الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

الدور التخريبي الإيراني في العراق / الجزء السادس
انتفاضة شعبانية أم صفحة غدر وخيانة ؟

 

 

شبكة المنصور

علي الكاش / كاتب ومفكر عراقي

 

صراع المفاهيم والرؤى


بعد مضي أكثر من عقد ونصف العقد عما سمي من قبل النظام الوطني العراقي السابق بالأعمال الغوغائية ومن ثم غيرت التسمية إلى صفحة الغدر والخيانة، وما يسميه النظام الأحتلالي بثمرة الشيعة والأكراد أو الانتفاضة الشعبانية بسبب حدوثها في شهر شعبان، لابد من فتح الأبواب ثانية على هذا الموضوع لاستجلاء طبيعة هذه  التسميات ودوافعها، وحقيقة ما حدث في وقتها؟ فهل هي أعمال غوغائية؟ أم هي انتفاضة حقيقية؟ أو محاولة انقلابية ضد نظام الحكم العراقي؟ أم عصيان أو تمرد سياسي؟ أو أعمال فوضى؟ أو أفعال منسوبة للرتل الخامس؟ولماذا سميت بالانتفاضة وهل هي فعلا كذلك وفقا لمفهوم الانتفاضة؟ وما هي أسسها؟ وما هي شروطها وأهدافها؟  وما حقيقة الدور الإيراني في إشعالها، وكيف تعاملت الحكومة العراقية السابقة مع أحداث عام1991؟ وما هي نتائجها على مختلف الأصعدة؟ هذا ما سنحاول توضيحه من خلال هذا البحث المتواضع معتمدين على شهادات ميدانية.


المفهوم اللغوي والسياسي


انتفاضة كلمة مشتقة من الفعل نفض, يقال في اللغة العربية نفض الثوب، أي ضربه بالهواء لإخراج الغبار منه، أو بمعنى نظفه من الغبار العالق به، ونفض الموقع أي بمعنى نظفه، ونفض الطريق، بمعنى أستكشفه وحرره من اللصوص وقطاع الطرق، وهناك معاني أخرى بمعنى الزيادة والأبعاد فيقال نفض عنه الخجل أو نفض عنه الهموم، بمعنى أزالها أو تركها، وكذلك (انتفض قائلاً) بمعنى التحول من السكون إلى الحركة وهكذا، أما في المدلول السياسي فأن الانتفاضة هي نموذج لعلاقات القوة بين عدد من أفراد المجتمع يتمكنوا من خلالها التأثير في الجماهير وتحريكها نحو هدف أو أهداف محددة، دون أن تكون لهم سلطة حقيقية على الجماهير، وإنما يحاولوا أن يجندوهم من خلال خطبهم وبرامجهم السياسية وأطروحاتهم التي تلبي حاجة هذه الجماهير في التطلع إلى أوضاع أفضل من تلك التي يعيشونها، والعمل على توسيع مساحة المشاركة الجماهيرية لتضم مختلف الأعمار والمهن، والمنتفضون يعتمدون على تسليحهم الذاتي أو ربما يساعدون من قبل الأطراف التي تشجعهم، وليس لهم مستوى تنظيمي متطور، مما يعني قلة لزوجة الأصماغ الذي تربط بين صفوفهم، كما إنهم لا يطمعون إلى إقامة نظام سياسي مستقل أو رغبة في الوصول إلى سدنة الحكم، فأهدافهم دون هذا بكثير، وتتبنى الانتفاضة أسلوب السلطة الشعبية بدلاً عن السلطة الموحدة أو المركزية، وبعد أن يتسع حجمها يبدأ عدد ممن يتوسم فيهم عوامل القيادة والنضوج السياسي بتنظيم لجان شعبية لتطوير عملها مثل لجنة الدفاع المدني ولجنة الرعاية الصحية ولجنة التموين ولجنة إنقاذ الجرحى، ولجنة المتابعة ولجنة التعبئة والأعلام وغيرها من اللجان حسب مقتضيات الضرورة، ومن المعروف أن الانتفاضة تتأرجح درجتها على المحرار صعوداً و هبوطاً، حسب حرارة المناخ السياسي، فأحيانا تخمد كالنار تحت الرماد، ولكنها لا تلبث أن تتوهج ثانية عندما تحركها الظروف المحتدمة، ويتصف المنتفضون بمحدودية التلاحم فيما بينهم لاختلاف الأنسجة العمرية والثقافية والاجتماعية والسياسية، ويعتمد نجاح الانتفاضة على عدد من العوامل أهمها:-


- التعبئة المستمرة لغرض التواصل والاستمرار وإدامة الزخم الثوري، ومحاولة أثبات أنها ليست حالة وقتية سرعان ما تخمد، وخلق حقائق جديدة على الأرض، والقدرة على استلهام الدروس النضالية.


- العمل على تسريع خطوها وتوسيع الرقعة الجغرافية إلى أوسع المديات الممكنة، والعمل على تجاوز النكسات أو العثرات والانحرافات والرجوع إلى المسار الصحيح.


- بناء الهرم التنظيمي من خلال إنشاء اللجان الشعبية التي تقوم بواجباتها التنظيمية والتعبوية وتأمين تواصلها من قيادات يتوسم فيها صفات القائد الحقيقي.


- رفض سياسية التدجين والخضوع إلى أجندات القوى الخارجية.


- العمل على تطوير وتصعيد وتائر الوعي الوطني والقومي، وتأمين بوادر الصحوة الشعبية، واستنهاض روح الانتماء الوطني والقيم الروحية والحضارية المتأصلة في الجماهير.


- تكوين القاعدة الشعبية وإدامة الزخم من خلال توسيع المشاركة الجماهيرية والتغلب على الخوف، وكسر الحواجز النفسية تجاه مخافة الآخر أو مواجهته مثل ( الحكومة المركزية مثلاً).


- استنفار القوى الشعبية وكل الطاقات والإمكانات والكفاءات على مختلف الأصعدة من أجل إدامتها.


- وضوح الأهداف والهوية والابتعاد عن العفوية والتلقائية في التعامل مع الحدث.


- تلافي أسباب الانشقاق والتشتت والتمزق كالمذهبية والطائفية والعنصرية والمصالح الحزبية الضيقة والنفعية.


- محاولة خلق تعاطف دولي ورأي عام ضاغط لتأييدها ونصرتها ودعمها ماديا ومعنويا ولوجستيا على مختلف الأصعدة.



 

الاختلاف بين الثورة والانتفاضة


يختلف مفهوم الأنتفاضة عن الثورة في الكثير من الأسس والمقومات، أهمها إن الثورة ذات نطاق أكبر وأوسع من الأنتفاضة فهي تمثل تغيير كلي أو جوهري في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من خلال تغيير نظام الحكم القائم سواء تم بذلك عن طريق العنف كالانقلابات العسكرية أو تسليم السلطة بدون عنف، كما حصل عند تسلم حزب البعث السلطة في العراق من الرئيس السابق عبد الرحمن عارف، ومنها جاءت تسمية" عروس الثورات" كما أن للثورة مفهوم أكثر اتساعا من الأنتفاضة فهي تتبنى مفاهيم كثيرة أهمها التغيير الجذري والشمولية والهدف المنشود والوسيلة لتحقيق الهدف، وفي الوقت الذي تخلو الأنتفاضة من هرم تنظيمي كفء، فأن الثورة تستلزم مثل هذا التنظيم باعتباره القاعدة الأساسية لبناء المؤسسات الجديدة القادمة، وفي الوقت الذي تعتمد فيه الأنتفاضة على مختلف الفئات العمرية بما في ذلك الأطفال كما هو الأمر في انتفاضة الحجارة الفلسطينية، فأن الثورة تعتمد على عنصر الشباب باعتباره القوة الدافعة الرئيسية والناشطة في المجتمع، وفي الوقت الذي تتأرجح فيه الأنتفاضة بن السكون والحركة فأن الثورة تستمر في عنفوانها وقوتها، علاوة على وجود القائد أو الزعيم الملهم الذي يمتلك صفات قيادية تؤهله لتسيير الجماهير من خلفه ومنها المركزية والثقافة والخطاب السياسي المؤثر والمعرفة التامة بمشاكل المجتمع وكيفية معالجتها إضافة إلى وحدة القيادة وعدم الازدواجية في حين أن الأنتفاضة تتميز بتعدد وتنوع المراكز القيادية، رغم أن هذا لا يعني الافتقاد إلى عناصر قيادية مؤثرة، وغالباً ما يصاحب الثورة منظرين استراتيجيين وكتاب ومحللين ومثقفين واعلاميين، في حين تفتقد الانتفاضة لهم.



مفهوم الغوغائية أو ( الديماكوجية)


أطلقت الحكومة العراقية السابقة عام 1991 تسمية "أعمال غوغائية" على الأحداث التي سقطت فيها معظم المحافظات العراقية، ومن المعروف أن هذه الكلمة إغريقية الأصل وتتألف من مقطعين هما "الشعب والعمل"، يقصد به الزعماء اليونانيين الذين ظهروا في فترة انحطاط الحضارة، مدعين أنهم يعملون من اجل الشعب وإشباع حاجاته، دون أن يرافق المفهوم نوع من الانتقاص أو التجريح من هؤلاء الزعماء، وتطور المفهوم ليعني التعامل من قبل هؤلاء الزعماء مع شعوبهم بطريقة مبنية على الغش والكذب والاحتيال، واستغلال مشاعرهم وتسخيرها لمصلحة الزعماء وتعزيز امتيازاتهم، علاوة على التخلي عن وعودهم السابقة بتحقيق الرخاء والرفاه للشعب، ويتميز الغوغائيون بقوة حجتهم وخطبهم الحماسية التي تلهب مشاعر أنصارهم، بالإضافة إلى مهارتهم في فن المناورة والسفسطة والالتفاف على الجماهير، وفي اللغة العربية وردت كلمة الغوغاء في العهد القديم في سفر يئيل " فضلة القوم أكلها الزحاف وفضلة الزحاف أكلها الغوغاء وفضلة الغوغاء أكلها الطيار", ولم ترد في القرآن الكريم كما يعتقد البعض عندما ربطوا معنى الإغواء بالغوغاء, فالأولى مصدرها( أغوى- يغوي- إغواء) وقد وردت في القرآن الكريم عندما أغوى الشيطان آدم وحواء بعد أن أوصاهم الربً جل وعلا بعدم التقرب من الشجرة. أما الغوغاء فأنها وردت في كتاب نهج البلاغة المنسوب إلى الأمام علي(ع), حيث وصفهم بأنهم " الذين إذا حضروا ضروا, وإذا غابوا نفعوا" قيل له كيف؟ قال" إذا غابوا ذهب كل واحد إلى مهنته فاستفاد منه الناس" كما ورد أيضا" إذا اجتمعوا غلبوا وإذا تفرقوا لم يعرفوا", أما القواميس العربية فقد جاء في لسان العرب وغيره بأنها تعني الجراد الصغير, والمعنى الاصطلاحي للكلمة هم مجموعة من الناس تجتمع على الضرر والأذى ولا يرجى منهم الخير منهم  أبداً.

 والحقيقة أن هذا المفهوم أستخدم في القرن الماضي من قبل ألمانيا النازية، فقد عرف عن هتلر خطبه الحماسية المؤثرة على شعبه بتصويره أن الألمان فوق بقية الشعوب وأنه يسمو عليهم ووزع البشرية في خانات كان حظ العرب واليهود في الخانة التي سبقت القرود، وبموجب هذا التميز المنبوذ فأنه جرفهم بقوة إلى مستنقع الحروب المدمرة، وغالباً ما يستخدم المفهوم في النظم ذات النهج الشيوعي، من خلال وعود الزعماء لشعوبهم بالتقدم والرفاه باعتماد الأسلوب المتطور في قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج والاعتماد على القوى العاملة في تطوير المجتمع وتوسيع مساحات أحلامهم بتلاشي الدولة وتوفير كل المستلزمات لرفاهية الشعب وتقدمه، وتلاشت هذه الأنظمة كالسراب دون أن تحقق وعودها، كما يستخدم مفهوم الغوغائية على نطاق واسع في الأنظمة الليبرالية، وخاصة في الدعايات الانتخابية، حيث يوعد المرشحون ناخبيهم بتحقيق تطلعاتهم في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وما أن تنتهي الانتخابات وتظهر النتائج، حتى يبدأ الزعماء بالتهرب من وعودهم وتنسحب موجة الآمال المتوخاة منهم إلى الوراء. ويلاحظ إن آية الله العظمى الخوئي قد أطلق على أحداث عام 1990تسمية " أعمال غوغاء" وهي نفس العبارة التي اقتبستها الحكومة العراقية ومن ثم غيرتها إلى تسمية ثانية " صفحة الغدر والخيانة".



التمرد السياسي والعصيان


على نقيض الطاعة أو الانقياد السياسي تبرز ظاهرة التمرد، وهي ترسم خطوط التقاطع مع مبدأ الالتزام السياسي بمبادئ وشعارات وأهداف الحكومة المركزية أو الحزب الذي يقودها، وغالباً ما يكون الأمر مرتبط بتصورات عقائدية أو دينية أو قومية وربما سياسية ترفض وجود أو سياسات أو ممارسات النظام السياسي القائم، وكذلك عدم الاعتراف بشرعيته أو شرعية الحاكم بسبب فشله في تحقيق مصالح الشعب وطموحاته وأهدافه كما يدعي المتمردون، أو أن ممارسات النظام تكشف زيف شعاراته المعلنة، أو لعدم توفر الصفات القيادية الناجحة عند الحاكم أو فشل الخطط السياسية والاقتصادية للحكومة وغيرها من الموجبات من وجهة نظر المتمردين، وقد يرتبط الأمر برفض سياسيات النظام لأسباب مذهبية أو عنصرية أو طائفية، ومن المتطلبات الرئيسية لنجاح التمرد توفر بعض العوامل، منها

1-  رفع مستوى الوعي والإدراك لدى الجماهير لجعلها تبسط يديها لاحتضان التمرد، والتركيز على مساوئ النظام وفضائح شعاراته وممارساته التي تناقض أهدافه مثل ممارسة النظام للعنف ضد شعبه، أو انتهاك حقوق الإنسان، أو كبت الحريات العامة، أو فشل سياساته ألاقتصادية، أو مخالفته للدستور، أو الإرهاب الحكومي وسياسة التعسف، و الاستئثار بالمصالح الذاتية والحزبية الضيقة، وتصفية الخصوم السياسيين بطريقة همجية، أو انتهاجه سياسة متطرفة طائفياً أو عنصرياً، أو بسبب انتشار ظاهرة الفساد الأدراي والمالي أو المؤسساتي، والضغط الذي تمارسه الأجهزة الأمنية من خلال قمع المعارضين، وأسباب أخرى،

2-   إستبدال الشعور بالإحباط والضعف عند الجماهير بالقوة والكشف عن مواقع ضعف النظام ومواقع قوة الجماهير وإضرام مشاعرها في الرغبة في تغيير الأوضاع القائمة،

3-  دفع الجماهير إلى العصيان المدني، أو الإضرابات ورفض المشاركة في الفعاليات الحكومية كالانتخابات والتظاهرات التي ينظمها النظام، أو الإضراب العام وغيرها من الإجراءات المؤثرة في الشارع  والعامل الأخير البحث عن تأييد إقليمي أو دولي، لدعم التمرد في حالة تطوره أو نجاحه لإدامة زخمه.



مفهوم الفوضويــة

 
استكمالا لهذه المفاهيم لابد من أخذ نظرة وهي الأخيرة عن ما يسمى بإعمال الفوضى ومدى ارتباط إحداث عام 1991 بما يسمى بالفوضوية، والتي يرى العديد من المفكرين بأن هناك صعوبة كبيرة في تحديدها وتوصيفها، لكونها تضم مجموعة من العقد والتناقضات، لكنها تشترك في نظرتها إلى النظام الحاكم بأنه يمثل تهديداً للحريات الأساسية، والمطالبة بإسقاطه لضمان قدر أكبر من الحريات الأساسية، والفوضوية تتقاطع مع مفهوم الأيدولوجية، فهدفها محدد بالإطاحة بالنظام دون إيجاد البديل المناسب، وترك الأمور بفوضى عارمة لغرض تحقيق منافع لفئة محدودة، ويتهم الفوضويون النظام السياسي القائم بأنه غير مؤهل بتسلم زمام الحكم لكونه لا يمثل الشعب بمختلف شرائحه وأطيافه، والاتهام الثاني يتعلق بما يحمله النظام من شرور وظلم وتعسف، و يستخدم الفوضويون كل الوسائل المتاحة من عنف وتخريب ونهب وسلب لتحقيق أهدافهم، وينظرون إلى ملكية الدولة على أساس إنها تعود للجميع ولأصحابها الحق في أن يأخذوا منها ما يشاءون دون رادع قانوني أو مراعاة لحقوق بقية المواطنين، وان من حق أي شخص أن يفعل ما يشاء دون الالتفاف إلى حقوق الآخرين أو مصالحهم، والفوضويون لا يعيرون أهمية إلى الدين أو المبادئ ألأخلاقية أو الوطنية، وهم لا يترددون في انتهاك الحرمات واستخدام الإرهاب الفردي والاغتيالات لتصفية الخصوم السياسيين أو الدينيين وممثلي الحكومة والأحزاب الحاكمة، وان من ابرز صفاتهم :-

 أولا:- العداء للنظام الحاكم ومؤسساته وأنظمته ورجاله وأحزابه أو الحزب الحاكم واعتبار النظام مصدر للكراهية وقمع الحريات، وهو نظام تأديبي وعقابي ضد الشعب,

 ثانيا:- أتساع الكراهية للجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، باعتبارهم عقبات كئود تحول من تحقيق أحلامهم غير القانونية والشرعية، كما انه مصدر إجهاض أحلامهم، فهي حصن الدولة الحصين.

ثالثا:-عدم الاعتراف بالالتزامات القانونية أو الشرعية أو الأخلاقية لتنفيذ أهدافهم.

رابعا:- محاولة السيطرة على مصالح الأكثرية وتوجيهها في إطار ضيق لحماية مصالحهم. خامسا:- عدم وجود تنظيم سياسي أو أداري يفرض سلطته عليهم، فكل يتصرف بما يشاء وضمن الموقع الجغرافي الذي يحتله أو يشغله، أن معظم الفوضويون من أرباب السجون أو الطبقات الفقيرة والمسحوقة في المجتمع، ممن يفتقدون التعليم و الثقافة والمعرفة بالدين والوعي الوطني والقومي.

سادسا:- استغلال الظروف العامة وخاصة ضعف الدولة بسبب الحروب الخارجية والنزاعات الداخلية، أو العقوبات الدولية والتأثيرات الخارجية، وانهيار أو سوء الأوضاع الاقتصادية وانتشار حالات الفقر والفساد الإداري والتفكك الاجتماعي، أو انشغال الدولة بإعادة تنظيم شأنها الداخلي.

سابعا :- محاولة الالتفاف على المؤثرين في المجتمع والعمل تحت جلبابهم مثل رجال الدين وزعماء القبائل والعشائر وبعض الشخصيات والوجوه الاجتماعية المعروفة والمؤثرة سواء كان ذلك بموافقتهم أو دونها.


ولغرض الأنصاف، وعدم التأثير على آراء الآخرين واستمالتهم إلى المعيار الذي ينطبق على تصنيف أحداث عام 1991، سنأخذ فكرة عن بدايات الحدث وفق سياقه التأريخي، لتكوين نظرة متكاملة عما حدث.


بعد وقف إطلاق النار من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في حرب الخليج الثانية، تم انسحاب القوات العراقية من الكويت انسحابا غير مدبر كما يطلق عليه المحللون العسكريون، فقد أتسم الانسحاب بفوضى عارمة كان سببها انقطاع الاتصالات بين القيادات العسكرية الفيالق والفرق ومراجعها العليا في الدولة من جهة، وانقطاعها أيضا مع القيادات الفرعية التي تعمل بإمرة هذه القيادات من جهة أخرى، بفعل التكنولوجية المتقدمة التي استخدمها الأمريكان للتشويش واختراق أجهزة الاتصال العراقية. مما ولد صعوبة في إيصال الأوامر العسكرية إلى كافة الوحدات العسكرية، ففي الوقت الذي انسحبت قيادات الفيالق والفرق والألوية من ساحة المعركة بعد حرق مكاتبها وغرف الحركات والعمليات، فأن بعض الوحدات لم تصلها هذه الأوامر مما جعلها تتريث في الانسحاب خشية من تهمة الهزيمة أو التخاذل في الحرب, سيما أن الرئيس صدام حسين ولخشيته من دبلجة صوته من خلال وسائل الأعلام الأمريكية المتطورة، حذر وحدات الجيش العراقي من مغبة الاستجابة لأوامر الانسحاب من جبهات المعركة حتى لو سمعوا صوته، مما جعل الوحدات في حيرة من أمرها، وهي تعلم إن الانسحاب بدون أمر يعد خيانة للنظام والوطن وهذا أمر مألوف ومعروف ويعمل به في جيوش العالم كافة.


ولقلة العجلات المتوفرة والتي كان العدد الأكبر منها عاطل عن العمل بسبب بعد مناطق التموين عن الجبهات الأمامية، إضافة إلى استهدافها من قبل الطيران المعادي وعلى شكل أرتال عسكرية، وعدم توفر الوقود، فقد أدى هذا إلى انسحاب القوات في الجبهات الأمامية مشياً على الإقدام إلى المناطق الإدارية أو ما يسمى بالقطعات الخلفية، قاطعة الساعات الطويلة في رمل الصحراء، متخلين عن الأسلحة الثقيلة والمتوسطة التي تركوها في مواقعهم لصعوبة نقلها وإخلائها، وحدثني أحد ضباط هذه الوحدات بأنه أمر جنوده بحمل الأسلحة الخفيفة فقط لغرض الدفاع عن أنفسهم عند دخول العاصمة الكويتية خشية استهدافهم من قبل المقاومة الكويتية أو الأمريكان فربما يكون هناك إنزال أمريكي في القطعات الخلفية وهذا ما حصل فعلاً، وبعد وصول القطعات العراقية المتأخرة إلى الطريق الدولي في منطقة الجهراء، وكان إطلاق النار ساري المفعول حسب إدعاءات الرئيس الأمريكي بوش, كانت هناك أزمة خانقة على الطريق الدولي الوحيد بسبب زخم العجلات والدبابات و الناقلات التي كانت متراصفة كأنها اسطر كتاب، فقامت الطائرات الأمريكية بجريمة شنعاء عندما ضربت بداية الرتل ونهايته مع سريان وقف إطلاق النار مما عطل حركة الأرتال كلها عن الحركة فلا هي قادرة على التقدم أو التراجع أو المناورة فجعلها لقمة سهلة للابتلاع من قبل الطائرات الأمريكية التي كثفت هجماتها على الأرتال الجامدة والمطوقة بمنتهى القسوة والهمجية وتعتبر هذه الهجمات في قمة الخسة والنذالة إضافة إلى أنها تتناقض مع القوانين الدولية! وقد كبدت الخدعة الأمريكية هذه الجيش العراقي خسائر فادحة في الأشخاص والمعدات، وتحول الرتل الذي يمتد لحوالي عشرات الكيلومترات إلى عجلات محروقة وأشخاص متفحمين، ولم تكن هناك طرق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فكل منشغل بنفسه للخروج سالماً من هذه المحرقة البشرية التي هي بحق أضعاف الهولوكوست من حيث قوتها وخسائرها، ومن خرج سالما كانت تنتظره مسيرة طويلة ملبدة بالمخاطر للوصول إلى مرفأ الأمان العراقي هذا فيما إذا كانت الطريق آمنه في ظل انقطاع الجسور والقصف الجوي الأمريكي المكثف، فمنهم من استشهد أو نجا، أو وقع في الأسر، وتجمعت الوحدات في البصرة لا تعرف ما تفعل فالقيادات العسكرية تفتت ولا يعرف عنها شيئا ولم تترك للجموع خلفها توجيهات محددة، فقد كان الجيش العراقي يعاني من فوضى عارمة للأسباب التالية:-


1:- كان هروب القيادات من ساحة المعركة دون إعلام الوحدات الصغيرة قد اثر على معنويات هذه الوحدات التي وجدت نفسها وحيدة في الصحراء فلا أسلحة ساندة ولا عجلات ولا غطاء جوي، وكانت الوحدات تستنير بنيران آبار النفط المحترقة في طريقها الطويل في الصحراء مشياً على الأقدام.


2:-
كان الجيش العراقي يعاني من عدم توفر المواد الغذائية خلال المعركة وما قبلها وغالباً ما تجود عليه القيادة العسكرية بوجبة غذائية فقيرة واحدة تضم كمية من الرز مع شوائبه لا تكفي لإشباع حاجته كما ذكر عدد من الضباط والجنود، ومرق يدعوه الجنود " مرق هوى" لأنها خالية من الدهن والمعجون واللحوم، مع رغيف خبز لكل جندي يوميا تحتوي على طفيليات وحشرات ظاهرة للعيان وكان الجنود يسمونها " خبر بعجين" تندراً، وبعد أن أحرقت القيادات غرف العمليات وأبقت مخازن التموين سالمة، دخل صغار الضباط والجنود وتفاجئوا بوجود مخازن من المواد الغذائية وخاصة المعلبة تحمل كل أصناف المأكولات من القيمر والعسل واللحوم والمربيات والعصائر، فكان الوضع مصدر إزعاج لهم في الوقت الذي كانوا فيه يتضورون من الجوع، ونستذكر جميعاً أهمية الغذاء للجندي فقد قال نابليون " الجيوش تزحف على بطونها" بمعني بلا غذاء لا تأمل منهم شيئاً، وقد ترك الوضع مفعولاً سيئاً عند الضباط الصغار.


3:-
كانت القيادة العسكرية العراقية قد وعدت الجيش بأن لها من الأسلحة الجديدة والكفيلة بتحقيق الانتصار أو الردً بقوة على المعتدين على اقل تقدير، وبقي الجيش ينتظر مفاجأة قياداته بلا فائدة، في الوقت الذي بسطت قوات التحالف سيطرتها التامة على الجو والبحر، واستعدت للعمليات البرية، وكانت الأسلحة التي يمتلكها الجنود العراقيون متوقفة معظمها عن العمل، بسبب الرمال والرطوبة العالية التي تؤدي إلى حدوث توقفات في الأسلحة كما يسمونه في المصطلحات العسكرية مما جعل الجيش عاجزاً عن استخدام السلاح رغم الإدامة اليومية، وحدثني أحد الضباط الذي كان في ميناء الزور الكويتي على الحدود الكويتية السعودية، بأن أحد الزوارق الحربية الأمريكية تقدمت بالقرب من الساحل وفتحت عليهم نيران الرشاشة الثقيلة(الدوشكة) وعندما طلب بالرد عليها من قبل دوشكات وحدته وجدها جميعا لا تعمل، فطلب من وحدة الإسناد (الهاونات) بالرد على مصدر النيران المعادية فأخبروه بأنها لا تعمل أيضاً ، فطلب من حظيرة سلاح "أس بي جي 9" بضربهم بصواريخ لكنهم تعذروا بأن الأسلحة لا تعمل أيضاً، ولا شك أن السلاح هو العامل المؤثر في تحقيق أي انتصار، وبدأت القوات العراقية تعيش في دوامة وتتساءل أين الأسلحة المتطورة؟ ولماذا لم تستخدم لحد الآن؟وقد أثر هذا الأمر على معنويات المقاتلين وروحهم القتالية.


4:-
عندما دخل الجيش العراقي إلى الكويت فوجئ بالحياة الكريمة التي يعيشها الأشقاء الكويتيون وبحبوحة العيش الرغيد، وكانت محلات السوبر ماركت مكتظة بمختلف المواد الغذائية والحاجات، وكذلك الأمر بالنسبة للسيارات الحديثة ودور السكن الأنيقة والشاليهات( قصور على البحر) الفارعة على البحر، في الوقت الذي توجه انتقادات لحكام الكويت من أنهم يسرقون ثروات شعوبهم، واخذ الجنود يقارنون أحوالهم المعيشية مع الشعب الكويتي وما أصعبها من مقارنة؟ رغم أن العراق لديه من الموارد والإمكانيات ما يفوق الكويت وكانت ردة الفعل عنيفة, وأخذت هذه المقارنة قد أخذت موقعاً مؤثراً في عقول القوات العراقية وبدأت تنخر في معنوياتهم.


5:- كان الجنود العراقيون يشعرون بالإحباط بسبب مشاركة الدول العربية والإسلامية في الحرب عليهم، وكانوا يرفضون قتالهم وحتى وإن لم يجاهروا على أساس إنه  لا يجوز شرعاً وقانوناً مقاتلتهم للعرب الأشقاء والمسلمين، ويردد الكثير منهم حديثاً نبوياً شريفاً بأنه إذا اقتتل مسلمان فكلاهما إلى النار، ولا شك إن الطروحات القومية التي كانت الحكومة العراقية تزرعها في عقول الشعب العراقي عامة والقوات المسلحة بشكل خاص، قد تركت أثراً عميقا في قلوبهم فالعرب أشقاء ولا يجوز إن يتقاتلوا, وبدأ الإعلام العربي والأجنبي يضخ بهذا الاتجاه بقوة, رغم إن العرب يفترض إن يفكروا بنفس الصيغة القومية, وكان الإعلام العراقي ضعيفا ومربكا لم يواكب حجم المعركة, ومن الفوضى الإعلامية التي رافقت المعركة وصفها دعم لثورة قام بها فتية آمنوا بربهم، من ثم تحولت إلى طلب من الثوار الكويتيون لمساعدتهم، وأن والعراق لبى النداء، وتحول الأمر إلى مؤامرة كويتية لسرقة النفط العراقي، وحان وقت المصارحة وأخذ الثأر، وتحول الأعلام إلى المطالبة بالكويت كمحافظة عراقية ضمن السياق التأريخي لتبعيتها للعراق، وكان هذا التخبط الإعلامي قد ترك آثاراً سيئة في نفسية القوات العراقية. رغم أيمان الجميع بأن الكويت كانت أشبه بقشر الموز الذي زحلق قدم العراق, فالنفط كان يسرق وهذه حقيقة طرحها العراق في مؤتمر الجامعة العربية ولم تنكرها الكويت, وكان من المفروض أن يتم التركيز على هذا الموضوع, وان الكويت تشارك في مؤامرة لتدمير العراق دون التشعب إلى مسائل جانبية وترك الأصلية.


6:- دور الأعلام الأمريكي والأوربي والعربي في مؤازرة القوات الأمريكية والتأثير على معنويات الجيش العراقي، إضافة إلى المنشورات التي كانت تنثرها الطائرات الأمريكية باستمرار على القطعات العراقية مطالبتهم بالاستسلام وإنهم سوف لا يتعرضون للأذى وفي حالة ذلك وإلا فأن الموت قادم إليهم بلا هوادة، مما جعل معنويات الجيش في حالة هبوط مستمر.


7:- كانت الخسائر كبيرة في صفوف الجيش العراقي، بفعل القصف الأمريكي الكثيف، وفقدت الكثير من الوحدات العسكرية العديد من ضباطها و جنودها  وهم يتفحمون أمامهم دون أن يقدر أعوانهم من أخلائهم أو دفنهم ، وكان هذا الموقف نفسه مستمراً حتى داخل الحدود العراقية، فقد كانت الجثث منتشرة في كل مكان مشوهة ومحروقة داخل العجلات وخارجها، دون أن يقوم أحد من العسكريين أو المدنيين بمواراتها التراب بفعل العامل الوطني أو الديني أو الإنساني وكأن الأمر مبيت له.


8:- قبل بداية المعارك أوقفت القيادات العسكرية الأجازات الممنوحة للضباط والمراتب وكان عدد منهم منذ أكثر من شهرين أو ثلاثة لم يزور عائلته أو يتواصل معهم لعدم وجود الخدمات الهاتفية والبريدية، إضافة إلى أن بعضهم تراكمت لديه رواتب شهرين أو ثلاثة دون أن يتمكن من إرسالها إلى ذويه وعائلته وإعالتهم، وكان هذا الانقطاع قد أثر في الجانبين فكل يجهل مصير الطرف الآخر.


9:- هروب عدد كبير من الجنود العراقيين بعد منحهم أجازات لزيارة ذويهم وعدم التحاقهم إلى وحداتهم، مما اثر على حجم القوات ويشير آمر احد الوحدات بأن القوة القتالية لوحدته كانت تضم (400) مقاتل وبسبب الهروب أصبحت القوة (120) مقاتل فقط، والأمر الأكثر سوءًا إن هؤلاء الآمرين كانوا يقدمون بيانات مضلله للقيادة عن حجم قوتهم القتالية، فقد صدر أمر بإعدام الآمرين الذين تهرب نسبة كبيرة من جنودهم، مما جعلهم يزيفون حجم قواتهم.

هكذا كان حال القوات العراقية المنسحبة من الكويت والمرابطة في المنطقة الجنوبية من العراق لا تعرف كيف تتصرف؟ فالجوع والعطش والضياع والهزيمة بعد الانتصار الكبير الذي حققه الجيش العراقي على الفرس، والسلاح الضعيف الذي لم يسعف الجنود في القتال، والانقطاع عن الأهل وعدم معرفة ما جرى لهم، وخاصة إن الأخبار الواردة عن المدن تشير إلى تدمير معظمها كما هولها الإعلام الغربي والعربي مع الأسف الشديد،علاوة على انتشار الجثث في كل مكان، وترك الجرحى والمصابين بدون إسعافات أو معين، والجهل بتصرفات القيادات العسكرية الغريبة التي آثرت النجاة بنفسها تاركة الوحدات في الصحراء دون أدنى شعور, والبقايا المخزونة في الذاكرة عن رغد الكويت ورفاهية شعبها، والفقر الذي يعيشه الشعب العراقي. وهنا يمكن استعراض أهم المحطات:- 

-    كانت محطة لقاء الضباط والمراتب في البصرة يومي 26 -27 شباط عام 1991 وخاصة ألزبير وشط العرب، وهي من المناطق ذات الأكثرية السنية، وكان الضباط قد نزعوا رتبهم وأخفوها والقسم الآخر مزقها خجلاً من الهزيمة، وبدئوا يكيلون السباب والشتيمة للقيادات العسكرية التي هربت وتركتهم بانسحاب غير منظم.

-     قام العديد من الضباط والجنود بترك أسلحتهم في العراء بعد دخولهم البصرة لعدم الحاجة إليها، ولورود معلومات تفيد بأن نقاط السيطرة العسكرية على مشارف المحافظات لا تسمح باستصحاب الأسلحة أو مرورها إلى داخل المدن وخاصة بغداد وتقوم بمصادرتها باستثناء المسدسات وللضباط فقط، وان التسليم يتم دون مستند اعتراف( مستند 102)، وهذا ما كان فعلاً، لذلك استغنوا عن السلاح الذي أثكلهم طويلاً، كما أن فقدانه لا يعرضهم إلى المسؤولية، علاوة على إن بعض الجنود كانوا بحاجة إلى الأكل أو أجرة السيارات للوصول إلى ديارهم فباعوا أسلحتهم لأهالي الجنوب لهذه الأسباب.

-     كانت المناطق الإدارية لفيالق والفرق العسكرية وتشكيلاتها( المناطق الادارية) قد فرغت من جنودها، فقد أخذتهم الموجة العارمة من الفوضى فتركوا ما بذمتهم من أسلحة وعجلات وذخائر وتجهيزات عسكرية وتوجهوا إلى بيوتهم، وكذلك الأمر بالنسبة للأجهزة الأمنية، فلم يبقى سوى عدد ضئيل من الضباط والمراتب في المقرات، وكذلك الأمر لمقرات حزب البعث في محافظتي البصرة والناصرية، وكان للفراغ الأمني والعسكري أثراً في تشجيع بعض المحسوبين على الاحزاب السياسية المناوئة للنظام  في محافظتي البصرة والناصرية على روح التمرد والتطاول على الحزب والقيادة،  و محو صور الرئيس صدام حسين وتلطيخها بالدهون والأصباغ وتمزيق اللافتات التي تحمل أهداف الحزب وشعاراته وإطلاق الرصاص على المقرات الحزبية والدوائر الأمنية.

-     كانت وسائل الأعلام الإيرانية باعتبارها المصدر الوحيد لأخبار الحرب تقوم بدس المعلومات المضللة عن وقائع الحرب، وتصب الزيت على النار, وتعزف على أوتار الروح الانهزامية لجيش هو أصلاً متعب، بأساليب تدل على الكفاءة المخابراتية والدور الخفي والملعون لإيران في هذه الحرب، من جهة ثانية كانت الجارة المسلمة وضمن دعاية خسيسة ترسل المئات تلو المئات من أعضاء فيلقي القدس وبدر وحزب الدعوة من سكان الجنوب مزودين بالأسلحة وذلك لمعرفتهم بالطرق, ودعم الشخصيات المؤثرة من رجال الدين الشيعة والموالين لإيران، وكانت الحسينيات تمثل الأوكار الرئيسية للاجتماعات ومخازن لتكديس السلاح والعتاد، وأنشأت شبكة اتصالات مع المراجع الفارسية في الحوزة العلمية للحصول على التغطية الدينية، وكانت الحوزة تعمل بجد في الخباء وتنفذ المخطط الإيراني المرسوم بحذافيره وتفاصيله الدقيقة، وبدأت بدورها توزع الأموال والأسلحة على أتباعها كما اعترف العديد من رجال الدين بعد احتلال العراق مشيدين بدورة الحوزة العلمية بهذا الدعم والإسناد؟

-     قام رجال الدين الطائفيين ذوو الهوى الفارسي بدورهم التحريضي لأبناء الطائفة الشيعية وبدأت عملية توزيع الأسلحة والذخيرة على الأتباع واستمالة الجنود من المناطق الجنوبية الذين رأوها فرصة سانحة في عدم الرجوع للجيش ثانية، كما وعدهم رجال الدين، وكان التوجيه مخابراتي أيراني دقيق كما سيتبين، وتمثلت المرحلة الأولى:- بجمع الأسلحة التي تركها الجيش العراقي وتكديسها في الحسينيات والمناطق المهجورة والسرية، بشكل لا يسترعي الانتباه، والمرحلة الثانية:- تجنيد أكبر ما يمكن من الأتباع وتذكيرهم بأنهم ليس وحدهم في الميدان فالأمريكان يدعموهم من خلال مراقبة مناطق الحظر في الجنوب والشمال، والإيرانيون قادمون من الاهوار والمناطق الحدودية لنجدتهم، وفعلاً تسلل الآلاف من حرس الثورة الإسلامية إلى داخل الحدود العراقية، وكانوا يختفون في الحسينيات وبيوت أنصارهم. المرحلة الثالثة:- توزيع المناشير التحريضية على الأهالي ودعوتهم لنصرة الشيعة، وقد آن الأوان ليسترجع الشيعة دورهم الحقيقي في تسلم السلطة في العراق، وبعد استكمال التحضيرات من المال والرجال والأسلحة والذخيرة والخطة، وحانت ساعة الصفر.

-    تم توزيع المتطوعين يرافقهم عدد من الحرس الثوري الإيراني وفيلق بدر على نقاط محددة لغرض استهداف المعسكرات ومقرات الحزب والأجهزة الأمنية بادئ الأمر، كما نصبت نقاط سيطرة على الشارع الرئيسي البصرة – العمارة -الكوت، وكانت الأوامر الإيرانية تقضي بالإجهاز على الضباط الذين أذاقوها مر الهزيمة في الحرب العراقية الإيرانية، ومعروف عن الفرس غطرستهم وتعاليهم وعدم نسيانهم لهزائمهم المخزية فهم لا يزالوا يستذكروا ضياع مملكتهم الفارسية قبل أكثر من ألف وثلاثمائة عام بالفتح الإسلامي! فما بالك بحرب خسروها قبل بضع سنوات، وأن وقت الثأر قد قرب فلا دولة ولا جيش ولا نظام في الجنوب, والفوضى عارمة تعم كل الأماكن، فبدأت عمليات اصطياد الضباط المنسحبين من خطوط القتال والثكلى من الانكسار النفسي، أحتل المتمردون نقاط سيطرة الجيش وقاموا بإنزال الركاب من الضباط وأعدموهم بالرصاص، وبدأت عمليات قتل مبرمجة طالت أيضاً البعثيين ومنتبسي الأجهزة الأمنية بدون وازع وطني أو أخلاقي أو ديني، وتم جمع الجثث ودفنها على شكل مجاميع تغيرت تسميتها فيما بعد إلى " المقابر الجماعية" والدليل على القول الذي استقيناه من مصادر موثوقة، إن معظم القتلى الذين نبشت مقابرهم كانوا يرتدون الملابس العسكرية، وليست المدنية وهذا ما لاحظه الناس عبر وسائل الأعلام أيضاً؟ ومن المعروف انه خلال الحرب العراقية الإيرانية قامت القوات الإيرانية بقتل (1500) أسير عراقي في 1/12/1981 ودفنوا داخل الأراضي العراقية وهو الأمر الذي أثار فضيحة كبيرة في حينها، ويبدو إن هؤلاء الشهداء ضموا قسراً إلى " المقابر الجماعية" . إضافة إلى بقية الشهداء الذين سقطوا خلال بقية المعارك والذين دفنوا في الأراضي العراقية، عندما احتلت إيران أجزاء منها، كما إن القوات الأمريكية قصفت الكثير من المناطق داخل العراق وفي المنطقة الجنوبية تحديداً خلال انسحاب القوات العراقية، وكان العديد منهم قد احترق ولم يتم التعرف على هويته، فدفنوا من قبل المواطنين العراقيين على مجموعات كبيرة، وقد تحولت بعد الغزو الأمريكي إلى " المقابر الجماعية " أيضا .

-     بدأت الخطة الثانية بالهجوم على المقرات الحزبية والأمنية وهذه المرة بمعونة ومشاركة قوات الحرس الثوري الايراني، وكأن الأمر مبيت له من خلال سرعة وصول الحرس الثوري الإيراني إلى داخل الأراضي العراقية، وسرعة انتشارهم وتوزيعهم على المناطق المهمة، وكانوا هذه المرة يرتدون الملابس العسكرية، وبعد مقاومة مستميتة من قبل قوات الشرطة والأمن وبعض الحزبيين، حيث قتل من قتل وجرح من جرح، أما الآخرين الذين سلموا أنفسهم بعد نفاذ ذخيرتهم ووعدوا بالأمان فقد سحلوا في الشوارع ومثل بجثثهم أبشع تمثيل، كما تم نهب المقرات الرسمية والحزبية والاستحواذ على ما فيها من أجهزة وأثاث وأسلحة، وتحولت إلى أماكن خاوية، فقد صدرت فتوى من أصحاب العمائم الفرس بأن سرقة أموال الدولة تعتبر حلال بعد تخميسها( دفع خمسها إلى المراجع) وكان رجال الدين قد تسلموا زمام المبادرة وأفصحوا عن هوياتهم الحقيقية وبدأت الحسينيات تبث الأخبار على الناس حول انتصار الشيعة وتحرير البصرة والناصرية من أنصار البعث وأجهزته القمعية، والتبشير بحكم الشيعة وحاكم جعفري، وقام بعض الطائفيين بالاستيلاء على مساجد السنة وتحويلها إلى حسينيات، وهو الأمر نفسه الذي تكرر بعد دخول قوات الاحتلال إلى العراق عام 2003، وخاصة بعد أحداث سامراء، وكانت وسائل الأعلام الإيرانية تدعم بشكل مباشر رجال الدين الشيعة وتشجعهم على المضي لتحقيق الانتصارات الموهومة على أبناء جلدتهم من قوات الجيش والشرطة والبعثيين.

-     بدأت الخطة الثالثة بالتوجه إلى السجون وإخراج السجناء من قتلة ولصوص ومجرمين والاستفادة منهم للانضمام إلى الجماعات المسلحة وتوزيع الأدوار عليهم، ووزعت المهام بالتوجه إلى مؤسسات الدولة كافة ونهبها، وتعرضت المستشفيات إلى أمور لا تصدق، فقد كانوا ينزلون المرضى من أسرتهم ويسرقونها، كما قاموا بسرقة الجامعات والكليات وحتى رحلات المدارس التي يجلس عليها أبنائهم لتلقي العلم نهبت؟ وحرقوا المؤسسات بعد نهبها بطريق شاذة ودنيئة تعبر عن سطحيتهم وانعدام وعيهم ووطنيتهم وتنفيذهم للأجندة الإيرانية على أفضل صورة، وبعد نهب وتدمير ما تم تدميره، جاءت التوجهات الإيرانية باستهداف حضارة العراق فتوجهوا إلى المتاحف وسرقوا الآلاف من التحف الأثرية والمخطوطات وهربت إلى إيران، ومن ثم أخذت طريقها إلى العالم الخارجي، فقد سرق من متحف الناصرية فقط (4000) تحفة ونفس الأمر بالنسبة لبقية محافظات الوسط. وقد دعا متحف الكوفة الجهات المعنية إلى استعادة المقتنيات التي سرقت منه خلال الأحداث والتي تباع في المزادات البريطانية، وأشار مصدر بأن" هناك صحون ذات نقوش وكتابات باللغة الآرامية سرقت من متحف النجف الذي يسمى بمتحف الكوفة خلال الانتفاضة الشعبانية "حسب تعبيره. وكأنما التأريخ أعاد نفسه فقد تكرر نفس الفعل خلال الغزو الأمريكي وما يزال حتى الوقت الحاضر.

-     بعد إكمال المهمة في البصرة التي سقطت في 29/3/1991 من ثم الناصرية والعمارة قامت المراجع الدينية باستثارة همم الشيعة ووزعت عليهم الأسلحة وقام هؤلاء بنفس الأعمال الشائنة التي جرت في البصرة والناصرية من قتل ونهب وتدمير، وسرقت الكثير من التحف الأثرية من العتبات المقدسة نفسها، وكانت شبكة الاتصالات على قدم وساق بين المراجع الدينية في العراق والمخابرات الإيرانية وحزب الدعوة وقوات بدر وفيلق القدس الإيراني، وسقطت المحافظات الجنوبية العمارة والكوت والديوانية والسماوة وكربلاء والنجف والحلة، وفي الشمال محافظات أربيل والسليمانية ودهوك، في حين فشل الأكراد في اقتحام بوابات محافظة كركوك التي بقيت صامدة، وتوغل عدد كبير من الحرس الثوري الإيراني إلى داخل المدن العراقية، وبدأت الجموح تزحف تجاه الطريق الرئيسي وسيطرت عليه، وتوحدت القوى في طريقها لإسقاط النظام في محافظة بغداد، ساعدها عدم إمكانية القوات العراقية من استخدام سلاح الطيران بسبب فرض الحظر الجوي، وانشغال الحكومة بإعادة تنظيم قوات الجيش، علماً أن قوات الحرس الجمهوري لم  تدخل خلال هذه الصفحات, فقد كانت في الإنذار استعدادا للتنفيذ الأوامر من القيادة. وهنا لا بد من الإشارة  بان القوات العراقية في شمال العراق عوملت بقسوة وعنف أقل مما هو عليه في  جنوب العراق من قبل إخوانهم في الإسلام والعروبة.

-    في الوقت الذي فرضت الولايات المتحدة الأمريكية مناطق الحظر الجوي في شمال العراق وجنوبه، في أول تقسيم طائفي وعرقي في العراق، وكانت تلك الطابوقة الأولى في بناء العراق الجديد، ودلالة على أن المسيرة الجديدة ستوزع بين فئتين تحتضنهم الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحا الورقة الرئيسية في لعبتها فالشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال، والاثنان يحلمان بالكعكة الأمريكية، وكانت النتيجة قد جاءت كما هو مرسوم لها، ولكن المهم هو النتائج على ألأرض وليس الخيال، فقد كانت هناك عوامل مثيرة حقاً لابد التوقف عندها، الأمر الأول:- لقد وجدت الولايات المتحدة بأن شيعة العراق في الجنوب كانوا مخيبي لآمالها وطموحاتها، فالنهب والحرق والقتل العشوائي والدمار الذي لحق بمؤسسات الدولة في المحافظات الجنوبية، كان غير متوقعاً، وأن هذه الأفعال أثبتت الفراغ القيادي في المحافظات الجنوبية، فالأحداث لم تفرز قادة مميزون يمكن أن تعتمد عليهم الولايات المتحدة لتنفيذ مخططاتها، وإنما كان رجال الدين و(الموآمنة) هم القادة الفعليين للأحداث، وكانوا دون المستوى المطلوب من الوعي والإدراك. والأمر الثاني:- أن التأثير الإيراني بدأ مهبطاً للعزائم الأمريكية، فحرس الثورة الإيرانية بدأ يتغلغل بشكل كبير في المناطق الجنوبية، وهذا يعني إن المرحلة القادمة تهدد بتواجد أيراني كبير ومؤثر وفاعل في العراق. والأمر الثالث:- يتمثل بتخوف دول الخليج العربي من المدّ الإيراني القادم وعودة مفاهيم تصدير الثورة الإسلامية إلى دول الجوار، الذي بدأ يرسم ظلاله على الأقليات الشيعة الموجودة في هذه الدول، ولا سيما إن إيران مصدر قلق دائم لهذه الدول، وان صدى تصدير الثورة الإسلامية إلى دول الخليج ما يزال فاعلاً في الذاكرة الخليجية، لذا سمحت الولايات المتحدة للحكومة العراقية باستخدام الطائرات غير ذات الجناح في سحق التمرد، وكان لهذا الأذن أثره في سحقه بسهولة، فالبصرة والناصرية طهرت من قبل الجيش في ثلاثة أيام فقط وبقية المحافظات خلال أسبوع ما عدا النجف وكربلاء التي استمرت لمدة أسبوعين، وهذا الأمر سنناقشه في الدور الإيراني الخطير في هذه الأحداث.

-    قامت قوات الحرس الجمهوري بالتحرك تساندها الطائرات المروحية في تطهير المحافظات الساقطة بسهولة، وكانت هناك مقاومات محدودة تم تجاوزها بسهولة، وذلك لعدة عوامل أهمها العامل الأول:- عدم معرفة المتمردين بأسلوب حرب الشوارع في الوقت الذي كانت قوات الحرس الجمهوري مدربة على هذا النوع من المعارك وتجيده بكفاءة قتالية عالية. العامل الثاني- كانت أسلحة المتمردين محدودة بالاعتماد على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، في حين كانت القوات العراقية مسندة من قبل الطائرات ثابتة الجناح والدبابات وناقلات الأشخاص المدرعة. العامل الثالث:- يتمثل في الرهبة و القوة والصيت الكبير الذي تمتلكه قوات الحرس الجمهوري على المستوى الداخلي والإقليمي، فقد كانت هذه القوات مصدر رعب وفزع دائم للقوات الإيرانية أبان الحرب العراقية – الإيرانية. العامل الرابع:- عدم وجود قيادات عسكرية كفوءة ومتخصصة تنظم خطة دفاع المتمردين عن أنفسهم والمحافظات التي سقطت. العامل الخامس:- إن عددا كبيرا من القوات الأمنية والجيش والحزبيين الذين تمكنوا من النجاة من هذه المحافظات عادوا مع الجيش وكانوا خير الإدلاء في معرفة طرق التقرب وأماكن تواجد المتمردين والتعرف على المجرمين، وتقديم المعلومات التي أفادت قوات الحرس. العامل السادس:- النزعة القتالية الكبيرة لدى قوات الحرس في الأخذ بثأر الضباط العراقيين الذين قتل العديد منهم من قبل المتمردين بدون موجب أو ذنب يستحقونه. العامل السابع:- ارتداد عدد كبير من المتمردين عن رفع السلاح بوجه الجيش بسبب معرفتهم بقوته وعدم تهاونه مع الخونة والعملاء، وكذلك رغبة منهم في الحفاظ على حياتهم وحياة أسرهم. والعامل الثامن:- تخلى زعماء العشائر عن إسنادهم للمتمردين، حفاظاً على مكانتهم، ولرفضهم الدور التخريبي الذي لعبه المتمردون من قتل ونهب وحرق وتدمير. العامل التاسع:- رفض معظم أبناء الطائفة الشيعية للأعمال التي جرت في محافظاتهم وعدم وجود مبررات لحصولها، وخاصة عمليات النهب وحرق المدارس والمستشفيات ومذاخر الأدوية ومؤسسات الدولة، مما جعلهم يرفضون التعاون مع المتمردين. العامل العاشر:- رفض العديد من العوائل في المناطق الجنوبية إيواء المتمردين في منازلهم خوفاً من بطش الجيش العراقي وحفاظاً على ممتلكاتهم وحياة أبنائهم، مما جعل المتمردين يؤون إلى الحسينيات والمناطق المهجورة أو الدوائر المحروقة والمقابر، فكانوا فريسة سهلة الاصطياد من قبل الجيش العراقي. العامل الحادي عشر:- توضحت للكثير من العراقيين الشيعة الدور الإيراني الخبيث في هذه الأحداث مما جعلهم يرفضون التعاون مع المتمردين. العامل الأخير :- تعاون أبناء الطائفة السنية مع قوات الحرس بعد استهدافهم من قبل الإيرانيين وتحويل مساجدهم إلى حسينيات والتمييز الطائفي في التعامل معهم.


الدور الإيراني في التمرد


 لم تكن إيران بعيدة عن أحداث العراق كما هو ديدنها دائما، فقد كانت تراقبها بحذر وتأهب للأنقاض على العراق، ولا سيما إنها خرجت مندحرة في حربها ضد العراق، وكانت جيشها الذي وصف بالجيش الخامس في العالم من حيث الحجم والتسليح، والذي تباهى الخميني بأن بدايته ستكون في طهران ونهايته في كربلاء، قد لعق مؤخرته خزياً وعاراً من الهزائم المتلاحقة التي تكبدها على أيدي القوات العراقية البطلة، التي وقفت كالمارد أمام الريح الصفراء القادمة من جار السوء، وكان الفأر الإيراني بعد أن خرج من مصيدة الحرب يتحين الفرصة للإجهاز على ألجبنه العراقية، وان تواتر الأحداث وسرعتها وفر هذه الفرصة في جنوب العراق وشماله.

 يقول السيد رامزي كلارك وزير العدل الأمريكي الأسبق في كتابه (النار هذه المرة) ما نصه" خططت الولايات المتحدة لأحداث اضطرابات وأعمال عنف مدنية، ونقلت طائرات عمودية أمريكية مجموعات من الإرهابيين، أعضاء حزب الدعوة الإيراني عبر الحدود العراقية الإيرانية وثلاثة وثلاثين ألف إرهابي من أعضاء تنظيم حزب الثورة الإيراني المسلح، وتسللوا إلى جنوب وشمالي العراق ومنها إلى محافظات أخرى واقترفوا جرائم لم يشهد لها التاريخ مثيلا في بشاعتها ووحشيتها، فقد ذبحوا ألوفا من الأبرياء رجالا ونساء وأطفال وحتى الصغار الرضع ومثلوا أبشع تمثيل بجثث المئات من ضحاياهم، في كل المدن الجنوبية والشمالية التي كانت ضحية الإرهاب، واستهدف الإرهابيون دوائر التسجيل العقاري والأحوال الشخصية والمرور واحرقوها، والهدف هو خلق فوضى يتعذر فيها التثبت من هوية وانتماء الناس وملكياتهم مما يسهل على إيران مهمة تغير التركيب السكاني للمدن العراقية". وهذه بعض المحطات الرئيسية على الدور الإيراني:-

 

1-  أنصبت ماكينة الأعلام الإيراني قبل الحرب، على التنديد بالشيطان الأكبر وسياساته الامبريالية في المنطقة، والدعوة لنصرة العراق الجار المسلم، وتوضيح أن الحرب هي حرباً صليبية لا تستهدف العراق فحسب، وإنما الإسلام كله، وأعتبر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية على خامنئي أن قتال الأمريكان يعتبر جهادا في سبيل الله وان الموت يعتبر شهادة, وقو توقع الكثير من المراقبين من خلال الاطلاع على هذه الخطب الرنانة والتصريحات النارية أن غيران سوف لا تلتزم الصمت تجاه العدوان الأمريكي على العراق, وقسم آخر تمادى في تصوره بأنها ستدخل طرف في الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر!في الوقت الذي كانت إيران تفاوض بالخفاء – حسب مبدأ التقية - الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التسهيلات الجوية التي قدمتها للعدوان على العراق، وكانت الجولات المكوكية تجري على قدم وساق، وطلب الأمريكان من إيران العبث بالأمن الداخلي العراقي، لأضعاف الجبهة الداخلية، وتأمين تأثيرها السلبي على جبهات القتال، ورحبت إيران بالمخطط وأعطت الضوء الأخضر لتولي هذه المهمة. مما حدا بالحكومة  العراقية أن تحذر غيران من مغبة العبث بأمن العراق وخاصة في الجنوب الذي يتميز بكثافة شيعية, واتهمت الحكومة العراقية جارتها إيران بتورطها المباشر في دعم المتمردين.

2-  بعد أن أمنت إيران جانب الجار السني السلفي في أفغانستان، كان هناك الجار المزعج الآخر في العراق، وأن تأمين هذا الجار الشرس وترويضه هو الضمان الوحيد لهيمنة إيران في منطقة الشرق الأوسط، وابتزاز دول الخليج العربي، وتولي مهمة شرطي الخليج ثانية كما أنه يتيح لها فرصة تكرار تجربة تصدير الثورة الإسلامية إلى دول الجوار، لكن مع وجود العراق وقوته لا يمكن أن يتحول الحلم الإيراني إلى حقيقية، لذا كانت الحرب ضد العراق حفلة عرس للإيرانيين، ودعمت بكل الأصعدة.

3-  كانت وسائل الأعلام الإيرانية المصدر الوحيد والمسموع في العراق، بعد تدمير كل المحطات الإذاعية ومحطات التلفزيون العراقية في الحرب، وصب الأعلام الإيراني جهوده في تجنيد واستمالة العديد من أبناء الطائفة الشيعية إلى صفهم بدعوى تحقيق أمنية الشيعة التأريخية في تسلم دفة الحكم في العراق، والترويج لفكرة مظلوميتهم التأريخية، وأن النظام الحاكم في العراق المصدر للقلاقل في المنطقة، وبالفعل انطلت اللعبة على العديد من الناس البسطاء، وكان عدد من الكتاب ومنهم حسن العلوي " كتاب الشيعة والدولة القومية" قد روجوا لنظرية اضطهاد الشيعة منذ فجر الإسلام ولغاية الوقت الحاضر، فكانوا خير زاد وعون لإيران رغم إحساسه مؤخرا بصحوة الضمير بعد أن تكشفت الحقائق للجميع عن الدور الإيراني الخبيث ضد العرق. تولت أجهزة الأعلام المرئية والصوتية والفضائيات تغطية أخبار التمرد ونشرها بالتفصيل والتعليق عليها بطريقة ايجابية, بل وتمادت بدعوة شيعة العراق إلى الإطاحة بالنظام وإقامة حكومة شيعية على غرار ما حدث في إيران.

4-  تثبيتا لتدخل إيران في الشأن الداخلي العراقي وبشكل سافر طالب رافسنجاني والخامنئي الرئيس صدام حسين وبصورة علنية التنحي عن الحكم, بعيدا عن حدود اللياقة واحترام علاقات الجوار وإرادة العراقيين وتقرير مصيرهم بشأنهم, ودعوا الشعب العراقي إلى مقاومة قوات الحرس الجمهوري مدعين انه من الطائفة السنية, ودعيا الجيش العراقي للانضمام إلى (الثوار) حسب تعبيرهم باعتبار أكثره من الطائفة الشيعية, بل وأصدروا فتوى تحرم إطلاق النار على المتمردين!

5-  قامت إيران بالتنسيق مع المراجع الدينية الفارسية في الحوزة العلمية وأمدتها باحتياجاتها لتأمين تجنيد الشيعة وتحفيزهم للتمرد على النظام، وفعلاً قام عدد من المراجع عن طريق وكلائهم بشراء الأسلحة التي تركها الجيش العراقي، و الشراء من السوق السوداء التي راجت فيها تجارة الأسلحة وتخزينها في أماكن العبادة وبيوت خاطبي الود الإيراني.

6-   نظرا لانعدام السيطرة على الحدود العراقية – الإيرانية والتي تمتد إلى حوالي (1200) كم و انسحاب القوات العراقية من الكويت، فقد كانت هناك صعوبة في السيطرة على المنافذ الحدودية في زمن قوة النظام!! فكيف الأمر الآن وقد حلت وتفككت قوات حرس الحدود وتركت المراكز والمخافر الحدودية بدون رقيب؟ فقامت إيران باستغلال هذه الفرصة في دفع معوناتها المشبوهة تحت ذرائع إنسانية لمساعدة الشعب العراقي المسلم من جهة، ودفع عناصر من قواتها للتسلل داخل العراق، وتبين إن قوافل المساعدات كانت تحتوي بالإضافة إلى المواد الغذائية والخيام على كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة والتي تسلمها أعوانها في الجنوب، وكان السواق والموظفون المصاحبون لها من عناصر المخابرات الإيرانية باعتراف العديد ممن ألفي القبض عليهم.

7-   من جهة أخرى قامت إيران بتهيئة فيلقي بدر والقدس وعدد من أعضاء حزب الدعوة وعناصر من التبعية الإيرانية، للاضطلاع بادوار مهيأة مسبقا في العراق، وتم تأمين احتياجاتهم من التجهيزات و توزيع الأدوار عليهم بإتقان، وأثبت تلاحق الأحداث هذه الحقيقية، فأن سرعة توغل هذه القوات بعد انسحاب القوات العراقية من الكويت، وطريقة تسللها الذكية والمنظمة إلى داخل العراق، ومسك نقاط مهمة وإستراتيجية يؤكد النية الإيرانية المبيتة لأحداث التمرد والدور الإيراني فيها، وهذا ما أعترف به عدد من المسئولين الإيرانيين وعناصر حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، بعد غزو العراق عام 2003.

8-   وزعت إيران دورها على محورين، ففي شمال العراق، أيدت الدعوة الانفصالية للأكراد الذين كان لهم دور غير مشرف في الحرب العراقية – الإيرانية ووقفوا مع إيران ضد أبناء وطنهم، وتمكنت من إغراء قادتها لإثارة الفتنة والاضطراب، وكانت معنويات الجيش آنذاك ضعيفة، إضافة إلى هروب عدد كبير من قوات الجيش إلى مدنهم، مما ساعد الأكراد على فرض سيطرتهم بسهولة على محافظات أربيل والسليمانية ودهوك، في حين استعصيت عليهم محافظة كركوك، وفي الجنوب تمكنت إيران من دعم المتمردين وكانت لها اليد الطولى في توجيه الأوامر لرجال الدين من المعممين ذوي الأهواء والأصول الفارسية، وكان لها ما أرادت.

9-  بعد أن قامت القوات العراقية بتطهير المحافظات الجنوبية، توجه المتمردون والعناصر الإيرانية إلى محافظي كربلاء والنجف، بحكم التأثيرات الدينية، والاحتماء بالمراجع الدينية، والعتبات المقدسة، وفعلاً فقد استغرقت المعارك مدة أسبوعين، حتى فرضت قوات الحرس سيطرتها على المحافظتين، ويرجع الأمر إلى عدة أسباب أهمها :-

 

أ:- أشيع من قبل أصحاب العمائم بين المتمردين وعناصر حزب الدعوة وقوات بدر وفيلق قدس والحرس الثوري الإيراني، إن قوات الحرس سوف لا تنظر في أمر أسرهم، وأعطيت الأوامر إلى قوات الحرس الجمهوري بقتل الإيرانيين المتسللين تحت عدة أغطية وعناصر حزب الدعوة وفيلق بدر ولذا فلا خيار أمامهم سوى الموت استشهادا والصعود إلى سفينة النجاة أو البحار كما سماها العلامة الصفوي المجلسي أو الإعدام بيد قوات الحرس الجمهوري والأمران سيان، بل الأجدر أن يقاتل المرء في حضرة سيد الشهداء وأبيه.

ب:- إن عددا من القوات العراقية التي شاركت الحرس الجمهوري في استعادة المحافظات سواء كانوا من الطائفة السنية أو الشيعية، يحترمون العتبات المقدسة ورموزها الكبار، وهم يترددون في القتال في هذه الأماكن، مما شجع المتمردين على الاحتماء بها وداخل الأضرحة بالذات.

ج:- محاولة الحكومة العراقية الاستفادة من المراجع الدينية وتوجيه سماحتهم بالتوسط مع المتمردين قبل القيام بردّ عسكري حاسم، وذلك لتأمين عدة جوانب أولها:- الاستفادة من المراجع الدينية وجعله طرفا في حل المشكلة. العامل الثاني:- هو إشعار المراجع بأن الحكومة العراقية على دراية تامة بدورهم الفاعل المتستر في أحداث العنف، وان الضلوع بهذه المهمة يفتح آفاقاُ من التساهل والتسامح معهم بعد أن تستتب الأمور. العامل الثالث: محاولة التقليل من أعداد المتمردين في العتبات المقدسة، بفعل تأثير المراجع على أبناء طائفتهم والذين يمكنهم تحييد عدداً منهم عن طريق ترويج فكرة إن الذين سيخرجون مع سماحتهم سيكونون بمنأى عن العقاب من قبل الدولة، وتم تأخير قيام الجيش بمهمته لإفساح المجال للمراجع الدينية للتحرك على أبناء الطائفة، وقد تمكنوا من القيام بعملهم على خير وجه، باستثناء عناصر من فيلقي بدر والقدس وحرس الثورة الإيرانية، الذين كانوا على دراية من موتهم المحقق في كافة الأحوال وآثروا الاعتصام والقتال والموت وأخذوا أماكنهم الدفاعية داخل الأضرحة وخارجها. العامل الرابع:- كان تأمين الحصول على دعم المراجع لقتال المتمردين داخل الصحنين الشريفين، على اعتبار إن هؤلاء المتمردين لم يحترموا مراجعهم عندما دعوهم إلى الكف عن القتال وتسليم أسلحتهم دون ملاحقتهم قانونياً، مما يوفر الغطاء الشرعي لقوات الجيش بشن الهجوم على المتمردين داخل العتبات المقدسة.

10-          في الوقت الذي أجل الجيش عملية الاقتحام للأضرحة كان المتمردون يوجهون نيرانهم الكثيفة إلى القوات العراقية من طرف واحد ويكيدونه الخسائر البشرية، مما جعل قيادات الجيش تستعجل عملية الاقتحام تحت جسامة الخسائر، بعد أن أعطى رجال الدين الضوء الأخضر، وفعلاً تمكنت القوات العراقية من سحق المتمردين وأصيبت الأضرحة المقدسة بقليل من الدمار، ولكن الحكومة خصصت موارد كبيرة لإعادة تعميرها وبسرعة قياسية و على أكمل وجه بعد انتهاء العمليات العسكرية.

11-           بما لا يدعو للشك ومما لا يمكن نكرانه من قبل مواطني المحافظات الجنوبية أن جثث القتلى من حرس الثورة الإيرانية كانت ملقاة على جانبي الطريق الدولي بغداد -البصرة وداخل القصبات وكانوا معروفين من خلال ملابسهم العسكرية الرثة ولحاهم الكثة ووضع العصابات الخضراء والسوداء على جباههم المهانة، وقامت قوات الجيش العراقي بجمعهم ودفنهم بشكل جماعي بالشفلات بحفر، وتحول هؤلاء أيضاً بعد الاحتلال إلى" مقابر جماعية" يعزف على أوتارها القادمون على ظهور الدبابات الأمريكية، باعتبارها احدى جرائم النظام الوطني السابق.

12-          حصلت القوات العراقية على العديد من الأسلحة والذخائر والخرائط والأجهزة اللاسلكية الإيرانية الصنع، بالإضافة إلى المواد الغذائية الإيرانية المعلبة التي يسموها "أرزاق الطوارئ" في مخابئ المتمردين وبصحبتهم، مما يقدم الدليل على الضلوع الإيراني في التمرد.

13-           أعترف الكثير ممن القي القبض عليهم من المتمردين بأن إيران كانت وراء تسليحهم وتجهيزهم وتمويلهم، وإنهم كانوا يقاتلون مع فيلق قدس الإيراني، وان العديد منهم أنسحب عبر الاهوار والقصبات الحدودية الى داخل إيران، والأمر الذي يلجم كل من ينكر ذلك، انه تم إلقاء القبض على أكثر من (170) ضابط مخابرات أيراني خلال المعارك، واعتبرتهم القوات العراقية أسرى حرب واستفادت من معلوماتهم، وقد اعترفوا بأن إيران تقف وراء أعمال العنف والتحريض عليها. وتم مقايضتهم بعدد من الأسرى العراقيين في الفترة التي سبقت الغزو الأمريكي عام 2003، وقد تناقلت الصحف ووسائل الأعلام هذه الأنباء.

14-           بعد الغزو الأمريكي الغاشم للعراق عام 2003 اعترف عدد من المسئولين الإيرانيين والعراقيين من الأحزاب الموالية لإيران بالدور الإيراني الكبير في مساعدتهم في انتفاضتهم الشعبانية كما يسمونها، مما يمحي الشكوك ويؤكد حقيقة الدور الإيراني في التمرد. وقد ذكر دادود الحسيني أحد قادة ما يسمى بالانتفاضة "كانت إيران ترسل المساعدات عن طريق خسروي التي كانت تحت سيطرة النظام والمساعدات الإيرانية وصلت ولم نستفد منه كثيرا" مضيفاً " زجوا بالأسرى - التوابين- كما يسمونهم- وأرسلوهم عن طريق الكوت ".

15-           ما يدعو إلى الاستغراب كما يحدثنا الكاتب حسن البنا بأنه " بعد الانتفاضة الشعبانية عام 1991 فقد تميزت الهجرة الى إيران هذه المرة بكون المهاجرين عوائل كاملة ومن مدن مختلفة بعكس المرحلة السابقة لها التي تميزت بهروب الأشخاص فقط بدون عوائلهم". وفي هذه المرحلة ازداد عدد العراقيين في إيران إلى ما يقارب ستمائة ألف حسب التقديرات الرسمية ,وهذه الهجرات كانت تتم أما عبر الحدود في الجنوب والوسط والشمال" وبتخطيط إيراني.

16-          إن قيام المتمردين بالتوجه إلى دوائر الأحوال المدنية والجنسية ودوائر التجنيد والأرشيف الحكومي وحرق الوثائق كان يخدم طرف واحد وهم المهجرين من أصحاب التبعية الإيرانية الذين رحلوا بعد اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية إلى بلدهم الأصلي، مما يؤكد ضلوع إيران في التخطيط لإعادة توطينهم مرة ثانية في العراق وهذا ما جرى خلال الغزو الأمريكي للعراق فقد أكملوا ما عجزوا عنه عام 1991.

17-          أعلن العديد من القادة الإيرانيين ورجال الدين بأن تدخلهم لحماية الشيعة في أي مكان يعد امرأ مقبولاً دون مراعاة لموضوع السيادة ومبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، وقد ذكر محمد علي شيرازي أستاذ الحوزة العلمية بأن " من حق إيران أن تتدخل في شؤون الشيعة في أي مكان، فهي ولية الشيعة، ووجود عناصر استخبارات لا يعتبر جريمة سياسية لأن العراق بلد شيعي، وتوجد فيه العتبات المقدسة والمراجع الدينية "كما قال مسئول عسكري إيراني بارز إن "العراق يشهد حاليا قيام حكومة إسلامية على الرغم من المحاولات الأميركية الرامية إلى مجيء حكومة غير دينية في هذا البلد". وأضاف قائد قوات الحرس الثوري الإيراني يحيى رحيم صفوي في تصريح له " نشهد اليوم أن الحكومة الإسلامية في العراق قد بدأت أعمالها رغم أنف أعداء الإسلام" مؤكدا أنه "سيتم طرد العناصر المعادية لإيران من العراق". وهذا الأمر يدعو إلى العجب فهل تقبل إيران على سبيل المثال بأن تتدخل السعودية لحماية (15) مليون سني مضطهد داخل إيران؟ أو أن تبعد عن أراضيها العناصر المؤيدة لإيران.

18-          أشارت صحيفة الواشنطن بوست بأن إيران أرسلت(3000) من العراقيين التوابين وفيلق بدر ممن تدربوا وتسلحوا في قواعد إيرانية قرب الحدود العراقية لدعم المتمردين, كما أفادت تقارير منظمة مجاهدي خلق بأن إعدادا كبيرة ن فيلق القدس توغلت إلى داخل الأراضي العراقية, وإنها أقامت خمس قواعد داخل العراق أكبرها في البصرة. حيث دخل الآلاف من الحرس الثوري والبيسيج ونفذوا عمليات تخريبية ضد مؤسسات الدولة وقتلوا المئات من العسكريين والموظفين الحكوميين.

 

19-          كانت الشعارات الطائفية التي رفعها المتمردون ومئات الألوف من صور زعماء الثورة الإيرانية كالخميني وخامنئي ورفسنجاني, تؤكد الضلوع الإيراني في تأجيج العنف وروح التمرد.

 

أخطاء صاحبت العمليات العسكرية


 ولغرض الأنصاف والالتزام بالحياد الموضوعي، لا بد من الإشارة إلى الأخطاء التي ارتكبت من قبل القوات العراقية أثناء العمليات العسكرية في قمع التمرد، والتي نجم عنها موت عدد من المدنيين والأبرياء، والتي يمكن إجمالها بما يلي:

1-  صدور الأوامر العسكرية بإعطاء الصلاحيات العسكرية من قائد فيلق ولغاية آمر فصيل لإعدام المتمردين بعد إلقاء القبض عليهم والتأكد من ضلوعهم في أعمال القتل وأخذ الاعترافات الخطية منهم، ورغم ذلك يعترف بعض الضباط بأن هذا الأمر كان خاطئاً رغم حدة الموقف، ويمثل تجاوزا على السلطة القضائية، كما إن الجيش العراقي المعروف بنزاهته واحترامه للقيم العسكرية، يرفض القيام بمثل هكذا مهمات. علما انه لم تؤكد معلومات على حدوث مثل هذه الإعدامات.

2-  نتيجة للفوضى والجرائم التي ارتكبها المتمردون بعد سقوط المحافظات بأيديهم، فقد ترك الأمر الاستياء لدى العديد من المواطنين، الذين سارعوا إلى تقديم المعلومات إلى أجهزة الاستخبارات العسكرية عن المتمردين وأماكنهم وأفعالهم، وقد ألقي القبض على العديد منهم، ويرى بعض الضباط إن عددًا من هؤلاء كانوا أبرياء ولم تكن لهم علاقة بالتمرد ولأسباب كيدية أو ثأرية تم الإيقاع بهم.

3-   قام عدد من المتمردين وحرس الثورة الإيرانية باللجوء إلى عدد من البيوت الآمنة تحت التهديد والسلاح، واتخذوا منها أماكن للدفاع وإطلاق النار على القوات العراقية، المتقدمة صوبهم، ولم يدر بخلد القوات العراقية المتقدمة بأن هذا المنازل اغتصبت بالقوة، وانه يوجد فيها عدد من العوائل الذين أرغموا على البقاء، لتأمين عدم قصف الجيش لها، لذا قامت القوات العراقية بالرمي الكثيف على هذه المنازل وقتل عدد من المدنيين دون أن يكون لهم يد فيما حصل.

من المعروف إن حرب المدن دائما ينجم عنها خسائر في صفوف المدنيين وهذه الحالة لا تقتصر على جيش دون آخر, مع العلم إن القوات العراقية حاولت جاهدة أن تقل من حجم هذه الخسائر وهي تعد نسبية أن تقارن بعدد المحافظات التي سقطت آنذاك.

 

شهادات حية

هذه شهادة حية من واحد يعتبر من صفوة كتاب العراق ينضح بالوطنية وحب الوطن سبق أن تورط في أعمال التمرد, وأعلن توبته والرجوع إلى الصنف الوطني فكان نعم الابن البار من منا لا يخطأ الم يرد في الكتاب المقدس" من كان منكم بلا خطيئة فليرمها في البحر" الخطأ سمة بشرية والعصمة لله وحده لا شريك له فيها,العبر ليس الوقوع في الخطأ وإنما الاعتراف به قبل كل شيء, من ثم عدم تكراره وطلب التوبة من الله وممن أخطأت بحقه من البشر, وكان هذا ديدن الأستاذ حمزة الكرعاوي, ولنقرأ شهادته التأريخية " أنا حمزة الكرعاوي من مخيم رفحاء ، شاركت في أحداث 1991 ، أعلن توبتي أمام الله والشعب العراقي لأنني كنت مع الغوغائيين الذين خربوا العراق ، ونهبوا المال العام واغتصبوا النساء وقتلوا الأطفال، وأحرقوا دوائر الدولة بعد سرقتها ، لذا أطلب من الشعب العراقي أن يقبل توبتي ، ويصفح عني لأنني غُرر بي وقادني العقل الجمعي، وكذبوا علي أن المرجع أبو القاسم الخوئي أفتى بالثورة..! وبعد مرور كل هذه السنين راجعت نفسي وكنت في صراع معها منذ 2003 ووقع بيدي كاسيت فيديو لمقابلة السيد أبو القاسم الخوئي مع صدام ، وهو يقول هؤلاء غوغاء وسرقوا سيارتي الخاصة، وما عاذ الله أن يتكلم الخوئي بدون دليل وهو العارف ومرجع وإنا من مقلديه" ويصف المتمردين بشهادته" رأيتهم ينهبون أملاك الدولة والناس معا ، وأثاث المدارس والمستشفيات ، ودافعت عنها ما أمكنني ، ورأيت غوغائيا حاملا جهاز تخطيط القلب يظنه تلفزيون ، فقلت له لماذا تأخذ هذا الجهاز؟ فقال هذه أملاك صدام ،وبعد أن عرف انه جهاز تخطيط القلب رماه على الأرض وكسره ، ولا يعلم إن قيمته ربع مليون دولار! ومن الأمور التي رايتها أنهم أرادوا أن يغتصبوا امرأة فقلت لهم لا يجوز ؟ فقال لي احدهم لدينا فتوى بذلك".

وهذه شهادة أخرى ذكرها الأستاذ علي الحمداني في مقال له بعنوان" التأريخ أسير من يكتبه" أورد فيها نص شهادة مواطن نجفي يكنى بأبي ذو الفقار, من أهم ما جاء فيها " إنها ليست انتفاضة الشيعة بل هي جريمة نفذها القادمين من خلف الحدود بمشاركة ودعم وإيواء من قبل المستوطنين الفرس الذين حملوا الجنسية العراقية زوراً وبهتاناً وهو آل الحكيم وبحر العلوم وبيت الكفنويز وبيت الخرسان وبيت الطريحي وبيت الخوئي وبيت النقشواني وبيت اللبان وبيت السبزواري وبيت الأديب والقائمة طويلة، أعود لشهادتي قبل فترة من اندلاع الغوغاء كانت تدخل إلى النجف سيارات إيرانية تحمل طحين وصناديق دواء وتتوقف قرب الأحياء القديمة في مركز المدينة وتفرغ حمولاتها وقد شاهدت بأم عيني كيف يستخرج السلاح من أكياس الطحين والقنابل اليدوية، واستمر هذا الحال إلى يوم اندلاع إعمال الشغب وكانت بيوت المستوطنين الفرس في المحلات القديمة مأوى لعناصر حرس الثورة وفيلق بدر وقسم منهم توزعوا في الأحياء السكنية". ويستطرد " يوم 2/3/1991 ، خرجت عناصر من جهة محلة العماره والحويش والمشراق وفتحت النار على الشرطة المتواجدين قرب مرقد الإمام علي وحصلت اشتباكات وحضرت العناصر والأجهزة الأمنية واستمر القتال الى اليوم الثاني ، انسحب المدافعين من الساحة التي قرب الإمام حيث بدأت العناصر الإيرانية تطلق النار من سطح المرقد ودارت الاشتباكات قرب مديرية شرطة النجف وقتل مدير الشرطة هارون ومعاونه الكردي سردار حيث كانوا يقاتلون مع الشرطة دفاعاً عن المديرية ، كما قتل أيضاً البعثي نجم جريو حيث كان يقاتل قرب مديرية الشرطة .. كنا نرى تدفق الإيرانيين في اليوم الثاني  إلى مدينة النجف بإعداد هائلة وفي اليوم الثاني كان القتال يدور في المقرات الحزبية ومديرية الأمن والمخابرات بعدها سقطت المدينة, توزعت المجاميع الإيرانية فمنهم من قاد المجاميع التي أخرجوها من السجون وهم من المجرمين والسراق فنهبوا مخازن الغذاء والدواء الكائنة في الحي الصناعي بأمر السيد، من هو ( السيّد ) لا أحد يعرفه وقسم آخر اتجهوا لحرق دوائر الجنسية والتسجيل العقاري وحرق المدارس والمستشفيات، واغتصبوا النساء وبقروا بطون النساء لأنها من عوائل الأجهزة الحكومية" ويصف ما جرى قرب مرقد الإمام علي(ع)" أما ما حدث في مرقد الإمام علي فلا يمكن أن يرتكبه حتى أعتى المجرمين في العالم واصف لكم الحالة التي شاهدتها بعيني كان المجرمين من الإيرانيين والمستوطنين يقفون صفين من باب مرقد الإمام علي "ع " الرئيسية المقابلة للسوق الكبير إلى الغرفة التي يجلس فيها مجيد الخوئي وزمر الحكيم وبيدهم السكاكين والخناجر والقامات والدرنفيسات, وعندما يأتون ببعثي أو موظف أو شرطي ضابط يصلّون على (محمد) !! و تنهال عليه الخناجر والقامات إلى أن يصل إلى باب الغرفة التي يجلس فيها مجيد الخوئي فإذا كان لازال حيا يصدر أمر إعدامه ويطلق عليه الرصاص داخل الصحن! وقد شاهدت كيف قاموا بقطع أيدي مدير تربية محافظة النجف وهو عضو شعبة " يونس الشمري" عندما طلبوا منه أمام الحشد الهائل من المتفرجين أن يسب صدام حسين فقال لهم بأعلى صوته قندرته تشرفكم ، وانهالوا عليه بالقامات ثم أطلقوا عليه الرصاص داخل ساحة المرقد, بعدها جاءوا بالشاعر " فلاح عسكر " ، وصاح احدهم بالسماعة، هذا شاعر القادسية، وأمام الجميع أظهروا لسانه وقّصّه بالخنجر" مسلم الحسيني" أما ما جرى في مدرسة الحكيم الواقعة قرب بيتي والتي استخدمت كمعتقل لآلاف الناس من أطباء ومهندسين وشعراء وفنانين وكسبة وبعثيين فقد كنت اسمع يوميا وعلى مدى سبعة أيام إطلاق النار الكثيف ولم اعرف ما يحدث داخل المدرسة لان حراسها من الإيرانيين ولا يتكلمون العربية"! ولا نعتقد إن الشهادة تحتاج إلى تعليق سيما أن العديد روى تفاصيل مشابهة لشهادة أبو ذو الفقار!

وهذه شهادة من كاتب معروف هو السيد حميد جبر الواسطي وكان برتبة مقدم للواء الدفاع الجوي لقيادة قوات القدس في النجف عام 1991 سنجتزئ منها ما يخص موضوعنا في دور المرجع الخوئي بالأحداث ويمكن الرجوع إليها كاملة, وقد وعد القراء بأن يفضح بعض أسرار ما سمي بالانتفاضة ونتمنى أن يكمل شهادته على التأريخ ويسلط الضوء على الدور الإيراني فيها, يذكر"عندما اندلعت الانتفاضة الثعبانية في النجف رفضت وبشكل قاطع بتنفيذ أوامر الجيش في النظام السابق بقتل ثوار الانتفاضة بل والتحقت فوراً إلى مقر قيادتها في دار أبو القاسم الخوئي وعملنا بتماس مباشر مع لجنة التسعة من العلماء المعينين من قبل السيد الخوئي. وقد كان دوري مشهود ومعروف ومن أهم الواجبات التي كلفت بها من قبل اللجنة وبحضور اللجنة العسكرية هو قيادتي العسكرية لقوة من ثوار النجف والفرات الأوسط لتحرير كربلاء المنتفضة من الحرس الجمهوري الذي دخل كربلاء بقيادة حسين كامل وقد كلف معي في هذه المهمة عبد المجيد الخوئي كقائد روحي للواء ويرافقه كل من محمد رشاد الفضل وعبد الحسن البستاني (الخفاجي). بقيت أكافح حتى النهاية مع ثوار الانتفاضة في النجف وانسحبت منها كأخر ضابط وأخر ثلاثة من دار الخوئي وبإذن وأمر من لدنه بعد أن كانت دبابات الحرس الجمهوري تحاصر دار الخوئي"وجاء في الختام" في رسالة ثانية إن شاء الله سأعرض لكم عن الدور الخطير لأبي القاسم الخوئي ونجليه محمد تقي وعبد المجيد الخوئي وخيانتهم للانتفاضة الشيعية وتهريبهم لملايين الدولارات من خمس أموالكم أيها الشيعة إلى لندن".

كما يحدثنا الأستاذ فالح حسن شمخي عن الأحداث بقوله" لقد بدأ التسلل من إيران في أثناء الصفحة العسكرية للعدوان الثلاثيني في المنازلة الكبرى، وقد شاهد مواطنون كربلاء أشخاصا من حملة الجنسية الإيرانية ممن كانوا يعيشون في العراق ثم رحلوا أثناء الحرب العراقية الإيرانية مع مجموعات إيرانية كانت تتخفى وراء جلب مساعدات غذائية وطبية، وقد شاهد الجرحى الذين اعتقلوا في غرفة سادن الروضة الحيدرية في مدينة النجف الأشرف بعد أن تسممت جروحهم أشخاصا من أولئك المتسللين وشاهدوا كذلك طبيبا إيرانيا لا يعرف العربية وبرغم تكتمه فقد اضطر إلى الاستعانة بمترجم، ومن المفارقات المؤلمة، إن أشخاصا من المسلحين الذين كانوا يرافقون الطبيب الإيراني أطلقوا النار بحضوره على عدد من الجرحى داخل الصحن العلوي الشريف فصعدت أرواحهم الكريمة إلى بارئها، وان هؤلاء المتسللين قد توزعوا بين عدد من المدن العراقية واختفوا في أماكن حددت لهم مسبقا، انتظارا للحظة بدء الإشارة لينفذوا عملهم الغادر ضد عراق المجد والكبرياء" وهناك رواية الفريق الركن علاء الدين كاظم الجنابي يمكن الرجوع إليها زيادة في أللإيضاح.

ويتحدث شاهد آخر" لقد هدوا(17) معهدا للعوق الفيزياوي في المحافظات التي كانت مسئولة عن معالجة أبطالنا جرحى معاركنا البطولية في القادسية وأم المعارك الخالدتين لكي يقتلونهم ببطء فقام الجرحى بمقاتلة الغوغاء بعكازاتهم" ويستطرد" قام مرجع بجلب أبنه إلى الشهيد صدام حسين بعد أن قام هذا الأب لعاق بإصدار أحكام بإعدام العشرات من المواطنين مستخدما ختم أبيه دون علمه عندما أتخذ من أحد أيوانات الحضرة الحيدرية مكانا لمحكمة القتل والإعدام صحبه المرجع إلى القصر الجمهوري وقال لصدام حسين هذا ابني قاتل ومجرم فأقتص منه وأنا جلبته بيدي لسيداتكم فقال له صدام حسين: انت جلبته بيدك وتأخذه إكراما لك بيدك وأهداه سيارة مارسيدس آخر موديل يستطيع أن يتنقل بها بين جامع الطوسي وجامع الخضرة وحول الصحن والدورة كما قال المرحوم الشاعر هادي العكاشي كما وان الخوئي رحمه الله لم يبارك ما قام به الغوغاء من قتل الأبرياء والمواطنين فقام بالصلاة عليهم ولأن اغلبهم من محافظات أخرى ولا توجد هويات في جيوبهم أمر بدفنهم في الحي الصناعي ووضع علامات على قبر كل شهيد لغرض تعرف أهله عليه, وتحولوا إلى مقابر جماعية"! وينهي حديثه" كما قام البعض بسرقة قدور وطشوت وملابس وثلاجات ومبردات مرضى الجذام والجرب في مستشفى العزل في أهوار مدينة العمارة بمحافظة ميسان قرب المجر وتركوهم بلا أواني أو أدوات للطبخ ولا فراش أو بطانيات في شهر آذار البارد القارص في ضفاف الهور".

وآخر شهادة مهمة هي للأستاذ أسامة النقشبندي مدير عام دار المخطوطات العراقية منذ تأسيسها 1988م حتى عام 2002جاء فيها" وبعد العدوان الثلاثين على العراق وخلال صفحة الغدر والخيانة تعرضت الكثير من المخطوطات إلى الدمار والسرقة كما فعل المغول عند احتلالهم بغداد، فأحرقت خزانة دار مخطوطات كربلاء في الروضة الحسينية، وسرقت بعض مخطوطاتها، كما تعرضت مخطوطات دار صدام للمخطوطات التي نقلت إلى متحف كركوك البالغة نحو 20ألف مخطوط, استطعنا من إنقاذ معظمها واستطاعت الجهات الأمنية وضع اليد على مجموعة بحوزة عصابة من الخونة وفقدت الدار (364)مخطوطا من بينها عدد من النوادر والأعلاق النفيسة تمت مطالبة الجهات الدولية لمتابعتها وإعادتها إلى العراق، وقدمنا قوائم بأرقامها وعناوينها وأوصافها بالعربية والإنكليزية".


الخلاصة


بعد الاستعراض الذي تم تقديمه، يلاحظ أن أي وصف لما وقع تحت تسميات الأنتفاضة والثورة والغوغائية، قد لا يف بالغرض لوصف ما حدث فهي لم تكن ثورة لافتقادها كافة مقومات الثورة بل وابسط شروطها، ولم تكن انتفاضة لعدم تطابق مواصفات الأنتفاضة عليها بمقارنتها بالانتفاضة الفلسطينية على سبيل المثال، ولم تكن أعمال غوغائية بقدر تعلق الأمر بالمفهوم الاصطلاحي, ويمكن إعتبارها صفحة غدر وخيانة بالنسبة للجارة إيران باعتبارها مصدر أساسي للخيانة والغدر, فهي المحرض الرئيسي والجهة المستفيدة منها, وهي كذلك بالنسبة لمن انخدعوا بشعاراتها الطائفية وجندوا أنفسهم تحت لوائها, ويمكن اعتبارها ردة فعل لحرب مدمرة تطورت بفعل أطراف خارجية إلى مؤامرة كبيرة استهدفت تدمير العراق وإلحاق الأذى بشعبه وقيادته! ويمكن أن نطلق عليها تسمية التمرد وأعمال الفوضى والتخريب! فقد تحولت منشئات العراق ومؤسساته في الجنوب والشمال إلى ميدان للنهب والسلب والحرق والتخريب, بل إن المنافذ الحدودية كالشلامجه وحاج عمران أمست مخازن للمواد المسروقة من مؤسسات الحكومة العراقية وبأشراف الحرس الثوري. وكما لاحظنا أن إيران لم تكتف بإشعال الشرارة فحسب وإنما صبت الزيت على النار, مؤكدة في سلوكها بأن إيران الأمس هي نفسها إيران اليوم وإيران الغد وستبقى مصدر تآمر وبلاء ضد العراق والعرب.

ومهما تعددت التسميات فأن الحقيقة التي يجب عدم إغفالها هي إن الأحداث كانت انعطافة شاذة وناشز في تأريخ العراق السياسي الحديث، وهي صورة مشوهة للواقع السياسي العراقي بانجراف عدد من الرعاع خلف المخطط الإيراني المشبوه، وهي أعمال مدانة تتعارض مع الانتماء ألصميمي للوطن والشعور بالمسؤولية التأريخية، وتحتل موضع ازدراء وسخرية من قبل كافة القوى الوطنية المخلصة والبعيدة عن الركب الاستعماري والصفوي، وهي تسويف وتزييف للتأريخ العراقي وجيشه العظيم المبني على القيم السامية والأخلاق والانضباط المميز، وهي تشويه للوعي والفكر الحضاري للشعب العراقي، حيث تمحي قيم المروءة والأصالة والهوية الوطنية والانتماء والكرامة والسيادة، وهي السبب في فتح أبواب نار جهنم على العراق والتي استمر لظاها المتأجج يلسعه فأحرقه عام 2003، وهي متجر نتن لتسويق وبيع الأوهام والأكاذيب للناس البسطاء لتحقيق هامش أرباح سياسية وحزبية ضيقة. وان كان البعض يعتبرها تأريخ نضالي فأنها لطخة عار في تأريخ كل من يدعي أن له يدا بها. وحري به أن يتخذ من الأستاذ حمزة الكرعاوي أسوة حسنة ويعتذر من الشعب العراقي. ومن يرى إننا ظلمنا رجالها فليأتنا بميزة إيجابية واحدة ليدحض بها كلامنا, فقد أوردنا بمئات السلبيات ومازال في جعبتنا وجعبة غيرنا الكثير من المعلومات والإسرار.

لقد صدق عمر بن الخطاب(رض) عندما قال" ليت بيننا وبين فارس جبل من نار لا يأتون إلينا ولا نذهب إليهم".

سيخصص الجزء السابع لدراسة الدور الإيراني في أحداث حلبجة بإذن الله.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء /  12  رجــــب  1429 هـ

***

 الموافق   15  /  تمــوز / 2008 م