الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

واشنطن وحكومة الدمى في بغداد .. أتفاقية توطين الاحتلال

 

 

شبكة المنصور

محسن خليل

 

الاتفاقية الامنية التي يجري التفاوض عليها بين واشنطن وحكومة الدمى في بغداد ، معنية أساسا بتنظيم وضع القوات الامريكية طويل الامد في العراق . وهي واحدة من ثلاث أتفاقيات تشكل بمجموعها عناصر معاهدة شاملة تنظم علاقات واشنطن مع العراق المحتل في المجالات كافة : العسكرية والامنية والاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية .. والاتفاقيات الثلاث هي :

1-  اتفاقية المبادي ( اتفق عليها بوش والمالكي في تشرين الثاني نوفمبر 2007) .وقد حددت أهداف الولايات المتحدة من أحتلالها للعراق .

2-    اتفاقية الاطار الاستراتيجي ،وهي معنية بسياسات تنفيذ الاهداف أعلاه في مختلف المجالات ولأجل  طويل .

3-  أتفاقية تنظيم وضع القوات ، وهدفها توطين الاحتلال بتوفير غطاء قانوني لبقاء قواته في العراق بعد 31 ديسمبر/ كانون الاول 2008 ، موعد انتهاء تفويض الامم المتحدة لها ،وتأمين الحصانات اللازمة لعملها وحمايتها من المساءلة  .

مالحاجة الى الاتفاقيتين 2 و3 ؟؟ ينتهي تفويض الامم المتحدة الذي يصرح بوجود قوات أمريكية في العراق في نهاية ديسمبر 2008 .. وعند هذا التاريخ على الولايات المتحدة أما أن تسحب قواتها من العراق أو تفرض على الحكومة الدمية صيغة ما ،تمنح الوجود العسكري الامريكي في العراق غطاءً قانونيا على شكل اتفاقيات حتى وأن كانت باطلة ،أو أن تطلب من الامم المتحدة تمديد تفويضها سنة او سنوات اخرى  .. انتهاء التفويض كان بطلب من ادارة بوش أصلاً وليس من الحكومة الدمية، والعودة عنه والطلب مرة اخرى من الامم المتحدة التمديد لبقاء القوات يصطدم بمعارضة امريكية داخلية شعبية ورسمية ،أما الانسحاب فسيكون اعتراف رسمي بالهزيمة امام المقاومة العراقية ولا يزال الوقت مبكر لأتخاذ هكذا قرار.. تبقى الاتفاقية أذن أفضل الخيارات المتاحة أمام ادارة بوش ...

هل الحزب الديمقراطي جاد في معارضته لبقاء القوات الامريكية ؟ لقد تداخل موقفه من مسألة بقاء القوات الامريكية في العراق مع اعتبارات ومتطلبات حملته الانتخابية وطموحه للفوز بالرئاسة . وبعد أن كان أوباما يعد خلال حملته الانتخابية ، بسحب القوات الامريكية من العراق في غضون أشهر ، تراجع الان بعد أقتراب موعد الانتخابات ، عن وعده السابق بعرض جديد  هو أن يسحب القوات خلال 16 شهرا أي في النصف الثاني من عام 2010 .موقف أوباما هذا منسجم مع سياسة حزبه الذي كان حماسه للحرب على العراق وغزوه وأحتلاله لايقل عن حماسة منافسه الجمهوري . ولايستبعد في حالة فوز أوباما ان يتبنى  في العراق سياسات الحزب الجمهوري .. يتحفظ الحزب الديمقراطي على الاتفاقية الامنية من زاوية ان الاتفاقية يمكن ان تلزم الولايات المتحدة بوجود عسكري طويل الاجل في العراق ، وتقيد يدي الرئيس المقبل وهي تحفظات ما تزال تندرج في أطار التنافس الانتخابي وليس الموقف السياسي .

ديفيد ساتر فيلد مستشار أول لوزيرة الخارجية رايس قال أن الاتفاقية ستكون تنفيذية وقانونية دولية بين طرفين ، ولن تشمل بنودا تتطلب موافقة مجلس الشيوخ الامريكي عليها . ما قصة موافقة مجلس الشيوخ ؟ ولماذا يريدون صيغة وصياغة لا  تستلزم موافقة مجلس الشيوخ ؟؟ على الارجح ستعاد صياغة الاتفاقيتين 2 و3 بحيث تحقق الاهداف الامريكية طويلة الامد من خلال تجزئة الاتفاقيتين الى عدة أتفاقيات أو مذكرات او بروتوكولات يتناول كل منها أحد الجوانب دون أن تظهر في الصورة الاتفاقية كصفقة واحدة وفيها كل الالتزامات المتبادلة وخاصة الالتزامات العسكرية والانفاقية من الجانب الامريكي ، التي تمثل عناصر التحفظ  الاساسية لدى الرأي العام الامريكي ومنظمات المجتمع المدني فيه .

ساترفيلد علل ذلك بقوله أن الاتفاقية ليست الاولى للولايات المتحدة مع دولة ذات سيادة ، مستشهدا أن لبلاده اتفاقيات مماثلة مع أكثر من (80) دولة من دول العالم  ، متجاهلا أن الحالة في العراق تختلف عن تلك الدول ، والمقارنة بينهما لا تصح ،فتلك الدول أما هزمت في الحرب ووقع قادتها على وثيقة استسلام قبلتها أو وافقت شعوبهم عليها وأنتهت بموجبها العمليات والمقاومة العسكرية كاليابان والمانيا ، أو أنها دول حليفة لأمريكا أو تشترك معها في حلف الاطلسي ، أو انها تابعة لها سياسيا وتتمتع بحماية الولايات المتحدة لانظمتها .. أما العراق ، فأنه في حالة حرب مع الولايات المتحدة التي ما تزال تخوض حربها فيه بعد خمس سنوات من أحتلاله ، وتواجه مقاومة قوية ومتطورة وفورية انهكت جيش الاحتلال ، وأجبرت الرأي العام الامريكي على سحب تأييده للحرب تدريجيا . لا يجب نسيان ان فوز بوش بولايته الثانية عكس وجود اغلبية شعبية أمريكية كانت تؤيد حربه على العراق ، لكن هذه الاغلبية تراجعت أمام وقع الفاجعة التي الحقتها المقاومة العراقية الباسلة بالقوات المحتلة ... فاجعة جعلت جنود أقوى دولتين في العالم يستقيلون من الخدمة العسكرية ويهربون من الميدان ويمتنع غالبية الشباب فيهما عن التطوع في جيش بلاده ، ويفقد أكثر من ثلث المشاركين في الحرب على العراق توازنهم النفسي ويقعون فريسة أمراض عقلية وعصبية فضلا على أصابات العوق الدائمة لأعداد هائلة . قدر عدد المشمولين بهذه الامراض والاصابات في الجيش الامريكي بأكثر من 300 ألف (رقم تراكمي).

لماذا تتجنب أدارة بوش موافقة الكونكرس على الاتفاقية ؟ الاتفاقيات التي تجب موافقة الكونكرس عليها هي تلك التي تتطلب ألتزامات عسكرية ووجود عسكري ونفقات مالية ضخمة. البعض ميز بين أتفاقية ومعاهدة ،لكن القانون الدولي لا يميز بينهما ولا يعتد بالتسمية وأنما بقانونية الاتفاقية ومضامينها وشرعية من يوقع عليها .. وفي العراق تفاوض الولايات المتحدة نفسها حول الاتفاقية ، ولا تواجه مشكلة مع حكومة الدمى ، فلها ان تقول معاهدة او اتفاقية أو تقول بروتوكول أو مذكرة ، أو اتفاق مبادي ، فالعبرة ليس بأيٍ من هذه المسميات ، وأنما بوجود الاحتلال العسكري الامريكي وأمتلاكه السلطة والقوة والتحكم بشؤون العراق ،ولها ان تقرر بقاء قواتها لزمن مفتوح او تضع له زمن محدد او جدول زمني . أما اعتراض  شخصيات في السلطة على بنود في الاتفاقية فهي مدعاة للسخرية وأقرب الى النكتة ، لأن من هم في مواقع السلطة او الاحزاب السبعة الحاكمة جميعهم ممن أنتشلتهم مخابرات الولايات المتحدة من أرصفة الشوارع في منافي التشرد لتضعهم في السلطة ،وهؤلاء مدينيين للولايات المتحدة،وأن كان لهم أن يعترضوا  فسيعترضون على أنسحاب القوات الامريكية من العراق وليس على بقائها ،لمعرفتهم أن المقاومة العراقية ستكتسحهم في أسابيع بدون الحماية الامريكية  ....

أتفاقية أعلان المباديء

اتفاقية أعلان المباديء في تشرين الثاني 2007 حددت أهداف وعناصر السياسة الامريكية المستقبلية في العراق وهي بأختصار كالتالي :

·   على المستوى السياسي : حماية نظام المحاصصة الطائفية والعرقية ومنع أي محاولة لتغييره ، حماية الدستور التقسيمي ، تغيير المناهج العلمية والتعليمية والبيئة الثقافية بما ينسجم مع نظام المحاصصة والدستور والاحتلال  .

·   على المستوى الاقتصادي : تحويل الاقتصاد العراقي القائم على نظام أشتراكي قبل الاحتلال الى أقتصاد سوق يفتح أبوابه لهجوم الاستثمارات الامريكية على العراق ونهب ثرواته ، أطلاق يد اللصوص من أحزاب المنافي العميلة ومن يتعاون معهم ليكوََّنوا قطاع خاص محلي يتخصص في خدمات السمسرة لرأس المال الامريكي والاجنبي ،ويعطل بناء القطاعات الانتاجية والتطور العلمي المستقل ، وبناء القدرات الدفاعية الوطنية ..

·   أما على المستوى الامني ، فالمهمة الاساسية لأتفاق المباديء هي الحرب على الارهاب أي على المقاومة الوطنية العراقية المسلحة والسياسية ، وبناء أجهزة عسكرية وأمنية محلية وظيفتها حماية القوات الامريكية عند قيامها بالمداهمات او الحملات العسكرية في الاحياء أو المدن ..

أتفاقية تنظيم وضع القوات الامريكية في العراق 

ما سربته وسائل الاعلام حول هذه الاتفاقية يكشف أن الولايات المتحدة تريد أعادة العراق الى نظام الاحتلال العسكري التقليدي القديم ، وليس فقط أحياء نظام الانتداب الاستعماري ، فالاتفاقية تعطي صلاحيات كاملة ومطلقة للجيش الامريكي لكي يعبث بمقدرات العراق وشعبه من دون أي قيود أو حدود او مساءلة أو مقاضاة لا داخل العراق ولا خارجه ، ولقوات الاحتلال مطلق الصلاحية في أن تضع يدها على ما تشاء من موارد العراق وأراضيه.وان تستولي على نفط الحقول الجديدة ثمنا (لتحرير العراق )،  وأن تقيم ما تشاء من القواعد والمعسكرات على مساحات مفتوحة تبعا لما تراه ، ،ولها أن تختار الطرق المؤدية الى القواعد وتحدد مساحة المحرمات على جانبيها . وتمنح الاتفاقية قوات الاحتلال والشركات الامنية حصانة كاملة ضد المساءلة والمثول أمام القضاء العراقي عن أي جرائم ترتكبها سواءً صدرت عن أفراد أو تشكيلات بحق شعب العراق أفرادا أو تجمعات أو مدن او قرى أو أحياء ،فلها ان تقتل أو تعتقل من تشاء ومتى تشاء، وتستبيح أي حي أو مدينة من دون علم أو أعلام حكومة الدمى . حكومة الدمى قالت أن الجانب الامريكي وافق على أستثناء الشركات الامنية من شرط التمتع بالحصانة ، وهذا كلام غير صحيح ، أذ لايمكن لسلطة الاحتلال أن تقيّد حرية الشركات الامنية البالغ عددها 220 ألف في العمل والتحرك  بحرمانها من التمتع بالحصانة .. ولقوات الاحتلال صلاحية بناء سجون ومراكز أمنية خاصة تابعة لها ولا علاقة لها بحكومة الدمى العميلة . حاليا لدى قوات الاحتلال عشرات السجون والمعتقلات ، وتعتقل فيها 180 ألف مواطن عراقي حسب تقديرات غير رسمية للصليب الاحمر الدولي و25 ألف حسبما اعترفت به قوات الاحتلال . هدف ألادارة الامريكية  توطين الاحتلال الى ما شاء الله . ولكي يتحقق لها ذلك عليها أن تفرغ العراق  من شعبه المقاوم ، فتهجر منه ستة ملايين ،وتعتقل مئات الالاف ، وتقتل اكثر من مليون ونصف ،وتضع الملايين الباقية منه داخل سجون جماعية ،أسوار من الجدران تتحكم بمداخل ومخارج كل حي وكل منطقة في بغداد والعديد من المحافظات ، وتتسبب بوجود خمس ملايين يتيم واكثر من مليون ارملة ، وبطالة تزيد على 60% من قوة العمل ، وأكثر من 60% من الشعب تحت خط الفقر ،مع التعطيل المتعمد لخدمات الكهرباء والماء النقي والوقود والصحة والتعليم ، كل ذلك يجعل حياة العراقيين جحيما يشل أرادتهم على المقاومة ويجبرهم على الاستسلام للأحتلال والقبول به كامر واقع .. أما السقف الزمني للأتفاقية فمفتوح وغير مقيد .الجانب الامريكي يقول ان هذا السقف مرهون بتحسن الوضع الامني في العراق والقضاء على الارهاب ، وهذا يعني أن الوضع الامني لن يتحسن والارهاب لن ينتهي ، لأن قوات الاحتلال نفسها هي  من سيعيد انتاجهما حسب الحاجة والظرف .

كل هذا تخطط له الولايات المتحدة اليوم ، وقد خططت قبل الاحتلال أن السيطرة على العراق لا تتطلب سوى أسابيع أو أشهر ، وأن شعب العراق سيرحب بقواتها .. أنفقت مئآت مليارات الدولارات وفقدت عشرات الالاف من جنودها قتلى ومعاقين ،ولم تسيطر الا على المنطقة الخضراء وحتى هذه لم تعد آمنة .حظيت واشنطن بدعم  لم يسبق له مثيل من معظم دول العالم ومن الدول العربية ، واعترفوا لها بالاحتلال ، واعترفوا لها بصفة القوة متعددة الجنسيات ، واعترفوا لها بحكومات الدمى التي أنشأتها ،والآن سيعترفون لها بالاتفاقية العسكرية ، وتتبارى دول عربية في أرسال سفرائها الى بغداد ،،واملهم أن تربح الولايات المتحدة معركتها ضد المقاومة العراقية الباسلة .. وهذا مستحيل ..

لقد باءت بالفشل خطط قوات الاحتلال  العسكرية والسياسية لعامي 2006 و 2007 بما فيها خطة زيادة القوات ،.في وقت أثبتت المقاومة العراقية قدرتها الهائلة على حماية نفسها وتجديد أساليبها القتالية ومواصلة أستنزافها لقوات العدو الامريكي ، والفارق بين قدرات المقاومة وقوات الاحتلال هو بالضبط ، الفرق بين من يقاتل من اجل وطن ، ومن يقاتل من أجل رجل اعمال لا ذمة له .المقاومة لها قدرة غير محدودة على المطاولة وأمكانية عالية للتضحيات ولزمن مفتوح، أما جنود المحتل فقد اصيب ثلثهم بالجنون والامراض العصبية ، وكل المؤشرات تؤكد ان الباقي من جيش العدو غير مستعد لأن يفقد عقله . الامل بالله ، وبالمقاومة الوطنية العراقية .. لن تمر الاتفاقية ، لأن الاحتلال لن يستقر ... وانتصار شعب العراق سيأتي طال الزمن ام قصر ..

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء /  19  رجــــب  1429 هـ

***

 الموافق   22  /  تمــوز / 2008 م