامية الاميركية الضخمة المتقدمة في اعتى واضخم وأبشع حملة حربية استعمارية في التأريخ وسخرت لخدمتها جميع امكانيات حلفائها وعملائها في عشرات البلدان ونفوذها في المنظمات الدولية بهدف تركيع الشعب العراقي وقهر ارادته الوطنية واجبار دولته الوطنية على الاستسلام والركوع امام الجبروت والطغيان الاميركي. ومرت هذه الحملة بثلاث مراحل : الاولى فرض الحصار الشامل على العراق منذ السادس من آب/اغسطس 1990 واستمر بذات التشدد والقسوة حتى الغزو الشامل عام 2003 . والمرحلة الثانية هي الحرب الشاملة في 17 كانون الثاني/يناير 1991  عندما قادت اميركا حربا على العراق شارك فيها ثلاثة ارباع المليون عسكري واكثر من الفي طائرة حربية و27 جيشا من اكبر جيوش العالم واكثر من ثلاثة الاف دبابة والاف الاليات والمدافع. اما المرحلة الثالثة فكانت حرب الاستنزاف الشاملة لإمكانيات العراق العسكرية والاقتصادية ولطاقاته الاجتماعية وتمثلت بالاستمرار بالحصار الاقتصادي الشامل وبتوجيه ضربات عسكرية جوية يومية للمنشآت العسكرية والمرافق الاقتصادية العراقية للفترة من اذار/ مارس 1991 وحتى انيسان/ابريل2003 وبضمنها اربع هجمات صاروخية كبرى ، كما تمثلت بقيام فرق التفتيش التي تضم جواسيس اميركيين وبريطانيين بمداهمة وتفتيش كل المراكز العسكرية والاقتصادية والامنية والعلمية وتدمير الكثير من امكانيات العراق العلمية والصناعية والعسكرية والامنية .

 

وتوجت اميركا هذه الحملة الحربية الاستعمارية  الضخمة بالغزو والاحتلال عام 2003 حيث  قادت  حربا شاملة على العراق شاركت فيها اضافة الى جيشها جيوش بريطانيا واسبانيا وايطاليا واستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وبولندا ورومانيا والكويت وعشرات الالوف من المرتزقة وحوالي 15 الفا من المليشيات الايرانية. وعندما صمد العراقيون امام الحرب الاولى واعادوا بناء بلدهم خلال بضعة اشهر وصمدوا في مواجهة حصار هو الاقسى والاشمل في التأريخ وفي مواجهة حرب الاستنزاف والانهاك لامكانيات العراق دامت اثني عشر عاما بعد حرب 1991 وعندما صمدوا بمواجهة الغزو الشامل وحولوا مسار الاحداث باشعال نار مقاومة هي الاسرع والاكثر تأثيرا والاوسع انتشارا، عندما حقق العراقيون كل هذه المعجزة فأنهم قد حققوا اسطورة من الصمود البطولي لا نظير لها في التأريخ وحققوا نصرا استراتيجيا تاريخيا  ذا ابعاد عالمية، مما  الهم شعوب العالم وقواه التحررية الثقة بطاقاتها الذاتية وبقدرتها  على الصمود  والمقاومة في مواجهة ماكنة الحرب والعدوان الاميركية الضخمة بل وبإمكانية تحجيمها وشل حركتها ودحرها . وقد ادى كل ذلك  الى تراجع هيبة اميركا وانحدار مصداقيتها واهتزاز سمعتها واضعاف مكانتها  في العالم مما بدد مشاعر الخوف والرهبة  واشاع مشاعر الرفض والتحدي والتصدي الجريء للسياسات والمشاريع العدوانية  الاميركية .

 

وقد شجع هذا الانتصار العراقي الستراتيجي على تصاعد تمرد  دول اميركا اللاتينية على النفوذ الاميركي الذي تمثل بانحسار الانظمة الموالية لاميركا وأزدياد عدد الانظمة المتحدية للسيطرة الاميركية من فنزويللا التي صمدت وزادت نبرة تحديها العلني لاميركا  الى بوليفيا والبرازيل. كما شجع الصمود والفعل البطولي العراقي على تصاعد المقاومة الوطنية الافغانية ضد الاحتلال الاميركي الاطلسي ، مثلما شجع الوطنيين الباكستانيين على مقاومة السيطرة الاميركية على باكستان ورمزها الجنرال مشرف واسقاطه. كما  عززت الصين موقعها الدولي بوصفها قوة اقتصادية عالمية كبرى، وتمثلت هذه المكانة بسياستها المستقلة والمنافسة للولايات المتحدة في افريقيا ( والمتحدية لها في السودان ‘على سبيل المثال). اما آخر مثال على هذه المكانة المتصاعدة فهو نجاحها مؤخرا رغم الضغوط الغربية،  في فرض استضافتها للالعاب الاولمبية بحضور عدد من قادة ابرز الدول الغربية ، ومنهم من كان يلوح بالمقاطعة للأسباب التقليدية المكرورة أي حقوق الانسان.

 

وهذه روسيا بدأت تحرك اساطيلها وتدخلها الى البحر الابيض المتوسط وتسير قاذفاتها الستراتيجية (TU 95 ) في دوريات في الاجواء العالمية وحتى في الاجواء المقابلة سواحل الولايات المتحدة اول مرة منذ انهيار دورها الدولي بوصفها دولة عظمى عام 1990 ، وهاهي تتحرك لفرض الاجراءات التي تحمي امنها في محيطها الاقليمي وتحرك وتستخدم قواتها المسلحة خارج حدودها اول مرة منذ انهيار المبراطورية السوفيتية قبل 18 عاما، وتضرب بلا هوادة نظاما من اشد الانظمة العميلة قربا الى المشروع الامبراطوري الاستعماري الاميركي. وهاهو نائب رئيس الاركان الروسي يحذر بولندا بان عليها ان تتوقع ضربة عسكرية روسية اذا نصبت الدرع الاميركي المضاد للصواريخ ، بل انه هدد باستخدام السلاح الذري ضد كل من يحاول تهديد امن روسيا. وزاد عليه الرئيس مدفيدف يوم 18 آب /اغسطس عندما لوح برد عسكري ساحق على كل من تسول له نفسه التعرض لمواطنين روس.

 

اذن، العراق وبطولات ابنائه وفعلهم الستراتيجي التاريخي في تدمير العمود الفقري للمشروع الامبراطوري الاستعماري الفاشي الاميركي كان حاضرا بقوة في الرد الروسي الساحق على المخطط الاميركي في القوقاز مثلما كان حاضرا في كل انتصار احرزته شعوب العالم  وفي كل حالة صمود وتحد وتصد بطولية  في السنين الاخيرة سواء في فلسطين او اميركا اللاتينية او الصين او افغانستان او باكستان او افريقيا  أو القوقاز ، وما ستحققه  في المستقبل  في مواجهة مشاريع الشر والحرب والدمار والهيمنة الاستعمارية للولايات المتحدة وحليفاتها وتابعاتها اسرائيل وبريطانيا وغيرهما.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس / ١٩ شعبان ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢١ أب / ٢٠٠٨ م