الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

من أجل إفشال المخطط  الإيراني الهادف إلى غزو ذهنية المثقف القومي العربي

 

 

شبكة المنصور

ابن تونس

 

يحتل موضوع الموقف من إيران موقعا هاما في الصراع الدائر حاليا داخل حركة التحرر العربية. و قد شهد هذا الصراع وتيرة متصاعدة ارتبطت خاصة بسلسلة المواجهات مع العدو الصهيو أمريكي على الساحة العراقية أو الساحة اللبنانية . ففي كل مرة يحتد الصراع مع العدو الصهيوني في لبنان و تحقق المقاومة هناك انتصارات ، يرتفع صوت المدافعين عن ايران مؤكدين صحة أطروحاتهم و مقابل ذلك و نتيجة التنامي المتواصل لحركة المقاومة في العراق فقد تصاعدت  تدريجيا حدة الموقف  المشهر بالنظام الإيراني و هذا راجع لسببين : أولا- تمادي إيران في مشروعها التوسعي و الاستعماري في العراق المتواطئ مع الاحتلال الأمريكي  رغم تنبيه و تحذير المقاومة العراقية و مطالبة إيران باتخاذ الحياد كحد أدنى للتعامل بين الدول المتجاورة . ثانيا : الافتضاح التدريجي لحقيقة المخطط الاستراتيجي للنظام الإيراني المعادي لمصالح الشعب العراقي و الأمة العربية قاطبة و توضح الصورة لدى العديد من المثقفين الوطنيين العرب ، و قد كان للمقاومين بالقلم العراقيين الفضل الكبير في كشف حقائق تفضح نوايا و مخططات النظام الإيراني منذ صعود الخميني إلى الحكم.

 

و لئن سجل موقف المقاومة العراقية داخل ساحة الصراع عدة نقاط لفائدته حول هذه المسألة. فإن ما تحقق لم يرتقي بعد إلى مرتبة الحسم. و هذا في حد ذاته يعتبر عائقا يشد حركة التحرر العربية إلى الوراء و يمنعها من الانطلاق نحو مراحل متقدمة في انجاز المشروع التحرري للأمة. أن تصدر المواقف المدافعة عن النظام الإيراني عن أحزاب و منظمات ذات مرجعية فكرية دينية أو وطنية فهذا قد نجد له تفسيرا و نوظف له الآليات لمعالجته. لكن أن يصدر من أحزاب و منظمات و شخصيات قومية فهذا ما يثير الاستغراب و الاستياء في نفس الوقت.

 

لا يختلف إثنان على أن القوميين العرب جاؤوا كحاملين للواء الوحدة العربية و أنهم قد بنوا منظومة أفكارهم على أنقاض الأطروحات الإقليمية و الطائفية . لكن ما نلاحظه اليوم أن العديد من القوميين العرب و خاصة منهم المنضوين تحت لواء "المؤتمر القومي العربي  و " المؤتمر القومي الإسلامي " يصرون على الدفاع عن إيران و الحديث عن دورها الإيجابي في الساحة الفلسطينية و اللبنانية  و الأغرب من ذلك أنهم يتكفلون بالدفاع عن إيران نيابة عن إيران نفسها ضد الهجوم الذي يقوم به مفكرو المقاومة العراقية الباسلة  أو هم يتخذون موقف الحياد بدعوى تعقد الوضع العالمي و العربي و انتظار توضح الصورة . و أغرب ما في الأمر أن الحجج التي استندت إليها المقاومة العراقية في إدانة النظام الإيراني تفوق عمقا و قوة بكثير حجج المدافعين عن النظام الإيراني أو الصامتين عن جرائمه.

 

خطة إيرانية جديدة : التوفيق بين المقاومات  

 

تصدر من حين لآخر آراء و أفكار عن أنصار المؤتمر القومي العربي و المؤتمر القومي الاسلامي  يمكن تلخيصها في تساؤلاتهم التالية :

 

لماذا تصرون على التركيز على إيران في النقاشات الفكرية أليس من المفروض التركيز على الفكر الامبريالي الصهيوني باعتباره هو الأخطر عالميا ؟ ثم لماذا يجب أن نتفق حول الموقف من إيران ألا يمكن أن نبقى مختلفين حول إيران و متفقين حول مساندة المقاومة العراقية ، لماذا لا ننطلق من المسائل المتفق عليها لنبني أرضية عمل نضالي مشترك؟

 

هذه هي المواقف التي نشعر أنها بصدد التبلور لتبني وضعا فكريا يشكل خطرا على مستقبل الثورة العراقية المسلحة داخل ذهنية المثقف القومي العربي.

 

هذا الوضع الفكري داخل الصفوف الوطنية و القومية العربية يجرنا إلى استنتاج خطير ألا وهو أن التأثير الإيراني بلغ إلى حد عقر دارنا التي كنا نعتبرها محصنة. فقد تمكن أنصار إيران من التأثير ليس فقط على مفكرين ينتمون إلى القوميين العرب بل على أنصار المقاومة العراقية داخل التيارات الفكرية القومية العربية بل أكثر من هذا فقد امتد التأثير إلى داخل التيارات المدافعة عن الشهيد صدام حسين و عن حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق بدعوى ضرورة تهيئة المناخ الملائم لوحدة مستقبلية بين المقاومات العربية الثلاث الفلسطينية و اللبنانية و العراقية رغم أنهم يعلمون بكونهم يقومون بذلك دون خوض أي صراع حول المواقف التي تطرحها كل مقاومة على حدة.

 

و بالرغم من تأكيد المنتمين إلى هذا التيار أنهم  بصدد تحمل مسؤولية كبيرة و ذلك بالتصدي لكل من يتهجم على المقاومة العراقية و الشهيد صدام حسين داخل المنابر القومية و خاصة المؤتمر القومي العربي و المؤتمر القومي الإسلامي لكن ذلك لا يمنعنا من الاستنتاج أن التيار الإيراني داخل المؤتمرين المذكورين توصل إلى تحييد بعض أنصار المقاومة العراقية و جرهم إلى تبني موقف الامتناع عن التهجم  على إيران و الدفاع المستميت عن حلفاء إيران في الساحة اللبنانية و الفلسطينية و بالتحديد حزب الله و حماس و الجهاد  و هذا ما ينبئ إلى تحول هذه الأطر إلى منابر خطيرة لترويج السلع الفكرية و الإيديولوجية الإيرانية.

 

فقد بلغت خطورة المواقف إلى ادعاء  هذا الفصيل الفكري إلى أن المقاومة العراقية لم تحسم بعد نهائيا في موضوع  الموقف من إيران بل أكثر من ذلك يدعون أن هناك صراع داخل حزب البعث حول هذه المسألة إذ حسب اعتقادهم هناك  شق يعتبر أنه على المقاومة التركيز على الاحتلال الأمريكي و أن إيران هي في نهاية الأمر جارة لا يجب التصعيد معها و هناك شق آخر يعتبر أن أمريكا و إيران هما عدوان رئيسيان تجب محاربتهما. هكذا إذا بلغ تأثير حلفاء إيران على الساحة العربية حدا دفع هؤلاء إلى التأويل الخاطئ لمبادئ من يناصرونهم عوض أن يتوجهوا إلى المعنيين بالأمر بالسؤال أو يعملون على استيعاب الأسس الفكرية التي بنى عليها البعث تحليلاته.

 

موقف البعث و المقاومة العراقية من النظام الإيراني

 

لقد قلنا منذ البداية أن محاولة الجمع بين منظومتين فكريتين متناقضتين المنظومة الفكرية القومية العربية التي تبلورت في صلب المواجهة مع أعداء الأمة في منازلة تاريخية ابتدأت محطاتها الكبرى  من سنة 1979 تاريخ العدوان الإيراني على العراق و تواصلت سنة 1991 تاريخ العدوان العالمي على العراق بقيادة أمريكا و تصاعدت منذ مارس 2003 تاريخ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق والجمع بين منظومة فكرية طائفية مرتبطة مرجعيا بالمصالح الإيرانية و المطامع الفارسية في وطننا العربي ، محاولة الجمع هذه لا يمكن إلا أن تؤدي إلى الضبابية و اختلاط السبل .

 

إن تجربة البعث الذي لم يساوم و لو لحظة واحدة على مصالح الأمة يعتبر أن الآلة الاستعمارية التي خططت و نفذت احتلال العراق و تدميره هي آلة أمريكية لكن هذه الآلة بها بعض قطع الغيار من أصل بريطاني و إيراني و صهيوني و بالتالي حين يؤكد البعث ضرورة التركيز على الاحتلال الأمريكي مثلما فعل في بيانه الصادر يوم 28/08/2008 تحت عنوان" بيان حول التجاذبات والتواطآت الأميركية الصهيونية الايرانية " حين قال حرفيا "ان تصاعد المقاومة العراقية الباسلة المتجه بالدرجة الأساس ضد المحتلين الاميركان هو الذي سيحبط التواطآت الأميركية الصهيونية الإيرانية عبر إلحاق المزيد من الخسائر بالمحتل الأميركي الغازي وإرغامه على الرحيل والتفاوض بعد ذلك مع المقاومة الوطنية والقومية والاسلامية بفصائلها كلها " فذلك لا يعني أنه اعتبر تناقضه مع النظام الإيراني تناقضا ثانويا . فقد قال البعث في العديد من بياناته أن المخططات الإيرانية تشكل خطرا على مصالح العراق و الأمة بأكملها لأنه ينفذ مخططا توسعيا استعماريا يهدف ليس فقط السيطرة على العراق بل يهدف إلى شرذمة الوطن العربي على أساس طائفي  كخطوة نحو احتلاله بالكامل. لقد بين حزب البعث في نفس البيان المذكور آنفا أن العلاقة بين إيران و المحتل الأمريكي ليست علاقة عدائية بل يحكمها التواطؤ من أجل ضمان سيطرتهما على العراق و قد جاء في البيان ما يلي " وبذلك يظهر التواطؤ الأميركي الايراني واضحاً وجلياً على حساب مصالح العراق الأساسية.. وكذب حملات التصعيد الاعلامي بين أميركا وايران."  لقد ورد نفس هذا الموقف في سياقات عديدة و في بيانات عديدة نذكر منها ما ورد في البيان الصادر يوم 08/08/2008 تحت عنوان " حول الذكرى العشرين للنصر العراقي على مطامع الاستعمار الايراني" الذي جاء فيه ما يلي " ان الانتصار على النزعة التوسعية الاستعمارية الايرانية في يوم 8/8/1988 يشكل انعطافا تاريخيا عظيما في حياة العراق والامة العربية لانه احبط مخطط تقسيم الامة العربية قطرا بعد اخر، لذلك فاننا اليوم ونحن نواجه التلاقي الامريكي الايراني ضد العراق والامة العربية، نستلهم معاني ذلك الانتصار الكبير ودروسه الغزيرة لمواصلة جهادنا الملحمي بوجه المحتلين الاميركان وحلفائهم الصهاينة والفرس وحتى فجر التحرير المبين والاستقلال الناجز والتام ونهوض العراق والامة من جديد.

 

ان من اعظم دروس الغزو اليوم درس ان الواقع الموضوعي دحض كل الاكاذيب التي حاولت اتهام العراق بانه من اراد الحرب مع ايران، وان ايران بعد اسقاط الشاه كانت تريد التعايش مع العرب ودعم قضية فلسطين! فلقد اكد الاشتراك الايراني المباشر والرسمي والرئيسي في غزو العراق وتدميره واغتيال قادته وضباطه وعلمائه، جنبا الى جنب مع الموساد والمخابرات الامريكية، ان ايران الملالي تقوم سياستها على مد سلطتها لتشمل العراق اولا ثم باقي الاقطار العربية ومحو الهوية العربية."

 

هل هناك أوضح من هذا الموقف. هل يمكن أن نستنتج من هذه التحاليل أن حزب البعث متردد في الموقف من إيران أو هناك خلاف داخل البعث في حسم الموقف من إيران.

 

كل ما في الأمر أن حزب البعث الذي تمرس في مواجهات الأعداء يعرف بالضبط ماهي الحلقة الرئيسية التي يجب التركيز عليها و التي بمسكها يمكن المسك ببقية الحلقات . لقد حاول الاحتلال الأمريكي جر المقاومة العراقية لاعتبار إيران هي الحلقة الرئيسية لكن حزب البعث كان قد أعد منهجه الاستراتيجي منذ أيلول 2003 الذي أراده أن يكون استنتاجا لدروس كافة مراحل كفاحه التحرري و خلاصة لتجربة كافة حركات التحرر العربية و العالمية.هو يعلم جيدا أن تحطيم الآلة الأمريكية في العراق سيؤدي إلى تهاوي و تعطل كل قطع هذه الآلة و لو كانت إيرانية أو صهيونية.  لقد استطاع حزب البعث إلى جانب مختلف الفصائل القومية و الوطنية و الاسلامية أن يلحق بالامبراطورية الأمريكية  بفضل صحة منهجه الاستراتيجي هزيمة نكراء  كان في الأمس القريب يعتقد الكثيرون أنها لن تحصل بسواعد عربية. أتذكرون أغنية كان يؤديها الشيخ إمام عيسى و هي من كلمات فدوى طوقان بعنوان " يا قوم إلى ما و ححتام " من بين ما جاء فيها :

 

آهٍ آهٍ يا فيتنام
آهٍ لو مليون محارب
من أبطالك
قذفتهم ريح شرقية
فوق الصحراء العربية
لفرشت نمارق
و وهبتهم مليون ولود قحطانية...

 

لقد توصلت المقاومة العراقية الباسلة  أن تنجز هذا الحلم بدون أن تستورد مقاتلين من هنا أو هناك.

 

أيها الأخوة القوميون في المؤتمر القومي العربي و المؤتمر القومي الاسلامي أنتم تدعون بأنكم تساندون إيران لأنكم تريدون التركيز على العدو الأمريكي و نحن نقول لكم هل هناك طرف في هذا العالم ركز على أمريكا و ألحق بها شر الهزائم أكثر من المقاومة العراقية ؟ فلماذا تمجدون إيران التي تحتل العراق و ترفضون تمجيد المقاومة العراقية التي لم تلحق ضررا بأي طرف في هذا الوطن و كل العالم سوى الأعداء؟ تقولون أنكم تتحالفون مع ايران لمواجهة أمريكا التي تمنعكم من تحقيق وحدة الأمة و تحررها في حين أن المقاومة العراقية و خاصة البعث التي يقودها بنى منطلقاته الفكرية على نبذ الطائفية و ادرج في برامجه تحرير الأمة و توحيدها و أن هذه المقاومة هي التي تحذركم من التحالف مع ايران ذات المرجعيات المذهبية الطائفية التي تسعى إلى شرذمة الوطن العربي على أساس طائفي لتتمكن من تحقيق مشروعها التوسعي تجاه وطننا العربي.

 

أيها القوميون ماذا تريدون بالضبط ؟  المقاومة العراقية تؤكد لكم بأنها تضررت كثيرا من التدخل الإيراني في العراق. و تقول لكم بأن جميع فصائلها لها نفس الموقف من إيران و لا يوجد فصيل واحد يعتبر إيران صديقا له . و تلومكم للموقف الايجابي الذي لازلتم تحملونه تجاه إيران رغم كل التحاليل التي قدمها منظرو المقاومة و كتابها و رغم الجرائم التي ارتكبوها بالاشتراك مع الأمريكان حيال عشرات الآلاف من البعثيين على رأسهم الرئيس الشهيد صدام حسين و نائبه طه ياسين رمضان و رغم  صرخات الاستغاثة التي يطلقها العلماء و الأساتذة و الطيارون في العراق نتيجة الجرائم التي يرتكبها عملاء إيران تجاههم. و تعتب عليكم لأنكم تسهمون الآن في تقسيم حركة التحرر العربية في الوقت الذي أنتم مطالبون بالالتفاف حول القيادة القومية القادرة على تحقيق مطامح الأمة في التحرر و الوحدة و النماء الاجتماعيي و الاقتصادي . و هي في الأخير تحتج عليكم  لأن موقفكم الحالي يجعلكم عاجزين  عن مساندة ثورتكم العربية المسلحة التي انطلقت شرارتها من العراق و التي لها أجندة تختلف نوعيا عن الأجندة التي أعدها النظام الإيراني و يسربها خفية داخل العديد من الأطر و الحركات العربية.

 

إيران و القضية العراقية في الساحة الدولية

 

شكلت حركة عدم الانحياز منذ خمسينات القرن الماضي بعد انعقاد مؤتمر باندونغ في ماليزيا ، شكلت إلى جانب عديد المنظمات العالمية سندا لحركة التحرر الوطني في كل أنحاء العالم و ذلك من خلال إيجاد إطار عالمي يدعم هذه الحركة العالمية و يخلق المناخ السياسي و الإعلامي الملائم لتطورها في اتجاه انجاز مشروع التحرر الوطني في بلادها  و الملائم  لتمكينها من الدفاع عن مكتسباتها بعد انجاز استقلالها و تحررها. و قد كان لهذا الدعم الأثر الإيجابي على حركة التحرر العربية التي كانت تقودها مصر عبد الناصر إذ ساهمت هذه المنظمات العالمية في فك الحصار المضروب على النضال الوطني التحرري من طرف الامبريالية العالمية.

 

و لنلخص الوضع العالمي في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية نقول أنه كان ملائما لتنامي حركات التحرر العالمية و العربية، فحتى المنتظم الأممي آل فيه الصراع إلى ميلان الكفة في اتجاه إصدار قرارات تعتبر أن المقاومة الوطنية من أجل التحرر الوطني عملا مشروعا و عادلا. هذا الوضع العالمي شكل متنفسا لعديد الثورات الوطنية للإسراع في إنجاز مشروعها التحرري و نذكر منها خاصة الثورة الجزائرية و الثورة الفيتنامية.

 

على عكس ذلك الوضع العالمي الملائم لحركات التحرر العالمية وجدت الثورة العراقية المسلحة نفسها الآن في وضع تعتبر المقاومة من أجل التحرر الوطني إرهابا . فقد وجدت هذه المقاومة نفسها في واقع يتسم ليس فقط بانعدام الدعم العربي و العالمي بل خاصة بالتآمر العالمي و العربي الشامل على هذه الثورة العظيمة التي استطاعت رغم كل هذه العوائق أن تحقق انجازات استثنائية و تاريخية تقرب شعب العراق من شاطئ النصر.

 

و لئن توصلت هذه الثورة العراقية المسلحة بفضل مهندسها القائد الشهيد صدام حسين أن تعد و تهيئ بشكل مسبق مستلزمات الصمود و الاعتماد على قواها الذاتية فمن المفروض أن لا يتواصل حرمانها من الدعم الدولي و العربي .لقد حان دور كل مناصري هذه المقاومة  و أولائك الذين يشعرون بالتقصير تجاه هذا لانجاز العالمي و العربي التاريخي العظيم و يتمثل هذا الدور خاصة في المساهمة في فك الحصار عن هذه المقاومة العراقية الصامدة.

 

إن المتتبع لدقائق تطور الثورة العراقية المباركة يعلم جيدا أن الانتصارات التي حققتها المقاومة العراقية في الميدان و الهزيمة النكراء التي ألحقتها بزعيمة الامبريالية العالمية بدأت تعطي أكلها على المستوى العالمي و خاصة تلك المتعلقة بإخراج الوضع العالمي من مخنق سيطرة القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب بعد هزيمة الأمريكان و الصهاينة في جورجيا.

 

لقد أنجزت المقاومة العراقية أكثر مما هو مطلوب منها و حان الآن دور أحرار العالم عموما و القوى الوطنية و القومية العربية خصوصا.

 

إن المتتبع لمسار التطورات العربية و العالمية و تأثيرات المقاومة العراقية عليها من جهة و لمواقف جزء هام من القوى العربية و خاصة منها القومية ( التي يهمنا موقفها بالدرجة الأولى للدور التاريخي المنوط بعهدتها في هذه المرحلة التاريخية الحساسة ) التي تتبنى مواقف لا تصب في المهام التي حددتها الثورة العراقية التي تطمح أن تتحول إلى ظاهرة عربية و حتى عالمية ، يلاحظ أن التواجد الإيراني و تأثيره السلبي في مختلف المحافل العربية و الدولية عرقل إشعاع الثورة العراقية المسلحة و حرم الأمة العربية من استثمار انتصارات بقيت تنتظرها لمدة عقود من أجل تحقيق أهدافها المستقبلية .

 

الدور الإيراني في عرقلة انتشار الظاهرة العراقية

 

إن اهتمام جميع أطراف المقاومة العراقية  بالمواجهة العسكرية على الساحة العراقية مع عدو الأمة ترك غيابا عراقيا على المستوى العالمي سواء في المجال الديبلوماسي أو في المؤتمرات العالمية و الدولية . و هذا ما مكن إيران من ملء هذا الفراغ . و في هذه الحالة ماذا يمكن أن ننتظر من إيران من خلال تواجدها في المحافل الدولية. هل يمكن أن ننتظر موقفا إيرانيا مساندا للمقاومة العراقية داخل هذه المحافل؟  هل تعلمون أن إيران تستغل المحافل الدولية للضغط على كل الدول و المنظمات من أجل الاعتراف بالحكومة العراقية  العميلة ؟ و في هذه الحالة هل يمكن أن لا تسيء إيران إلى المقاومة العراقية في أي مكان تتواجد فيه؟

 

باستيلاء إيران على الصفة الاسلامية و صفة المعاداة لأمريكا ، استطاعت أن تؤثر في مسار قرارات العديد من الهيئات و المنظمات الدولية كمنظمة المؤتمر الاسلامي  و مؤتمر القدس الدولي  و منظمة البلدان المصدرة للنفط . و من جانب آخر و في المجال العربي  استطاعت عبر قدرتها العالية على التمويه و بفضل إضافة صفة الداعمة لقضية فلسطين و لبنان أن تؤثر على هيئات و منظمات عربية نخص بالذكر منها المؤتمر القومي العربي و المؤتمر القومي الاسلامي . و نحن في مثل هذه الظروف  نلح على طرح سؤال طالما حرصت عدة وجوه قومية على تجنبه و هو ، كيف ستكون طبيعة التأثيرات الإيرانية على هذه الهيئات. بل نحن نذهب مباشرة للسؤال الجوهري ، هل تستطيع إيران التي تسهم في نحر المقاومة العراقية و ذبح الشعب العراقي أن يكون لها موقفا إيجابيا أو حتى حياديا من القضية العراقية؟

 

إن إيران تعتبر المقاومة العراقية عدوا استراتيجيا لها و أمريكا عدوا تكتيكيا و حليفا استراتيجيا  لها. و بالتالي كلما زاد ثمن دعمها لقضية فلسطين ازدادت شروطها من أجل عزل المقاومة العراقية الباسلة . إن ايران تعلم جيدا أن المقاومة العراقية بفضل انتصاراتها الباهرة رسخت أسس المشروع القومي العربي و تعلم أن هذا المشروع العربي هو أكثر المشاريع قدرة على إفشال مخططات القادة الإيرانيين الرامية إلى بناء امبراطورية فارسية لها الكلمة العليا في مصير المنطقة و قادرة على ردع كل من يريد مقاسمتها النفوذ في رقعتها الإقليمية . و هذا المخطط لا يمكن إنجازه إلا بتنفيذ مشروع توسعي لا يتحقق إلا بــ :

 

-         احتلال العراق و اعتماده كبوابة للسيطرة على كامل الوطن العربي

-         خوض الصراع مع أمريكا من أجل اقتسام النفوذ في المنطقة

 

أدوات التشويش على المشروع القومي العربي

 

لقد حرصت إيران دائما على أن يقوم حلفاؤها في فلسطين و لبنان بالتغييب الكامل لانجازات المقاومة العراقية الحقيقية و إلصاق هذه الإنجازات ( مثلما يفعل نصر الله ) إلى أطراف ثبت دورها العدائي لشعب العراق المقاوم و نخص بالذكر منها تيار مقتدى الصدر و جيشه المهدي الطائفي الذي كان له الدور الفاعل في إذكاء الصراع الطائفي و تصفية قادة الحرس الجمهوري و الطيارين و العلماء خاصة بعد حادثة تفجير مرقد الأئمة الأطهار في سامراء ( وهذه الحقائق تؤكدها جميع فصائل المقاومة العراقية بدون استثناء ) .أما المقاومة الحقيقية و المتكونة من جبهات الجهاد والفصائل والجيوش المعروفة وفي مقدمتها جبهة الجهاد والتحرير وجبهة الجهاد والتغيير والجهاد والإصلاح وفصائل عسكرية أخرى فإنها توصف من قبل الأمريكان و إيران و حزب الله  وحكومة الاحتلال على انها فصائل صدامية بعثية تكفيرية ... الخ. هذه الفصائل يتجنب الأمريكان والإيرانيّون ذكر أسماءها وتتم الإشارة إليها والى عملياتها إعلاميا تحت عنوان واحد هو القاعدة والإرهابيين. و بسبب الصورة السيئة  لعملاء إيران في العراق ، فإن  القادة الإيرانيين يكتفون في منابر و هيئات عربية كـ "المؤتمر القومي العربي " و " المؤتمر القومي الإسلامي " بموقف يعاتب إيران  لكن دون أن يعاديها و لو كان هذا الموقف يؤيد المقاومة العراقية . إن إيران في مثل هذه المنابر تتلذذ تلك التوسلات التي يطلقها العديد من الوجوه القومية التوفيقية الواهمة والمراهنة على موافقة إيران على مطلبهم الداعي إلى التحالف مع المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي و الصهيوني في المنطقة.تتلذذ لأن ما تطلبه من مناصريها من القوميين العرب ليس دعما فاضحا و واضحا لها و لمواقفها " المعادية للشيطان الأكبر و الصهيونية " بل ما تسعى إليه هو اتخاذ مواقف توفيقية تناصر الإثنين لأنها تعلم أن مثل هذه المواقف التوفيقية قادرة على شد عقال مبادئ الثورة العراقية المباركة حتى لا تغزو كل العقول العربية التي عندما تتفطن لأساليب المخادعة الإيرانية تتحول إلى أدوات لتنقية الساحة العربية من الفكر الفارسي الطائفي المخرب و المشرذم .إن إيران مثلما تراهن على شرذمة الوطن العربي حتى يصبح حلم الوحدة العربية مستحيل المنال ، تراهن حاليا على شرذمة الساحة الفكرية القومية لأنها تعلم أن وحدة القوميين العرب حول المبادئ القومية التي كانت وراء تحقيق هذا الحلم العربي في دحر أكبر دولة استعمارية في العالم من شأنه أن يقرب ساعة إنجاز المشروع القومي العربي في التحرر و الوحدة و الاشتراكية .

 

و إذا كانت إيران تسعى إلى تحويل من يحسبون على القومية العربية إلى أدوات مخربة للمشروع القومي العربي فكيف ستكون تأثيراتها تجاه الدول العربية و الأجنبية  و المنظمات و الشخصيات الغير عربية المناهضة للأمريكان و الصهيونية ؟

 

محاولة إيران السيطرة على الحركة العالمية المناهضة للامبريالية و الصهيونية

 

لقد تأكد من خلال متابعة منهجية السياسة الخارجية الإيرانية سعي القادة الإيرانيين إلى جني ثمار انجازات المقاومة لفائدتها و تحويل مناصرة قوى التحرر في العالم لصالحها و ذلك من خلال سعيها لإيهام الرأي العام العالمي بأن الفضل في اندحار القوة الأمريكية العظمى يعود إليها و تعمل على أن تستأثر بكل الجهود المناصرة لحركات التحرر في المشرق العربي بل هي تعمل على الاستفراد بحملات المساندة لتوظيفها لفائدة مشروعها النووي. في حين يعلم  كل قومي عربي صادق أن السلاح النووي ستوجهه إيران ضد العدو الاستراتيجي الذي يسعى إلى حرمانها من إنجاز مشروعها التوسعي و لن توجهه ضد أمريكا و الكيان الصهيوني لأنهما حليفان استراتيجيان و خاصة حين يتعلق الأمر بمواجهة العدو الاستراتيجي المتمثل في حاملي المشروع القومي العربي.

تتوخى إيران عربيا و عالميا سياسة تعتمد ليس فقط على غرس طوائف من نفس لونها المذهبي في كل أصقاع العالم بل تنتهج كل الخطط التي تؤدي إلى إضعاف خصومها و لو أدى ذلك إلى التعامل مع أعدائها المذهبيين مثلما فعلت حينما آوت عناصر القاعدة الفارين من أفغانستان ثم ضختهم في العراق علها تخلق أرضية للصراع الطائفي الهدام الذي يحقق حلمها في تقسيم العراق . كما تبدع في اختلاق الأساليب و الوسائل لإضعاف الجبهة القومية داخل الوطن العربي سواء بالترغيب مثلما تفعل مع النظام القومي السوري أو بالابتزاز مثلما  فعلت مع النظام الليبي حين قام حزب الله في المدة الأخيرة بإثارة موضوع اختفاء موسى الصدر و إصدار قاضي التحقيق في بيروت حكما يطلب "جلب" المتهمين لمقاضاتهم بموجب أحكام تؤدي الى الإعدام ، رغم أن النظام الليبي سعى بكل الطرق إلى طي صفحة هذا الملف مباشرة بعد حرب تموز 2006 . لقد دفع النظام الليبي ثمنا باهظا من أجل ذلك إذ من التمهيد للإعتراف بحكومة عملاء واشنطن وطهران في بغداد، الى تقديم مساعدات سخية ومن دون حساب لحركة أمل وحزب الله غداة حرب صيف عام 2006، الى تبني لهجة إعلامية تجعل من مقاومة حزب الله رمزا لا يعلوه رمز، الى التضييق على منتقدي هذا الحزب إلخ.... و رغم كل هذا فضغط طهران متواصل لتعميق سياسة شرذمة الموحد و زرع بذور التشرذم  و شل التوجهات الوحدوية لدى الأنظمة العربية ذات التوجه القومي.

 

و في الأخير نقول أن الزمن يمتحن  الأمم على صخرة التاريخ و أمتنا ابتلاها الله بأبشع و أشرس عدو في كل العصور ، عدو بثلاث رؤوس انصهر جبروت الواحد في الآخر ليضمن مفعول ضربته القاصمة . لقد التقى العدو الإمبريالي الصهيوني الفارسي على أرض الرافدين لقبر مستقبل هذه الأمة و دفن حلمها . هو يعرف أن اجتثاث النبتة الأم  خير وسيلة لفصل الجذور العميقة عن الجسد الحي ، لكن النبتة التي تتفجر حياة ترفض الانصياع بل تزيد تشبثا بجذورها فتفرز ثمرة الصمود و الكبرياء لكنها  تثمر كذلك شوكا يدس  السم في كل جسم يمتد إليها ليؤذيها . أمة العرب ولودة و معطاءة مثلما أنجبت أعظم مقاومة في العراق  و فلسطين فإنها تنجب روافد هذه المقاومة رغم كل السدود التي يبنيها مثلث القهر لمنع تسرب كل ما من شأنه أن ينشط الخصال الكامنة داخل ضمير كل عربي. و مثلما عجزت السدود على تسرب نبتة النهوض القومي في الجزائر بعقد المؤتمر الأول لحزب البعث هناك فإن حمم بركان العراق ستصل إلى كل أركان هذا الوطن حيث سيحمي كل وطني حقيقي و قومي صادق و مسلم نبيل الشهب المشتعلة  التي سترسم غد الأمة المضيء.

 

 
 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد  / ١٤ رمضــان ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٤ / أيلول / ٢٠٠٨ م