الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

تغيير استراتيجي غربي نهر الاردن

 

 

شبكة المنصور

نقولا ناصر - كاتب عربي من فلسطين

 

( ما يحدث اسرائيليا غربي نهر الاردن سوف يقود ان عاجلا او اجلا الى تغيير استراتيجي بكل المقاييس ومثل هذا التغيير ينسف اساسا من الاسس التي قامت عليها معاهدة السلام الاردنية الفلسطينية ويعتبر انتهاكا خطيرا لها )


ان الجدل الدائر على ضفتي نهر الاردن حول بوادر عودة التوازن الرسمي الاردني بين القوى السياسية الفلسطينية وكذلك الجدل الساخن بالكلمة والرصاصة والزنزانة بين قطبي الانقسام الوطني الفلسطينيي هو جدل يثير ضجيجا صاخبا يغطي على هدير جرافات الاحتلال الاسرائيلي التي تشق سطح الاراضي المحتلة وباطنها لاقامة البنى التحتية التي لن تبقي اي اساسات مادية لا للتوازن الاستراتيجي ولا للتوازن البشري بين ضفتي الاردن والتي تلغي على ارض الواقع اية حدود فلسطينية اردنية مشتركة .


فالفرص التي كانت منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 تبدو سانحة "لاقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة وقابلة للحياة" في الاراضي المحتلة عام 1967 كما كان الموقفان الرسميان الاردني والفلسطيني ياملان ويسعيان هي فرص يجري جرف اساساتها المادية على الارض خصوصا على الحدود الغربية للاردن مع الدولة الفلسطينية التي كانت الى وقت قريب وربما ما زالت مامولة وعلى الاخص على الطريق الموصل بين الاردن وبين بيت المقدس .


ان المنطقة المعرفة في معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية بانها خاضعة للحكم العسكري الاسرائيلي غربي نهر الاردن تكاد تفقد مقومات هذا التعريف اذ يجري تدريجيا لكن بصورة متسارعة تجريدها من هويتها الفلسطينية لمنحها الصفة الاسرائيلية وتهويدها بحيث لا يكون هناك عمليا اي جار عربي للاردن غربي النهر والنتيجة العملية المؤكدة لاي تطور كهذا هي خلق البيئة المادية على الارض لافراز الشروط الموضوعية اللازمة لحل القضية الفلسطينية خارج موطنها وعلى حساب الاردن تحديدا .


فهل يوجد اي تفسير اخر لخطة "اتفاق الرف" التي اقترحها رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت على الرئاسة الفلسطينية مؤخرا وهي خطة قديمة – جديدة تستثني القدس الكبرى والجانب الفلسطيني من غور الاردن من اي حل متفاوض عليه ؟


ام هل يوجد اي نتيجة حتمية اخرى لمثل هكذا استثناءات غير دفن الامال او الاحلام او الاوهام المعلقة على اقامة الدولة الفلسطينية الموعودة ؟


لقد سوغ ارييل شارون ، رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق السادر في غيبوبته منذ بضع سنوات ، موافقته على اقامة دولة فلسطينية على جزء من الضفة الغربية بقوله ان اقامتها ستوفر حلا موضوعيا لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين باستيعابهم في الدولة الجديدة حيث يمارسون فيها "حق العودة" ، لتتحول الدولة الفلسطينية حسب تفسيره الى اكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في العالم ، وبالتالي تزول العقبة الكاداء الاكبر من طريق الاعتراف العربي بدولة المشروع الصهيوني في فلسطين .


لكن موافقة المفاوض الفلسطيني والدعم الرسمي العربي لهذا المفاوض على التفاوض على اقامة هذه الدولة على الاسس التي وضعها شارون والتي التزم خليفته اولمرت بها كان مقدمة منطقية للوضع الراهن الذي يبدد كل الامال بحل سياسي متفاوض عليه للقضية الفلسطينية .


اذ بغض النظر عن الادعاءات الذاتية والتفسيرات احادية الجانب للمفاوض الفلسطيني فان هذا المفاوض قد انطلق في مفاوضاته من الاسس التي وضعها شارون وخليفته واول هذه الاسس واهمها اعتبار الارض التي احتلتها اسرائيل عام 1967 ارضا متنازعا عليها يتقرر مصيرها بالتفاوض لا ارضا محتلة يتم انسحاب الاحتلال منها وفق القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة وثاني هذه الاسس التفاوض على اساس تقاسم الارض المحتلة بين الفلسطينيين وبين المكاسب الاستيطانية والعسكرية التي حققها الاحتلال بالقوة المسلحة فيها . ومثل هذه المقدمات كانت سثقود حتما الى نتائجها المنطقية الراهنة .


واذا كان في التاريخ القريب للصراع العربي الصهيوني على فلسطين اي عبرة فانها تكمن في ان التاريخ يكرر نفسه . فالمجتمع الدولي الذي فرض على العرب القبول بان فلسطين ارض متنازع عليها لا ارضا محتلة قد فرض عليهم القبول بتقاسمها مع الحركة الصهيونية وعلى هذا الاساس صدر قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم (181) عام 1947 بتقسيمها وقد وافق المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر عام 1988 على هذا المبدا عندما اقر وثيقة اعلان الاستقلال على اساسه اذ لم تتضمن تلك الوثيقة اي اشارة الى اي من قرارات الامم المتحدة الا النص على اعلان الاستقلال الفلسطيني على اساس القرار (181) وهذه السابقة التاريخية لم يكن في وسعها الا تشجيع دولة الاحتلال الاسرائيلي على السعي نحو حل مشكلة الارض المحتلة عام 1967 على الاساس نفسه .


ومثلما قاد هذا الاساس الى خلق مشكلة اللاجئين الاولى بعد النكبة وحمل المسؤولية الانسانية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الدولي عبر الدول العربية وفي مقدمتها الاردن فانه بالتاكيد ، اذا اعتمد مجددا لتقاسم الضفة الغربية ، سيقود الى افراز موجة نزوح فلسطينية جديدة سيجري التعامل معها في السياق نفسه ولن تفلح كل الادعاءات الذاتية والتفسيرات احادية الجانب للمفاوض الفلسطيني وداعميه العرب والاردن في مقدمتهم في اخفاء حقيقة الخطر الداهم الذي يهدد الاردن بموجة تهجير جديدة لعرب فلسطين . أن "قوائم لم الشمل" التي تتباهى سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني بانجازها تستخدم لذر الرماد في العيون حتى لا ترى الخطر الحقيقي الداهم .


وكان التقرير الاحصائي السنوي لعام 2007 الذي اصدره الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني في الثالث من الشهر الجاري هو احدث دليل على ان الاحتلال يكاد يحسم الصراع الجغرافي والديموغرافي على الضفة الغربية ، وخصوصا في القدس ، لصالحه . وكان الاعلان عن قرار حكومة دولة الاحتلال في الاسبوع قبل الماضي بتوسيع مستعمرتي "كيدار ايه" و "كيدار بي" وضمهما الى مستعمرة "معاليه ادوميم" شرقي القدس بمصادرة (11) الف دونم من اراضي السواحرة وابو ديس بهدف "اقامة مثلث جنوب شرقي القدس" ببناء ستة الاف وحدة استيطانية "حضرية" جديدة لاستيعاب ثلاثين الف مستوطن يضافون الى اكثر من خمسة وثلاثين الفا اخرين في معاليه ادوميم لانشاء مدينة تمتد من "جبع (شمال شرق القدس) الى مشارف البحر الميت شرقا"، كما قال حاتم عبد القادر مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض في الثالث من الشهر الجاري، هو الحلقة الاستيطانية الاخيرة التي سوف تحكم اغلاق القدس بالمستعمرات من جهاتها الاربع .


وهذه المثلث هو الاخطر في سلسلة التوسع الاستيطاني في طوق المستعمرات المحيطة بالقدس وسيكون "مثلث برمودا اسرائيلي" يهدد بابتلاع القدس ومعها الدويلة الفلسطينية الموعودة و"عملية السلام" والسلام نفسه ، لانه سيقيم مدينة سيبلغ عدد مستوطنيها في المدى المنظور القريب جدا اكثر من سبعين الف نسمة لتكون الاكبر خلال بضع سنوات بين القدس وبين نهر الاردن لتزيد مساحتها بالاراضي الفلسطينية المصادرة على اضعاف مساحة مدينة اريحا التاريخية ولان مثل هذه المدينة – المستعمرة الاستيطانية الجديدة من الناحية العملية سوف تهود الطريق التاريخي الاستراتيجي الموصل بين بيت المقدس وبين محيطه العربي الاسلامي في المشرق العربي عبر الاردن شرقي النهر باقامة حاجز "حضري" وبشري وعسكري يهودي يمنع أي تواصل ديموغرافي اردني مباشر مع القدس . ويجري حاليا الاستعداد لتعويض سكان الضفة عن هذه الطريق بتحديث طريق عسكرية قديمة خطرة بين محافظة رام الله وبين اريحا عبر بلدة الطيبة تعرف باسم طريق "المعرجات" بتمويل واشراف ياباني ضمن جهود الدول المانحة لسلطة الحكم الذاتي الفلسطينية لمساعدتها في تاهيل بناها التحتية للدولة الفلسطينية الموعودة .


وسيكون استكمال هذا المثلث – المدينة هو المسمار الذي يدق في نعش الدويلة الفلسطينية الموعودة او الموهومة لا فرق لانه سيفصل "حضريا" وعسكريا بين جنوب الضفة الغربية وبين شمالها التي ما زال المفاوضون يكابرون بان انتزاعهم لموافقة الولايات المتحدة الاميركية والاعضاء الثلاثة الامميون والاوروبيون والروس في اللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الاوسط على شرط تواصلها الجغرافي كان انجازا ورقيا آخر لا وجود ماديا له على الارض مثل السلطة "الوطنية" التي تعترف بها هذه اللجنة ومثل الدولة الفلسطينية التي يعترف بها الاشقاء العرب والاخوة المسلمون!


ان اغلاق الغور الفلسطيني امام حرية حركة عرب فلسطين في الضفة الغربية وقصر حرية الحركة فيه على القلة من سكانه الفلسطينيين واغلاقه امام الاستثمارات الوطنية او الاجنبية واستمرار توسيع المستعمرات الاستيطانية اليهودية فيه بحيث يكلد عدد مستوطنيها يعادل عدد مواطنيه الفلسطينيين او يزيد وتحويله الى منطقة عسكرية اسرائيلية مغلقة واستثناءه من بسط اي سلطة او صلاحيات فلسطينية عليه في اي حل تفاوضي يتم التوصل اليه واعتباره الحدود "الامنية" الشرقية لدولة الاحتلال الاسرائيلي وغير ذلك من الاجراءات التي يمليها الاحتلال في الجانب الفلسطيني من غور الاردن انما يخلق بالتدريج لكن بصورة متسارعة امرا واقعا سيلغي ان لم يجر تداركه اية حدود مشتركة للاردن مع اي دويلة فلسطينية مامولة ويقطع اي تواصل ديموغرافي بين الشعبين الشقيقين على ضفتي النهر .


ولا يمكن للاردن الا ان يكون معنيا مباشرة باي تغيير استراتيجي على حدوده الغربية على امتداد نهر الاردن ، وما يحدث اسرائيليا غربي النهر سوف يقود ان عاجلا او اجلا الى تغيير استراتيجي بكل المقاييس ومثل هذا التغيير ينسف اساسا من الاسس التي قامت عليها معاهدة السلام الاردنية الفلسطينية ويعتبر انتهاكا خطيرا لها .


ان مثل هذا التغيير الجاري والمتوقع سبب كافي لاجراء مراجعة اردنية للمعاهدة والنظر في التزام الجانب الاسرائيلي بها وعدم تمكينه من استخدامها غطاء للواقع الاستراتيجي الجديد الذي يحاول خلقه على الارض على الحدود الاردنية الفلسطينية المشتركة ، وهوكذلك سبب كافي لاعادة النظر في الدعم الاردني لاسس التفاوض الفلسطيني الاسرائيلي الحالية ولاعادة النظر في مبادرة السلام العربية برمتها ، ليس فقط دفاعا عن عرب فلسطين وتضامنا مع امالهم المشروعة في انهاء الاحتلال وتقرير مصيرهم فوق ما ابقاه الاحتلال لهم من وطنهم التاريخي بل اولا واخرا دفاعا عن الامن الوطني الاردني وما يمكن ان يلحق به من اضرار جراء تغيير استراتيجي كهذا .

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين / ١٦ شعبان ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٨ أب / ٢٠٠٨ م