الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

مجلس النواب العراقي ومشكلة قصر النظر

 

 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

 

مجلس النواب يفترض أن يكون صوت وضمير الشعب ولسانه المعبر عن حقيقة آماله وتطلعاته وان يكون حامل ألوية الإصلاح وراية التنوير وان يستمد تفسيره لفلسفة القانون بان تكون قراراته تعبيرا واضحا عن إرادة الشعب الذي انتخبه ويعمل وفق مصالحه العليا فالقانون ليس أداة لعقد الصفقات وليس أمرا خاضعا لها يفسر ويغير وفقا لهذه الصفقات.

 

ومن المؤسف أن يكون النواب العراقيين هم ثمرة تلقيح مباشر بين قوات الاحتلال والأحزاب الهجينة التي توافدت على العراق, كما أنهم نتيجة حتمية للفوضى السياسية التي ولدها الغزو في زمن الخيبة والفشل والانكسار والنكسة فأفرزت سلطة تشريعية لا تفقه القانون ولا التشريعات وليس لها علاقة بالوطن أو الشعب أو القانون لذا كان من السهل جدا أن يقعوا في وهاد الطائفية وينحدروا في دهاليز الظلام وتغرقهم موجات التعصب, فبتنا بحاجة ماسة لشفرة نحل بها رموز هذه الخيبة والفشل المتلاحقين والخروج بسلام من سفر التيه في المسارات الخاطئة والمتعرجات.

 

لم تكن القرارات التي تم التصويت عليها في البرلمان العجيب سوى صفقات بين الاحزاب ولم يكن من السهولة تمرير القرارات بدون توافق المكونات وفق صيغة " أوافق على تمرير القرار الذي يخدمك على شرط أن توافق أنت على تمرير قرار يخدمني" ومن الطبيعي أن لا تكون هذه القرارات في صالح الوطن وإنما تصب في مصلحة الحزب وأجندته, مما أفقد القرارات مشروعيتها فالشرعية للقانون تعتمد على قاعدة تسليم الناس بصحة المشرعين وكفاءتهم وان القوانين تنصب في مصلحة المجتمع والفرد وعدم الإيمان بسلطة التشريع يقوض من شرعية المنظرين, إضافة إلى الثقة بضرورة هذا التشريع والفائدة المرجوة منه, ولابد أن تقوم التشريعات على منهج علمي وقانوني واضح لا لبس فيه ولا غموض ولا التواء وحدوث الزلل والخطأ والتغاضي عن المصالح العليا يبطل هذه الشرعية أيضا.

 

ومن المؤسف أن تهيمن أجندة الاحتلال وإيران على قرارات المجلس وكما يبدو من توجهات الاحزاب الخاضعة للأحتلالين الأمريكي والإيراني وجود تضارب في هذه الأجندات وهذه من عجائب الأمور مما يمكن تفسيره بوجود تنسيق وتعاون عالي المستوى بين الطرفين وحتى الخلافات الهشة والبسيطة فأنها لا تطفو على السطح طالما أن المصالح العليا متوافقة, وهذا ما نلاحظه في زيارة النائب مثال الآلوسي الأخيرة إلى الكيان الصهيوني رغم التحفظات الكبيرة عليها ورفضها من قبل الشعب العراقي بشكل عام لكن طريقة معالجة الزيارة في مجلس النواب تثير الضحك بقدر ما أثارت أيادي النواب للاشتباك الأعزل في فصل هزلي جديد يضاف إلى موسوعة مهازل البرلمان, فالبرلمان العراقي يتألف من حزمة من العملاء وهم منقسمون حسب وظيفتهم في العمالة إلى عملاء لأمريكا وعملاء لإيران ولإسرائيل وعملاء لبقية دول الجوار إضافة إلى عملاء صغار يمثلون هذه الدولة أو تلك أو كلاهما, ومن ثم يتساءل علماء العمالة فيما بينهم بدهشة عن سبب هذا الاجترار فقاعدة العمالة( لا فرق بين عميل وعميل ألا بنشاطه) فعميل إيران لا يختلف عن عميل إسرائيل أو أمريكا فكلهم سواسية كأسنان المشط فعلام غراب يعير غراب وكلهم غربان! أليس مجلس النواب بجميع شراذمه عملاء لأمريكا ومعظمهم عملاء لإيران؟ أليست إسرائيل هي الوجه الثاني لأمريكا وان عميل أمريكا هو بالمحصلة عميل لإسرائيل, صدق من قال " من راقب مجلس النواب العراقي مات هما"! من المستغرب أن حمية المجلس لم تصل إلى درجة مائة فهرنهايت خلال الزيارتين السابقتين للآلوسي للكيان المسخ.

 

 وان مناقشة البرلمان لهذه الزيارة وإغفاله التعليق على الزيارتين السابقتين للآلوسي تثير الحيرة والشك وتؤكد ازدواجية المعايير التي يمارسها المجلس تجاه الكتل البرلمانية فهو مع الكتلة الكردية والكتلة الحكيمية والتوافقية غفور رحيم متفهم ومع الكتل الصغيرة أو الأحادية الكرسي النيابي شديد العقاب متهور! كما أن البرلمانيين كما يبدو باتخاذهم عقوبات فورية تجاه الآلوسي تبين مدى جهلهم للدستور ونظامهم الداخلي وهذه حالة غريبة وفريدة في بابها فالنظام الداخلي واضح وقد ورد في المادة(20/أولا) بأن عضو البرلمان" لا يسأل عما يبديه من آراء أو ما يورده من وقائع أثناء ممارسة عمله في المجلس" وتمت عقوبة الآلوسي دون الرجوع إلى السلطة القضائية باعتبارها السلطة المختصة كما أشارت المادة(19/أولا) كما إن الفقرة(ثانيا) من المادة نفسها أشارت بأنه " لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وفق اقترافه" بمعنى أن القضاء هو الذي من حقه أن يفرض العقوبة ويطالب البرلمان بنفض الحصانة على الآلوسي أو منعه من السفر, وحتى العقوبة تتنافى أيضا مع المادة(15) من الدستور التي أتاحت لكل المواطنين الحق في الحرية والحياة والأمن ويتنافى أيضا مع المادة(42) التي سمحت لهم بحرية التنقل والسفر داخل العراق وخارجه فأن كان المجلس يعرف هذه المواد القانونية وتجاهلها فتلك جريمة وأن كان غافلا عنها فتلك مصيبة بل كارثة.

 

طبعا ليس دفاعا عن الآلوسي أو تبريرا لزيارته الكريهة لإسرائيل فهذا الموضوع مفروغ منه ولكن لماذا يكيل البرلمان وأحزابه العميلة بألف مكيال؟ فلماذا لم يناقشوا على سبيل المثال لقاء الطالباني بالمجرم أيهود باراك على هامش حضوره مؤتمر الاشتراكية الدولية في أثينا وهو رئيس جمهورية وليس نائب وحيد له صوت يتيم, أي أنه لقاء لا يمكن أن يصنف في خانة( اللقاءات الشخصية" ومع هذا تقبل البرلمان المبررات التافهة التي قدمها مكتب الرئيس؟ أو لقاء الزيباري باليعازر في الأردن ولقاءات الجلبي المتكررة وزياراته للكيان الصهيوني السرية والمعلنة! ومن ثم علام تناقش زيارة الآلوسي من هذا المنظار ولا تناقش مسألة تسكع الإسرائيليين في شمال العراق من ضمنهم احد عشر نائبا من الكنيست إضافة إلى شركات البناء وانشاء والمطارات من قبل الإسرائيليين لحثالة الشعب الكردي؟

 

من ثم أليس بالأجدر بالبرلمان العراقي أن يناقش مسائل أكثر أهمية ومنها وباء غياب أعضائه المزمن؟ أو نهب ثروة العراق التي تقدر بأكثر من مائة مليار دولار؟ أو حالات تفشي الفساد بين أعضائه أو في الوزارات والمؤسسات الرسمية؟ أو الانتهاكات  الصارخة لحقوق المواطن العراقي من قبل قوات الاحتلال وأجهزة الشرطة والأمن العراقية؟ أو معالجة مشكلة اللاجئين العراقيين في دول الجوار وبقية دول العالم؟ أو مشكلة الماء والكهرباء والوقود والتعليم والعناية الصحية وانتشار وباء الكوليرا وآلاف المشاكل التي يرزح تحتها العراقيون ويئنون من وطئتها؟ وان كان ذلك من واجب الحكومة كما يزعم بعض الأبواق وليس البرلمان أليس البرلمان هو الذي يتولى مسئولية مراقبة الحكومة وأدائها ؟ وهل أداء الحكومة جيد من وجهة نظر البرلمان؟

 

وإذا كان البرلمان حريصا حقا في معالجة الموضوع من منطلق وطني وليس بسبب تهجم الآلوسي على إيران فليفتح الملف الإسرائيلي كاملا إبتداءا من دخول القوات الإسرائيلية بمعية الجيش الأمريكي العراق واحتفالهم في القصر الجمهوري مرورا باغتيال المئات من العلماء العراقيين إلى نهب المخطوطات ومنها أقدم توراة في الوجود بمعونة أحمد الجلبي من دائرة المخابرات العراقية إلى استيراد المواد الغذائية من إسرائيل ولقاء عبد العزيز الحكيم بالمنظر اليهودي هنري كيسنجر وعشرات الملفات الأخرى, كي نقول إن البرلمان يتعامل بعشرة مكاييل فقط بدلا من ألف مكيال!

 

لا يخفي على كل مطلع على بواطن الأحزاب في الساحة العراقية بأن الآلوسي تجاوز الخطوط الحمراء بالحديث عن الدور التخريبي الإيراني في العراق فهذا الأمر يعتبر من أهم التابوات بمنظار الأحزاب العراقية - الإيرانية المشتركة, لذلك فتحت نار جهنم على زيارته الأخيرة ولكن الرجل لم يتحدث اعتباطا فالتدخل واسع ولا يحتاج إلى ترقيع فأي من يتابع الأخبار يجد إن القوات العراقية عثرت على أسلحة في طول العراق وعرضه وهي إيرانية الصنع وحديثة الإنتاج ومن ضمنهم صواريخ غراد ومتفجرات على شكل عبوات وأحزمة سبق أو اتهمت الحكومة العراقية المجاهدين الأبطال بتفجيرها! ولكن لأن الحقيقة كالشمس لا تخفى بغربال فقد تبينت كاملة وان من يقف وراء التفجيرات التي طالت المدنيين العراقيين هي الجارة المسلمة إيران ومعاذ الله أن تكون من صنع المجاهدين الصناديد الذين نذروا أنفسهم الطاهرة للحفاظ على الوطن والشعب!

 

 ونقول للبرلمان المخجل هل أطلعت على تصريح رئيس الوزراء نوري المالكي لصحيفة بغداد نيوز الصادرة باللغة الانكليزية حول التدخل الإيراني في العراق حيث أجاب" نعم نحن نعيش مع الآخرين ونطمح بتكوين علاقات مع كل الجيران بما يخدم مصلحة بلادنا وشعبنا أما ما يخص إيران فإننا نعمل على قطع جذور أي توغل يسيء إلى عراقنا وسيكون العراق كما هو دائما في الريادة والقيادة على المستويات كافة عربيا وإسلاميا ودوليا, وما يحزننا كثيرا هو استخدام المساجد ودور العبادة كمخازن للأسلحة التي يبدوا أن معظمها جاء من إيران " ومما قاله الآلوسي في كلمته في معهد السياسة ضد الإرهاب العائد الأكاديمية هرتزيليا" إن إيران تشكل خطراً حقيقيا على العراق, وأن سيادة العراق مهددة بسبب جنون إيران التوسعي, ذلك أن النظام الإيراني يعتقد أن العراق تابع له وبذلك يلغي إرادة الشعب العراقي" وأضاف " أن إيران هي من يشكل خطرا حقيقيا على العراق والخليج العربي وعلى الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط" فهل ما ذكره الآلوسي يختلف عما ذكره المالكي أو هو بعيد عن الحقيقة؟ أم انه تعدد المكاييل ليس إلا؟

 

وبجرأة متناهية في إحراج عملاء إيران من الأحزاب الطفيلية على العراق ذكر" عندما يأخذ السياسيون العراقيون الإذن بالقيام بزيارات سرية لإيران لمقابلة قاسم سليماني مسئول الحرس الثوري وجيش القدس على الحدود العراقية، سأقوم بدوري لطلب الإذن الرسمي لزيارة إسرائيل" ويبدو أن الآلوسي أخذ بالحسبان تداعيات زيارته عندما ذكر" إن عملاء إيران داخل العراق يشعرون بأنهم معنيون بحديثي وهم يهاجمون من يهاجم النظام الإيراني" وهذه حقيقة أدركها الجميع في مؤتمر البرلمانيين العرب الذي عقد في أربيل عندما أعترض نواب الحكيم على الفقرة الخاصة بالجزر العربية المغتصبة من قبل الاستعمار الصفوي.

 

نكرر ثانية أن زيارة الآلوسي تعتبر خرقا كبيرا لإرادة الشعب العراقي والإجماع الوطني, لكن مع هذا فهي لا تخلوا من فائدة أو أثنين على الأقل فقد فضحت حقيقة أعضاء البرلمان ومستواهم الثقافي المنحط وهم يناقشون أصل عائلة الآلوسي فيما إذا كانت عراقية أم لا؟ وكأن عوائل بقية النواب وجنسياتهم عراقية صاغ والحليم تكفيه الإشارة! كما إنها تكشف سعة الفخ الذي وقع فيه العراقيون وهم ينتخبون هذه الطفيليات البشرية لتمثلهم في المجلس التشريعي, والمستوى الضحل من العمالة التي يتميز بها نوابه! وعسى أن تكون تحذيرا ومراجعة للذات قبل التوجه إلى صناديق( الإنت خاب)القادمة, وليتذكر كل من لوث أصبعه في الحبر البنفسجي بأنه قد لوث أصبعه بدم العراقيين ويعترف أمام الله وأمام نفسه بأنه قد ساهم في هذه المجزرة وأصبعه هو الشاهد. كما أنها موقف البرلمان تجاه الآلوسي أثبت بأن البرلمان ذو صبغة صفوية أصيلة غير قابلة للتخفيف أو التزييف.

 

ومع هذا فأن من المنتظر في حال إصرار البرلمان على تجميد عضوية النائب الآلوسي ورفع الحصانة عنه أن يبادر هو الأخر بكهربة الأرض تحت أقدام من تهجم عليه, فهو من العارفين ببواطن الأمور وممن تكشف له الكثير من أسرار وألاعيب الأحزاب البهلوانية داخل البرلمان وخارجه وليطبق مبدأ شمشون " عليً وعلى أعدائي" عسى أن يغفر له الشعب العراقي زيارته للكيان الصهيوني في ضوء ما يكشف عنه من أسرار وفضائح وما أكثرها في عراقنا الجديد, وكما يقول المثل العراقي" المبلل لا يخاف من المطر" ونذكر الآلوسي بأن الوقت حاسم سيما إننا على أبواب انتخابات قادمة عسى أن تنفع الذكرى ولات ساعة حسرة وندم.

 

 
 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ١٧ رمضــان ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٧ / أيلول / ٢٠٠٨ م