الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

بمناسبة اِقتراب ذكرى ثورة الثالث والعشرين من تموز
 وما كتبته الشخصية الناصرية المناضلة الأستاذ سامي شرف
بعنوان : المنهج الناصري المقاوم . . رد وتوضيح . .

 

ولنا في الموضوع المثار رأي
النقد الذاتي أساس كل نقد ، ومراجعة التاريخ المبتدأ وربما المنتهى

الحلقة الثانية

 

 

شبكة المنصور

باقر الصراف / كاتب عراقي مقيم في هولندا

 

إنَّ التساؤل المطروح الذي تثيره مقالة السيد المناضل سامي شرف ، يتمحور حول السبب الذي دفع المناضل الناصري المعروف لرفع صوته اِحتجاجاً على رؤية مجموعة ناصريين كتبوا ((نصاً محددا)) في الموقع ـ ((العروبة نت)) ـ وأبدوا رأيهم السياسي وعبّروا عن موقفهم ، حول تطورات الصراع السياسي في لبنان في ظرف اِحتدام واِستعار الصراع بين حركة الأمة العربية ، من جهة ، وأعدائها من أصحاب الرؤية الغربية الصهيونية ، من جهة أخرى ، وهي ذات المواقف السياسية تجاه قضية الصراع الإستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة ، وتنطبق عليه ذات المعايير الموضوعية للمواقف السياسية بصدد ذلك الصراع الذي أقدم عليه ((ناصريو العراق)) تجاه الموقف العدواني الأمريكي ضد العراق ، التي تطرقنا إلى نماذج منها في الحلقة الأولى . 

     فلماذا كانت الشخصية الناصرية هنا تتميز في إعلان موقفها السياسي الواضح ، بكونها مبدئية وحازمة ، عند التقويم السياسي للقضية الوطنية اللبنانية وبالتالي ضرورة عدم مسِّ بعض الأطراف السياسية ((الناصرية)) أطراف المعارضة اللبنانية نقدياً : عن طريق أسلوب ((شديد العقاب)) ؛ وبصدد القضية الوطنية العراقية كان تعامل المناضل شرف مع الرموز ((الناصرية العراقية)) التي اِتخذت موقفاً مناوئاً عبر عقيلة ((غفور رحيم)) .  

    أينبع ذلك من كون العراق ليس جزءاً من الأمة العربية ؟ أم أنَّ لبنان حالة خاصة تتطلب الدعم ؟ أعدو الأمة هناك يرسم مواقفه بريشة ملونة يستطيع معها الناقد تمييز الألوان وإدراك المجهولات من لوحة الصراع الكلية ، وبصدد مجريات الصراع في الساحة العراقية ينتابها لون أسود قاتم الغموض ، مستعصٍ على الفرز والتمييز ؟ وبالتالي لا يستطيع معها أي ((ناقد)) معرفة المجهول / الواضح من تطوراتها السياسية ؟ .    

    في تقديري أنَّ معركة العراق السياسية ضد الإمبريالية العالمية في مرحلة قطبيتها المتفردة ، كجزء فاعل على أي صعيد كان ، من الأمة العربية حالة سياسية ملموسة من حيث الدلالة والتقدير . . . في الحقيقة كانت هذه المعركة أوضح بما لا يقاس من أية معركة سياسية سادت في أوضاع الأمة العربية خلال ربع القرن الماضي ، وبالتالي كان ينبغي ضرورة تحديد الموقف السياسي المبدئي الصارم والواضح تجاهها ، من خلال تصويب رأي ((المحسوبين على الفكر الناصري)) بالنقد السياسي الشديد المماثل للموقف السياسي الراهن الذي أبداه المناضل شرف ، إذ أنَّ العدوان الشامل على العراق واِحتلاله ، والذي خططت له الصهيونية من خلال المحافظين الجدد وبرنامجهم السياسي ، الذي له أولوية الولاء لكيان الاِغتصاب الصهيوني حتى على حساب المصلحة السياسية الأمريكية ، قد وسم كل أفعال الطرف الذي صنع ذلك العدوان وكان له الأولية في التخطيط والحشد والتنسيق في مرحلة القطبية الواحدة على أية قضية أخرى تخص أوضاع المنطقة العربية برمتها . 

     إنَّ ملامح الغزو العسكري كانت جلية ظلالها وواضحة قسماتها منذ العدوان الغربي و ((الإسلامي العربي)) في 17 / 1 / من العام 1991 الذي قادته الولايات المتحدة تحت عنوان رايات ((عاصفة الصحراء)) وكودها السري : المجد للعذراء ، وكان جورج بوش الأب واضحاً وصريحا في تفسير عدوانه وأسبابه وموقع كيان الاِغتصاب الصهيوني في دوافعه ، إذ هو يقول بالفم المليان : {{ ((إنَّ الولايات المتحدة تتمثل مصالح إسـرائيل في كل تصـرفاتها ، وفي الوقت الحالي فإنَّ الأحداث تجري لصـالح إسـرائيل دون أنْ تفرض عليها تضـحيات لا داعي لها ، وهذه يناسـبها أكثر .))}} . ولكن أحداً من الناصريين الواعين بدروس التجربة التاريخية الماثلة ، وخصوصاً السيد شرف ، لم يكلف نفسه عناء لجم ((العملاء)) ممن يوشّحون ألسنتهم ولافتاتهم ((بالفكر الناصري)) ، وبالتالي إيقافهم عن غيهم المخاتل ومواجهة مواقفهم السياسية المتصهينة بالكلمة النقدية المبدئية والجريئة ، بغض النظـر عن نواياهم وإدعاءاتهم ، وربما منع تخرصـاتهم أيضـاً عبر حجز الناصرية : كمفهوم سياسي وممارسة عينية ملموسة . . . حجزه عنهم . 

    المعيار الثابت ، والتاريخي هو الحرص الواعي من قبل القوميين العرب والناصريين عموماً ، على كينونة وجود الأمة العربية وتحصين حضورها السياسي من هجوم الأعداء الذين يستهدفون إلغاء حضورها السياسي على أي صعيد كان ، بل نقول أيضاً وبكل وضوح ـ ليس تأثيرها في أية عملية تاريخية فقط ، وإنما ـ كذلك ـ تهميش كينونتها أو إلغاء وجودها إنْ أمكنهم ذلك ، عبر التفتيت الاِجتماعي وتجزئة المجزأ : سياسياً الذي يبدو معها أمر ((تلك الخطة السياسية الغربية)) تطويراً لمضمون اِتفاقية سايكس ـ بيكو في بدايات القرن العشرين (1916) ، وهذه الإستراتيجية السياسية المعاصرة هما تطوير لعقلية وسياسة الهجوم الغربي المستمر منذ الدخول الغربي للأندلس والحروب العدوانية الغربية التي شنها ((الصليبيون)) في العصور السالفة

      والضحية الدائمة هي الأمة العربية ذات الاِِمتداد الحضاري العربي الإسلامي ، التي كافح أبناؤها بكل قدراتهم من أجلها ، وفق مراحل وعيهم بإمكاناتهم وطاقاتهم المادية ، من جهة ، ووعيهم بتطورات الرؤية السياسية الغربية منذ صعودها الاِستعماري في العالم كله . والوعي القومي العربي في المرحلة الناصرية تجاه كل التطورات الوطنية والقومية والعالمية كان يتميز بالوعي الكلي في مخططات الغرب السياسية ، من جهة أخرى ، وكان السلك الذي ينتظم كل العمل السياسي المبادر هو الكفاح من أجل الحفاظ عليها وتطويرها والسعي لتكتيل جهودها ، يقول الفقيد الرئيس جمال عبد الناصر ـ مثالاً وليس رصداً ـ {{((إِنَّ الأمريكان كانوا مصممين على ضربنا مهما فعلنا ، هم حاولوا معنا بكل الوسائل أنْ نتوب عن العمل القومي ، وعن التصنيع ، وعن التحديث ، نحن رفضنا ، واِعتبروا مهمتهم أنْ يؤدبونا ، ونحن بتصـرفاتنا جعلنا المهمة أسـهل لهم بدلاً من أنْ نجعلها أصعب ، الأسباب التي عرضتها كلها هي ما سهل عليهم مهمة كانوا مصممين عليها)) ، كما يورد ذلك الصحفي اللامع الأستاذ محمد حسنين هيكل في أحد كتبه ، وهو المثال السياسي الذي كان الثابت الإستراتيجي الغربي الذي ما يزال يتكرر تجاه أية تجربة عربية أخرى مخلصة لذاتها وفي سبيل ذاتها  . 

        لقد أكدنا سابقاً على الحقيقة العيانية الملموسة التالية إنَّ ((القطب الأمريكي الواحد ينظر للمنطقة العربية من موشورين اِثنين هما النفط الذي جعلت المصادفة التاريخية غالبيته في بعض بلدان الوطن العربي والعالم الإسلامي؛ من ناحية أولى ، وكيان الاِغتصاب الصهيوني في فلسطين ،ومشروعه الشرق أوسطي ،من الناحية الأخرى))،هذا الثابت الأساس في الرؤية السياسية الغربية سواء في مرحلته البريطانية أو الأمريكية ـ والمرحلة الاِستعمارية الفرنسية أيضاً ـ وعدم تركيز الأبصار على غير ذينيك ((الثابتين)) هو من قبيل تضييع البوصلة التي تحدد مسار المخلصين من الوطنيين والقوميين العرب ، ولا يليق بحملة الفكر الناصري الوقوع في مطباته والتمرغل في شباكه .  

    والتحرش المرسوم في جوانب مصالحه الاِقتصادية والعقائدية وممارسة أي فعل مضاد لهما ـ كما يعتقد الأمريكيون ـ يتمحور أساساً حول ((الدخول إلى المنطقة المحرَّمة وهو ما أقـدم عليه العراق عند : تأميم النفط العراقي في الأول من حزيران عام 1972 وتوظيف مدخولاته المالية لصالح تنمية اِنفجارية ، وقصف إســرائيل بالصواريخ : أي توجيه ضربات مباشرة لنظرية الأمن الصهيوني حجة الكيان في كل عدوانه المستمر ، ودعم القضية الفلسـطينية : ثورتها الشـعبية المسَّـلحة واِنتفاضتها الوطنية الباسلة ، التي طالما نوه بالدعم المالي العراقي لها ، كل من عرفات ((حركة فتح)) وأبو موسى ((تنظيم الاِنتفاضة)) على حدٍ سواء ، ووثقه محمد حسنين هيكل)) . 

      لقد شهدت ساحتنا العراقية خطوات علمية كبيرة على صعيد التطور العلمي وتوطين التكنولوجيا ، والتقدم المعرفي وبناء القوة العسكرية ، مما أهـّلها لتكون منافساً لكيان الاِغتصاب الصهيوني ، وهي في نظر الغرب ((جريمة سياسية)) لن يغفر القطب الواحد لكينونتها وحيثياتها ، فكيف إذا اِقترن ذلك بضرب مفاصل الأمن القومي الصهيوني بالصواريخ العراقية ؟ واِتبع الخطوات السياسية في مجالات عمله السياسي الخارجي ، اِنطلاقاً من نظرة قومية عربية على ذلك الصعيد ، أولاً ، واِنطلاقاً من رؤية سياسية مبدئية ، ثانياً . إنها الخطوة التي يجب أنْ تكون مميتة عبر العمل الجراحي الجذري : العدوان والغزو والاِحتلال، وهو ما كان ذروته في اليوم الأسود بتاريخ 9 / 4 / 2003  .    

    إذن ، ((الرئيس جمال عبد الناصر مثّلَ حالة وعـي فكري نفاذ إلى رؤية المستقبل الواعد ، والمرحوم المنظِّر النقدي العربي : إلياس مرقص يؤكد أنْ ((لا معنى للوعي [للضمير والوجدان والوعي] بدون فكرة المسـتقبل ، بدون فكرة الاِسـتباق)) ، [كما يقول الفقيد مرقص في كتابه الضخم : ((نقد العقلانية العربية الصادر في عام 1997 ، ص 546] ، وبدون صيرورة مفهوم الاِختلاف المظـهر الرئيس في المجتمع العربـي أيضاً . ووعي الرئيس المصري بالأمة العربية وضروراتها الوحدوية التاريخية ، ووجوب تجسدها العملي في مفاهيم علمية وعملية ، كان وعياً تاريخياً وراهناً بـ((القومية العربية)) التي هي مفهوم مهم جداً لـ((اليوم وأمس وغـداً)) وهي فكرة ((هامة جداً ، جوهرية تماماً ، نسبة لحياتنا ووجودنا ، نسبة للعالم والحاضر والمستقبل ، نســبة للديمقراطية والتقدم الاِجتماعي وحقوق الإنسان والسلام العالمي . . . كثيرون لا يعتقدون ذلك)) ، [ م ـ س ، ص 818] ، ولكن القائد آمن بذلك ، بعبارة أخرى : ((عبد الناصر فكـّر وعمل ، والجماهير تحركت ، الجماهير ، كل إنسان فرد ، في وجدانه ووعيه أولاً ، ثم نـزل إلى الشـارع . ولم نذهب إلى لندن . فاتحين أو محررين ، لم نغـْزو أحداً ، كافحنا الغزو . . )) ، [ م ـ س ، ص 775)) ، أي أن الرئيس جمال عبد الناصر أدرك ذلك مبكراً وبشكلٍ واعٍ تماماً ، وهو الذي يجعل من ذكره الدائم مثالاً سياسياً مجسـداً وخالداً . فكرة المستقبل العربي أيضاً هي التي كانت وراء الخطط الأمريكية للقضاء على المثال السياسي المنشود عند العرب الذي جسَّدته ثورة تموز المصرية في عام 1952

   لقد بادر الرئيس الفقيد جمال عبد الناصر بتفجير الثورة الوطنية الشعبية وقيادتها القيادة التاريخية ، منذ العام 1956 ، لم يرتهن لنموذج سياسي ما سابق في التطور المجتمعي والاِقتصادي ، ومن هنا كانت أصالتها التاريخية ، وبالتالي يرهن ذاته في مقولات فكرية مطلقة ويحبس نفسه في نزعتها الأيديولوجية ، كانت مصر والأمة العربية هي الموشور الدائم الذي ينظر من خلالهما إلى تطورات الأحداث العربية والعالمية ، وليس في تصرفه السياسي ما هو مغاير لقناعاته التاريخية في هذين المعطيين التاريخيين المشتركين ، اللذين أحدهما مكمل للآخر ومتلازم معه .

      جاءت مبادرته تلك بعد دراسة جادة لمفاهيم العلوم الحديثة في التفكير الإنساني والفكر السياسي ، وقوانينها الناظمة للتطور على كل الصعُد ، ومن أجل قطع خطوة جادة وضرورية للسـير نحو أفق المستقبل المرجو . لقد تخصص بالعلوم العسكرية في الكلية العسكرية المصرية ، وكانت مفاهيم الرؤى الإستراتيجية هي التي هيمنت على تفكيره العقلي الوطني المصري وتملكت نزوعه القومي العربي .  

     فالجوهري عند الفكر الوحدوي الناصري هو النضال من أجل ذات الأمة العربية ، وكان نبض الفعل الحاسم لها هو التشخيص السياسي للحاضر الملموس : أي معاداة الغرب السياسـي الاِستعماري للأمة ، كون التحالف السياسي المعادي للأمـة العربية هو الإمبريالية وسلطتها الكونية الممثلة للقوة الغاشمة : الولايات المتحدة الأمريكية ، وعلى حاشيتها : كيان الاِغتصاب الصهيوني والقوى العربية الرجعية والمجاورة لها ممن ترتزق بحمايتهـا وقواعدها وقواتها، هدفها المعلن تمزيق الوطـن العربي ، أكثر مما هو ممزق ، وتفتيت المجتمع العربي ، طائفياً وأثنياً ، خدمـة لإسرائيل وبرامجها : الثابت الأمريكي الإستراتيجي توفير الأمن لها واِعتراف العرب بكيانها المغتصب

     فالإمبريالية الأمريكية ، إذن ، تهدف السـيطرة على الأمـة العربية . وتذرير قوتها الحالية والكامنة . وإبقائها متأخرة متخلفة تابعة في حياتها ومعاشها أيضاً ، بما يؤدي إلى شـلـِّها وفرض الشـلل عليها ، تمهيداً للاِستحواذ على خيراتها كلها ، والواقع القائم الذي تُوِّجَ بتوجيه ضربة كبرى للأمة العربية المناضلة في سبيل صيرورتها تعمل في سبيل ذاتها . . . مثلما وجَّه الضربات المتتالية للفكر القومي العربي والتجربة الناصرية ، دفع بالسيد محمد حسنين هيكل للإستخلاص التالي ، بناءً على قراءة تاريخية متمعنة عميقة : إنَّ ((المحاولة المستميتة لضرب قوى التغيير والتقدم في العالم العربي لم تتوقف ، والسبب واضح هو إنَّ القصد المقصود ليس معركة ضمن معارك ، وليس رجلاً ضـمن رجـال ، ولكنها فكرة ((مستقبل)) يخشـاه الـذين يحاولـون إرغـام الأمـة على الركـود والقعود . . . )) . كما يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل في أحد كتبه التي رصدت ملابسات العدوان على مصر في العام 1967  . 

    إنَّ تشابه برنامج الضربة الأمريكية ـ الصهيونية للتجربة المصرية في عام 1967 ، والضربة الأمريكية للعراق في عام 1991 ـ التي استكملت في الشهر الرابع من عام 2003 على هيئة سطو واِحتلال ـ كبير جداً ، فالتاريخ أكد أن هناك تنسيقاً كلياً بين الولايات المتحدة والكيان ، و((مؤسسات الإدارة  الأمريكية كانت توافق الرئيس بصفة عامـة على الخيار الذي اِستقر عليه ، طوال أعوام 1965 و1966 و1967)) ، كما يوثق ذلك الكاتب الصادق مع نفسه الأستاذ محمد حسنين هيكل .  

     مثلما أكدت الوقائع إنَّ الخطة السياسية الأمريكية كانت تسـتهدف نهضة التقدم والتنمية والقوة العسكرية في العراق ، وكذلك اِستهداف السيطرة على الثروات الطبيعية فيه . وكل تلك الأهداف كانت تستبطن خدمـة كيان الاِغتصاب الصهيوني من الألف إلى الياء ، لأنَّ الأمر ـ وهذه حقيقة سياسية ملموسة عمرها حوالي قرن من الممارسات ـ يتعلق بالثوابت الوطنية والقومية للأمة ، لم يعتدِ العراق على أمريكا أبداً ، ودجل الأسلحة المحرَّمة دولياً والعلاقات مع أسامة بن لادن بات مكشوفاً ملموساً وموثقاً ، بعد أنْ كان محسوساً عن طريق الحدس والتحليلات المنطقية ، وتعاونت على رسم أنشوطته القاتلة عدة جهات مخابراتية دولية ، وعلى سبيل المثال نتطرق لأحد عتاتهم ممن رسموا خطة العدوان على العراق ، نعني به الجنرال بول وولف يتز .  

    وإذا علمنا إنَّ السـيد بول وولفويتز نائب وزير الدفاع الأمريكي الحالي هو ((جنرال سـابق  ـ يهودي ـ لعب دوراً مهماً في حرب الخليج كضابط اِتصال بين قيادة التحالف وبين رئاسة أركان حرب جيش الدفاع الإسرائيلي ، وكان المسؤول عن مطالبة بهذه الصفة في إسرائيل طوال شهري يناير وفبراير 1991 ، وكان هو المسؤول عن مطالبة القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية بأهمية ضبط النفس وعدم الرد على صواريخ عراقية وجِهَّت إلى عدد من المواقع في إسرائيل مذكّراً الجميع في تل أبيب بأنَّ إسـرائيل أول مستفيد بتدمير القوة العراقـية ، وبدون تكلفة عليها في الموارد أو في الدم)) .. كما جاء في كتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل المعنون : نهاية طرق : العربي التائه ، الطبعة 2 ، شباط 2002 ، ص 65] ، يؤكد ما ذهبنا إليه في ما تقدم : من اِستهداف أمريكي صهيوني مشترك للعراق .

     وما برنامج البحث المستمر عن ما يُسمى بأسلحة الدمار الشامل الذي كان ـ دون النظر في الرؤية الكلية لقرارات مجلس الأمـن على أرضية الشرعية الدولية ـ والذي لن ينتهي إلاّ بتمزيق العراق وإرجاعه لعصر التخلف الحجري ، وفق ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي الأسـبق : جيمس بيكر ، وتدمير البشـر العراقيين ، ووأد حضور علمائه المبدعين في النهضة العلمية العراقية ؛ والقضاء على القوة العسكرية التي حققت بعض التوازن الإستراتيجي في المنطقة ؛ والسيطرة على ثرواته الكامنة في الأرض وفوق الأرض أيضاً . . .سـوى تشابه في تحقيق الهدف الأمريكي الغربي ـ الصهيوني للقضاء على المستقبل العربي ، سواء أكان في مصر جمال عبد الناصر أو العراق في عهد الرئيس الشهيد صدام حسين . 

   إنَّ هذه الصورة الموضوعية لتطور الأحداث التي كانت متوقعة ، وإعلان كيان الاِغتصاب الصهيوني المُتكرر عن اِستعداده بالاِشـتراك في الضربة الأمريكية : يفرض على كل مَـن يلتزم الفكر الوحدوي العربي ، لاسـيما الخيار الناصري في الاِسـتقلال والتنمية والتحديث والتطوير والحرية والوحدة والتقدم ، بغض النظر عن مشاعره الذاتية الخاصة . . . كان يفرض عليه المساهمة عبر التحريض والعمل ، في معركة الأمـة العربية التي يشتد أوارها على الساحة المشرقية العربية : العراق ، من أجل دحر المعتدين الذين يريدون بالوطن شرَّاً ، والحفاظ على وحدة المجتمـع ، والدولة {{كتبنا ذلك قبل الغزو الأمريكي والاِحتلال الذي أدى إلى إفلاش الدولة العراقية التي كان أول خطواتها التأسيسية تبلورت بعد ثورة عام 1920 المباركة ضد البريطانيين وقواتهم الغازيةـ ملاحظة نذكرها بمناسبة نشر الحلقة الثانية من هذه المقالة}} الناظمـة لعملهما ، وصـيانة القيم التاريخية لأمتنا العربية وحضارتنا الإســلامية العظيمة . . . ضد إدارة الولايات المتحدة السياسية صاحبة القطبية الوحيدة في العالم ، المنفلتة العقال من الشرعية الدولية : الفاعل الأساسي في عملية إنتاج نظام الهيمنة الغربية مجدداً تحت شعارات سياسية تدجيلية على ضوء الممارسة العالمية لها . وما لحق بقضية الشعب الفلسطيني مجرد شاهد شاخص يتكرر على الدوام في ظِلِّ الهيمنة العالمية للقطب الأمريكي الواحد))}} . 

وذلك هو الثابت السياسي في المنهج الناصري ، وليس غيره أبداً .

 
ملاحظة ـ [النص المحصور بين القوسين {{  }} مأخوذ نصاً من كتابنا المعنون ((العمل القومي العربي : قيادة جمال عبد الناصر على ضوء مفهوم الأمـة العربية ومن أجل تحقيق طموحها السياسي)).
 
يتبع ..

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء /  26  رجــــب  1429 هـ

***

 الموافق   29  /  تمــوز / 2008 م