الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

الاتحاد الجغرافي الدولي وحصان طروادة على أرض تونس

 

 

شبكة المنصور

الأستاذ : الهادي المثلوثي

 

ليس جديدا المضي في مشاريع التطبيع فثمة من اتخذها مطية للانفتاح الاقتصادي والثقافي والعلمي وثمة من يرى فيها شرطا للانخراط في العولمة المفروضة وهناك من يجد فيها فرصة للكسب الرخيص والارتزاق المذل ولو اقتضى الحال التنازل عن السيادة والكرامة والتجرد من الهوية والدوس على القيم إلى حد بيع الوطن. فمرضى الانتهازية وسليلو الانبتات والخيانات لا زالوا في عنفوانهم طالما أن التمويلات في عرفهم تجيز التنازلات وتبيح المحرمات. وقد نجد في ثلة من الجغرافيين التونسيين نموذجا من المصابين بمحنة التطبيع بكل تهافت ودون حياء. لقد بذلوا وقتهم ووضعوا كل جهدهم في ضرب وحدة الجغرافيين قطريا وعربيا من أجل أن تكون لهم مكانة تحت أقدام صهاينة الاتحاد الجغرافي الدولي ويكونوا على ذمة جغرافيي دول التحالف الاستعماري الجديد (بريطانيا والولايات المتحدة والكيان الصهيوني).

غبي من لا يعرف أن الجغرافيا لدى هذا التحالف الصهيوني الاستعماري لا تعني غير الاحتواء والابتلاع والمزيد من الاستسلام والخنوع فلا حدود جغرافية ولا سيادة وطنية ولا قوانين دولية ولا حقوق للشعوب النامية والصغيرة تحُدّ من توسع نفوذ ومصالح هذا التحالف الامبريالي الصهيوني ومن الاستمرار في اعتداءاته وجرائمه ضد المكان والإنسان. فعن أي اتحاد جغرافي ندافع وأي مؤتمر جغرافي نريد تحت مظلة مؤسسة نشأت برغبة من الدول الاستعمارية وظلت تعمل لتسهيل مهمة التوسع الاستعماري وضبط سبل التحكم الاستراتيجي في الشعوب ونهب ثرواتها.

ولا شك أن جميع جغرافيي الجامعات العبرية هم الأداة الساهرة على ترتيب جغرافية دولة الاحتلال ورسم خرائطها وضبط حدود التوسع الاستيطاني والمدى الاستراتيجي لضمان تدفق الهجرة اليهودية إلى أرض الميعاد وتحقيق مشروع "إسرائيل الكبرى" ذات الترسانة النووية كمحور مركزي لخريطة الشرق الأوسط الجديد.

وهذا الانجاز العظيم يحتاج إلى تضافر جهود جغرافيي العالم ولذا كان على الاتحاد الجغرافي الدولي أن يعنون مؤتمره القادم بتونس (أوت 2008) تحت شعار "Construire ensemble nos territoires" ، "Building Together our Territories" أي "معا نبني مجالاتنا". والسؤال البديهي لا بد أن يتردد مستفهما: من مع من؟ من نحن ومن هم؟ ماذا سنبني؟ أي مشترك يجمعنا؟ أي وأي ونحن لا نملك إرادتنا ولا حقوقنا. وأي مجال لنا فيه كرامة ولنا عليه سيادة حتى نكون شركاء في بنائه مع قاتلينا؟. أي شراكة للضعفاء مع الأقوياء في زمن تغوّلت فيه الحركة الصهيونية وتفوقت وتوحشت الدولة العبرية العنصرية وهاجت وماجت الرأسمالية الاستعمارية؟. أليس حري بمن يدعو إلى التعاون والشراكة أن يدعو أيضا إلى العدالة والمساواة بين الشعوب، أليس من واجب من يحث على ضرورة التضامن من أجل بناء الأوطان أن يقاوم المعتدين على سيادة هذه الأوطان ويعترض على سياسات تخريب وتدمير المجالات وما فيها كما تفعل آلة الحرب الاستعمارية في أكثر من موقع جغرافي أمام مرأى ومسمع وبمساهمة علماء الجغرافيا السياسية والعسكرية والإستراتيجية والاقتصادية وعلم الخرائط والطبوغرافيا، والجغرافيون في هذه العلوم لهم باع وذراع ؟. فهل جغرافيو الاتحاد الجغرافي الدولي وجغرافيو الجامعات العبرية معفون ومبرئون من إسناد مؤسسات الاستعمار والهيمنة؟. إذا كانت الجغرافيا التعيسة عندنا تدرس قضايا تنموية ساذجة فإن الجغرافيا عندهم علم متعدد الأبعاد والآفاق ويبحث في القضايا الإستراتيجية مثل بناء القوة والتفوق والتحكم في المجالات الحيوية لحماية المصالح القومية.

والدليل الدامي ما يفعله الكيان الصهيوني بالشعب الفلسطيني وما فعله بلبنان وبجغرافية وتاريخ المنطقة. والدليل الأكثر فداحة ودموية ما أقدمت عليه وما تمعن فيه جيوش التحالف الإنجلوأمريكي الاستعماري من تمزيق وتفكيك وهدم وعبث بالمجالات الوطنية وبسيادة الدول وأمن الشعوب المستضعفة مثل العراق وأفغانستان والصومال وغيرها. فأي مجالات وأي أوطان وأي أراض نبنيها ونعمرها معا أي Together؟. والحقيقة ما بنيناه وما سنبنيه وما ملكناه وما لم نملكه بعد ليس لنا فيه إلا ما يسمح به صاحب اليد العليا والقبضة الأقوى. ماذا سنبني معهم وقد هدموا وخربوا كل شيء؟ وما الذي يجمعنا معهم وما بيننا وبينهم أنهار من الدم؟. ما الذي يجمع بين القاتل والمقتول، بين الظالم والمظلوم؟.

إذا كان مجلس الأمن كما نرى أداة حرب وتشريع لقوانين الحصار والقتل والتدمير

فإن الاتحاد الجغرافي الدولي هو أداة استعمار ومنبر عولمة ودوره ليس تجميع الجغرافيين لتطوير قدراتهم ونشاطهم بل لبلورة ثقافة العولمة والتطبيع والشراكة بل ثقافة القبول بالأمر الواقع وبمقتضيات الهيمنة المطبقة على مصير الشعوب.

في كل الأحوال، الاتحاد الجغرافي الدولي ليس منظمة خيرية ولا مؤسسة حقوقية تتمتع بعدم الانحياز، تاريخ الاتحاد والجمعيات الجغرافية المنضوية تحت لوائه والتي تموّله لم تكن يوما مستقلة عن أجهزة التخطيط الاستراتيجي للدول الاستعمارية ولم تعلن يوما أنها في حل من فكرة التوسع والاستيطان الاستعماري وحروب الإبادة ونهب ثروات الشعوب.

ليس صدفة أن يعقد الاتحاد الجغرافي الدولي مؤتمره في هذه السنة وعلى أرض عربية، فالقصد أن يكون منبر احتفاء بالذكرى 60 لقيام "دولة الكيان الصهيوني" على أرض فلسطين المسلوبة. ولا ضير فالقوة هي التي تصنع الدول والجغرافيون هم الذين يرسمون معالمها والاتحاد الجغرافي الدولي مثلما فعل من قبل ها هو يدعونا لنعانق ونحتفل بجغرافيي الدولة العبرية الاستعمارية ونبارك ما أنجزوه من دراسات وبحوث ومخططات لبناء الوطن الموعود وتوجيه مشاريعه الاستيطانية التوسعية.

كيف يمكن أن يلتقي الجغرافي الاستعماري المدجج بالفكر العنصري الصهيوني الذي يرسم خرائطه بالدم الفلسطيني وعلى جثث القتلى وحطام القرى والمزارع ومقدسات الشعب الفلسطيني، كيف له أن يلتقي مع الجغرافي الفلسطيني والعربي المسفوك دمه والمسلوبة أرضه وممتلكاته؟ عن أي جغرافيا سيتحدثون وفي أي بناء وتعمير سيشتركون؟. أسأل اللجنة التحضيرية للمؤتمر وأسأل من طبل وزمر أليس لديكم ذرة حياء أو قليل من الفكر الإنساني الحر؟. ماذا سيجنون غير لعنة التاريخ وما سيتكرم به أحفاد هرتزل وبن غوريون وموشي دايان وخلفاء شارون؟. سيوشحون أكتافهم بنياشين المذلة وسيعلقون صورهم على جدار الفصل العنصري لتكون دليلا على تحقيق شعار المؤتمر الجغرافي الصهيوني " Building Together Our Territories" ولتكون دليلا آخر على أن من الجغرافيين من ضلت بوصلته فاتخذ من تل أبيب منارة له ومن جغرافييها أدلاء وقدوة في العلم والإيمان بالعمل المشترك.

إن في التطبيع سحرا أو مغناطيسا يشد ذوي النفوس المسلوبة الإرادة والهوية وهذه وتلك إذا ما فقدتا تصبح الخيانة مسلكا والتطبيع مطية لنيل المكاسب وأي مكاسب لو يدرك الممعنون في خيبتهم.

نجح المؤتمر أو لم ينجح فقد وقعت ثلة التطبيع في الدرك الأسفل من وجهة نظر وطنية وقومية وإنسانية ومن وجهة نظر علمية وثقافية سيما أن الباحث الجامعي والجغرافي خصوصا والمثقف عموما هو درع الوطن وحامل لواء الهوية والحرية والمتصدي الأول للغزو الثقافي والعدوان الاستعماري على جغرافية الشعوب وسيادتها باعتبار أن القلم والبندقية فوهة واحدة في مقاومة الاستعمار والصهيونية العالمية. فطوبى للرافضين حضور المؤتمر والعزة لمناهضي التطبيع وأما المُصرّون على نيل نياشين المذلة فمبروك عليهم حصان طروادة وخسة التكريم.

 
تونس، الاثنين 17 تموز 2008

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس /  14  رجــــب  1429 هـ

***

 الموافق   17  /  تمــوز / 2008 م