الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

بروتوكولات الأمام الغائب والرئيس نجادي

 

 

شبكة المنصور

علي الكاش / كاتب ومفكر عراقي

 

من البديهيات المعروفة في كل الكتب السماوية والوضعية وجود فكرة " المنقذ" وهي فكرة وجدناها في الحضارات القديمة كوادي الرافدين والنيل والحضارات الهندية والصينية واليونانية والفارسية، وكذلك في المذاهب الوضعية كالزرادشتية والكونفوشيوسية والبوذية والمزدكية وعند السيخ والصفوية وغيرها، فهي تقوم جميعاً على فكرة مشتركة، وهي أن الظلم سينتشر وبالطبع كل مذهب يتحدث عن واقعه الجغرافي والمحدد بدولة أو شعوب، وان هذا الظلم سيستشري  في جميع أوصال المجتمع بحيث يصعب استئصاله، ولا بد من قوة قاهرة تقوم بذلك، وتتمثل بالإنسان السوبرمان الذي سيتمكن من أن يعيد مياه العدالة والحق إلى مجاريها الأصلية، ويصفيها من سيول الظلم والكفر، ولإكمال القصة فأن هذا القاهر الجبار بحاجة إلى جيش وغالباً ما يكون جيشه من المستضعفين الذين نالوا من الظلم والاستبداد الحصة الأكبر، وان هؤلاء سيشكلون نواة الجيش المبشر بالتغيير والذي سيصحب المنتظر في رحلته القتالية ضد الظالمين والمفسدين في الأرض لإقرار الحق وزهق الباطل، والحقيقة أن كتب الأدب العربية والأجنبية زخرت أيضاً بهذا المنظر، ولعل من أبرزها " في انتظار غودو" للكاتب صموئيل بيكيت .

وفكرة المنتظر هي الفكرة التي أعتمد عليها المذهب الشيعي بمعظم فرقه، كالأسماعيلية الأثنى عشرية والنصيرية والصفوية والمولوية والبكتاشية والبابية والقاديانية، ومعظم هذه الفرق وغيرها معروفة بالتطرف والمغالاة وتتغير تعاليم الشريعة السمحة، فالبدعية اختصرت الصلاة ركعتين صباحاً ومثلهما مساءًا لقوله تعالى " وأقم الصلاة طرفي النهار " والميمونية أجازوا نكاح بنات البنات وبنات أولاد الأخوة والأخوات، واعتبروا سورة يوسف ليست من القرآن، والسبأية زعموا أن علياً إله الحقيقة، والبيانية اعتبروا جزأً إلهياً حل في الإمام علي وأتحد معه، والمعمرية أنكروا القيامة، والشريعية أدعوا أن الله حلّ في خمسة هم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، والنصيرية زعموا أن الله حلّ في علي فقط، وإنه كان موجوداً قبل خلق الأرض والسموات، والخطابية استحلوا الخمر والزنا، والأسحاقية زعموا أن علياً شريكاً لمحمد في النبوة مستندين إلى حديث شاذ " أنا من احمد كالضوء من الضوء" . وتشير أسطورة المهدي إلى أنه  يظهر في مكة وروايات أخرى في دمشق وأخرى في الكوفة، وأخرى في خراسان مع أصحاب الرايات السوداء, ورواية أخرى في فلسطين كما نقل عن الصحابي معاذ بن جبل, وروجت مؤخراً بين صفوف مقتدى الصدر، بأنه سيظهر في دمشق ويأتي للكوفة لمقابلة مقتدى ثم ينحدر إلى مكة، ولا نعلم هل هذا اللقاء على قدر من الأهمية  بحيث تجري المقابلة قبل أن تملأ الأرض عدلا، بل أن السيد مقتدى الصدر ذكر بأن المهدي سيخرج من العراق في تخريجه غريبة وهل أن هناك أتفاق بين الرئيس الإيراني عندما ذكر بأن محنة إيران النووية الغرض منها استعجال ظهور المهدي وبين أنصار مقتدى الذين يرون أنه سيظهر خلال حياة مقتدى، على كل حال يبدو أنهم لم يستفيدوا بعد من تناقض الغيبة الكبرى والصغرى و ما جلبته من إشكالات فلسفية ودينية في الفكرة المهدوية !!

تشير الكتب التأريخية إلى أن العسكري عرض أبنه على أصحابه مبيناً لهم أن " هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم  وهو القائم الذي تمتد إليه الأعناق، بالانتظار أذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً " والغريب انه مع امتداد الخلافة الإسلامية، فأنه من الصعب التكهن بأي مقياس يمكن تحديد ومعرفة أن الأرض ملئت جوراً، طالما أن الأمر لا يتعلق بالمسلمين فقط وإنما شعوب الأرض جمعاء ؟ كما أن حقيقة وجود الطفل تتناقض مع الكثير من الحوادث التأريخية حيث أنكر عمه جعفر وجوده أصلا, وأكد أن أخاه عقيما وليس له ولد وهذا ما لم يعجب أصحاب الخمس فكادوا له وسموه( جعفر الكذاب)كما لم يشاهد الطفل أي من أقاربه أو أصحاب أبيه رغم أنه الأمام القادم والمفروض أن يحظى برعاية واهتمام الجميع, ولا توجد شواهد تأريخية على أن الخليفة كان يخشى بأسه أو يتخوف منه!

وتقول الروايات بأن الصبي دخل في سرداب بيته ولم يخرج منه، وتضاربت الروايات الشيعية، فقد قيل كان ذلك عام 265 هـ ، وقيل سنة 275 هـ ، وقال آخرون إن عمره (4) سنوات وغيرهم (5) سنوات وفي رواية(7) سنوات و أخرى (9) وأخرى (17) سنة، وقد سموه بالمهدي لأنه يهدي الناس للحق، وسموه بالقائم لقيامه بالحق، وسمي بالمنتظر لأنه غيبته طويلة، وسمي بالغائب لغيبته الصغرى والكبرى، والخائف لأنه يخشى من بطش بني العباس قال الطوسي في كتابه الغيبة" لا عله تمنع من ظهوره إلا خوفه على نفسه من القتل, لأنه لو كان غير ذلك لما جاز له الاستتار", وان الذي ينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون، ولإتمام القصة ، قاموا بتأويل آيات القرآن الكريم لدعمها ففسروا الآية " رزقكم وما توعدون " بأنه المهدي هو ما توعدون، وفسروا الآية " واعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها " أي يصلح الأرض عن طريق المهدي ، وفسروا الآية " أسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنه" في سورة لقمان بأن النعمة الظاهرة هي الأمام الظاهر، والباطنة الأمام الغائب، وفسروا " وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب " تعني الفتح ظهور المهدي، وكذلك الآية " واقتربت الساعة " يعني خروج القائم والمئات من التفسيرات، وهي مهمة ليست بشاقة، ولا سيما أن الأمام علي (رض) نفسه قال " إن القرآن حمال أوجه" و " كل قوم بما لديهم فرحون" وبإمكان أي فرد ليست له معرفة بأحكام القرآن وقواعده وتفسيراته أن يقوم بنفس التأويل، فبإمكانك أن تفسر " إنا أعطيناك الكوثر" بان الكوثر هو المنتظر، و" رزقهم في السماء" المقصود بها القائم، و" إن عدتم عدنا " من آية الإسراء تعني إن عدتم بالسفياني عدنا بالمنتظر وهلم جراً .

وكانت الفاجعة الأولى في الفكرة هي أن الغيبة الصغرى كانت بحدود (70) عاماً، ولكن المهدي لم يخرج من صومعته، فكان أحد الاثنين أما أن الأرض لم تملأ بعد جوراً وظلماً، وهي رواية لا تهضمها الناس بسهولة، فقد أشتد الضغط على آل البيت رضوان الله عليهم وأصحابهم، والتفسير الثاني أنه أجل الظهور، ولكي لا تعثر القدم مرة أخرى بنفس الحجرة، جعلت الثانية إلى نهاية الزمان، وهو بعد زماني يخدم الفكرة, أما من ناحية الظلم فمن الصعب تحديد مستواه، فبإمكان أي مرجع يدعي بأن الجور لم يصل حده اللازم لظهور المهدي، فالحروب الصليبية ضد المسلمين على سبيل المثال لم تعني أن الجور وصل حده ؟؟

وتستمر الروايات بأن المهدي عهد بالمرجعية بعده لأربعة من سفرائه وهم يسمون " الوكلاء الأربعة" باعتبارهم سفراء بينه وبين شيعته وعلى اعتبار أنه يتصل بهم، ولم يحددوا طريقتها منعاً للانزلاق أيضاً، وكان السفراء هم عثمان بن سعيد العمري، وابنه محمد بن عثمان بن سعيد، وكانوا يجبون الخمس للأمام العسكري ووجدوا أن الخمس في حال عدم وجود أمام سيوزع على ورثة العسكري وستكون حصة أخيه جعفر الحصة الكبرى في حين أن اختلاق شخصية المهدي تؤمن لهما السيطرة على هذه الأموال, والسفير الآخر هو أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي وهو من الشخصيات القريبة من الخليفة العباسي وشغلت عائلته الوزارة، والأخير علي بن محمد السمري، ويحدثنا التاريخ بأنه كان يهرب المال بقرابات السمن ولكن موت السفير الأخير أخل بتوازن النظام المرجعي، ولم يجمعوا على مرجع واحد، فاستندوا على حديث نبوي ملفق " من طلب العلم فعليه بالباب" لذلك جعلوا لكل إمام باب باستثناء الأمام الأخير محمد الهادي، وكان باب الأمام علي هو سلمان الفارسي، وباب الأمام الحسن قيس بن ورقة المسمى بالسفينة، وباب الأمام الحسين رشيد الهجري، وباب الأمام زين العابدين عبد الله الكابلي، وباب الأمام الباقر يحي بن معمر، وباب الأمام الصادق جابر بن يزيد وباب الأمام الكاظم محمد الكاهلي، وباب الأمام الرضا المفضل بن عمر، وباب الأمام الجواد محمد بن المفضل، وباب الأمام الهادي عمر بن الفرات، وباب الأمام العسكري أبو شعيب النميري. والغريب في هذه الأسطورة أن الإمام المهدي لم يغب كما يتبادر إلى الذهن فقد غاب عن العامة لكنه تواصل مع سفرائه لمدة سبعين عاما كما أدعوا واخفوا خطه في الإجابة على شكاوى الناس وأسئلتهم وهذا ينفي غيبته!

علاقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والأمام المهدي علاقة قديمة ترجع إلى أكثر من ألف عام منذ أن اختفي هذا الوليد الغريب في مغارة في سامراء رغم أن الإثباتات التاريخية تؤكد بأنه أباه كان عقيما ومات شابا, وان الإمامة طالما هي حصرا في ذرية الإمام الحسين(ع) وانتهت بوفاة الأمام العسكري(ع) بدون أمام وكانت الاحتمال الأفضل هو الإيهام بوجود ولد للإمام اختفى في سرداب خشية من العباسيين, والغريب إن دافع اختفائه هو الخوف لذلك من أسمائه الخائف ومع هذا فأنه هذا الخائف من سيوف العباسيين سيخرج في عهد النووي يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً! فقد عجز عن مواجهة سيوف بني العباس ولكنه سيخرج لمواجهة جيوش العالم ! وهنا يتبادر إلى الذهن هل يجوز للأنبياء والرسل أن يكفوا عن مواجهة الأشرار ويختفوا إلى أجل غير مسمى؟ فإن صح ذلك فلماذا واجهوا الكفار وقاتلوهم في حين فضل الأمام المنتظر الانزواء إلى أن تمتلئ الأرض جورا؟؟

ونقلت الروايات بأن المهدي مشبع بالدموية فقد ذكر أبو جعفر بأن الناس" لو علموا ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس" والغريب أن يبدأ بقتال قريش ويدعي نفس المصدر" حتى يقول الكثير من الناس ليس هذا من آل محمد, لو كان من آل محمد لرحم". ولا يكتفي بالقتل وإنما يتوجه لهدم الكعبة المشرفة ويخرج جثة الشيخين أبو بكر وعمر(رضي الله عنهما) وبسادية مفعمة يحرقهما كما ورد في كتاب بحار الأنوار, من ثم يتوجه إلى السيدة عائشة (رض) لينبش قبرها ويجلدها كما تحدث الحر ألعاملي من ثم يهدم المسجد النبوي كما تحدث الشيخين المفيد والطوسي, بعدها يتوجه الى قتل الحجيج بين الصفا والمروة كما جاء في بحار المجلسي من ثم قطع أرجل المشرفين على الحرم المكي( بني شيبة)  ويعلقها بالكعبة كما جاء في الاختصاص للمفيد من ثم وبعدها يتناول قريشا ( إن بقى شيء منها)فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف كما جاء في الغيبة للنعماني, وبعد إكمال هذه الأعمال التخريبية السادية الظالمة يتفرغ لإملاء الأرض عدلا بعد أن ملئها بتصرفه جورا!

المهدي ليست له علاقة وثيقة مع العراق حيث يرقد أجداده وإنما مع إيران وبالتحديد مع الرئيس نجادي, والعلاقة بينهما ليست علاقة دبلوماسية تحتاج إلى سفراء كما جرى سابقا بل هي علاقة مباشرة بدون وساطات حتى بدون آيات عظمى ومتوسطة وصغرى.

بعد الثورة الإسلامية اتخذت العلاقة بين الأمام المهدي والجمهورية منحى آخر, فقد ذكر آية الله الخميني بعد انتصار الثورة الإيرانية مخاطبا الشعب الإيراني" إن أولادنا وأحفادنا سيشهدون ظهور الإمام المهدي" و يستفيد مروجو هذا الكلام أن ظهور المهدي سيكون في زمنا هذا, وقد دعمت كلام الخميني بعض الحوادث الغريبة منها إشاعة ظهرت بعد انتصار السيد حسن نصر الله في الحرب ضد الكيان الصهيوني بأنه "المهدي" وذهب آخرون إلى أن اسمه ورد في القرآن الكريم مستشهدين بالآية الكريمة" إذا جاء نصر الله والفتح", وفي رواية أغرب أوردتها الفضائية الأقصى(حركة حماس) عن لسان الشيخ عيسى بدوان" حدثني أحد الأخوة الموثوق بهم، وهو من المعروفين والمشهورين ولا داعي لذكر اسمه، أنه في عام 2004كان خارجا بسيارته، فوجد امرأة عجوز قالت له: أريد أن توصلني لدار الشفاء حتى آتي ببنتي فقد ولدت، وأريد أن آخذها لبيتها. ففعل معها معروف وأخذها. وانتظر ساعة عند بيت دار الشفاء ، فلما خرجت المرأة وأخذت بنتها ومعها الطفل الوليد، جلسوا في السيارة ثم نطق الطفل وقال( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) فردوا عليه السلام فقال المولود( كما أخبرنا وأبلغنا الحمد لله ذلك للشيخ نزار وبقية كبار العلماء والمشايخ، أنا الرجل الذي سيقتله الدجال ثم لا يسلّط على أحد من بعدي ولا يسلّط عليّ أيضا)". وفي العراق ظهر أدعياء المهدي بعد الغزو الأمريكي وكان منهم ضياء الكرعاوي وهو زعيم جند السماء الذي قتل في منطقة الزرقاء والأخر أحمد اليماني قائد الحركة المهدوية في جنوب العراق وقد أختفي هو الآخر بعد أن هاجمتهم القوات الحكومية ويعتقد أتباعه أن غيبته سوف لا تطول! في حين يرى أحد المعممين على قناة فضائية بأن المهدي يظهر في مكة ويتوجه إلى المدينة من ثم يسيطر على الخليج, وبعدها يركب السحاب بطريقة هاري بوتر ويحط في كربلاء ليقتل النواصب وبعدها يتوجه للشام من ثم تركيا وبقية دول العالم.

أما الشيخ حميد المهاجر فانه يرى وجوه ستكون من أنصار الإمام المهدي" و" في زمن المهدي سيتمكن الموالون من ركوب السحاب وهذه الأيام هي أيام ظهوره! في حين يرى زميلة الشيخ علي الكوراني بأنه" في عصر الإمام الحجة سوف يشاهد العالم مظلومية الزهراء وأئمة أهل البيت" وعندما سئل كيف؟ ردً: الله أعلم ربما يعرضها عليهم على شكل فيلم سينمائي" ويبدو ان الكوراني من المؤمنين بالعولمة ويتابع الحركة السينمائية كمحترف!

وهذا ما يردده الرئيس نجادي بأسلوب آخر فهو يمهد الطريق لخروج المهدي من المغارة أو غيرها عن طريق جعل إيران دولة نووية يعتمد عليها المهدي في إعادة العدل إلى الأرض, ويحاول نجادي أن يستثمر المناسبات للإشارة إلى ظهور المهدي منذ انتخابه عام 2005 حيث ذكر" إن المؤمنين بالتعاليم الإلهية للفكر الإسلامي يفعلون كل ما في وسعهم للتعجيل بظهور المهدي" ومنها خلال لقائه مع طلاب العلوم الدينية في مدينة قم حيث بشرهم بأن عودة المهدي أصبحت قاب قوسين أو أدنى وهي لا تزيد عن سنتين قادمتين كما أكد مهدي كروبي الذي شغل سابقا رئاسة مجلس الشورى الإيراني وأن المهمة الأساسية لحكومته أن تمهد الطريق  للعودة الميمونة, ووصلت به المبالغة بأنه ظن وجود هالة من النور المقدس كانت تحيط به عندما ألقى خطابه في أروقة الأمم المتحدة! بل البعض من الوعاظ أكد بأن الأمام المهدي كان يرافق نجادي خلال زيارته تلك لنيويورك وجامعة كولومبيا!

وتتمادى التخاريف إلى أن تتحدث الصحافة بأن حكومة نجادي وقعت ميثاقا مع المهدي خلال الجلسة الأولى لمجلس الوزراء, ولنتصور أن وزير الثقافة صفار هرندي وصلت به الجهالة والضلالة بأنه ألقاه في(بئر جمكران) في قم حيث تلقى النذور والخمس والشكاوى والرسائل لكي يطلع عليها المهدي  في مقر رئاسته في البئر! ولا نعرف لم رمي المهدي بالبئر بعد أن خرج من المغارة وأي حظ تعس يلاحقه في هذه الأماكن المظلمة والمقفرة! أليس من الأجدى أن يكون له جناح خاص في رئاسة الجمهورية بدلا من بئر جمكران! والغريب إن نجادي كما يدعي يمهد الطريق لخروج المهدي لكنه رفض إنشاء طريق للبئر من أموال النذور ليسهل قدوم زوار المهدي بحجة أن هذا ليس من واجبات حكومته فمهمتها الأساسية هي التمهيد لخروجه من البئر المظلم بعد أن رمي فيه! وفي خطاب لاحق نزع الرئيس نجادي من الرئيس بوش إدارة العالم باعتباره يترأس القطب الواحد عازيا الفوضى الدولية بأنها من أفعال المهدي" الإمام المهدي يدير العالم ونحن نرى يده المدبرة في شئون البلاد كافة" ملمحا بأن ساعة الظهور قد أزفت وان على حكومته تسوية مشاكلها الداخلية في أسرع وقت" الوقت يداهمنا وحان الوقت لكي ننهض بواجباتنا العالمية فإيران ستكون محور قيادة العالم إنشاء الله"! وهو نفس ما كرره الشيخ علم الهدى عندما أدعى أن الرئيس نجادي يمهد" لظهور المهدي الذي سيحكم قريبا جميع أنحاء العالم"!

وقد أنبرى حجة الإسلام غلام رضا مصباحي للرد على تخرصات نجادي بقوله" إذا كان نجدي يريد القول بان الإمام الغائب يدعم قرارات حكومته فهذا الأمر غير صحيح, فالغائب لا يرضى أن ترتفع نسبة الغلاء في المعيشة 20%"! لكن نجادي زعم أن الإمام الغائب لم يعترض" على حكومته بسبب الغلاء والأزمات الاقتصادية" كما ذكر الشيخ بأن" الرئيس نجادي هو الذي يدير شئون الحكومة وليس الإمام المهدي, ولو أن حكومة الأمام ارتكبت كل هذه الأخطاء وقامت بنشر الفقر والحرمان والأزمات فأن الإيرانيين سوف لا يرحبون بظهور الإمام إطلاقا" مؤكدا بان مرجع هذه الأخطاء هو نجادي وليس الإمام المهدي! ونصح نجادي برمي المسئولية على الشيطان الأكبر وعدم نسبها للأمام المنتظر.

كالعادة قام وعاظ السلاطين بالدفاع عن ترهات نجادي واعتبروه يمثل الإمام وأنه" مندوب مباشر عنه" ومنهم الشيخ علم الهدى أمام الجمعة في مدينة مشهد الذي ذكر" إن الرئيس نجادي يمثل الإمام المهدي في الحكم وان الذين يسخرون من هذا الادعاء فهم لا يفقهون المذهب الشيعي" وأنهى خطبته العصماء بان " من لطف الإمام المهدي هو المجيء بالرئيس نجادي إلى سدة الرئاسة" وليس الانتخابات ومجلس رقابة الدستور كما يعتقد البعض! وزعم بعض الوعاظ إن كافة القرارات التي أصدرتها حكومة نجادي إنما " هي قرارات صادرة عن الأمام المهدي" وأن للمهدي اتصالات رفيعة المستوى مع المسئولين الإيرانيين يوجههم فيه لإدارة شئون الحكم!

أما حجة الإسلام على أصغري فنصح نجادي بأن يترك هذا المسائل وينصرف إلى الاهتمام بمشاكل شعبه وان يركز على الشئون الدنيوية, كما أعترض آية الله يوسف سعاني في نقد نجادي" لاعتماده المتزايد على الخرافات" . والمشكلة الفلسفية هنا كيف نسميه الغائب وهو يحضر مع نجادي خلال ترؤسه جلسات مجلس الوزراء وأحيانا بدونها؟ أي إن تعبير الغائب قد أسقط كما يفترض بهذه اللقاءات المتكررة مع الرئيس نجادي.

من غرائب نجادي انه يعتقد أن إيران هي الجهة لتي انتصرت في حربها مع العراق متجاهلا كاس السم الذي جرعه المقبور مجرم الحرب الخميني, وهو يعتبر تلك الهزيمة الشنعاء من معجزات المهدي! وهو يتصور إن غزو العراق الذي ساهمت به حكومته جاء ليس لأن "الأمريكان يريدون الثروات النفطية ونهب البلاد, بل لأنهم أدركوا إن هذه المنطقة ستشهد حدثا متوقعا وهو أن تظهر يد الله وترفع جذور الظلم عن العالم", ويحاول إن يظهر للإيرانيين بان الضغوط الدولية التي تمارسها الدول الغربية حول ملف حكومته النووي " لأن هذه الدول مذهولة من أن تصبح إيران دولة نووية ! ونحن نرى يد الأمام الغائب المدبرة لذلك"؟

ويبدو أن هذه الأسطورة تتناغم مع طروحات بعض المعممين الذي يؤيدون مزاعم نجادي فهم يستفيدون منها لعدة أسباب منها جني الخمس والنذور وأموال المظالم من الناس الساذجين والجهلة, وكذلك لاستخدامها كمورفين للتقرب من الحكام وتهدئة الناس عن الثورة ضدهم للقبول بأوضاعهم التعيسة والتحمل لحين ظهور المهدي لينقذهم من محنتهم, وكذلك لأغراض سياسية منها تعطيل الفريضة السادسة( الجهاد ) لحين ظهور المهدي كما هو عليه في العراق! إضافة إلى تنزيه الحكام وقبول مساوئ حكمهم وأخطائهم على اعتبار إن المهدي هو من يدير شئون دولتهم كما يجري في إيران. وأحيانا للتشجيع على الإباحية والمخدرات والفساد وغيرها من الكبائر لملأ الأرض جورا لاستعجال ظهور المهدي! ومما يساعد على ترويج هذه البضاعة هو التخلف الثقافي الذي يقوده المعممين فهم يحطمون بمعاول هذه الأساطير ما يبنيه رجال العلم والمعرفة وأساتذة الجامعات من ثقافة بعيدة عن الخرافات والخزعبلات والخيال. ومن الطريف انه بعد الانتهاء من مقالنا تصادف الإعلان في طهران عن إغلاق صحيفة(اعتماد) لمهاجمتها خزعبلات الرئيس نجادي سيما الأمور المتعلقة بموضوع المهدي المنتظر الغائب عن الجميع باستثناء الرئيس نجادي إذ أنه كظله يلتقي به ويحضر اجتماعاته ويؤمه في الصلاة ويرافقه بجولاته.

إن هذه الدعاوي الغامضة والمربكة تناقض نفسها بنفسها فهي في الوقت الذي تعبر فيه عن رغبة المظلومين بإنهاء أوضاعهم المأساوية فأنها من جهة ثانية تعبر عن خيبة الأمل في إنهائها فهي لا تتعامل مع الحاضر لعلاجها وإنما تعلقه بغائب خائب, في حين بيدها حاضر صائب يفي بالغرض لأجراء التغيير وهو القرآن الكريم ومبادئ الإسلام الحقيقية. وعلام فائدة الغائب طالما أنه سيظهر في آخر الزمان وليس في بدايته أو وسطه, وهل نحتاج في آخر الزمان إلى إمام ليفلق لنا الصبح ويبدد دياجير الظلام ويرقع الشرور؟ ولأي غرض بعد أن أتمت البشرية رحلتها إلى خط النهاية؟

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت / ۷ شعبان ١٤٢۹ هـ

***

 الموافق ۹ أب / ٢٠٠٨ م