الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

لا ندري يا أخوان في كل مكان .. هل "البلدية" عندكم "مأكولة مذمومة" مثلما هي عندنا ..؟

 

 

شبكة المنصور

طلال الصالحي

 

لم تعمل "البلدية" منذ عصر "فجر السلالات" في العراق عملاً قصده النفع العام في بلدنا "العراق" إلاّ ولاقت التذمر والتأفأفات من قبل المواطنين من جراء تلك الاعمال "المعرقلة"  من مثل تعمير الشوارع والأرصفة والتي "ستعيق" سير المركبات والسابلة .. بحسب تطابق أقوال المارّة واتفاقهم في هذا الرأي! أمّا إذا ما تم إعادة التعمير في شارع ما كان قد تم إصلاحه قبل مدة ليست بالبعيدة , فذلك سيجعل الغيبة والنميمة التي ستطال البلدية والعاملون فيها من قبل أهالي تلك البلدة او الناحية أو القضاء فحدّث ولا حرج تكون فيها للتندرات الشعبية ذات الوقع المؤثر نكهتها الخاصة كالتي تقول .. "يبيّن الجماعة مضيعين "درنفيس" أو مضيعين "جاكوج" لو مضيعين سبانة !" فهذه النادرة هي من ضمن سيل من تلك التندرات التي تكون درجة قوّتها باتجاه لوم وتعنيف تلك البلدية تعتبر من "الآثام" الهيّنة تجاهها اذا ما قورنت بالتي تتطلب الإحتكاك مع الأهالي , فلتلك حكايات وحكايات ! , يعني "الجماعة" أي أهالي البلدة , يريدون الشوارع والارصفة والخدمات الانشائية للمرافق العامة , بحسب تقديراتهم النابعة من أمانيهم أن تصلح نفسها بنفسها , أو هذا ما يدور في مكنون إدراك المواطن العراقي العادي ذو المزاج الخاص ! يعني , وبحسب تصوراته , يجب أن يشاد البناء ليستمر في خدمة المواطنين الى أن تقوم الساعة أو متى ما ينقلب حال المدينة عاليها سافلها ! .. يعني , وباختصار , مهما تعمل البلدية من عمل للصالح العام ووفق قدراتها المتاحة فإن الجميع حتماً سيتضايق منها بل وسيتضجور منها وسيتطيّر منها ! لذلك فإن المثل العامّي العراقي الدارج والذي لم يخطئ يقول ( البلدية مثل السمج "أي مثل السمك" مأكول مذموم ) !..

هذه "الطبيعة" التي يتمتع بها الحس العراقي , الرافظ على طول الخط! , ولا ندري , فهل هي من طبيعة الآخرين من غير العراقيين ايضاً أم فقط خاصة بالعراقيين وجبلّتهم الأولى ! , هذه الطبيعة أو الخصلة التي يتمتع بها العراقيّون , كانت هي الطريق أو الممر أو "الدربونة" التي تم عن طريقها اختراقه مخابراتيّاً في زمن خطوات البناء الشاملة التي تصدّرها البعث وقيادته , فتمّ وفقها البدء بصرف وإنفاق وبذخ "ملياري دولارأميركي" من قبل المخابرات الأميركية لتزييت الطاحونة الإعلامية الصفيوسكرابيّة للبناء فوق مزايا هذه الطبيعة العراقية والتي لا تقصد أصلاً الاساءة كإسائة بقدر حب العراقي الدائم لفرض إرادته الخاصة , فباشرت مخابرات الأعداء بعملية شيطنة وتشويه سمعة صدام والقيادة العراقية العظيمة التي لم ينجب التأريخ مثيلاً لها إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الظرف الدولي الشاذ والخطير الذي برزت وسطه قيادة البعث , فلو تذكرنا فترة ما بعد التأميم خاصة والانفجار الاقتصادي والعلمي الكوني العراقي الذي توزعت فعالياته لتشمل كل شبر من أرض العراق بشكل عام بما لم تستوعبه حتى ولا الـ"ستة ملايين مصري" من الأيادي العاملة التي جلبها الحكم الوطني والقومي الأصيل زائداً الثلاثة ملايين من الجنسيات العربية والاسلامية التي أضيفت لتلك الاعداد من بنغلاديش والمغرب وتونس والسودان ولبنان والهند والتي زيدت مع كل ازدياد في حركة مرجل الضخ والمخاض التكويني لتغيير وبلورة وجه العراق نحو القدوة والنموذج الحقيقي الأخـّاذ كمنار لدول المنطقة والمناطق الشتى من دول العالم .. فلو تذكرنا تلك الأيام الخوالي , والتي ستعود زاهية قريباً وأعظم بكثير مما سبق بمشيئة الله , فإننا لابد وسنتذكر معها الكثير من اللغط والإشاعات التي انطلقت وسط فورة المخاضات الجبارة التي بدأت تدفقاتها الدافعة تلحق العراق بالدول المتقدمة في جميع المجالات وعلى جميع الأصعدة , حيث استقبل العقل العراقي الجمعي , البسيط والسطحي منها بالطبع , والذي لازالت بقايا قناعات العصور المظلمة تتعلق في تكوينه وسلوكه الخاص وبالكثير من تلك المثبّطات , كان "الدين" وسطها الناقل دون منازع , وأقصد دين "الدربشة والدروشة" والتطبير واللطم والعويل , اضافة لبقية المعتقدات الغيبية الغير سويّة والتي كانت تجثم كالسرطان فوق البنى التفكيرية التحتية للمواطن العراقي , وهي كثيرة ولا مجال لتعدادها ....

تلك الإشاعات التي كانت تنطلق بين فترة وأخرى في ذلك الزمن ومنذ مع بداية سبعينيات القرن الميلادي الماضي وتترافق مع كل خطوة للبناء تخطوها القيادة العراقية والتي سرعان ما كنا نتلقفها نحن بذلك الفهم القاصر مع الأسف , كانت تسقي عوامل الشك في نفوسنا أكثر واكثر وكأنها كانت بمثابة دلالة لتحقيق نبوءة المرحوم البكر في قولته الشهيرة ( سيتحمل هذا الجيل من العراقيين والجيل الذي بعده أعباء أثقال التغيير الشامل لمرافق الحياة وبناء الانسان النموذج في العراق والمنطقة ) حيث كان الكثير من أفراد شرائح المجتمع العراقي على سبيل المثال يتأفف كثيراً اذا ما ازدحمت الشوارع والطرقات بالسيارات والمارة نتيجة القلع والتهديم لتلك الشوارع والأرصفة المهترئة , مثلاً , ليشاد فوقها أعظم طرق المرور السريع في العالم ! أوز إذا ما تغيرت المناهج الدراسية وطبيعة الكتب المدرسية المؤسسة منذ عهود الاستعمار البريطاني وبقايا مخلفات العصر العثماني المتخلف , وتبديلها بمناهج ذات طابع يوفي بمتطلبات العصر ووفق سياقات الخطط الانفجارية العلمية التي كانت تنويها قيادة العراق العظيمة , أو إذا ما تغيّرت واجهات الاستيراد والتصدير لتزويد السوق العراقي بحاجياته المنزلية والشخصية " باتجاه سيطرت الدولة عليها منعاً لتغلغل تجار السوق السوداء والاحتكارات "والذين كانوا حتماً سيستخدمون من جهات أعداء العراق للتضيق على المواطن بقصد اثارة الفتنة بينه وبين قيادته الساعية في التغيير الجذري للبنية العراقية نحو المجد الحضاري المخطط له , وذلك ما حصل فعلاً في العراق بعد اختراق أجهزة الأعداء الاستخبارية أيّام سنوات الحصار ! , وخاصة اذا ما تغيّرت أماكن استيرادها وتغيّرت معها جودة المصنوع!" إضافة لخطوات القيادة آنذاك التي بنيت على أسس جديدة مع الآخر في الخارج تكون مصلحة العراق , وليس الفرد , هي الأهم , فنتذكر جيدأً كيف كان المواطن العراقي يقيم الدنيا لغطاً وتذمّراً ولا يقعدها إذا ما اختفى من الاسواق "اللامندوزي" مثلاً أو علبة الكبريت ! , كل ذلك وغيره بمئات من الأمثلة التي كانت , لولا حنكة قادة العراق التأريخيّون , ستأثر سلباً بكثيرمن حركة البناء والإعمار المهولة التي كانت تشهدها ربوع عراقنا العظيم كان أقلها حركةً ونشاطاً ما كنا نستمع اليه يومياً عبر الإذاعة والتلفزيون والتي تقول لازمتها "نلفت عناية الأهالي والمواطنين في الشارع الفلاني من المنطقة الفلانية من المدينة الفلانية بانقطاع التيار الكهربائي "أو الماء" من الساعة الفلانية وحتى الساعة الفلانية بسبب أعمال التشييد وتنصيب الأعمدة وأنفاق أنابيب المياه وخنادق المجاري" إلاّ أن الكثير منا حينها وكأننا كنا نمتلك انكسار في الرؤيا بالضد مما يتحوّل ويتغيّر من حولنا , أغلبنا , فبحكم طبيعة الجديّة "المتعبة للكثير منا!" لقادة العراق الجدد والتي لم نتعوّد عليها من قبل ولم تتعوّدها شرائح المحتمع العراقي , والتي لم نكن نرغب خوضها برغبات غيرنا ! لامتداد جذور "البغددة" المتنرجسة بعيداً في متاريس الأنا الموروث في كل واحد منا منذ قرون الظلمات الحالكة بالجهل وبـ"التدليل" ووضع الأحجبة والتعاويذ ولأحرزة التي تحفظ من الحاسد ومن الشيطان ! مصداقا لقولة سيد الشهداء صدام عليه السلام ( لقد ذهب ذلك الزمن الذي تقوم فيه أم البيت بوضع بطانية تنشرها فوق وحول سرير ولدها لتقيه حرارة الشمس لكي يستمر ابنها المدلل في النوم دون إزعاج ـ أبو منيصير ـ عمل شعبي طلابي لبناء مساكن للفقراء ـ أبو غريب ـ 1972 ميلادية ) ...

جميعنا يتذكر , ولا زال , وعلى سبيل المثال , تلك الأيام التي كنا نعاني منها , كل منا , أشد المعاناة عندما تمتد يد الوالدة الحنون لتوقضنا قبل صلاة الفجر وقبل صياح الديك كي نلتحق بوحداتنا العسكرية ! كانت لحظات مريرة وفي غاية المرارة من هول النعاس المطبق على جفوننا في تلك اللحظات ! .. طبعا فإننا بغالبيتنا الان يتمنى أن تعود تلك الايام لتعويض ما كنا نجهله بعد أن أذاقتنا الأيام ويلات الغير وأحقادهم الدفينة الصفراء ضدنا ! ... وبعد أن ادركنا كيف أن عراقيّوا المهجر يستيقضون الآن , بغالبيتنا , ليس فقط قبل صياح الديك , بل وحتى من قبل "طقـّة البريج" كما تقول المفردة العامية العراقية الدارجة ! , وليس لبناء بلدنا , بل لبناء بلدان الغير من دول الخارج التي كانت تتمنى ولو عقود "مراحيض" تعقدها مع قادة البعث "الكفرة!" ..

هذه النتف من التضجورات والتأفأفات التي كنا نطلق زفراتها من دون وعي منا بحكم التجربة الجديدة التي لم نكن نتصورها ونتصور أهوالها المتعبة جداً حينها والتي أتت رياحها بعكس ما كنا نحلمه منذ الصغرمن تلك الاحلام المبنية على الأماني والدعوات بعودة عراق الحضارات إلى سدّة قيادة العالم من جديد ولكن بشرط أن يتم كل ذلك ونحن جالسون على بساط الريح ومن دون تعب أو مشقـّة ! هذه "السوءات" التي كانت فاتحة للتجسير مع الأسف بين آذاننا وبين أصوات الشيطان التي كانت تعبر مع الأثير من دول الجوار ودول أعالي المحيطات والبحار لتتغلغل بيننا ؛ كبرت في المجتمع العراقي فيما بعد , وهي التي اخترقته مع مرور الزمن لتتغول اكثر فأكثر بين هياكله الاجتماعية , حتى وصل الأمر من شكوكنا التي لاتنتهي , بأن البعث وقيادة العراق يريدون "تلهيتنا" بهذه الـ "وسخ الدنيا!" من المنجزات الحضارية لكي يبعدوننا نحن العراقيون "المسلمون" شيئاً فشيئاً عن الدين الحنيف ! فكان أن أتت تلك التصورات النابعة من قصور في الفهم منا وسوء الإدراك بمثابة العثرات الأولى , مع الأسف الشديد , لتتأسس عليها فيما بعد سلسلة الأقوايل والأكاذيب الصفيونية والأعرابية الكاذبة المعروفة من التي سمعناها ولا زلنا نسمعها وترددها جميع قنوات مجاري القذارة الفضائية بحق قيادتنا العظيمة التي لم ينجب التاريخ مثيلاً لها ...

قلت لمجموعة من العراقيين الذين كانوا وقتها فرحين بالاحتلال وبعودة اللطم والتطبير الى مجراه الطبيعي .. ها نحن وقد فقدنا أعز ما نملك .. فقدنا الأمل والحلم الطفولي الذي كان يدغدغ مشاعرنا الغضّة والتي كانت تسبح مع كتب المعرفة الدراسية الأوليّة بشغف شديد بآمال عريضة عرض آفاق السموات والأرض بعودة بلدنا تتدفق إشعاعاته إلى حواضر عالمنا هذا بما يشعرنا بمسحة حنان الكتابة المسمارية وحركة الزمن التي سنتسلقها وندور بها الخافقين مع دوران العجلة السومرية التي دفعت العالم نحو الآدميّة.. بما تجرأت وقلت لهم وأنا في حالة أسى شديد ساعتها رغم يقيني بالانتصار القادم على أيدي جيوشنا التي تحوّلت إلى حروب العصابات "والله لو وضع أحدنا رأسه في وحل وأغطسه فيه ومرّغه عميقاً وبعنف ندماً وحسرة على فرصة الزمن التي مرّت من بين أضلعنا ونحن نتأفأف ونتحجج ونبرر كسلنا ما أسكن فينا آلام ولو شعيرة دموية واحدة من شبكة التدفق الدموي التي تنطلق من قلوبنا كالقنابل ألماً وحسرة ...

ولكن أعظم الفرص ستأتينا حتماً وبعون الله من نفس المنبع عن قريب "ألم ننتصر في معركة القادسية الأولى بعد أن كنا قد انتصرنا من قبلها بسنوات في معركة ذي قار!" ..ونحن على ثقة وبقوّة الله وبمدد من عنده خالقنا سبحانه , ذلك أن قادة العراق العظيم كفروا تحت الأرض بذور التحرير الأبدي , بحكم تقييمهم السديد المسبق وتصوراتهم المبنية وفق نوعيّة الأعداء وشراسة أحقادهم مع امتداد القادم المستقبلي معهم وما يضمره من مخاطر محدقة على العراق والأمة , فمع خطوات النهوض الأولى , ومسبقاً , وبالتزامن مع حركة أفاعي الصهيوسكرابيّة , أخذوا الحيطة والحذر وهم لازالوا بعد في عنفوان السلطة العراقية وفي خضمّ حركة البناء العراقية الكبرى وحتى من قبل أن تتمدد الأفعى الخمينية , فاحتاطوا للأمر أحسن حيطة , ومنذ ذلك الوقت , على العمل ببناء دولة في داخل دولة لم ولن يدركها العدو ولن يدركوها كل أعداء العراق , فعلينا أن لا نضيّعها نحن وأن نوصي الجيل الذي سيأتي بعدنا بأن لا يضيّعها وكذا الذي يلي جيلنا والاجيال التي ستلي أجيالنا ...

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاربعاء /  27  رجــــب  1429 هـ

***

 الموافق   30  /  تمــوز / 2008 م