الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

الحريري يهجم على نصر الله وحزبه بآية الله ونجفه...

 

 

شبكة المنصور

علي شندب / كاتب سياسي لبناني

 

منذ الحادي عشر من ايلول 2001، التأريخ الاكبر والاشهر؛ والمتغيرات السياسية والاستراتجية، الكبرى والانعطافية، محليا واقليميا ودوليا، لا تتجاوز ان تكون تفاصيل ونتائج حتمية لمجموعة من الاحداث والتواريخ المتناسلة والمتحدرة من اصل واحد، بل يوم واحد، هو 11 ايلول . وعلى اساس هذا التقويم الجديد، يكفي ان يحصل حدث ما او متغير ما في تاريخ ما، لنستقرأ، وبقليل من الادراك السياسي والعقل التحليلي، حدوث تغير ما في مناخ الفضاءات السياسية. ذلك أنه عندما حصل ما حصل، في اليوم الاسود الاميركي، استنتج فريق واسع من القارئين الاستراتيجيين ان البيت الابيض سوف يكتب تاريخا جديدا في كل من العراق وافغانستان. وعندما سقطت بغداد في التاسع من نيسان 2003، وسقطت معها اولى قنابل المقاومة على مواقع القوات المحتلة، كان رأي مجموعة من كبار المحللين السياسيين في الشرق والغرب ان تغيرات دراماتيكية سوف تحدث في الشرق الاوسط، وحدثت بالفعل في 11 تشرين الثاني 2004 التاريخ الذي اغتيل فيه الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وفي 14 شباط 2005 التاريخ الذي اغتيل فيه الرئيس رفيق الحريري.

لكن عندما أسرت المقاومة اللبنانية الجنديين الاسرائيليين في 12 تموز 2006، وفي الوقت الذي كان فيه المراقبون الاستراتجيون منقسمين مناصفة بين من يرى ان المأزق الاميركي في تلك المرحلة يتطلب شن حرب على حزب الله لشطبه من ارقام المعادلات، وبين من يستبعد ذلك، لم يتوقع السيد حسن نصر الله وهو القارئ الاكبر لأرفع خيوط المسارات السياسية، اقليميا ودوليا، لم يتوقع ان تتذرع اسرائيل بعملية الأسر، لتشن حربها "القاضية" بالاصالة عن نفسها وبالنيابة عن عرابتها اميركا على حزب الله، وهي الحرب التي ما زالت "تموزاتها" ساخنة وحتى اشعار اخر.

ومع الايام لمسنا ان عذرا يجب ان يقدم للسيد نصر الله لعدم توقعه الحرب، فملايين العرب، بل الامة العربية بأسرها، لم تتوقع، ومنذ أكثر من نصف قرن من الزمن، ان تعود لتجد لنفسها موطىء قدم في حضرة الكرامة والعزة، بعدما قطعت اشواطا بقطع كل امل في حلول تاريخ الانتصارات التي بلغت أوجها في 16 تموز 2008. ففي هذا اليوم التاريخي بكل المقاييس، وفي سابقة مشرفة هي الاولى من نوعها في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، اُجبرت اسرائيل ان تدفع ثمن جثتي اسيريها لدى المقاومة اللبنانية، اطلاق سراح الاسير الكبير سمير القنطار واربع مقاومين أسروا خلال حرب تموز، اضافة الى اعادة رفاة حوالي المئتي شهيد بين لبنانيين وعرب تتقدمهم الاسطورة الفلسطينية دلال المغربي.

غير ان السادس عشر من تموز هذا، نفسه، مسبوقا بالسابع من ايار، سيكون تاريخا جديدا لحساب تواريخ جديدة لمستجدات سياسية، لبنانية اقليمية ودولية كبرى، خصوصا بعدما تأكدت حقيقة ان معادلات الشرق الاوسط، ومنذ احتلال العراق، وتسلل المشروع الايراني، تتحرك من طاولة شطرنج أحجارها وقلاعها ووزرائها وملوكها في المربعين اللبناني والعراقي.

ولأن حدث تحرير الاسرى هو حدث كبير واستثنائي، فكان من البديهي ان يتصدى "المحرر السيد" للمناسبة بخطاب انتشائي يفوح منه عبق الانتصار. ففي مساء يوم النصر، ذهبت نشوة النصر بالسيد نصر الله الى حد تحدي الخطر ومغامرته بأمنه الشخصي لدقائق يعانق فيها أسراه المحررين، وليجدد القول في لحظات الخطر هذه بأن زمن الانتصارات قد حلّ وزمن الهزائم قد ولى، وليعود بعد نحو ساعة من اختفائه الخاطف ليطل من على شاشته المعتمدة على تقنيات شبكة الاتصالات السلكية، بخطاب، رغم انه من وحي المناسبة، الا انه كان لبنانيا بامتياز، وكان يجب ان لا يكون كذلك. فالسيد، وبسبب وقوعه المستمر بحراجته الدائمة تجاه الاشكاليات السنية والشيعية التي تواجهه في العراق، نجده، ومرة عاشرة وليس ثانية، يكيل نفس القضايا بمكيالين، مرتكبا وللمرة العاشرة ايضا جنحة ازدواجية المعايير.

ان ازدواجية المعايير عند السيد نصر الله حيال القضية العراقية تشهد توسعا وتمددا مثيرا للجدل، وهو اذ انطلق من تردده وحراجته في "عدم" تسمية ابناء جلدته من شيعة العراق المشاركين في العملية السياسية بـ "العملاء" للاحتلال والمشروع الاميركيين، مطلقا عليهم توصيف "المؤمنين بالعملية السياسية"، نجده في احتفال تحرير الاسرى يعتصم بالصمت المطبق حيال الاسرى العراقيين في السجون الاميركية. فهو لم يخص حتى معتقلي سجن ابو غريب بتحية ولم يرفع الصوت ويطلق الدعوة لتحريرهم، وهو الجاهز والجاهر دوما، وخصوصا بمطالعته اللافتة في خطابه الاخير حول فلسفة المقاومة، لانحيازه المطلق لخيار المقاومة في كل مكان وزمان.

ان الحقيقة القائلة بأن غالبية الاسرى العراقيين عند الاحتلال الاميركي هم من رجالات المقاومة العراقية السنية ومن الوطنيين العراقيين وحاضني المقاومة، بالطبع والتأكيد، هي التي دفعت امين عام المقاومة الى غض الطرف عن هذه القضية وتناسيها. وهذا التناسي هو أبلغ ما قاله السيد في خطاب تحرير الاسرى. ومصدر هذه البلاغة يكمن في امتلاك السيد للسلطة الاستنسابية في طرح القضية العراقية، فقط حيث يناسبه ذلك ويقيه من جسامة الاحراجات المتراكمة والمتتالية، لدرجة اصبحت معها هذه الاستنسابية هي المقياس او الدليل الذي يقودنا الى انتظار "ثلاثية" ازدواجية المعايير عند السيد نصر الله.

لكن سعد الحريري، المتألم الخاسر من مسار سياسي لبناني واقليمي، بدأ منذ سنوات وتوج في السابع من ايار، وجد ان السابع عشر من تموز هو الوقت الاكثر توافقا وتناسبا لتفجير صاعق "ثلاثية" السيد نصر الله، حيث قام بزيارة مباغتة لأقرانه السياسيين واقران زعيم حزب الله "الدينوغرافيين" من عملاء الاحتلال في العراق، وهم الى رئيس الجمهورية جلال الطلباني ورئيس مجلس النواب محمود المشهداني، كل من المرجع الشيعي الاعلى في العراق اية الله السيد علي السيستاني، وآية الله السيد محمد سعيد الحكيم، والسيد عمار عبد العزيز الحكيم، ونوري المالكي رئيس الوزراء ومستشار الامن الوطني موفق الربيعي. ففي الشكل والمضمون ضرب الحريري المهجوس بحزب الله ضربته:

في الشكل، اختار رئيس تيار المستقبل التوقيت المناسب، فموعد اتمام صفقة التبادل، التي امنت لحزب الله جرعة دعم قوية، لبنانيا وعربيا واسلاميا، خصوصا بعد احداث 7 ايار، كان محددا منذ اكثر من اسبوع، ما يعني ان تحديد موعد زيارته الى العراق لم يكن مصادفا، بل مدروسا ومقصودا لدرجة انه خطف بعض بريق انجاز عملية الرضوان.

وفي الشكل ايضا، فإن هوية وانتماء وتوجهات الشخصيات التي التقاها الحريري، تغلف الرسالة الاساس التي اراد الحريري ان يوجهها الى حزب الله، وتؤكد نوعية العبوة التي قصد الحريري نزع صاعقها، بل ومصادرتها من مخازن الحزب السياسية منها والاعلامية.

ان ما اراده الحريري من زيارته العراقية، ليس تحقيق اهداف سياسية على حساب حزب الله، ولا اقتسام ارباح سياسية معه من البورصة والاستثمارات العراقية، ولا تحقيق اي هدف ممن انغمس المحللون والصحفيون في التنقيب عنه.

ان ما قصد سعد الحريري تحقيقه من الزيارة، يمكن القول، انه بعيد كل البعد عن السياسة بمفهومها الضيق المرتكز على معاني "المصلحة"، وقريب لدرجة الالتصاق من السياسة بمفهومها الواسع القائم على استراتيجيات حرق الاوراق ومقارعة الحجة بالحجة والنزال المكشوف. فبكل بساطة، اراد الحريري ان يقول خصوصا للسيد حسن نصر الله عبارة مفادها: "كيف تتهمني بالعمالة، ومراجعك العظام تحتضنني؟. فيا سيد حسن، انت الآن امام خيارين لا ثالث لهما: اما ان تشملهم معي بتوصيفات العمالة والتآمر والخيانة، واما كلنا "مؤمنين بالعملية السياسية". وبناء عليه فأنت مدين لي باعتذار واضح وصريح له مفعوله الرجعي كما مفاعيله المستقبلية، وانا "قيد" الانتظار".

وبهذا المعنى، نجح سعد الحريري في تسديد ضربته التي فجر فيها صاعق ثلاثية "ازدواجية المعايير" التي ينتهجها امين عام حزب الله. فها هو حزب الله ووسائل اعلامه ومسؤوليه كافة يتعاملون مع الزيارة بتجاهل تام وصمت مطبق وكأنها لم تحصل، علما بانها حصلت وحققت اهدافها، لا بل وصادقت عليها مرجعية النجف الكبرى التي كلفت ممثل السيد السيستاني في لبنان حامد الخفاف بالتواصل مع نفس المراجع الشيعية اللبنانية التي اتصل بها سعد الحريري، ووضعها في اجواء زيارة الحريري الناجحة للنجف الاشرف.

اما في المضمون، فيبدو من خلال الزيارة والشخصيات الشيعية التي التقاها، يبدو ان الحريري قد قرر مواجهة حزب الله بنفس سلاح الاخير. فامام استقواء حزب الله على الحريري وتياره السني العريض بمن يمكن تسميتهم بـ "سنة حزب الله" الذين امنوا التغطية السنية اللازمة التي مكنت الحزب من تنفيذ عمليته الامنية العسكرية في بيروت، والتي "شرعنت" العملية وافرغت سلاح التهويل والتهديد بالفتنة السنية الشيعية من مضمونها، لجأ الحريري الى الاستقواء بشيعة العراق الذين يشاركونه نفس خياره السياسي الكافر بالمقاومة وجدواها لتماهيه مع المشروع الاميركي وحلفائه، وليرفع شيعة العراق كبطاقة حمراء بوجه حزب الله، محدثا بذلك نوعا من التوازن في التحالفات السياسية، لا بل متفوقا على حزب الله في هذا الاطار، اذا ما قارنا بين القوة السياسية لسنة حزب الله والقوة السياسية لشيعة سعد الحريري التي تجاوزت الحدود بنطاقيها الجغرافي والسياسي. وبذلك اقتدر الحريري، وبذكاء، على تعميق الشرخ بين شيعة لبنان المقاومين وشيعة العراق "المؤمنين بالعملية السياسية". والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل سيصل هذا الشرخ الى حدود الزام واجبار حزب الله وامينه العام على النطق بالمحظور، فيتحول "المؤمنين بالعملية السياسية" الى خونة وعملاء، ليس فقط لأنهم كذلك، وانما لأنهم اصبحوا ايضا شركاء وحلفاء سعد الحريري؟، فالضرورات تبيح المحظورات!.

ولأن الصفعة التي وجهها سعد الحريري لحزب الله جاءت قوية، ولأن لكل نجاح او انجاز ثمن، فما هو الثمن الذي قبله الحريري مقابل هذه الصفعة المزدوجة التي سددها لـ "حزب الله الشيعي" ونواة "حزب الله السني" ؟.

ان الاجابة عن هذا السؤال المعقد والبديهي في آن تقتضي منا تحديد الرصيد الجقيقي والفعلي الذي يملكه سعد الحريري ويمكنه ان يتصرف فيه. فـ "الحريرية" في جوهرها وحقيقتها، قائمة ومرتكزة على ركنين لا ثالث لهما: الركن السعودي الدولي، والركن السني الشعبي. فبالنسبة للركن الاول، وكون العلاقات الدولية مرتكزة على عامل المصلحة، فاية دولة مهما كانت علاقتها وطيدة بالحريرية لا تقبل ان تفرط بمصالحها على حساب صداقاتها، ومصير ومستقبل المحكمة الدولية اسطع دليل على ذلك. وهذا يعني ايضا ان سعد الحريري لا يمكنه ان يصرف من الرصيد السعودي، لا بل انه انكر تكليفه من عرابيه السعوديين باية مهمة ينفذها لصالح المملكة في العراق. مما يعني ان الرصيد الوحيد القابل للصرف هوالرصيد الشعبي وهذا ما فعله سعد الحريري.

ان زعيم سنة لبنان بزيارته للعراق ومعانقته لنوري المالكي على وجه التحديد، يكون بذلك قد فرط عن سابق علم وادراك بمساحة كبيرة من الوجدان الجمعي لسُنـّة لبنان الذين منحوه ثقتهم وشيئا من وجدانهم. ان معانقة سعد الحريري لنوري المالكي مصدر وموقع مرسوم اعدام صدام حسين اقل ما يقال فيها انها تفريط بالثقة والامانة. فاذا كان "الشهيد" رفيق الحريري زعيما لسُنـّة لبنان، فإن الرئيس الشهيد صدام حسين جزء لا يتجزأ من مكونات وجدان كل سنـّي لبناني، واذا كان اية الله الخميني هو المرشد الروحي لملايين الشيعة حول العالم، فان صدام حسين هو المرشد الوجداني للملايين، عربا ولبنانيين.

ان فعلة الحريري هذه وضعته وجها لوجه امام "سني لبناني" يجادله بالقول: "كيف لك ان تطلب مني معاداة من تتهمه بقتل ابيك "رفيق الحريري" بعدما تصافحت مع قتلة ابي "صدام حسين".

وكنوع من الدفاع الاستباقي ضد هكذا مجادلة، برر الحريري فعلته بادانة صدام حسين، حيث قال في المؤتمر الصحفي الذي عقده في النجف: "لبنان والعراق خرجا، وخلال سنوات متقاربة من مرحلة امتدت ثلاثة عقود، كانت الارادة الوطنية في كل من البلدين خلالها، مسلوبة تماما...".

لكن ادانة صدام حسين وعقوده الثلاثة لم تكن الثمن الوحيد الذي دفعه الحريري، فلقد ادان سعد الحريري ايضا وبشكل غير مسبوق الانتماء الوطني لسنة العراق، فلكي يسترضي من اراد ان يضرب بهم حزب الله، كان عليه ان يضرب ايضا وبقوة ابناء جلدته من سنـّة العراق، دون ان يعلم او انه يعلم، انه يضرب ايضا سنة لبنان. والحقيقة ان الحريري بضربه لسنة العراق قد ضرب سنة لبنان مرتين: مرة عندما تجاهل المراجع والرموز السنية الوطنية العراقية الكبرى، ميمما وجهه شطرالنجف الاشرف، ومتجاهلا فلوجة الشرف. ومرة عندما طعن بالمقاومة العراقية، حيث ضمّن وادخل المقاومة العراقية تحت عنواني "الارهاب" و"الفلتان الامني"، فرغم ان شمس المقاومة العراقية السنية ساطعة بعملياتها ضد الاحتلال الاميركي ومشروعه وادواته، والذي لم يستطع ان يحجبها، لكن سعد الحريري اراد ان يحجبها. وهو بضربته الثانية نزع من سنة لبنان حجة قوية كانوا يواجهون بها حزب الله تقول: "كيف يمكن الاقتناع بان الشيعة في لبنان مقاومة وفي العراق عملاء؟"قاضيا بذلك على اي توازن مع شيعة لبنان الذين منحهم سعد الحريري حجة القول ان السنة في لبنان وفي العراق غير مقاومين!.

هكذا، وبعد كل ما تقدم يمكن القول ان قواعد اللعبة قد تغيرت، وهذا التغير يطرح مجموعة من الاسئلة:

ما هي الاسلحة التي سيستخدمها الحزب لصد غزوة الحريري وهجومه على شيعة العراق؟. وهل سيلجأ هذا الحزب الى تغيير "تغيير قواعد اللعبة" فيتبرأ، وعلى قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، من ابناء جلدته في شيعة العراق ليتحالف مع اقرانه من سنة العراق. اي مع المقاومة العراقية؟. واذا ما حصل ذلك فاي قواعد لعبة ستخضع لها المنطقة بأكملها؟ وأي مستقبل سيكون لتيار سعد الحريري، فيما لو ان "سنـّته" حجبوا عنه الثقة التي هزتها الخسائر غير المحسوبة في احداث بيروت وطرابلس وعكار؟.
ان الجواب عن هذه الاسئلة هو رهن بحدث ما وتطور ما في تاريخ ما.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاربعاء /  20  رجــــب  1429 هـ

***

 الموافق   23  /  تمــوز / 2008 م