الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

البعث والمقاومة ... ومستقبل العراق

 ( الجزء الثاني )

 

 

شبكة المنصور

أ. د. كاظم عبد الحسين عباس  / أكاديمي عراقي _ بغداد

 

الصراع العقائدي .. والخيارات المرة:

    مرة اخرى, وقعت اميركا بخطأ فادح ناتج عن تقدير اغبر وبدوافع انتهازية متهالكة, وهو اعتمادها على ايران كأحد ركائز الدعم الاقليمي لعدوانها واحتلالها للعراق. والخطأ الامريكي هنا ليس مجرد غلطة خبير، بل وفوق هذا انها قد ادخلت الامريكان في حسابات غير منظورة لهم على الاطلاق، وزجتهم في اتون نيران سيظل لهيبها يستعر لسنوات تأتي بعد انتهاء الاحتلال وانسحاب اميركا لما خلقته من نتائج عرضية او رئيسية ستظل تتفاعل وتأكل من جرفها الى ما شاء الله.

    فايران تقف على طرف نقيض ليس فقط مع انظمة مهمة في المنطقة، بل والاهم من ذلك انها تقف على طرف نقيض مع الفكر القومي العروبي المسلم الذي قاد العراق لاكثر من خمس وثلاثين عاما وانساب بقوة وثبات الى مفاصل وعظام وخلايا المجتمع العراقي برمته بعد ان صار في كل عائلة عراقية بعثي يحمل مبادئ وافكار العقيدة البعثية القومية الرسالية  (حتى لو كان انتماء القلة منهم نفعيا او انتهازيا لاغراض التناغم مع من يحب ان يصنف البعثيين الى درجات)، مضافا الى ذلك ان حرب الثمان سنوات قد ادخلت اكفان احبة الى آلاف العوائل العراقية لا يمكن لسياسي ان يسقط المسؤولية المادية والاخلاقية عن فقدانهم حتى لو كان يريد اللعب على اساس ان النظام الوطني العراقي مسؤول عن ذلك بالكامل او لنقل ان الحياد التحليلي يقتضي ان تكون العوائل التي فقدت ابناءها تنظر بتساوي مسؤولية النظامين على اقل تقدير, غير ان من الخطل والجهل الافتراض ان الناس في العراق ستكون مهيئة تماما لتقبل ازالة النظام الوطني العراقي مع مكافأة الطرف الايراني بالشكل الذي حصل سوى حالة واحدة هي ان من فكّر بهذه الطريقة، هو ايراني بالهوية والهوى والسلوك. نحن نعتقد ان الجلبي والايرانيين الطائفيين قد جهزوا الامريكان بموقف احادي الجانب في هذه القضية مثل سواها من القضايا. لان دماء ابناءنا لا يمكن ان يغفرها انتماء طائفي مسيّس او مصلحة قوة سياسية تتاجر بالمذهب للوصول الى السلطة.

    وثمة تعقيد آخر، كان المتدافعين خلف ارادة الاحتلال الصهيوامريكي ينظرّون له ويقدمونه واهمين على انه مفصل وهن آخر في جسد النظام الوطني العراقي والحزب الذي يقود السلطة بنظرة توريط اخرى بنيت على ما يعرف بمظلومية الشيعة ومثلها مظلومية الكرد، ومفاد ذلك ان النظام الوطني قد اباد الشيعة واباد الكرد في واقعتين معروفتين هما، احداث صفحة الغدر والخيانة في الفرات الاوسط والجنوب ومعارك الانفال في الشمال. غير ان واقع الحال هو ان ثمة خلط اوراق معروف في هذه القضايا وان ايران داخلة في حيثيات وقوعها بقوة بل ان من المنطق ان نقول ان اتهامات الدولة العراقية بظلم شرائح من شعبنا هو محض دعاية تبنتها المعارضة من غير ان يكون لها اساس او وجود الاّ في عقول من حملها وان فرضية تعميمها واعطاءها ابعادا شعبية محلية وامتدادات تاثير اقليمية ودولية قد ظل مرهونا بتأثير اعلام ما بعد الاحتلال دون ان يحسب احتمالية ان يدخل في مفردات الصراع الايديولوجي الذي سيفرغه تدريجيا, وقد افرغه فعلا, حتى من تأثيراته الاعلامية المظللة.

    ان الضرب والارتكاز على العوامل اعلاه يؤسس على وجهة نظر الجانب الايراني وعملاءه في الداخل العراقي وفي الخارج ويهمل حقائق الارض والميدان العراقي تماما كما يهمل وجهة نظر البعثيين العراقيين وعوائلهم والمتعاونين معهم من العراقيين الوطنيين والقوميين والذين يشكلون الملايين السبعة والعشرين الذين اشرنا اليهم سلفا. ان الاتجاه العقائدي في الصراع القادم قد اغفل الجانب العراقي تماما وركز على معلومات المعارضة والتي اسست على ما هو متوقع من اسناد من المؤسسة الفارسية في النجف التي تعرف بأسم الحوزة.

    لقد برزت معضلة الصراع العقائدي والزفة ما زالت لم تتفرق بعد, أي في غضون الاسابيع الاولى من الاحتلال, بعد ان دخلت ايران وكتائبها العسكرية الى الفرات الاوسط والجنوب وعاد مئات الآلاف بل ربما ما يربو على مليون ونصف فارسي مسفر من العراق الى كربلاء والنجف وحدها وبرزت الى السطح عشرات المشاكل الاجتماعية والعقارية والمادية ومشاكل الثأر والانتقام .... وكل ذلك ايقظ من جديد روح الصراع العربي عند ابناء العروبة وعشائرها ممن لا يهمهم ولا يعنيهم مظلومية الشيعة بشئ ولا يرون لها أي اساس في الواقع العراقي .. ان ملايين العراقيين في الفرالت الاوسط والجنوب هم شهود عيان على كذبة مظلومية الشيعة وهم شهود عيان على الخراب والتدمير، وانهار الدم التي احدثتها ايران ومليشياتها واحزابها الطائفية سيئة السمعة في العراق ابان احداث عام 1991. فوجد الناس انفسهم امام وضع ليس فيه تحرير وليس فيه ديمقراطية وليس فيه ما ينفع ... بل ان فيه تصفيات جسدية ومداهمة بيوت واعتداء على الاعراض واعتقالات ... ان فيه احتلالا ايرانيا للبلد مغطى بالاحتلال الامريكي وانتقام وثأر ايراني من انتصار العراق في قادسية صدام المجيدة. لقد اقحمت اميركا نفسها هنا في حيثيات تثوير الصراع الايديولوجي العربي الفارسي ببعديه الديني الطائفي والبعد القومي وهذا هو ما يغلي بركانا تحت ارض الرافدين الآن وسينفجر في اية لحظة.

    لقد توهمت او اوهمت اميركا ان قوقعة ومحارة التعاطف والانتماء الطائفي ستكون اكبر من جبال الانتماء للعروبة وفكرها القومي التحرري، واخفق عرّابوا الاحتلال وذيوله في تقدير مساحة التأثير القومي العقائدي الرسالي الظاهر منها علنا في صيغ الانتماء الى البعث والفكر القومي والاسلامي الوطني وما هو غاطس في صيغة قناعات ايديولوجية عقائدية عروبية راسخة لم يعبّر عنها بانتماء حزبي غير انها موجودة وبتجذر يتصل بعمق انتماء العراقيين الى عروبتهم واسلامهم. واخفقوا في تقدير الاستعداد العراقي الشعبي الواسع لبلع واستمراء علقم العروبة تفضيلا على عسل الطائفية الصفوية الكريهة.

   وهكذا تتم العودة الى الجذور الآن بما لا يخدم مخطط الاحتلال واعوانه فالناس كلها  تترحم على زمن الترف العراقي الوطني, زمن الاباء العروبي البعثي الصدامي, زمن الانتصار والبناء والعز والكرامة. وهذه هي نهاية مرحلة انتظار البيضة وحضانتها التي ادت الى تفريخ غراب من بيض النعام .. نهاية التزييف والتقديرات المشوهة الباطلة.

  ان الاحتلال واعوانه قد راهنوا على الطائفية, وهي فكر وسلوك ضيق مرتبط بمصالح ضيقة في حين راهن البعث واحرار العراق والامة المجيدة على الحالة الوطنية العامة وعلى الحالة القومية التي تعني الذات والهوية ... لقد اعتمد الاحتلال واعوانه على الزبد في تقدير الافعال وردود الافعال دون ان يغوصوا في اعماق مجتمع تربى وتمرس لعدة اجيال على الانتماء للوطن وخيمته الاوسع وهي الامة وصعدت افكار الامة العروبية القومية الانسانية المسلمة في نسغ وجوده ومكوناته العضوية الحية.

    ان من يقرر نتائج الصراع ليس الطارئ وزبد الاشياء, بل هو الجوهر والجذور ... الطائفية والعرقية سلاح اني محدود الصلاحية ولذلك بانت نتائج استخدامه الآن بوضوح مثلما تلوح في الافق المنظور نتائج القوة القومية الوطنية الظافرة باذن الله.

  وتاسيسا على ما ذكرناه .... فان ادخال العنصر الفارسي في معادلة انجاح الاحتلال قد ادت الى نتائج عكسية ما زالت تتفاعل وتكبر، ذلك لان الاميركان قد وضعوا حسابات غير دقيقة لحماية قطعاتهم وتامين امان كاذب لها في الجنوب والوسط العراقي وكذلك في الشمال الجريح, لانهم لم يحسبوا بدقة اطراف المعادلة ومكوناتها العقائدية رغم ان الصراع العربي الفارسي هو اوضح وابين من ان يهمل او يتم تجاهله في معالجة مكونات حياة المنطقة. غير ان حسابات الوهله والاندفاع لتحقيق هدف السيطرة السريعة على العراق مع اقل رد فعل ممكن من ايران واعوانها مع ضمان مسبق للامان المؤكد من كل دول الجوار الاخرى بل وتعاون وثيق معها قاطبة بصيغ ظاهرة واخرى مستترة كان هو الهاجس المحرك لعقلية المحتل. ولكنه الان يجد نفسه قد اساء التقدير وسقط في اكثر من ورطة منها بالتاكيد تورطه في اطالة الطول الايراني الذي يمتاز ببناء ثيوقراطي باطني خبيث لايحد جشعه حدود وبدأ فورا باكل الثور الاسود قطعة قطعة ولن ينفع اميركا ندمها حين تجد ان الثور قد اكل بالكامل الا ان تعود عن غيها وغباءها وتخرج ايران واعوانها من ساحة الصراع وتعود الى اهل العراق الحقيقيين عربا وكردا ليعاونوها على الافلات بما تبقى من ثورها والقليل من ماء وجهها. ان نتائج الصراع العقائدي التي ورط فيها الجلبي وعائلة الحكيم اميركا محسومة النتائج وهي ليست في صالح اميركا على الاطلاق .. والنصيحة الواجبة هنا لتجنب مزيد من الدمار وانهار الدم والخسائر المادية هي ان تختار اميركا ما هو علقم في الخيارات المطروحة امامها وهو حصرا خيار القبول بشروط المقاومة البطلة لاخراج الامريكان والعراق من عنق الزجاجة كلاهما قادر على التواصل مع الحياة والعودة بقوة لمعطياتها وحيثياتها .

    ان العراقيين الذين قدموا جسيم التضحيات في القتال وفي السلم لحماية بلدهم وتطوره قد عبروا تماما ونسوا كل الظروف القاسية التي فرضتها اميركا في اربعة عشر عام من الحصار والقتال لان ما واجهوه من ظروف القهر والاهانة والموت والتشريد وتفتيت الجسد على يد ايران واميركا قد وضعهم امام خيار الانتماء الام الى وطنيتهم وعروبتهم فبدات منذ اكثر من سنتين عودت من استكان او ظل او توقع او انتظر الى حيثيات الواقع وبدات عمليات توسيع حاضنة الرفض والثورة وهي عوامل تستكمل الان بعناية ودقة لتتفجر المقاومة على انطقة اوسع واوسع في الفرات الاوسط والجنوب وان لحظة التحام ثوار هذه المناطق مع ثوار شمال وشرق وغرب بغداد قد بدات فعلا واميركا تعرف ذلك وتعلمه علم اليقين. واميركا تعلم ان ثورة الوسط والجنوب هي علامة مؤكدة على خطلها في حسابات الصراع الايدولوجي اضافة الى فشلها هي وعملاءها في ذبح الفكر القومي العروبي لصالح الطائفية المقيته والاقليمية والعرقية الشوفينية بحيث ان النموذج الذي سعت اليه اميركا واعوانها قد صار عارا عليهما.

  كما ان اميركا ستصل الى استنتاج اخر عما قريب وهو ان من تعتقد انهم يمثلون التيار العروبي في جوقتها الخائنة مثل اياد علاوي وامثاله انما هم ذيول ومتساقطون لا وزن لهم وهم ليسوا بديلا مناسبا للمقاومة البطلة وغير قادرين على قيادة العراق واعادته الى بر الامن والامان لان علاوي لايفرق كثيرا عن عبد العزيز والهاشمي في حسابات العراقيين الايديولوجية القومية والوطنية وانه محض خائن حتى لو لبس ثياب العروبه والوطنية الاشمل من قواقع الطائفية. ونحن نرى ان على اميركا ان تنسى الحسابات النسبية وان ترجع الى المطلق .. النسبية هي علاوي وجماعته وهم وان كانوا اقرب الى المشروع العلماني الامريكي الا انهم لن يكونوا اقرب الى القومية والوطنية العراقية المسلمة لانهم خونة وارباب احتلال ومن صنع المحتل ولحم اكتافهم حرام وليس عراقي بل  هو لحم زوايا الظلام المخابراتي الخائن... اما المطلق الذي سينقذ العراق واميركا والمنطقة كلها فهو المقاومة الوطنية والقومية والاسلامية الباسله .ونحن نتمنى ان لاتخرج اميركا من حلقة صراع ايديولوجي اخفقت في حسابها بشكل صحيح لتسقط في حلقة اخرى ليست افضل من الاولى ان لم تكن اسوأ اصلا .

    محصلة القول ان اميركا واعوانها لم تحسب بدقة تداعيات ادخال ايران معها كقوة محتلة اذ تناست ان بين العرب والفرس جبال من نار تمناها عمر بن الخطاب رضوان الله عليه وسيوف شقت هامة علي ابن ابى طالب رضوان الله عليه وبينهم ثارات الكسروية التي اطحنا بها في زمن المد الاسلام العروبي مذ لحظة ولد فيها سيد الكائنات رسولنا العظيم محمد وبينهم ذي قار والقادسية الاولى ,احداث هزت تاريخ المنطقة ولونته بلون الدم واعطته طعم الحنظل, مثلما طبعت عصرا ما زلنا نحياه هو عصر القادسية الثانية لم يجف دمنا بعد ولم تتيبس باقات الورد فوق قبور الالاف من فلذات اكبادنا .

وللحديث بقية تتبع ... باذن الله.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء /  26  رجــــب  1429 هـ

***

 الموافق   29  /  تمــوز / 2008 م