الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

نص الحوار الصحفي الذي أجراه الأستاذ النوري الصل من جريدة الشروق التونسية مع الكاتب العراقي علي الكاش

 بشأن الاتفاقية الأمنية بين العراق وقوات الاحتلال الأمريكي

 

 

شبكة المنصور

 

 

س1: ما هو موقفكم من الاتفاقية المزمع عقدها بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية؟ وما هي مبررات رفضكم لها؟

 

ج 1:- موقفنا من ما سمي" اتفاقية التعاون والصداقة بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأمريكية" لا يخرج عن الإجماع الوطني العام في العراق الذي رفض الاتفاقية نصا وروحا لأنها تكرس الاحتلال الأمريكي في العراق وتنقله من حالة الانتداب المؤقت إلى حالة الاستعمار الدائم, وتخرج العراق من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لتدخله في فصل مظلم لا نهاية له تحت الإبط الأمريكي لنزكم بعفونته لعقود قادمة, والحقيقة إن كافة الفصائل الوطنية المقاومة في العراق رفضت الاتفاقية وكذلك الأمر بالنسبة لمعظم الأحزاب السياسية على المشهد العراقي  باستثناء الحزبيين الكرديين وهما الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يقوده الرئيس جلال الطالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده مسعود البرزاني وهؤلاء كما هو معروف غارقون في مستنقع العمالة حتى الرؤوس, وسبق أن تمسحوا ببساطيل قوات الاحتلال للبقاء قبل طرح موضوع الاتفاقية طويلة الأمد وناشدوهم بإقامة قواعد أمريكية ثابتة في إقليمهم المسخ متطوعين وليس مجبرين ودون أن يفاتحهم طرف ما حول إقامة قواعد, لأنهم على دراية وثقة بدون قوات الاحتلال سوف لا تقوم لهم قائمة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى جبهة التوافق التي كما يبدو إنها تنطلق من رؤية طائفية معتبرة إيران تشكل أسبقية في تهديد أمن العراق على الولايات المتحدة ولكن كما هو معروف أن الاحتلال الأمريكي سهل وجودها في العراق وتدخلها في شأنه الداخلي أو ربما تنطلق أيضا من مصالحها المرتبطة بوجود قوات الاحتلال!

 

 وهنا لابد من التمييز بين موقفين رافضين الأول يتجسد بالتيارات ذات الأجندة الوطنية المتمثلة بفصائل المقاومة العراقية المجاهدة والأحزاب الوطنية وأبناء الشعب العراقي الغيارى الذين يرفضون أقامة هذا النوع من الاتفاقيات المشبوهة مع قوات الاحتلال. وهناك تيارات ذات أجندة غير وطنية والتي تتمثل بألاحزاب السياسية الحاكمة وهي رفضت أيضا الاتفاقية رغم أنها كانت تتفاوض بشأنها منذ عام تقريبا, ولكن بعد أن تفجر بركان السخط الشعبي حاولت أن تمتصه بإعلانها رفض بعض البنود التي لا تتوافق مع سيادة العراق, وهو كلام فارغ فالسيادة والاحتلال كالأرض والسماء لا يمكن أن يجتمعا, ومن المعروف أن هذه الأحزاب نتيجة لولائها لأجندات خارجية فأنها رفضتها بشكل نسبي لا كلي وليس انطلاقا من دوافع وطنية وإلا كيف نفسر التفاوض بشأنها! وبانت ملامح الرفض بعد أن أعلنت إيران رفضها لها مما جعل الحكومة العراقية في وضع لا تحسد عليه فهي أمست بين نارين ولا تعرف من تفضل على الآخر فإيران تسحب الحبل لجهتها والولايات المتحدة تجره لجهتها وهذا يفسر زيارة المالكي لأخيرة لإيران ولقائه بالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي حيث طمأنه بأن العراق سوف لا يكون قاعدة لانطلاق أعمال ضد دول الجوار! وهو أمر لا يثير الدهشة فحب بل السخرية أيضا فبأي قوة سيقوم المالكي بالوقوف تجاه القوات الأمريكية وهو خادمها المطيع, وسبق أن اعترف بنفسه بأنه لا يتمكن من تحريك قطعة من الجيش العراقي وليست أمريكية من مكان لآخر إلا بموافقة إدارة الاحتلال! كما يبدو إن حمل تفاحتين بيد واحدة أمسى عسيرا على المالكي وإحداهما مرشحة للسقوط.

 

أما فيما يتعلق بمبررات الرفض!

 

لابد من الرجوع إلى الخلف قليلا لإلقاء المزيد من الضوء على هذه المسألة فلدينا سابق تجربة مذلة مع قوات الاحتلال من المؤسف أنه لم يتطرق إليها سوى القليل, فهذه الاتفاقية بمعظم بنودها موجود و فاعلة لحد الآن على أرض الواقع الأحتلالي, بما يسمى بالقرار(17) وهو المرسوم الذي أعلنه المندوب السامي الأمريكي في العراق بول بريمر في28/6/2004 والذي أذاب سيادة العراق كما تذوب فصوص الملح في الماء, ولأن الحكومة العراقية من بنات أفكار الاحتلال فأنه لم يجرأ احد من الحكومة على مناقشة ذلك القرار الجائر وليس الاعتراض عليه فحسب باستثناء مرة واحدة سنأتي عليها, وقد تضمن القرار بنودا مبتكرة ما أنزل الله بها من سلطان وحتى دول الاستعمار القديم غفلت عنها, ومنها على سبيل المثال" تمتع القوات المتعددة الجنسية وسلطة التحالف وبعثات التنسيق الأجنبية وأشخاصها وممتلكاتها وأموالها وأرصدتها علاوة على كل المستشارين الدوليين والمقاولين الأمنيين بحصانة كاملة من الإجراءات القانونية العراقية, ويخضعون للسلطات القضائية في بلدانهم الأصلية" بمعنى أن العراقي يكون كبش فداء لكل هذه القوات والهيئات دون أن تتمكن حكومته من أن تضمن له حقوقه في حالة انتهاكها, ولا يوجد حكومة في العالم ترتضي أن يهان شعبها بهذا الطريقة ويعامل بمثل هذا الاحتقار والازدراء, وقد مثلت جرائم بعض هذه القوات أمام القضاء الأمريكي وهي لا تتجاوز الواحد من مائة ألف من هذه الانتهاكات وكان الأحكام الصادرة عن القضاء الأمريكي تافهة وانحصرت ما بين البراءة أو حكم سجن سنة واحدة لمن يقتل عائلة ويغتصب بنت لا يزيد عمرها عن ستة عشر ربيعا, كما حوكم احد الأمريكان المسئول عن جريمة قتل أسرة عبير قاسم حمزة وغيرها من الجرائم. وهذا البند ورد في الاتفاقية الجديدة.

 

وتضمن القرار فقرة تنص بأن" كافة العقود التي يتم التعاقد بها مع المقاولين الأجانب والعراقيين تكون حسب قوانين الدولة الأجنبية صاحبة العقد وليس العراق"! وهذا الأمر يثير الدهشة فمن المعروف أن العقد هو شريعة المتعاقدين ولا بد أن يكون برضاء الطرفين ويضمن حقوق الجهتين المتعاقدتين وليس جهة واحدة فقط؟ فمن يضمن حقوق العراق في حالة الإخلال بالعقد؟ وكيف يمكن للعراق أن يسبر غور قوانين جميع الدول ليتصرف وفقها؟

 

مما يزيد الطين بله فقرة أخرى تنص على" لا يخضع المقاولون الأجانب للقوانين العراقية أو الضوابط فيما يتعلق بشروط العقود بضمنها اشتراط تراخيص وتسجيل الموظفين والأعمال والشركات, وللمقاولين حصانة من كل الإجراءات القانونية فيما يتعلق بأعمال يقومون بها تتعلق بشروط العقد أو العقد الباطن" ويضاف إلى الحصانة المجحفة هذه المرة أن شروط العمل والتراخيص وشوط العقد تفرض الشركات الأجنبية على العراق ولا يحق له إخضاعها لسلطانه القضائي, بما في ذلك العقود الباطنة! ولنتصور عقود باطنه تجري بين دولة وشركة! إذا كانت العقود ظاهرة وليس للعراق سلطة عليها فكيف سيكون الأمر للعقود الباطنة؟

 

ولنأخذ فقرة أخرى في غاية الخطورة وقد وردت أيضا في الاتفاقية المزمع توقيعها نهاية شهر تموز المقبل تنص على" تتمتع سلطة التحالف وأفراد القوات المتعددة الجنسية وبعثات التنسيق الأجنبية والمستشارون الدوليون والمقاولون مع مركباتهم ومراكبهم وطياراتهم ومعداتهم بحرية الحركة بدون تأخير في جميع أنحاء العراق, ولهم حق استخدام الطرق والجسور والقنوات والمياه والموانئ والمطارات والفضاء الجوي بدون دفع الرسوم أو الضرائب أو الغرامات بضمنها أجور الهبوط والأرضية والموانئ والمخازن والإبحار واستخدام الأجواء أو عبور الأراضي والأجور المماثلة" لم يكتف بالحصانة للأشخاص وإنما شملت أيضا وسائط النقل والاستخدام المجاني للمطارات والموانئ ونقاط العبور البرية وعدم دفع الغرامات والضرائب والأجور؟ أي بلد مستباح أرضا وبحرا وجوا؟ وفي الوقت الذي يدفع ابن البلد الأجور والضرائب والغرامات فأن المحتل والأجنبي يعفى منها! حتى الذين يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية فأنهم يدفعون الأجور وبعض الضرائب والغرامات, في حين تعفى منها قوات الاحتلال! بل أن فقرة أخرى تسمح لهذه الجوقة الأحتلالية أن تستورد بدون أن تدفع الضرائب الجمركية أو أية تقييدات وكذلك بدون تفتيش وترخيص وتفويض. يشير القرار البريمري المذكور بأن قائد القوات الأمريكية هو المسئول عن المجال الجوي العراقي للاستخدامين العسكري والمدني, ويسمح للقوت الأمريكية والقوات الأخرى المتجحفلة معها بالحق في دخول العراق وحق البقاء والمغادرة دون تدخل حكومة العراق وإعفائهم من إجراءات جواز السفر وسمات الدخول والتفتيش والأجور وكل لضوابط الأخرى التي تحكم إقامة الأجانب في العراق! كما يسمح لهذه القوات أن تستخدم مجانا أية مساحة أرض في العراق تناسبها لبناء معسكرات ومقرات لأعمالها العسكرية والمدنية ولا يجوز للحكومة العراقية أن تنتهكها( معاذ الله وهل تجرؤ) وأن تضمن الحكومة العراقية استخدام هذه المقرات بدون إعاقة, مع تخصيص منطقة وسط بغداد للقوات الدولية وتكون السيطرة فيها وشئون الأمن بيد القوات المتعددة الجنسية ولا تخضع لسيطرة الحكومة العراقية! ويحق للقوات الدخيلة استخدام الماء والكهرباء والوقود وبقية المرافق العامة مجانا عكس سكان البلد الذين أصلا هم محرومون منها.

 

ولنا تجربة أخرى فيما يتعلق بمسرحية نقل السيادة إلى العراقيين في كرنفال جرى في 30/6/2004بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة, والحقيقة كانت المسرحية سخيفة للغاية, فكيف يتم تسليم العراق السيادة والقرار(17) ما يزال نافذ المفعول؟ وعندما قدم المالكي اقتراحا إلى وكيل وزارة الخارجية الأمريكية نيكولاس بيرنز لتعديل القرار كان رد بيرنز قاسيا ورفض التعديل, وأكد أن بلاده ترتبط باتفاقيات تحدد بدقة قواعد حماية الجنود والدبلوماسيين في العراق" ونحن مطالبين من جانبنا باحترام تلك الاتفاقيات" ويلاحظ انه أستبعد الحديث عن المقاولين والمستشارين والمدنيين رغم أن الحصانة تشملهم! كما أن حصانة الدبلوماسيين لا تخضع إلى اتفاقية بين دولتين وإنما تنظمها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية كما هو معروف. ومن الطريف أن ينهي بيرنز تصريحه بالقول" أن بلادنا تتعامل بقدر وافر من الشفافية فيما يتصل بالتحقيقات حول مزاعم إساءة المعاملة وإحالة المسئولين إلى القضاء"! انه لا يتحدث عن حقائق وإنما مزاعم ولا يتحدث عن جرائم قتل وإبادة جماعية وإنما عن"إساءة معاملة" فقط! وإذا كان تعاملهم بشفافية مع كل هذه الانتهاكات والجرائم فالله يستر العراقيين عندما لا يتعامل الامريكان بمثل هذه الشفافية!

 

لذلك دفع العراقيون ثمنا فادحا من دمائهم بسبب هذا القرارات الجائرة, وهذه الاتفاقية هي امتداد بشكل أسوأ للقرار(17) سيما أننا شهدنا تداعياته ومن المؤكد أن نرفض أي اتفاقية تصب في نفس الاتجاه أو تعزز التواجد الأمريكي في العراق بغض النظر عن كونها اتفاقية طويلة الأمد أو نقاط تفاهم أو إعلان مبادئ أو تحالف استراتيجي وغيرها من المسميات.

 

نرفض الاتفاقية كذلك لأنها تجري بين دولتين غير متكافئتين أي بين محتل(بكسر التاء) ومحتل( بفتح التاء) ناهيك بأنها تجري بين إدارة احتلال و حكومة هي أصلا من صنع الاحتلال, كما انه لا يمكن تحقيق التوازن بين الكفتين مهما كانت المعايير فمصالح أمريكا سيكون لها الثقل على حساب مصالح العراق التي ستطفو لخفتها. و من السخرية أن نعقد مقارنة بين القوة التفاوضية للطرفين ومهارة كل منهما في إدارة التفاوض, ولا ننسى أنه منذ الحرب العالمية الثانية عقدت ألمانيا واليابان اتفاقيات مماثلة مع الولايات المتحدة وما تزال تدفع ثمنها من خلال وجود قواعد أمريكية على أراضيهما!

 

ونرفض الاتفاقية لأن من شأنها أن تخدم الإدارة الأمريكية الحالية وهي على وشك مغادرة البيت الأبيض, كما أن الحكومة العراقية الحالية لم يبقى لها سوى عام ونيف, فليس من حق الطرفين توقيع اتفاقية وهما على وشك الرحيل ليسجل بوش هدفاً في الوقت الضائع من المباراة وتتعرض الحكومة العراقية لخسارة تدفعها الأجيال القادمة. وهذا ما صرح به السيناتور جون ماكين الذي أفترض ديمومة الاحتلال إلى مائة عام قادم!

 

إن الاتفاقية ما تزال تضم الكثير من الطلاسم لم يكشف عنها بعد ولولا بعض البنود التي أعلنتها صحيفة الغارديان لم عرفنا لحد الآن ما يجري في الدهاليز, ولا شك أن أعطاء حقوق للأمريكان بإقامة خمسين قاعدة عسكرية دائمة و(350) موقع مبهم آخر, ومنح قواتها الحصانة ضد القضاء العراقي, وفسح المجال لها لاعتقال العراقيين بتهمة الإرهاب وفق مقاييسها الخاصة وتفسيراتها التي تنطلق من اعتبار المقاومة العراقية التي شرعتها الأمم المتحدة وفق المادة(51) من الميثاق في خانة الارهاب, من ثم السيطرة على ثروات البلد وتقديم التسهيلات العسكرية والسيطرة على أجواء العراق لارتفاع(29000) ألف قدم وتأمين  الحصانة للشركات الأمنية والمقاولين والمستثمرين وبقية البنود غير المعلنة هي بنود لا يمكن أن ترضى بها أية حكومة مهما بلغ مستوى انحطاطها وعمالتها.

 

نرفض الاتفاقية لأنها تعصف بالمتبقي من السيادة المزعومة للعراق وتجعل منه ولاية أمريكية من ناحية الواجبات مع حرمانها من كافة الحقوق!

 

عندما ينتهي الاحتلال وتقام بين البلدين علاقات طبيعية ومتوازنة وفي ظل وجود حكومة وطنية تحفظ للشعب مصالحه وكرامته وسيادته يمكن عقد اتفاقيات سواء مع أمريكا أو بقية دول العالم لكن في ظل العلاقة الشاذة الحالية لا يمكن الموافقة على أية اتفاقية تعقد في ظل خيمة الاحتلال ونحن نعتبر الاحتلال باطل وعليه كل ما يقوم به أو يعقده مع الحكومة العراقية يعتبر باطل أيضا.

 

س2: كيف تفسرون الإصرار الأمريكي لتنفيذها؟

 

ج 2: بلا  شك أن إصرار الإدارة الأمريكية على تمرير الاتفاقية يفسر منطقيا بأنها تحقق مصالح هذه الإدارة, كما إن توقيت إنجازها في نهاية شهر تموز القادم هي محاولة لتأمين بقاء هذه القوات إلى أمد مجهول وربما ما أفصح عنه ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي في تأييد بقائها إلى مائة عام قادم مما يزيل بعض الضباب حولها. من المعروف ان الولايات المتحدة ستحاول الضغط بكل قوتها لإقرار الاتفاقية وهي تتحفظ على مبلغ(50) مليار دولار في بنك الاحتياط الفدرالي في نيويورك وتعتبره ورقة ضغط على الحكومة العراقية, وإسقاط التفويض من قبل الأمم المتحدة بالتحفظ على هذا المبلغ فأن هذه الخطوة من شأنها أن تدفع إدارة بوش لرفع الحصانة على أموال العراق وبالتالي فقدان الحكومة العراقية هذه الأموال, لذلك فأنه أمام العراق خيارين كلاهما مر فأما البقاء تحت ظل الفصل سابع من الميثاق أو التوقيع على الاتفاقية.

 

يحاول الرئيس الأمريكي بوش كما ذكرنا أن يحقق هدفا في الوقت الضائع بعد أن أشارت كل الدلائل بما فيه أعضاء من الكونغرس بأن الولايات المتحدة خسرت في حرب العراق, وأنه يحاول أن يوفر قناعة للأمريكيين بأنه حقق لهم تواجد طويل الأمد في العراق وانه لم يخرج فاضيا من العراق كما يدعي معرضو سياسته, وأن يبرر لشعبة غزو العراق بعد أن فضحت مبررات الغزو السابقة, كما يحاول أن يدعم مرشح حزبه لانتخابات الرئاسة جون مكين, كما يمكن اعتبارها محاولة يائسة للإجهاز على الوعود التي أطلقها باراك اوباما لسحب القوات الأمريكية عند فوزه في الانتخابات والتي وصفها مكين بإضاعة لنصر محقق في العراق! إذا أن الرئيس الأمريكي سيورث اوباما مشكلة كبيرة في حالة فوزه في الانتخابات حيث تصطدم جهوده بوعد الناخبين بسحب القوات الأمريكية في العراق بجدار الاتفاقية طويلة الأمد.

 

ويمكن أن ندرك التحرك الأمريكي الأخير من خلال زيارة رئيسة مجلس النواب بيلوسي إلى العراق وزيارة السفير ريان كروكر للسيد السيستاني في محاولة لدفع عجلة المفاوضات إلى الأمام والضغط على حكومة المالكي بالاستفادة من موقف السيستاني وهو أيضا يعاني من الحرج فهو كمواطن إيراني يرفض لاتفاقية التي تهدد بلاده سيما بعد أن أعلنت الحكومة الإيرانية موقفها الواضح منها, لكنه يخشى من جهة ثانية أن ترفع الولايات المتحدة دعمها للحكومة العراقية الطائفية التي يدعمها السيستاني بكل قوة.

 

كما تحاول الولايات المتحدة شراء ذمم بعض أعضاء مجلس النواب من أولئك الرجال الذين لا يجرؤا حتى في أحلامهم على أن يكونوا وطنيين, وقد كشفت شبكة فوكس نيوز تسعيرة شراء صوت النائب بـ(3) مليون دولار, ومشكلة النواب إنهم كالأوكسجين سريعي الاشتعال أمام الدولار الأمريكي! إذ تخشى إدارة بوش أن تضطر الحكومة العراقية إلى عرض الاتفاقية للاستفتاء العام لأن هذا يعني رفضها بشكل قاطع لذا تحاول أن تسلك طرقا ملتوية.

 

س3: ما هي طبيعة المخاطر التي تنطوي عليها الاتفاقية عراقيا وإقليميا؟

 

ج3: عراقيا كما اشرنا سابقا أن التواجد الأمريكي في العراق سيكون طويل الأجل ويحق لقوات الاحتلال بناء(50) قاعدة عسكرية في العراق إضافة إلى (350) موقع آخر, كما ان الاتفاقية تؤمن لهذه القوات الحصانة من القضاء العراقي, ويمكن لقوات الاحتلال القيام بالمداهمات والاعتقالات دون الرجوع إلى الحكومة العراقية تحت ذريعة محاربة الإرهاب, والذي يعني وفق الرؤية الأحتلالية ملاحقة رجال المقاومة العراقية, كما إنها تمنح الشركات الأمنية التي تعتبر ثالث قوة أجنبية في العراق بعد قوات الاحتلالين الأمريكي والإيراني ويقدر عناصرها(40) ألف شخص والتي عاثت جرما وفسادا في العراق حصانة من القانون العراقي أيضا . علاوة على تأمين حرية تحريك قوات الاحتلال دون الرجوع إلى الحكومة العراقية, وتؤمن الاتفاقية كذلك السيطرة على المنافذ الحدودية البرية والبحرية والسيطرة على فضاء العراق بارتفاع(29000) ألف قدم, علاوة على احتكارها تدريب وتسليح الجيش العراقي وتنظيم الأمن الداخلي والهيمنة على ثروة البلد, يضاف إلى ذلك البنود التي لم يكشف عنها لحد الآن ومن المؤكد أنها أكثر خطورة من المعلنة!

 

من الناحية الإقليمية نلاحظ ان التهديد سينحصر على دولتين فقط لا أكثر إذا أخذنا بنظر الاعتبار التحالف الأمريكي مع تركيا ودول الخليج وخاصة الكويت والسعودية والأردن, بمعنى أن التهديد سيوجه ضد إيران وسوريا . أصبحت الدولتان محاطتان بأكثر من جهة معادية, فالولايات المتحدة أمست لها حدود مباشرة مع إيران عبر قواتها في العراق وأفغانستان, وسوريا أمست لها حدود موجعة فالعدو الصهيوني من جهة والعدو الأمريكي في العراق من جهة أخرى, والدولتان محسوبتان وفق النظرة الأمريكية من محاور الشر والمشجعة للإرهاب الدولي, وهنا لا بد من الإشارة بأن الضجة التي أثارتها إيران عبر مسئوليها لرفض الاتفاقية تثير الدهشة, فإيران قد ساهمت في حصر نفسها بين كماشتي العراق وأفغانستان باعتراف قادتها بأنه بدون إيران ما استطاعت الولايات المتحدة من احتلال البلدين! لذا فانه من المفترض ان تعي إيران بان الولايات المتحدة سيكون لها وجود طويل في العراق فهي لم تأت  لجعل العراق يشع ديمقراطيا على دول الجوار أو البحث عن أسلحة الدمار في العراق! ومن غير المنطقي ان تضحي الولايات المتحدة بعشرات الألوف من جنودها وتنفق ما يقارب(400) بليون دولار وتعرض هيبتها إلى الحضيض لتقول بعد سنوات للعراق لقد حررناكم مع أطيب التمنيات وتغادره؟ وهذا يعني ان إيران أما لديها قصر نظر في موضوع بقاء القوات الأمريكية في العراق أو أن هناك اتفاق بينها وبين الولايات المتحدة انتهى مفعوله أو تعرض للفشل!

 

 الوضع الجديد يحتم عليها ان تتعايش مع وجود(50) قاعدة عسكرية من المؤكد إن بعضها ستكون متاخمة للحدود العراقية الإيرانية والعراقية السورية, وهذا الأمر جعلها تندب حضها العاثر فقد أصبح الشيطان الأكبر ينام بجوارها ويعبث بها من جهتين! لذا نجد أنها أول من دعت العراقيين إلى رفض الاتفاقية وسبق أن زارها قبل المالكي نائب رئيس الجمهوري عادل عبد المهدي حيث التقى بالرئيس محمود نجادي ولم يفصح في حينها ان سبب الزيارة كان موضوع الاتفاقية, ولكن شريعة مداري وصف الاتفاقية بكونها تمثل عودة الحرب الباردة بين العراق وإيران والغرض منها عزل بلده وإنها ستحول" العراق إلى قمر صناعي أمريكي", متجاهلا أن حكومته هي التي أدخلت هذا القمر في الفلك الأمريكي, في حين وصفها هاشمي رفسنجاني بأنها " تمثل احتلالا دائما للعراق وستحول العراقيين إلى عبيد للأمريكيين" متناسيا بأن بلاده هي من أرست علاقة العبد بالسيد في العراق! لكن الأمر الذي يدعو إلى الغرابة ان خامنئي خلال لقائه بالمالكي أعتبر أن أهم مشكلة يعاني منها العراق هي وجود قوات أجنبية على أرضه! ولم يسميها قوات احتلال؟

 

سوريا سيكون لها نفس موقف إيران فالاتفاقية تشكيل تهديد مباشر لها وبدلا من أن تنظر بحذر إلى جهة واحدة وهي الكيان الصهيوني فأنها مضطرة للنظر إلى العراق أيضا في ظل وجود القواعد الأمريكية, خصوصا في حال تعثر المساعي التركية الأخيرة لتحقيق السلام بينها وبين إسرائيل, لذلك فأنها سترفض الاتفاقية, أو قد لا تتخذ موقف في الوقت الحاضر لحين انجلاء ما تسفر عنه المفاوضات مع إسرائيل بشأن الجولان.

 

س4: قارن بوش بين العراق واليابان وألمانيا! ما هو رأيكم بهذه المقارنة؟

 

ج4: لا أعتقد ان هذا المنطق يصلح للمقارنة بين العراق وغيره من الدول بغض النظر عن تلك الدول, فلكل دولة في العالم ظروفها الخاصة من النواحي الجغرافية والسياسية والتاريخية والثقافية, ولا يمكن ان تنطبق مواصفاتها على بقية الدول مهما بلغت أوجه التشابه مع غيرها! كما ان الرئيس بوش يقارن خارج نظرية البعد المكاني بين دولة في أوربا وأخرى شرق آسيا مع العراق كما أنه يتجاهل البعد ألزماني فهو يقارن ظروف العراق الحالية بظروف ألمانيا واليابان منذ أكثر من نصف قرن! كما أن ظروف الحرب العالمية الثانية ليست هي ظروف غزو العراق, فالعراق لم يوقع اتفاقية استسلام مع الولايات المتحدة هذا من جهة كما أنه لم يحظى بمشروع شبيه بمشروع مارشال ساهمت فيه دول أوربا لانتشال ألمانيا من أوضاع الحرب المدمرة, والنهضة الألمانية واليابانية هي وليدة الرحم الألماني والياباني وليس الرحم الأمريكي ولا يحق للولايات المتحدة أن تنسب لنفسها تنمية البلدين وتنكر الجهود الجبارة التي بذلها الشعبين الألماني والياباني لتحقيق نهضتهما الحديثة باعتمادهما على إمكانياتهما الذاتية ومساعدة الدول الأوربية أيضا وليس أمريكا فقط. ومن المؤكد ان اليابان وألمانيا لو كانتا تحتوي على أكبر احتياطي عالمي للبترول كانت النتيجة مختلفة عن الوضع الحالي! ولا أظن أن الرئيس الأمريكي سلف بوش دفع ملايين الدولارات لارتشاء النواب الألمان واليابانيين للتوقيع على الاتفاقيات الثنائية ولم تكن الأمم المتحدة قد تشكلت لتضع ألمانيا واليابان تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة, ولم تجري الاتفاقيات في الكواليس بعيدا عن الشعبين الألماني والياباني, ولا يبعد عن نظرنا ان إمبراطور اليابان هيرو هيتو وقع على اتفاقية الاستسلام بعد الحرب الكونية الثانية وهو يصب الدموع في حين كان هتلر يوارى التراب.

 

وهل يعتقد الرئيس بوش ان ألمانيا واليابان تشعران بالفخر والامتنان لأمريكا لعقد اتفاقيات مذلة معها؟ في منتصف العام الماضي أغتصب جندي أمريكي يقيم في احد القواعد الأمريكية في اليابان طالبة يابانية عمرها(16) ربيعا وثارت ثائرة البلاد على هذه الجريمة بعد تكرارها عدة مرات من قبل الجنود الأمريكان, وخرجت تظاهرات عارمة مطالبة برفع الحصانة على الجنود الأمريكان وطردهم من البلاد! فعلام يتبجح بوش بهذه الاتفاقيات مع ألمانيا واليابان؟ لماذا لا يحدثنا عن نماذج أخرى لسياسة بلاده مثلا في فيتنام وكوبا والصومال وأفغانستان؟

 

س5: كيف ستتعاملون مع الاتفاقية في حالة إقرارها!

 

ج5: ان القانون الدولي ممثلا بلائحة لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة والقوانين الدولية ذات العلاقة بالحرب لا تجيز لإدارة الاحتلال أن تخرق أو تنتهك أو تغير أو تعدل القوانين المرعية والنافذة في الدولة التي تحتلها, واعتبرت هذه القواعد الدولية أن سلطة الاحتلال ذات صفة وقتية ولا تجسد السلطة القانونية في الدولة المحتلة, وعليه فأن كل ما يبنى في ظل الاحتلال يعتبر باطل ومخالف للشرعية الدولية, ومن هذا المنطلق فأن الاتفاقية تعتبر باطلة وهي ضد إرادة الشعب العراقي, ولكون الحكومة العراقية الحالية تستمد غذائها وبقائها من الحبل السري الأمريكي لذلك فأنها لا تعتبر شرعية سيما ان العالم أطلع على الاعترافات الكثيرة من كبار المسئولين في المفوضية العليا للانتخابات حول تزوير الانتخابات السابقة والذي يلغي شرعيتها, وبالرغم من كون الحكومة العراقية تود أن توقع الاتفاقية لكي تحرص على بقائها وتنتفع من المزايا المتوفرة لها بوجود الاحتلال, لكن موجة السخط الشعبي وصلت إلى مرحلة الاهتياج ولذلك من الصعب ان يتم تمريرها إلا في حالة إلغاء دور الشعب العراقي كليا!

 

 ولكي يمكن تفويت الفرصة على الحكومة العراقية ومجلس النواب العراقي من تمرير الاتفاقية فأن القوى الوطنية ستطالب بعرض الاتفاقية للاستفتاء الشعبي العام, وستسقط حتما في ظل التراصف الوطني الرافض لها, والشعب العراقي معروف عنه إسقاط اتفاقيات الذل والخنوع وسيكون مصيرها كمصير معاهدة بورتسموث وحلف بغداد وغيرها, كما ستطالب القوى الوطنية بأن تأخذ الأمم المتحدة دورها الحقيقي باعتبارها الطرف الذي شرعن الاحتلال وهي تتحمل جزء غير يسير من الوضع المزري الذي وصل إليه العراق حاليا وآن لها أن تتصرف بشكل جاد وغير متحيز, وبالفعل تم توجيه رسائل ومناشدات من التيارات الوطنية وفصائل المقاومة إلى الأمم المتحدة والمؤتمر الإسلامي والجامعة العربية, رغم أننا تلقينا بأسف بالغ تصريح هشام يوسف مدير مكتب الأمين العام للجامعة العربية الذي وصف الاتفاقية بأنها" شأن داخلي يخص العراق وأن الجامعة العربية ليست طرفا فيها" ولا شك ان هذا الموقف هو الموقف الذي ترغب به الولايات المتحدة! ولكن أين موقف الشعب العراقي من اهتمام الجامعة؟

 

بالإضافة إلى التحرك على الصعيد العالمي والإقليمي والعربي فهناك تحرك فاعل ويومي على المواطن العراقي لتوعيته من مخاطر هذه الاتفاقيات التي تتنافى مع مفهوم سيادة وتكبل العراق  بقيود دامية, وتساهم المواقع الوطنية بنشر التفاصيل والمقالات التي تكشف أبعادها ومخاطرها المستقبلية على العراق لغرض  تعبئة الرأي العام العراقي فيما إذا تم عرض الاتفاقية للاستفتاء, وقد تقوم القوى الوطنية بتبني فكرة تعتبر الاتفاقية غير ملزمة للشعب العراقي في حال عدم عرضها للاستفتاء العام! ومن المؤكد بأن الحكومة العراقية ستدفع نفسها إلى الهاوية إذا ما أقرت الاتفاقية ووقعتها رغم أنف الشعب العراقي. ولكن بتصوري الشخصي إن الحكومة العراقية ستنتهج سياسة توفيقية في أن تستجدي الحكومة الأمريكية لتخفيف سقف مطالبها كي تحافظ على ماء وجهها أمام الشعب العراقي من جهة وتأمين رضا أسيادها في إيران من جهة ثانية من خلال الضغط على بند عدم استخدام العراق قاعدة لانطلاق أعمال عدوانية ضد دول الجوار, ويمكن الالتفاف على بعض المطالب بتعديلات صورية بطريقة أو أخرى, ولكن ما يمكن الالتفاف عليه نقطتين جوهريتين هما منح الحصانة لقوات الاحتلال وموضوع القواعد العسكرية.

 

س6: هل هناك علاقة ما بين الاتفاقية وإسرائيل؟

 

ج6: من المؤكد ان الاتفاقية ستخدم الكيان الصهيوني فأن وجود قواعد أمريكية قرب سوريا وإيران يدخل في مجال تعزيز الأمن القومي الإسرائيلي, إضافة إلى أنه يخرج العراق كليا من دائرة المواجهة مع الكيان الصهيوني لعقود قادمة, مع ضمان عزل العراق عن الوطن العربي كما عزلت مصر باتفاقية كامب ديفيد. كما أن الأمريكان سيبقون العراق دولة ضعيفة مفككة وفاشلة, ويثبتون الجيش العراقي على وضعه الحالي جيشا مهلهلا لا يمكن أن يكون له أي دور فاعل في أي صراع عربي إسرائيلي قادم, وإذا اعتبرنا ان أمريكا وإسرائيل وجهان لعملة واحدة سيكون الأمر أسهل بتصوره. فأضعاف أي دولة عربية من شأنه ان يصب في الأجندة الإسرائيلية فكيف إذا كان ذلك البلد العراق الذي أرقها وأتعبها طويلا منذ مشاركته في حرب عام 1948 ولحين الغزو عام 2003وتجرأ أن يلهب سمائها وأرضها ب(39) صاروخ أرض- أرض. ويمتلك شعبه رصيد من الكراهية لوجود هذا الكيان لا يضاهيه احد بحجمه!

 

ونود أن نؤكد بأنه بدون العراق" فان أجراس العودة لن تقرع  ولن تدك الأسوار ولا يستلهم ذات الغار" وهذه هي الحقيقة التي يعرفها الجميع.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة / ٢٠ شعبان ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٢ أب / ٢٠٠٨ م