الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

وطن في المنفى
أصحاب شهادات وكفاءات يعملون في غير اختصاصهم من أجل تأمين لقمة العيش

 

 

شبكة المنصور

احمد العسافي

 

كانت دمشق ولا تزال العاصمة الوحيدة التي فتحت أبوابها للعراقيين كافة وبدون استثناء قبل الاحتلال وبعده، حيث كانت المعارضة العراقية والموجودة حالياً في السلطة تتخذ من دمشق مقراً لها، وبعد الاحتلال في نيسان أبريل 2003 وتصاعد العنف في العراق استقبلت دمشق ملايين العراقيين حيث وصل عدد اللاجئين في سوريا إلى أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ.


وبما أنه لا توجد صفة غالبة على نوعية اللاجئين فإن أغلبيتهم من المثقفين والكوادر العاملة في الدولة العراقية أصحاب الشهادات والكفاءات والذين هاجروا بسبب أعمال القتل المنظمة التي تجري في العراق وخاصة استهداف حمَلَة الشهادات العليا وأصحاب الكفاءات ، لذلك فإن العراقيين يشكلون وطناً ثانياً في سورية لأنهم يمثلون جميع طوائف وقوميات المجتمع العراقي.


وتشير تقارير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن العراق يمثل المرتبة الأولى من قائمة اللاجئين في العالم نتيجة الاحتلال وإفرازاته، والتي أدت إلى موجة هروب جماعي إلى دول الجوار ودول ثانية كمصر ولبنان ودول الخليج والقسم الآخر الذي قاسى الأمرين بعد أن استطاع أن ( يصفي أموره) وأن يغامر في رحلة ثانية إلى أوروبا عن طريق التهريب للوصول إلى ملاذ آمن له ولعائلته.


وإن هذه الظاهرة خلّفت عدداً كبيراً من الأطفال الذين تركوا مقاعد الدراسة بسبب الهجرة، واضطروا مرغمين ليودعوا عالم الطفولة وينخرطوا في أعمال عدة وفي أماكن مختلفة وخاصة المطاعم والمقاهي والقسم الآخر يحتضن الأرصفة.


وفي كل الأحوال فإن الخاسر الوحيد هو المواطن العراقي الذي فقد كل شيء، وفي مختلف طبقاتهم الاجتماعية والفكرية، وخصوصاً حملَة الشهادات العليا وذوي الكفاءات الذين وجدوا أنفسهم بين خيارين أحلاهما مرّ، بين تأمين لقمة العيش لعوائلهم وبين إيجاد فرصة عمل وقد دفعتهم الظروف الصعبة للرضوخ للواقع وأصبحوا يعملون في مجالات مختلفة خارج اختصاصهم وقسم من هذه الأعمال أيضاً لا تليق أو تنسجم مع مستواهم الفكري والاجتماعي ولكن الغربة ومآسيها هي التي أجبرتهم على العمل .


وبما أنهم في سوريا فإن من شروط الإقامة هنا عدم السماح بمزاولة الأعمال وذلك بسبب الوضع الاقتصادي للقطر العربي السوري الشقيق مما يوجب على الأمم المتحدة أن تنهض بواجباتها الإنسانية والأخلاقية التي فرضتها القوانين الدولية والأعراف السماوية لمساعدة اللاجئين العراقيين، وكذلك دعم البلد المضيف، وأعني سورية التي تتكفل بأعباء مالية واقتصادية وتنموية وتتحمل ثقل شؤون خدمية أخرى، من أجل استضافة اللاجئين العراقيين بين أحضانها إضافة إلى الظروف التي تمرّ بها، كما أن المساعدات الغذائية التي تقدم كل شهرين للاجئين العراقيين لا تكفي لأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، إنما من واجب الأمم المتحدة إيجاد الحلول المناسبة لتوسيع رعايتها لهؤلاء اللاجئين الذين أصبحوا عاطلين عن كل شيء .


وفي جولة لنا و للوقوف على بعض المشاكل التي يعانيها اللاجئ العراقي في سوريا التقينا بعدد من المواطنين الذين يزاولون مهناً بعيدة عن اختصاصهم ، وكان أول الذين التقيناهم هو المواطن العراقي (أحمد محمد) (ماجستير لغة ألمانية) حيث يقول أنه هرب من الموت مع عائلته بعد أن فقد الأمن والأمان في وطنه واضطرته الظروف أن ينسى ولو مؤقتاً شهادته واختصاصه وأنّ يبحث عن عمل شريف يؤمّن له لقمة العيش، وهو يعمل حالياً في أحد المطاعم وكما يقول فإن هذا العمل ليس عيباً أو انتقاصاً من قدره ولكن الظرف هو الذي يفرض ذلك في بعض الأحيان وأضاف أيضاً أن أحد أولاده وهو في الخامسة عشرة من عمره يعمل في مطعم آخر.


ومواطن ثان هو (أبو أمير) صيدلي ولم يجد عملاً في اختصاصه، فأخذ يقوم بإعطاء دروس خصوصية في اللغة الإنكليزية التي يجيدها لعدد من الطلبة وهي أيضاً لفترة محدودة ففي العطلة الصيفية يضطر أن يتوقف عن التدريس بسببها، لذلك فإن ولديه يساعدانه في هذه الفترة فالأول يحمل (بكالوريوس) ويعمل في إحدى المزارع والثاني في مجال تصليح الحاسوب.


وإذا أردنا أن نلتقي بالمواطنين العراقيين فإن القائمة سوف تطول ونحتاج إلى مجلدات لشرح معاناتهم والظروف الصعبة التي يواجهونها، خاصة وأن من يتكلم عن تحسين الوضع الأمني في العراق اليوم عبر الإعلام الحكومي، فإن أغلب المواطنين هنا لا يثقون مطلقاً لا به، ولا بما تتناوله الحكومة في وسائل الإعلام المرتبطة بها، لأن الأمن حسب ما هو معروف ليست بالعمليات العسكرية ولا بالحواجز الكونكريتة التي ساهمت في إنشاء سجون كثيرة وكبيرة فحسب، ولا تستطيع الحكومة أن تمنحه، وإنما هو شعور داخلي يحسّ به المواطن ويلمسه في حياته العامة، وعند ذاك يصبح هناك أمن .


وفي قصة ثانية ومواطنة أخرى وهي (أم داليا) التي تشبه قضيتها، قضايا عوائل كثيرة ، فقد تعرضت للاختطاف و قتل الزوج المعيل الوحيد بسبب العنف الطائفي، وقصتها أنها أم لأربع بنات هاجرت مع والدهم إلى سورية وبعد استقرارهم عاد الوالد إلى العراق (لتصفية أموره) ليستطيع تحمّل أعباء الغربة وكانت سفرته الوداع الأخير حيث لم يعد لحدّ الآن، ومضى على فقدانه سنتان ولا تستطيع إخبار بناته بأنه لا أمل في عودته سالماً وإنما تحاول أن تصبّرهن بأنه سوف يعود في يوم ما ويجب أن يعتبروه مسافراً إلى بلد آخر ولكن في قرارة نفسها فقدت الأمل نهائياً من عودته ، وهي حالياً ليس لها أي معيل أو مصدر رزق غير بعض مساعدات أشقائها التي يبعثون لها من غربتهم في بعض الدول الأوروبية إضافة إلى بعض ما تستطيع بيعه من الحصة الغذائية التي تتسلّمها من مفوضية الأمم المتحدة كل شهرين ، لتؤمن الجزء اليسير من بعض متطلبات المعيشة القاسية.


إن قضية اللاجئين العراقيين في دول الجوار وخاصة سورية والأردن والتي تفاقمت إلى حدّ كبير، تحتاج إلى وقفة حقيقية من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية للعمل من أجل إنهاء معانة أكثر من مليوني لاجئ، بالعمل الجدي وليس بالأقوال أو التصريحات الإعلامية التي لا تُسْمِنُ ولا تُغْنِي من جوع.


فهذه دعوة للجميع لأن ينهضوا بمسؤولياتهم القانونية والأخلاقية وأيضاً لتقديم المساعدة والعون لسورية الشقيقة لمساعدتها على تحمل الأعباء الكبيرة والاستثنائية نتيجة الأعداء الكثيرة للاجئين العراقيين.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت / ٢١ شعبان ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٣ أب / ٢٠٠٨ م