أكثر من 91 ألف متفرج جلسوا على
مدرجات ' عش الطائر ' و مئات
الملايين بل المليارات حول العالم
شاهدوا عبر شاشات التلفزة حفل
افتتاح الألعاب الأولمبية الصيفية
' بكين 2008 ' ، و استمتعوا
باللوحات الفنية الحركية و
الإلكترونية التي قصت علينا تاريخ
الحضارة الصينية ، و نقلت لنا
رسالة هامة حرص الصينيون على
إيصالها للعالم كله بصورة أنيقة و
لطيفة . لقد كان افتتاحاً
تاريخياً بامتياز ، فهو الأول في
عاصمة المليار و ثلاثمئة مليون
نسمة ، والأكبر من حيث عدد الوفود
الرياضية المشاركة ، فكان حفلا
رائعا تمازجت فيه الثقافات
الصينية القديمة مع خيال الإنسان
و أمنياته ، و إمكانات
التكنولوجيا الحديثة المبهرة ، في
إعلان هام ، بل إنذار خطير يوجهه
التنين الصيني لكل من يحاول
الوقوف في وجهه .
قد يبدو التنافس في هذه
التظاهرة رياضيا فحسب بين الوفود
الرياضية المشاركة ، لكنه ليس
كذلك بالنسبة للدولة المنظمة و
رياضييها على حد سواء ، فبالإضافة
إلى المنافسة الرياضية فهناك
رسالة شديدة المعاني لطيفة
العبارات توجهها لكل دول العالم ،
و في مقدمتها الويات المتحدة
الأمريكية ، بأن التنين الصيني قد
افاق من سباته ، و على الجميع أن
يخفضوا رؤوسهم له قبل أن يحرقهم
بلهيب نيرانه ، و إن كانت هذه
الرسالة تأتي في صورة منافسة
رياضية يسعى فيها الرياضيون
الصينيون إلى إحراز المركز الأول
في عدد الميداليات ، و الذي تهيمن
عليه الولايات المتحدة الأمريكية
منذ زمن بعيد ، في إشارة إلى سعي
الصين لأخذ دورها على المستوى
الدولي ، و إبعاد الولايات
المتحدة عن التفرد في قيادة
العالم بوصفها القطب الأوحد منذ
انهيار المعسكر الشرقي .
و يمكن لمن يدقق في لوحات هذا
الحفل الفني أن يلاحظ الرسالة
الهامة التي أرسلها الصينيون على
ورق ملون جميل ، و على أصداء
الموسيقى الصينية الرائعة ، إنها
رسالة الحضارة و الثقافة ، التي
يصعب لأي قوة مادية أن تواجهها و
تعترض طريقها ، فمن اختراع الورق
إلى فن الرسم و الموسيقى إلى
صناعة الحرير و التجاة الصينية
التي غزت الغرب ، و أخيراً الوصول
إلى الفضاء الخارجي ، مع تحليق
حمامة السلام البيضاء التي تشير
إلى أن الحضارة الصينية لم تعمد
إلى هدم الحضارات الاخرى و هي في
طريقها إلى التقدم و الإزدهار .
إن هذا الإفتتاح الرائع يقول
للجميع ، و للولايات المتحدة
ايضاً ، أن القوميات التاريخية _
أو قوميات الهوية كما يسميها
الأستاذ صلاح المختار في ينابيع
البعث _ هي التي تبقى و تزدهر
لأنها قوميات إنسانية ذات رسالات
حضارية ، أما القوميات الوظيفية
كالقوميات الأوروبية ، فلا يمكنها
أن تقدم رسالة إنسانية ، لأن فاقد
الشيء لا يعطيه فهي قوميات نشأت
لتلبية حاجات رأس المال في سوق
أكبر ، كي يستمر في توسعه و
هيمنته ، و رأس المال لا يعنيه
الإنسان و لا يعنيه التقدم البشري
، و أن مثل هذه القوميات و
المشاريع لا بد و أن تزول و تترك
المجال لأمم الأرض كي تقدم
تجربتها و رسالتها الحضارية
للبشرية جمعاء .
إن لهذا اليوم 8/8/2008 ما له
من اعتبارات كبيرة لدى الشعوب
الصينية ، و هي مرتبطة تاريخيا
بالرقم ثمانية الذي يقال ان
الصينيين هم من اكتشفه ، و هو
اليوم ذاته الذي يتذكر فيه
العراقيون الأباة و معهم شرفاء
الأمة العربية ، ذلك اليوم
التاريخي الكبير ، يوم النصر
العظيم على العدو الفارسي ، في
انتصار على من سولت له نفسه أن
يعتدي على حضارة العرب ، و دفعه
حقده الأعمى ليتجرأ و يحاول هدم
بابل الجديدة كما فعل أجدادهم
إنتقاما من بابل الأولى ، التي
أغاظهم ازدهارها و تقدمها و
حضارتها ، بدلاً من أن يدفعهم ذلك
لصناعة تاريخ حضاري مماثل لها ،
أو على الأقل محاولة ذلك بدلاً من
هدم الحضاة العربية البابلية
المزدهرة .
فهل يكون هذا الحفل البهي مجرد
حفل افتتاح لتظاهرة رياضية فحسب ،
أم أنه سيكون بمثابة إعلان حرب
على أعداء الحضارة البشرية
الإنسانية ؟ و إيذاناً ببدء
السقوط الكبير للإمبريالية
الأمريكية ، و كل من تحالف معها
من الأشرار ؟ و ساعة الصفر
لانطلاق طاقات القوميات الإنسانية
التاريخية نحو التقدم و الازدهار
لكل بني البشر ، اعتماداً على
هوياتهم القومية و إرثهم التاريخي
الحضاري ؟ |