الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

مساجلة مع نصر الله العراقي !

 

 

شبكة المنصور

علي شندب / كاتب سياسي لبناني

 

حتى عام 2003، ورغم فظاعة الانهيارات التي أصابت وطننا العربي، ظلت فلسطين هي الانهيار الافظع والاكثر تشظيا وألما، فاستحقت بجدارة لقب الانهيار "الام" التي ولد من رحمها باقي الانهيارات العربية. ففلسطين كانت ولم تزل هي القضية، قضية كل العرب، بل وقضية كل حر وشريف في العالم. والعرب، كل العرب، كانوا وما يزالون أسوأ محام لأعدل قضية في التاريخين الانساني والسياسي.


وفي عام 2003 نجح العراق وبجدارة في ان يجلس الى جانب فلسطين على عرش قطبية الانهيار، وكان يمكن ان يستوي معهما كل العرب بكل اقطارهم على هذا العرش لولا المقاومة العراقية التي جاءت كإعصار أصاب المشروع والهيبة الاميركيين في الصميم. واما المشروع فنقصد به "الشرق الاوسط الجديد"، باعتبار ان احتلال العراق و"الشرق الاوسط الجديد" وجهان لعملة واحدة، فالحقائق الجيوستراتيجية ومراكز البحوث المحايدة والموالية للاحتلال الاميركي تتفق على ان مشروع "الشرق الاوسط الجديد" خطط له ليخرج من رحم احتلال العراق.


نعرض هذه المسلـّمة لتصحيح خطأ علمي لافت ورد في الكلمة المتلفزة للسيد حسن نصر الله بمناسبة الذكرى الثانوية الثانية للانتصار الكبير والاسطوري في معركة تموز التاريخية، حيث اعتبر سيد المقاومة ان مشروع "الشرق الاوسط الجديد" جُمد او سقط من بوابة تموز 2006، والحقيقة ان هذا المشروع سقط من بوابة التاسع من نيسان 2003، تاريخ اطلاق الرصاصة الاولى للمقاومة العراقية، وتلقى ضربته ما قبل القاضية في تموز المجيد.


وفي الواقع، لم يكن هذا الخطأ يتيما في خطاب السيد نصر الله، حيث احتوى الشق العراقي من خطاب "الامين العام" مجموعة من المغالطات والازدواجيات، بعضها قديم ويصر عليه زعيم حزب الله وبعضها جديد وخطير للغاية.


وقبل ان نتناول هذه المغالطات، نسارع الى القول بأن كلام "حسن نصر الله" ليس اي كلام وليس ككل الكلام. فهذا الرجل من القادة الاستراتجيين القلائل الذي يجعلنا نساوي صفرا في مقاييس التحليل السياسي اذا لم نتوقف عند كل كلمة ينطق بها، حتى لو كانت ارتجالية، فكيف اذا كانت مكتوبة ومقروءة بطريقة شبه حرفية، فهو مسؤول عن كل كلمة يقولها. وهذا الرجل، وحده في لبنان، من يحتل موقعا رئيسا وبارزا في لعبة المعادلات الاقليمية والدولية، لدرجة يمكـّننا معها من استشراف احداث ووقائع سياسية وميدانية في "الشرق الاوسط الاصيل" والعالم، وتحدُث!.


في هذا الخطاب، لم يكتف السيد نصر الله بالاصرار على مقارباته غير الموضوعية للمشهد العراقي والتي اسميناها في مقال سابق بـ "ازدواجية المعايير في خطاب نصر الله"، انما تجاوز ذلك ليصل الى حدود الجزم بمقاربات جديدة اقل ما يقال فيها انها تتسم، اضافة الى الخطورة، بالتعسف ومجافاة الحقيقة.


ولعل أخطر هذه المقاربات الجديدة تلك التي تتعلق بتبرئة السيد نصر الله غير المقصودة طبعا للاميركيين من محاولاتهم المستمرة في زرع الفتنة السنية الشيعية بين العراقيين، وتلك التي ترتبط بإنكاره الصريح والواضح لانجازات المقاومة العراقية.


يقول السيد نصر الله في خطاب الذكرى الثانية للانتصار الكبير على اسرائيل: "عندما اتحدث عن المقاومة في العراق لا اتحدث عن المجموعات المسلحة الاجرامية التي تقتل الناس وتسفك الدماء لمجرد الاختلاف الديني او السياسي او العرقي والمناطقي. هذه ليست من المقاومة في شيئ...عندما تملك رجالا او نساء مستعدين للموت وللقتل لماذا لا تدفعهم لتقاتل بهم قوات الاحتلال؟ وانت تدفعهم لتقتل بهم مدنيين نساء واطفال ابرياء فقط لانك تختلف معهم على تقليد او عبادة او عادة. هذه ليس من المقاومة في شيء، هذه مجموعات اجرامية لا تمت الى مشروع المقاومة في العراق بصلة". واضح من هذا الكلام ان السيد نصر الله يتوجه الى "القاعدة" ويتهمها دون غيرها بارتكاب جرائم ضد الشيعة في العراق. وهو بهذا الاتهام الحصري لهذا التنظيم السني المتشدد يبرئ ساحة الاميركيين من ممارسة هكذا افعال لطالما اتفق جمع كبير من المحللين السياسيين على حقيقة أن الولايات المتحدة لعبت وما تزال تلعب هذه اللعبة لاشعال الفتنة المذهبية في العراق، بهدف تحويل المعركة من عراقية - اميركية الى عراقية – عراقية. وكلنا يتذكر تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء، حيث اتهم الكثير من العراقيين الشيعة القوات الاميركية بتفجيرهما لتُظهر مؤشرات كثيرة مع الوقت ان الاميركيين هم من وقف وراء هذا التفجير. لذلك يصح القول انه كان على السيد نصر الله اتهام الاميركيين وأعداء العراق والعراقيين بالوقوف وراء هكذا تفجيرات دون ان يحصر هذه الممارسات بفريق سنّي متشدد في العراق. واذا ما سلمنا جدلا ان القاعدة حصراً من يمارس هذه الافعال المرفوضة الا ان جماعات عراقية شيعية مارست ولم تزل تمارس مثل هذه الافعال، وان ظاهرة المقابر الجماعية والجثث الملقاة على الطرقات والتي تعود لعراقيين سنّة في المناطق العراقية ذات الاغلبية الشيعية، لا يمكن تفسيرها، وفق تفسير السيد نصر الله، الا بالقول ان فرق موت شيعية هي من قامت بها. وهكذا يقع السيد نصر الله مرة اخرى وفي مكان آخر وفي العراق في فخ "ازدواجية المعايير". ورب قائل يقول ان هذا الكلام مردود على صاحبه، باعتبار ان السيد نصر الله تحدث بشكل عام دون ان يذكر بالاسم فريق او تنظيم ما يعود الى مذهب ما. ويمكن تفنيد هذا القول بإثباتين: الاول ان السيد نصر الله استشهد بالعملية الانتحارية التي حصلت قبل خطابه بسويعات والتي استهدفت عراقيين شيعة وهم في طريقهم الى كربلاء المقدسة للمشاركة في ذكرى مولد الامام المهدي، والثاني ان السيد تحدث عن اؤلئك الذين يفجرون انفسهم بجموع الناس، وهذا سلوك مقتصر على القاعدة فقط دون اي تنظيم سني او شيعي آخر.


وفيما يتعلق بالمقاربة الجديدة الثانية، نجد سيد المقاومة، وعلى خلاف مقارباته العراقية السابقة التي لم يتحدث فيها لا سلبا ولا ايجابا على انجازات المقاومة العراقية، مكتفيا غالبا بالاشارة اليها، نجده هذه المرة أقرب الى انكار اي انجاز حققته المقاومة طيلة خمس سنوات من القتال والنضال والتضحيات. علما ان هذه المقاومة هي من منح حليفته الايديوستراتيجية ايران فرصة اشهار طموحاتها النووية وهي من سمح لها دون قصد بأن يكون لها نفوذ في العراق لم تحلم به يوما، وهي من حصّن سوريا وجعل استهدافها العسكري المباشر اشبه بالمستحيل، وبالتالي هي من لعب الدور الابرز معنويا وماديا في تضاعف قوة حزب الله وحماس. يقول السيد نصر الله في هذا المجال: "ونحن نرى من خلال ما تنشره بعض وسائل الاعلام عمليات ( يتحدث عن عمليات المقاومة العراقية ) ممتازة ومؤثرة جدا على مستقبل الاحتلال ومشروع الاحتلال في العراق". وكأني بالسيد نصر الله يقول انه لولا بعض وسائل الاعلام (طبعا ليس من بينها قناة المنار التي لا تبث الا عمليات لبعض فصائل المقاومة الشيعية في العراق بغض النظرعن حجمها وفاعليتها)، لولاها لما أدرك احد أهمية وفعالية المقاومة العراقية. فالمقاومة العراقية، وبحسب كلام نصر الله، لم تحقق شيئا حتى الآن، لكن قد يكون لها تأثير على مشروع الاحتلال في المستقبل.


وان عدم اهتمام السيد نصر الله بانجازات المقاومة العراقية لدرجة التعتيم عليها، يقابله اهتمام شديد منه بإقناعنا ان المقاومة العراقية نصفها سني ونصفها شيعي. وهذا تصوير عصي على اي اقناع، لأن الحقيقة التي سطعت منذ خمس سنوات وما تزال ساطعة حتى اليوم، تقول ان غالبية السُنة في العراق هم مقاومة وغالبية الشيعة في العراق ليسوا مقاومة. ويقول السيد نصر الله في هذا الصدد: "لكن ما اريد ان اضيفه في هذا المجال هو حصيلة استطلاعت رأي اذا كنا نريد ان نكون علميين وليس شعاريين او اتهاميين هو حصيلة استطلاعات رأي قامت بها مراكز محايدة وبعضها موالية للاحتلال تتحدث عن نسبة عالية حتى انه في بعض المحافظات الجنوبية تحدثت عن نسبة تفوق السبعين في المئة مؤيدة للمقاومة وحقها ومشروعيتها". اذن يتسلح السيد حسن نصر الله بمراكز بحوث ليؤكد عدم انصهار غالبية شيعة العراق بالمشروع الاميركي دون ان يذكر واحدا من هذه المراكز. لكنه لم يستعن بهذا السلاح قبل خمس سنوات، فهل ان عدم الاستعانة هذه لم تكن ممكنة باعتبار ان السواد الاعظم من شيعة العراق كانوا خصوما واعداء للمقاومة واصبحوا اليوم "مقاومين"، ام انه يقصد جيش المهدي الذي لا يتحرك الا عندما تتصاعد اللهجة الاميركية تجاه ايران؟. وليت السيد نصر الله استعان بهذه المراكز البحثية ليدرك انجازات المقاومة العراقية، ام انه مصر على انتهاج " ازدواجية المعايير"!.وفي مطلق الاحوال، فهذه المراكز وكما يقول السيد نصر الله تشير الى "تأييد" سبعين بالمئة من شيعة العراق للمقاومة و"حقها ومشروعيتها" لا الى اعتناقهم خيار المقاومة وممارستهم له فعلا وعملا، وهيهات منا الفرق بين التأييد قولا وبين الممارسة فعلا. ويعرف السيد نصر الله، حق المعرفة، لو ان اربعين وليس سبعين بالمئة من شيعة العراق قاتلوا الاميركيين فعلا لاندحر الاحتلال الاميركي من العراق خلال اربع وعشرين ساعة ومنذ خمس سنوات. ويعرف ايضا ان احدا لا يشك بوطنية وعروبة الشعب العراقي، فمكمن الشك هو في وطنية زعماء غالبية الاحزاب الشيعية العراقية الذين يرفض السيد نصر الله اعتبارهم عملاء وخونة ومتآمرين، فقط لانهم من ابناء جلدته، ولأنهم "مؤمنين بالعملية السياسية".


غير ان أخطر ما قاله السيد نصر الله يتمثل بالفقرة الاخيرة من خطابه العراقي: "يجب ان الفت الانتباه للسياسيين ولكل من يعلق على كلامي بالقول ان نسبة الاقبال على الاقتراع في الانتخابات العراقية وفي اي انتخابات بلدية او نيابية لا تتنافى مع نسبة التأييد العالي للمقاومة".


وقبل مناقشة هذا الكلام نورد كلاما حرفيا اخر للسيد نصر الله قاله قبل ثلاثة اشهر، بمناسبة عيد المقاومة والتحرير: "في العراق احتلال اميركي واضح وسيطرة اميركية على الارض والخيرات، لعب الاميركي في السنوات الاخيرة لعبة الاحتلال والديمقراطية، واليوم بدأت تنكشف اهداف الديمقراطية في العراق، كيف؟ بالعودة الى ما بعد الاحتلال الاميركي انقسم الشعب ككل الشعوب.. بين مؤمنين بالعملية السياسية وبين مؤمن بالمقاومة.. نحن في حزب الله من الطبيعي ان ننحاز الى تيار المقاومة في العراق من موقع ايماني وعقائدي وسياسي".


نكتفي امام هاتين الفقرتين لصاحبهما السيد حسن نصر الله نفسه، بطرح الاسئلة التالية: كيف يمكن المشاركة في الانتخابات التي هي عماد الديمقراطية الاول طالما ان هذه الديمقراطية هي لعبة الاحتلال، على حد وصف السيد نصر الله، وانكشفت؟ ثم كيف يمكننا القول بعد ذلك ان نسبة المشاركة في الانتخابات لا تتنافى مع تأييد المقاومة؟ أليس الهدف الاميركي من اجراء الانتخابات العراقية بالمعنى الذي طرحه السيد نصر الله هو اعلام الرأي العام العالمي ان العراقيين فضلوا خيار "العملية السياسية" على خيار المقاومة، ولأجل ذلك عزف اكثر من ثمانين بالمئة من سنة العراق عن المشاركة في اول انتخابات بعد الاحتلال بطلب من المقاومة العراقية، ليدعوا بعد ذلك الى المشاركة في الانتخابات الثانية كي لا يمثل السُنّة قوى سياسية منغمسة في مشروع الغزو والاحتلال؟.


واذا ما نحينا جانبا كل هذا وذاك وانتقلنا الى قول السيد نصر الله بأن "الشعب العراقي الشريف والمظلوم جاهز ليسلك كل الطرق التي قد تساعد على استعادة بلده ومقدرات بلده والامساك بها سواء عسكرية عبر المقاومة ام سياسية عبر الانتخابات"، لوجدنا ان ازدواجية المعايير عند السيد تبلغ ذروتها وأوجها. فهو يحلل لأنداده العراقيين ما يحرمه على ألداده اللبنانيين، فالسيد نصر الله وحزبه أقاموا الدنيا ولم يقعدوها على السنيورة بسبب العبارة التي أوردها هذا الاخير في بيانه الوزاري والتي تقول باسترجاع واستعادة مزارع شبعا وبقية الاراضي المحتلة بكل السبل، وكادوا ان يطيحوا بحكومة الوحدة الوطنية، لان السنيورة لم يضف كلمتي "التحرير والمقاومة" الى البيان الوزاري، لكن السيد لا يقول هنا بـ "تحرير" العراق وانما بـ "استعادة" العراق بـ "كل الطرق".


يجب ان يدرك سيد المقاومة وقائدها ان احرارا ومناضلين مثله سيظلون يرصدون خطاباته العراقية ولن يحيدوا قيد انملة عن انتقاده والتعليق عليها حتى يعلن طلاقه الكامل مع الخونة في العراق وفي كل مكان في الامة ومع "ازدواجية معاييره". اللهم الا اذا نجح الحريري فعلا في محاصرة قلاع نصر الله بآيات الله النجفية!.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ١٧ شعبان ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٩ أب / ٢٠٠٨ م