الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

المكتبة الوطنية في مهب الريح
فصل محزن من قصة
تدمير ذاكرة العراق الوطنية

 

 

شبكة المنصور

علي الكاش / كاتب ومفكر عراقي

 

مع بدء الغزو الأمريكي للعراق تم استهداف البنى التحتية والهياكل الارتكازية لمؤسسات الدولة وتدميرها وحرقها سواء مع بداية العمليات العسكرية أو بعدها, وما صاحب ذلك من عمليات نهب وسلب لصروح الحضارة والثقافة في العراق, كان من ابرز ضحاياها المتحف العراقي والمكتبة الوطنية ومكتبة الأوقاف وأرشيف وزارة الخارجية العراقية وبيت الحكمة ومكتبة رئاسة الجمهورية ومكتبة المخابرات, كانت المحصلة المأساوية فقدان أطنان  من التحف والكتب والمخطوطات والوثائق الفريدة, وفي الوقت الذي يمكن تعويض ما تدمر من هذه البنى والمؤسسات والمصانع فأنه من المستحيل تعويض وثيقة تاريخية واحدة  أو جرة صغيرة من العصور القديمة, شيئان لا يعوضان هما الإنسان كقيمة إنسانية عليا في المجتمع والثقافة والحضارة كقيمة وطنية عليا.

من أبرز ضحايا الاحتلال الغاشم كانت صروحا حضارية وثقافية كبيرة من بينها المكتبة الوطنية التي افتتحت في منتصف شهر نيسان من عام 1920 وسميت بادئ ذي بدء مكتبة السلام اعتزازا بالعاصمة بغداد التي كانت تسمى بدار السلام, واعتمدت المكتبة في تأسيسها على التبرعات من الكتاب والأدباء ودور النشر والمكتبات الخاصة وكان يديرها العلامة الكبير انستاس الكرملي وتنقلت المكتبة إلى عدة أماكن قبل أن تستقر نهائيا في منطقة باب المعظم مقابل وزارة الدفاع عام 1977, كما خضعت إلى عدة تشريعات قانونية لغرض تنظيمها وإدارتها من بينها قانون المكتبة الوطنية برقم(51) لسنة 1961 وتلاه القانون المرقم(43) لعام 1964 ومن بعده القانون ذو العدد(37) والمؤرخ في عام 1970, وأدمجت المكتبة الوطنية مع المركز الوطني للوثائق وفق تعليمات وزارة الثقافة والإعلام برقم(8) لعام 1987 وسميت منذ ذاك الحين بدار الكتب والوثائق وتشير الإحصائيات بأن المكتبة تضم أكثر من مليون مجلد منها(43788) مجلد يضم دوريات من الصحف والمجلات العربية والعراقية منها ما يعود لأكثر من قرن, كما زودت بجميع أطروحات الدكتوراة ورسائل الماجستير, ونسخة أو أكثر من كافة الكتب التي تصدرها وزارتي الثقافة والإعلام والأوقاف وكذلك دور النشر الرسمية والعامة. وكان من أهم أهداف المكتبة جمع وتصنيف الكتب والمحافظة عليها باعتبارها ثروة وطنية وقومية, كذلك إصدار بيلوغرافية المكتبة بشكل دوري منظم, وتوفير المصادر لطلاب الدراسات العليا والباحثين والأدباء, وتبادل المعلومات والخبرات مع بقية المكتبات العربية والدولية, وتبادل النشرات والدوريات معها, إضافة إلى التعرف على نتاج بقية الدول الفكرية وشراء عدد من المطبوعات, وتعريف تلك الدول بالنتاج الفكري العراقي.

ويبدو إن الحكومة العراقية قبل السقوط كانت تدرك حقيقة الهجمة الهمجية الأمريكية وأهدافها التي غابت عن الكثيرين, وأنها لا تستهدف أسلحة التدمير الشامل بقدر ما كانت تستهدف العراق كثروة اقتصادية وثقافية وحضارية, لذلك عمدت إلى أخفاء الكثير من القطع الأثرية والوثائق في أماكن سرية لا يعرفها إلا القلائل وهؤلاء يتحملون جزءا كبيرا من مسئولية عدم المحافظة عليها وتسريبها إلى أيادي العابثين.

كانت الوثائق العراقية كما سمعنا من كبار المثقفين والمهتمين تصدر من نسخ محدودة سواء تلك التي تصدر في البلاط الملكي أو مجلس الوزراء أو مجلس النواب والأعيان خلال الحقبة الملكية والعهد الجمهوري الذي تلاها, ومن أهم هذه الوثائق تلك الصادرة من الجهات المنوه عنها إضافة إلى وزارة الخارجية العراقية, ومن المؤسف أن تتلفت الكثير من هذه الوثائق المودعة في البلاط بعد المجزرة التي تعرضت لها الأسرة المالكة كما كان لفيضانات نهر دجلة وقرب مقرات الحكومة المركزية منه دورا إن غرقت الكثير منها أو تلفت, يضاف إلى سوء الخزن وتعرضها إلى الرطوبة و العثث وعدم الاهتمام بطريقة حفظها ومعالجة التلف بطرق علمية وكذلك الحرائق وغيرها من العوامل الأخرى. وقد نقلت وثائق مجلس الوزراء ومجلسي النواب والأعيان إلى المكتبة الوطنية بعد أن الحق مركز الوثائق بها. أما أرشيف وزارة الخارجية فقد علمنا أنه أحرق عن بكرة أبيه وسرقت معظم الكتب من مكتبة الوزارة.

كانت المكتبة الوطنية قد أفرغت تقريبا من الوثائق المهمة والكتب النادرة وتم خزنها في سراديب تحت هيئة السياحة في شارع حيفا خشية تعرضها للتدمير بفعل العدوان الأمريكي, ولا يعرف مكانها إلا عدد قليل من العاملين في المكتبة نفسها, وبالرغم من إحراق المكتبة بعد احتلال بغداد لكن العديد من الوثائق والمجلدات كانت بمنأى عن التلف لوجودها خارج المكتبة. ولم يدر بالحسبان أن الكتب والوثائق التي أودعت في هيئة السياحة سيصيبها ضررا أكثر من تلك التي بقيت في المكتبة نفسها حيث سرقت وتعرضت إلى التلف كما سنشير لاحقا.

مديرالمكتبة الوطنية محامي بدون تكليف

ذكر د. سعد بشير اسكندر مديرا لمكتبة الوطنية بعد الغزو - وهو ليس مختص بعلم المكتبات وإنما العلاقات الدولية ولكنه عين بموجب نظام المحاصصة في حينها-  بأن التقديرات تشير إلى أن 60% من الأرشيف قد فقد, ويغطي الأرشيف تأريخ العراق منذ الاحتلال العثماني عبورا بالعهد الملكي من ثم الجمهوري وإنتهاءا بالحكم الرئيس صدام حسين, بمعنى ضياع أهم فترة من تأريخ العراق المعاصر, من جهة ثانية فقد أكثر من 25% من الكتب أي حوالي(250) ألف كتاب ما بين السرقة والحريق والغرق وهذا ما لم يشير إليه اسكندر إلا بعد أن حاوره الكاتب توفيق التميمي وفضح هذه الجريمة, مع محاولة اسكندر الالتفاف على الموضوع بأنه أول من طرح هذه الجريمة وهذا يخالف الواقع فقبل أن يتسلم مهمته في المكتبة الوطنية كان خبر إغراق مستودع المكتبة في شارع حيفا قد تسرب إلى عدد من المواطنين المتابعين هذا الشأن. ومن الغريب أن يعتبر سعد اسكندر إن من منجزات العهد الديمقراطي الجديد هو رفع المنع الذي وضعه النظام السابق عن الكتب الشيعية والكردية, متجاهلا أن معظمها منعت بسبب الترويج للعنصرية والطائفية وهي النتيجة التي نتحمل عبئها في  الوقت الحاضر, ومتجاهلا في الوقت نفسه إن الكتب المختصة بتراث حزب البعث قد أغلقت بالشمع الأحمر ومنعت من التداول داخل المكتبة, فتعددت الأسباب والمنع واحد!

ادعى د. سعد في رده للدفاع عن موظفيه بشأن فتح المياه لإغراق الوثائق بقوله " لا أساس من الصحة لهذه الحكاية وهي تحمل سوء فهم مقلوب وإنني أول من أثار هذه القضية في وسائل الإعلام" ولكنه بعد ذلك يناقض نفسه بنفسه ويفسر الماء بعد الجهد بالماء فيكمل حديثه" كانت الوثائق سليمة حتى حصول إحداث نيسان 2003 وحدث إهمال شديد وبعد مدة من مراجعتنا للموقع المذكور وجدنا إن الحنفيات مفتوحة والمياه تغمر الوثائق" ثم يدخلنا بدوامة أخرى بقوله  " الحدث ليس عرضيا بل مدبرا لتغطية سرقة ولا علاقة لموظفي الدار بهذه العملية" وهنا تبرز عدة تساؤلات وهي:-

1- لماذا لم يتخذ الدكتور سعد الإجراءات الوقائية لحماية هذه الوثائق من خلال تأمين الحراسة اللازمة أو تخصيص عدة من الموظفين للتناوب على حراستها قبل إغراقها؟

2- لماذا لم تنقل الوثائق إلى مكان أكثر أمانا كأن تعاد ثانية للمكتبة الوطنية وتكون تحت بصر العاملين؟

3- لماذا لم يفتح تحقيق مع العاملين في المكتبة لكشف ملابسات الموضوع خصوصا انه من الأهمية القصوى بحيث لا يمكن تجاوزه بمثل هذه السهولة؟

4- هل من مسئولية الدكتور سعد تبرئة منتسبي المكتبة أو أن هذه من مهام القضاء؟

5- كيف يفسر الدكتور سعد اختفاء نفائس الكتب والمخطوطات دون غيرها, ومن يعرف أهميتها وأين مكانها بالضبط من بين مليون كتاب وعدة ملايين من الوثائق؟ وكيف يفسر لنا فقدان أهم مخطوط  وهو "كتاب الطب" لابن سينا الذي  يعود زمنه إلى أكثر من (500) عام ؟ وكيف تسرب له خبر وجوده في دولة خليجية مجاورة؟ وما الذي  يمنعه عن تسمية هذه الدولة ومطالبتها بإرجاع هذا الإرث الحضاري الثمين لأهله؟ وهل هناك حياء ومجاملات مع الأخوة الأشقاء حول إعادة ذاكرتنا الوطنية؟

6- يدعي الدكتور سعد بأنه حصل إهمال شديد فمن المسئول عن هذا الإهمال المدمر وهل تمت تسمية المهملين و محاسبتهم وفق القضاء على إهمالهم؟

7- يتحدث دكتور سعد عن مدينة السماوة باعتبارها منفذ رئيسي لتهريب الكتب النادرة والمخطوطات ولوحات الرواد إلى السعودية وغيرها, دون أن يفصح لنا الإجراءات التي اتخذها لمتابع الموضوع وملاحقة لصوص الذاكرة العراقية, وهل تمت مفاتحة المملكة العربية السعودية بشأن الموضوع؟ ثم ماذا عن إيران وهي المنفذ الرئيسي للتهريب؟ وماذا بشأن سوريا والأردن أليست منافذ أيضا للتهريب سيما أن الجمارك السورية ألقت القبض مؤخرا على سائق عراقي يحمل من المقتنيات الأثرية والمخطوطات بما لا يقدر بثمن؟

8- يدعي السيد سعد بأن اللصوص هم من يقف وراء سرقة وإتلاف الوثائق بإغراقها وليس موظفو المكتبة؟ في حين يؤكد لنا البعض ممن كان يتعامل مع هؤلاء الشرذمة الذين ينهبون كنوز العراق من الكتب والوثائق بان "هؤلاء اللصوص تفاجئوا من عملية إغراقها لأنهم كانوا من أول المستفيدين منها فعلام يغرقونها" وهنا ينطبق على تحليل السيد سعد " حدث العاقل بما لا يعقل فأن صدق فلا عقل له"!

8- حدثنا احد العارفين ببواطن هذا الموضوع بأنه في فندق قديم وصغير في شارع الرشيد قرب محل الحاج زبالة للشرابت كانت تجري عمليات البيع والشراء, كان أحد موظفي المكتبة أو الموزع الرئيس لمسروقاتهم  يتستر بملابس خاصة وتتم عملية السمسرة داخل غرفة في الفندق أجرها هذا المنتسب ليتخذها كمخزن للوثائق والمساومة, وأكد بعض الأصدقاء بأنه من الممكن التعرف عليه بسهولة رغم تجنبه الظهور في سوق الكتب, وكان يحمل جميع رسائل الشيخ خزعل اميرالمحمرة, كل رسالة محفوظة في ظرف خاص ابيض اللون مؤشر عليها الجهة المرسل إليها وعنوان الرسالة إضافة إلى آلاف الوثائق وعلب الميكروفيلم, وكان يتعامل بالدولارفقط ويطلب أسعارا مرتفعة, ويمكن أن نقدم للسيد سعد مواصفاته التي قدمها لنا بعض الأصدقاء.

9- يعلم السيد سعد وغيره أن احد السادة المعممين في مدينة(الثورة) أو الصدر قام بنقل الآلاف من الكتب النادرة والمخطوطات إلى احد الحسينيات, وتبخرت هذه الكتب ولم ترجع للمكتبة الوطنية ولا يعرف مصيرها أو ربما يعرف مع التحفظ أو الخوف, ويرفض السيد سعد فتح هذا الموضوع وإماطة اللثام عن مصير هذه الثروة بحجة" إن الواقعة حصلت قبل تسلمه لمهام عمله" كما أفصح! ولا نعرف هل هذا الموضوع الجسيم يتعلق بقبل أو بعد تسلم مهام عمله؟ وان كان ذلك قبل تسلمه مهامه الم تسرق الوثائق أيضا قبل تسلم مهامه ؟ ولماذا يبحث عن الوثائق في دول الجوار ويتجاهل تلك التي بقربه؟ أم أن هناك أمورا ما تزال معتمة ولا توجد رغبة بتسليط الضوء عليها لغاية في قلب يعقوب؟ وبودنا تذكير الدكتور سعد بقوله " إن أعمال النهب كانت كارثة ليس فقط للمحفوظات الخاصة بتاريخ العراق ولكن أيضا لمستقبل البلاد فحين تدمر مكتبة تدمر الهوية التي كان العراق يسعى لترسيخ جذورها. لا يمكنك توحيد البلاد بالقوة دون ذاكرة تاريخية". فمن الأجدر أن يعمل وفق هذه المقولة!

بدأت نشاطات لصوص الكتب والمخطوطات قبل أن يسمع دكتور سعد وغيره بها, فبعد فترة  لم تتجاوز الشهرين من الغزو قام بعض الغرباء عن سوق الكتب في شارع المتنبي بعرض اسطوانات وأختام معدنية تعود إلى المتحف العراقي وبيعت بأسعار زهيدة إضافة إلى عرض كتب نادرة مطبوعة قبل قرنين أو أكثر ومعظمها من الطبعات الأوربية النادرة جدا في ليدن وروما وبطسبورغ ولندن وليبزك وهامبورغ, وكذلك كتب عربية نادرة من إصدارات الجوائب والقسطنطينية وبولاق والمطبعة الأميرية والسلفية ودار الآباء اليسوعيين والدومنيكان ودار السلام وغيرها, وتهافت باعة الكتب من المحترفين الذين يبسطون كتبهم على الأرض إضافة إلى بعض الهواة ممن يسمونهم (صيادو الكتب النادرة) على شرائها لمعرفتهم بندرتها وأهميتها, كما قام البعض الآخر بعرض وثائق نادرة وأضابير كاملة تضم مئات الوثائق المفهرسة التي تعود إلى العهد العثماني والملكي والجمهوري بأسعار تخضع إلى المساومة ومدى غفلة الباعة بقيمتها وأهميتها سيما أن معظمهم ليس من رواد شارع المتنبي المعروفين, والحق يقال إن معظم أصحاب المكتبات القديمة والجديدة عزفوا عن شراء هذه الكتب ليس مخافة المساءلة لعدم وجود حكومة تتابع هذا الموضوع أو رجال شرطة يمكنهم القبض على الجناة, بل العامل الوطني أو بتأثير العامل الديني أو الأخلاقي, وبالرغم من تفنن بعض الباعة بمحو أختام المكتبات عن طريق القاصر أو رفعها بالشريط اللاصق أو تمزيق الصفحات التي فيها أختام المكتبة الوطنية. لكن أصحاب المكتبات بحكم خبرتهم في هذه الكتب سرعان ما يكتشفونها, وغالبا ما يقوموا بتقريع هؤلاء اللصوص وتوبيخهم ومنهم السادة الأفاضل أكرم الفلفلي صاحب مكتبة الزوراء والشهيد عدنان سلمان صاحب مكتبة عدنان الذي استشهد في التفجير الإرهابي الذي طال سوق الكتب, والسيد حسام الاعظمي صاحب مكتبة الرباط, والسيد أبو ربيع صاحب مزاد الكتب والسيد وديع علي الخاقاني صاحب مكتبة البيان وأصحاب مكتبات المثنى والنهضة والعصرية والقيروان والقانونية والليث والحيدري عدد آخر من الغيارى أصحاب الحس الوطني والشعور بالمسئولية.

لو خليت قلبت

حاول عدد من المهتمين بهذه الثروة الوطنية أن يصلوا بأصواتهم إلى بعض أعضاء مجلس الحكم لتنبيههم إلى هذه الظاهرة لكن من المؤسف فلم يلتفت احد إلى أصواتهم إلى أن بحت وخفتت بل لم يلتفت المسئولين لحد الآن لمثل هذه المواضيع فتفاقمت الظاهرة والمأساة, ومع هذا فقد حاول عدد من أصحاب الضمائر منهم( حسين الوهب) و ( أبو مروان) وآخرين-  نتحفظ على أسمائهم لعدم رغبتهم بنشرها لأن ما قدموه كان برأيهم مجرد واجب وطني ولا يستدعي الشكر والثناء - بشراء عدد من الكتب والوثائق من أموالهم الخاصة وتخزينها في مكتبة الشهيد عدنان في شارع المتنبي لحين توفر الفرصة المناسبة لإرجاعها, وبعد أن فتحت الدار الوطنية من جديد التقى الوهب وأبو مروان كل على إنفراد بالدكتور سعد وسلموه ما بعهدتهم من كتب ووثائق رافضين التعويض أو نشر أسمائهم, وقد نبه أبو مروان الدكتور سعد بقوله" لا أريد تعويض أو جزاء فهذا واجبي كمواطن تجاه بلدي ولكن لي رجاء واحد وهو أن لا أرى هذه الكتب والوثائق مرة أخرى خارج المكتبة" فتعهد الدكتور سعد بذلك. ومن المؤسف أن يستذكر الدكتور سعد فقط (حسين الوهب) ولا يذكر الآخرين ولو بالإشارة علما إن السيد أبو مروان قد دفع أكثر من مليون دينار عراقي من جيبه الخاص لشراء وثائق وكتب أعادها للدار كما حدثني احد معارفه من رواد المتنبي, وحتى السيد الوهب فقد تعرض إلى إساءة عندما أدعى الدكتور سعد في تصريح سابق بأنه قد عوضه ماديا, مما أثار الوهب وزار المكتبة الوطنية معاتباً وطلب منهم تفنيد هذا الادعاء الكاذب, وفعلا صرح الدكتور سعد لاحقا بأنه لم يمنح الوهب" الهدية التي يستحقها لموقفه الوطني", وكان الوهب قد تمكن بمساعدة أحد رواد المتنبي من التعرف عن احد الباعة فأشترى منه (140) من الكتب النادرة بسعر (400) ألف دينار عراقي. وكان بإمكان الدكتور سعد أن يقدم لهؤلاء الوطنيين هدية رمزية من خلال تزويدهم ببطاقة تسمح لهم الدخول والاستعارة من المكتبة شأنهم شأن طلاب الدراسات العليا وفي ذلك جزء من الوفاء وما أقله؟

كان تسرب تلك الوثائق قد لقي رواجا من قبل بعض المواطنين العرب الذين قدموا مع الاحتلال ومنهم الأطباء والمترجمين فالكتب والوثائق المتخصصة بالعائلة المالكة في العراق كانت تهرب إلى الأردن وما يتعلق بالخليج يهرب إلى الكويت أو السعودية عبر أطباء ومستخدمين يعملون في مستشفى الشيخ زايد التي فتحت بعد الغزو في بغداد, والكتب المتعلقة بالحدود وإمارة المحمرة  وعربستان تهرب إلى إيران.

معظم مكاتبات الشيخ خزعل تعود بمبادرة الشرفاء

ما يسترعي الانتباه أن العديد من مكاتبات الشيخ خزعل الكعبي أمير المحمرة كانت من ضمن هذه الوثائق التي نهبت وعرضت للبيع وهي بخط يده (الخط الفارسي) وكانت تتضمن مكاتبات عديدة مع عدد من المسئولين العرب والانكليز وغيرهم, ومن الطريف أن البائع طلب (20) دولار عن كل رسالة وهي تزيد عن(100) رسالة ولكن بعد مساومات طويلة اشتراها( أبو مروان) جميعا ب(300) دولارا وسلمت مع بقية الوثائق إلى المكتبة الوطنية, ومن الوثائق الأخرى كانت أضابير كاملة تتضمن اجتماعات مجلس النواب والأعيان ومقرراتهم وأخرى تعني بموظفي البلاط الملكي ورواتبهم ومخاطبات ملوك العراق مع نظرائهم العرب والأجانب وملفت عن عمل الوزارات في العهد الملكي ونسخة أصلية من محاضر الوحدة بين مصر والعراق وسوريا إضافة إلى نزاعات العشائر العراقية وتعيينات واستقالات الوزراء ورسائل رفعها المسئولون إلى أنظار الملوك ومنها رسائل نادرة من الزعيم الوطني كامل الجادرجي وياسين الهاشمي ونوري السعيد وغيرهم. وقد تسنى لأحد الأصدقاء الإطلاع على رسالة غرامية نادرة من زميلة انكليزية إلى الملك فيصل الثاني سبق أن تعارفا أثناء دراسته في بريطانيا وكانت بصحبة بائع طوابع نادرة من الأكراد في سوق المتنبي طلب (1000) دولار لقائها ولا نعرف مصيرها وربما هي خاصة أو من مقتنيات المكتبة الوطنية رغم إنها لم تحتوي على ختم أو قد تم محوه بطريقة ما والله أعلم. وقد حاول أبو مروان إقناعه ببيعها له بسعر مناسب لغرض إهدائها( لم يقل إعادتها خشية من غضب البائع وربما لا تعود أصلا للمكتبة الوطنية) للمكتبة الوطنية لكن البائع تشبث بسعره ورفض أن يخفضه ولا نعرف بقية القصة أن نجح في شرائها أم لا.

من الوثائق المهمة كما حدثنا البعض كانت وكالة عامة من العائلة المالكة(الملكة نفيسة وبديعة وفيصل الثاني) إلى الوصي عبد الإله ومئات من هذه الوثائق النادرة, علاوة عن سجل التحقيقات التي رفعهما درويش باشا للدولة العثمانية للتفاوض مع الانكليز لرسم الحدود بين العراق وإيران بشأن القبائل العربية الممتدة على طول الحدود العراقية الإيرانية والتي بينت بشكل ظاهر مدى الغبن الذي وقع على العراق بضمها إلى بلاد فارس ومنها منطقة عربستان التي تسكنها عشائر عربية أصيلة لا تقبل التأويل أو الشك في أصولها العربية والتي استؤصلت ظلما وبهتانا من الجسد العربي لتلحق بالجسم الفارسي رغم اختلاف الأنسجة والخلايا بين الجسمين من كل النواحي والمواصفات, وقد طبعت هذه الوثائق بكتاب سمي" تقرير درويش باشا" وهو من الكتب النادرة جدا ويتضمن معلومات خطيرة عن هذا الموضوع المهم, تصلح لدحض ادعاءات إيران حول حقيقة عائديه عربستان وبقية المناطق التي تجاوزت عليها. والغريب إن جميع النسخ من تقرير درويش باشا وإحصائيات عام 1947 اختفت من المكتبات العامة أيضا بعد أن سرقها بعض الموظفين من أصحاب الضمائر الميتة وباعوها بأسعار باهظة! وبعد أن عرف السبب بطل العجب؟ وذكر صاحبنا" كانت آخر نسخة في المكتبات الخاصة من الإحصائيات ونسختين نادرتين من تقرير درويش باشا قد أشتراها السيد محمود الكردي( أبو صلاح) صاحب مكتبة السليمانية بسعر(400) دولار أمريكي قبل الغزو من مكتبة معروفة بالكتب النادرة بعد أن أجهد نفسه بالمساومة لأنها نادرة كما أن الإحصائيات تتضمن من المعلومات ما يفند إدعاء عائديه كركوك للأكراد" !

من جهة ثانية تعرضت مكتبات أخرى للسلب أو الحرق منها المكتبات الخاصة لعدد من كبار المسئولين فقد عرضت في شارع المتنبي مكتبات السادة عزت الدوري وطارق عزيز وطه الجزراوي وآخرين من الوزراء والمسئولين وكانت معظم الكتب تحمل اهداءات من المؤلفين وبإمضائهم الشخصي.

نفائس لم يكشف عنها

وهنا لابد من الإشارة إلى أمرين مهمين غفل الكثير عن التطرق إليهما, احدهما انه كانت في القصر الجمهوري مكتبة رائعة تضم نفائس الكتب وكان السيد( جبران ) المشرف عليها يجمع أسبوعيا عدد كبير من الكتب النادرة من شارع المتنبي لمكتبة القصر, يشتريها ممن يتعامل بنفائس الكتب القديمة وأشهرهم اكرم الفلفلي وطارق الأعسم ومازن عبد اللطيف وزين النقشبندي( وعدنان سلمان وخالد الشيخلي رحمهما الله)كما كلف احد المجلدين بتجليد العديد من المذكرات الموقعة من قبل ملوك العراق الثلاثة ضمن موسعة مذهبة من عشرة مجلدات وقد نقلت هذه الكتب بعد الغزو مع المخطوطات المهداة للرئيس صدام حسين إلى الولايات المتحدة الأمريكية, وأكد البعض إن الذين نهبوا القصور الرئاسية من اللصوص العراقيين كانوا من الغباء والسذاجة بحيث لم يدركوا أهمية هذه الكتب النادرة والمخطوطات فتوجهوا إلى سرقة الممتلكات الأخرى لكن الأمريكان أدركوا أهميتها.

والأمر الثاني هو مكتبة المخابرات فقد صدر في التسعينيات أمر بجمع كافة الكتب والمخطوطات المتعلقة باليهود في أرشيف خاص في المخابرات وكان من ضمن ما موجود أقدم نسخة من التوراة, وبعد الغزو مباشرة نزلت طائرات مروحية إسرائيلية حملت فقط الأرشيف اليهودي وأرسل إلى تل أبيب بمساعدة احمد الجلبي الذي أستحوذ على أرشيف المخابرات ووزعه بين إيران وإسرائيل, لذا نسمع حاليا ما يدور في الكواليس حول مطالبة بعض اليهود بتعويضات عن ممتلكاتهم التي تركوها في العراق خلال ما يسمى بفترة (الفرهود) مستندين في دعاواهم على هذه الوثائق التأريخية. وقد اتبع الإسرائيليون نفس الطريقة في لبنان عندما هبطت طائرات مروحية على مركز الدراسات الفلسطينية خلال الحرب الأهلية اللبنانية و حملت أرشيف المركز بأكمله وكانت الخسارتين هائلة لا تعوض!

حقيقة ما حدث في المكتبة المركزية وأرشيف الوثائق

ولنتحدث الآن عن داخل المكتبة الوطنية بعد أن تجاوزنا عتبتها فالمكتبة هذه بعد أن نهبت تعرضت إلى عملية إحراق مقصودة وبفعل تدميري منظم ومبرمج له وبحقد تأريخي لا مثيل له حتى في عصر المغول فالمجرمون دخلوا المكتبة تحت مرأى الأمريكان المرابطين في وزارة الدفاع قربها, كما كانت هناك دبابتين أمريكيتين قرب ساحة الميدان ومثلهما قرب جسر باب المعظم بما يعني أن شارع المكتبة مغلق من منطقة الميدان ولغاية باب المعظم حيث تقع المكتبة الوطنية في منتصف هذا الطريق. وتمت عملية الحرق بهدوء وبلا عجلة بدءا بالوثائق الأكثر أهمية ( كانت في الطابق الأعلى) نزولا إلى الطابق الأرضي باستخدام النفط لإحراقها, وبعد أن تصاعدت أدخنة النيران هب العديد من العراقيين إلى تنبيه القوات الأمريكية إلى الحريق ولكنهم رفضوا التدخل وإطفائه, ونشرت صحيفة الاندبندنت في عددها الصادر في منتصف نيسان عام 2004 نقلا عن الكاتب البريطاني المعروف روبرت فيسك بأنه ذهب إلى القوات الأمريكية بنفسه واخبرهم عن أعمدة الدخان المتصاعدة من المكتبة الوطنية ومكتبة الأوقاف ولكنهم لم يحركوا ساكنا؟

ولماذا يحركون ساكنا؟ أليس هذا هو مرادهم تدمير حضارة العراق ومحق هويته الثقافية وسلب ذاكرته الوطنية.

ومن المثير للسخرية أن تنشر الحكومة الأحتلالية هذا الخبر الاستفزازي تحت عنوان" مكتبة الكونغرس- مهمة وزارة الخارجية إلى بغداد (  15 كانون الثاني 2003 ) جاء فيه:-

"قام فريق من الخبراء من مكتبة الكونغرس مؤخراً بزيارة لبغداد للمساهمة بمشروع إعادة أعمار المكتبة الوطنية و الأرشيف في العراق تحت إشراف وزارة الخارجية  الأمريكية. و قد ترأس المهمة المختصة بشؤون العالم العربي ماري جين ديب و تضمنت أيضاً مايكل انجلو المدير السابق لفرع المكتبة في القاهرة و ألان هالي أخصائي الصيانة من مكتب المحافظة و الصيانة".

وهكذا أسدل الستار على أكبر جريمة ارتكبت بحق العراق وطنا وشعبا وحضارة وثقافة تتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى قوات الاحتلال التي تمركزت في وزارة النفط وتركت متاحف العراق ومؤسساتها الثقافية عرضة للنهب والحرق والتخريب, ولو وضعت جنديا واحدا لحراستها لما حصل ما قد حصل, وتتحمل المسئولية الثانية بعض دول الجوار التي مازالت تعميها لغة الانتقام ولم يطفأ شبقها الانتقامي احتلال البلد وتدميره, كما تتحملها حكومة الاحتلال الممثلة آنذاك بمجلس الحكم الذي انشغل بالكراسي متجاهلا تأريخ الأمة وهويتها الحضارية, ويتحملها نفر من العراقيين الضالين من موظفي المكتبة الوطنية وبعض المجرمين وضعاف النفوس التي سولت لهم نفوسهم المريضة سرقة تأريخهم وحضارتهم ومجدهم وبيعه إلى من لا تأريخ له.

دعوة متجددة لمتابعة الموضوع وفتح التحقيق من جديد للكشف عن الجهات التي وقفت وراء نهب وحرق وإغراق الكتب والوثائق في المكتبة الوطنية ومكتبة الأوقاف, وعن مسئولية من سرب المكتبة اليهودية في دائرة المخابرات إلى إسرائيل وسوف لا نبخل من جهتنا بالاتصال ببعض الأصدقاء ممن زودونا بهذه المعلومات وطلب تفاصيل أخرى نضعها تحت تصرف الشرفاء من أبناء عراقنا العظيم لكشف الحقيقة كاملة, ويمكن لمن تتوفر عنده تفاصيل أخرى عن هذا الموضوع  أن يرسلها لنا عبر بريدنا الالكتروني المدون في أدناه أو بواسطة الصحيفة المنشور فيها هذا الموضوع, لنساهم جميعا وكل حسب ضميره وإمكانيته بأن نعيد لوطننا الحبيب اشراقته الحضارية ونشحذ همة ذاكرتنا الوطنية من جديد, أنه واجب وطني مقدس والله والوطن من وراء القصد.

ونود أن نشير إلى ملاحظتين أخيرتين أولهما تخص مدير المكتبة الوطنية والشرفاء المحافظين على تراث العراق وتأريخه, وهي أن احد المواطنين العراقيين مقيم حاليا في دولة أوربية أعلمنا بأنه أشترى عام 2004بعض رسائل الشيخ خزعل الكعبي بخط يده وأفلام مايكروفيلم  تأريخية نادرة ووثائق أخرى من منطقة الميدان في بغداد وربما تعود إلى المكتبة الوطنية أو جهات أخرى وهي على جانب كبير من الأهمية التأريخية لغرض إعادتها إلى الجهات المعنية, وهو محتفظ بها في مكان أمين داخل العراق مع بقية متاعه, ولم يتسنى له تسليمها آنذاك بسبب سفره إلى خارج العراق قبل أن تفتح المكتبة الوطنية مجددا, ووعد بتسليمها إلى الدكتور سعد اسكندر شخصيا فور قدومه للعراق, فهي أمانة الوطن برقبته كما أسرنا وعاهدنا وعهدنا به كبير. ومن طريف ما ذكره بهذا الصدد إن من بين هذه الوثائق رسالة من مستثمر أجنبي تتحدث عن وجود احتياطات نفطية هائلة في العراق وانه طلب من الملك فيصل الأول أخذ نسبة مئوية من العائدات مقابل اطلاعه على أماكن وجوده. إضافة إلى رسائل نادرة بخط يد عدد من الزعماء منهم نوري السعيد وكامل الجادرجي وياسين الهاشمي وآخرين. إضافة إلى بعض الكتب النادرة ومنها طبعات حجرية.

الملاحظة الثانية كشف عنها مؤخر رغم أننا أول من تحدث عنها في مقال سابق وكذلك في هذا المقال الذي أعد منذ عدة اشهر وهي اعتراف خطير من قبل النائب العمالي( موردخاي بن بورات" يؤكد حديثنا عن الأرشيف اليهودي في المخابرات, فقد قام عدد من رؤساء الميليشيات الكردية واحمد الجلبي الذي نهب وثائق المخابرات العراقية بإهداء إسرائيل الكثير من النفائس اليهودية من أرشيف المخابرات انطلاقا من مبدأ ردً الجميل, وعلق موردخاي لصحيفة هارتس الإسرائيلية"  إننا تمكنا من الحصول على تعليق نادر لسفر أيوب نشر سنة 1487 وقسم من كتب الأنبياء المنشورة في البندقية سنة 1617من مخازن حصينة لأجهزة الأمن العراقية في عهد صدام حسين"  وأضاف موردخاي" انه ليس صعبا الحصول على أي شيء من اللصوص الذين ظهروا في أعقاب احتلال العراق" وإنهم بصدد ملاحقة بعض النفائس اليهودية التي هربت من العراق إلى دول الخليج, منوها" إن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) تمكن من السيطرة على أكبر مكتبة يهودية أثرية في العراق، كانت محفوظة في دائرة المخابرات العراقية السابقة. وذكر أن فريقا متخصصا من الموساد قام بعد أيام من سقوط النظام العراقي السابق، بالتعاون مع ضباط من وكالة الاستخبارات الأمريكية بالسيطرة على المكتبة اليهودية القديمة في بغداد، التي كانت تخضع لإشراف المخابرات العراقية". منها مخطوطات خطت على لفائف البردي كالتوراة والقبالة و الزوهار ويعود تأريخها إلى(2500) سنة حفظت في العراق منذ السبي البابلي. وذكر السيد أسامة النقشبندي مدير عام المخطوطات العراقية بأن الدكتور إسماعيل حجارة قد أرسل من الولايات المتحدة للأشراف على هيئة الآثار والتراث وكان وراء نقل هذه الأسفار النفيسة.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة /  22  رجــــب  1429 هـ

***

 الموافق   25  /  تمــوز / 2008 م