الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

الشاعر رعـد بندر : لم أندم على موقف اتخذته ولا على قصيدة كتبتها

 

 

 

شبكة المنصور

حاورته – عالية طالب

 

نشر موقع ( كتابات ) اليوم 1/آب /أغسطس/2008 حوارا مطولا مع الشاعر رعد بندر أجرته معه القاصة عالية طالب تحدث فيه عن العراق المقاوم وليس العراق المحتل كما وصفه وعن الواقع الثقافي بعد الإحتلال وموقفه المناهض له .   

 
مقـبَـرة ًصِرْتَ ..
عَـيـنـاكَ طـابُـوقـُها والدُمُـوعُ التـرَابْ      
وَأنتَ بوَادٍ وتـدري بهِ غير ِذي إُذن ِ
تصرخ ُ... لا شيءَ إلاّ ارتـِدَادُ الصَّدَى
وَالمَـدَى
كُـلـهُ أعْـيُـنٌ وَارْتِـيَـابْ
فـمَـاذا تَـوقـعَّـتَ ..
يَـا مَنْ يُعَبِّيءُ أوْجَـاعَـهُ في فراغ ِالذهُـولْ
سِوَى رَمي أوْرَاق ِتقويّمِكَ الصُفْر ِدَامِـعَـة ًمثـلَ عَينيِّكَ

 
بهذه الكلمات يصف الشاعر نفسه الان وهو بعيد عن العراق وقريب منه في لحظة ممتزجة  بوحدة لا أنفصال فيها الا  لاسفلت الدرب الفارض  وجوده بين الحد الفاصل لأمكنة ترقبها العيون بانتظار لحظة التوهج القادم .

حمل القابا شعرية كثيرة , بعد سنوات قليلة من أنطلاقته , تكاثر بسببها حساده والمتربصون في كل حين , حمل أوراقه وغادر العراق فيما  ظل القلب هناك  بين الرصافة والكرخ يرنو الى عيون المها التي لا يدري متى تبصر  الجمال مجددا .

حوارنا معه  ذو شجون وأجوبته ذات جراح تنزف أذ ترجم أرهاصات  كل المنفيين عن عراق المحبة

 
- أنت شاعر لم تخلط مع الشعر صنفا ابداعيا آخر كما فعل الكثيرون لم نقرأ لك عمودا ثابتا أو مقالا أو سردا خاصا ؟ ما السبب؟

القصيدة التي أكتبها تغنيني عن كتابة أي شيء آخر ، ما أريد أن أقوله أقوله في القصيدة .. الشعر سد َّمساماتي الأخرى وهو مساحتي التي أتحرك في كل اتجاهاتها بحيوية .. وفانوسي الذي أحمله في النهارات التي نحتاج فيها إلى إضاءات دائما .

- المنابر الشعرية تخلق الشهرة وأنت تسيَّدت عليها طويلا ، هل الشاعر فيك يفتقدها الآن أم لا زلت تعتليها في الغربة؟

المنصة أو الشهرة لا تصنع شاعراً ، الشعر وحده هو الذي يصنع الشاعر المنصة إستاذ مهم ولكن للشعراء وليس للطارئين فإن تسيَّدت ُعليها فذاك لأن شعري حصان أبيض يعدو لا يملك أحد إيقافه أو ترويضه يوم كانت المهرجانات الشعرية التي تقام في العراق مهرجانات عاتية بإبداعها وليست جوفائية كما يحدث الآن ، يوم كان للقصيدة دويّ كدويّ العراق وليست قصيدة ًمنحنية ً أمام المحتل كما يحدث الآن .. يوم كان هناك عراقي حميمي يستوقف الشاعر في الشارع ويتحدث معه عن ما تركته القصيدة فيه وليس عراقياً يخاف الشارع والشاعر والقصيدة كما يحدث الآن .. إسألي المنصة مَن ْيفتقد الآخر ؟ حين وقفت ُعليها في جامعة السلطان قابوس في مسقط مرَّرت ُيدي على خشبها المصقول مثل مهرة صاهلة وهدَّأت ُمن روعها ثم بدأت ُقراءاتي ...

- من هم الأخوة الأعداء الذين تتبرأ منهم الآن ؟

كل من نفخ في البالون الإحتلالي ، كل من صمت أمام صخب الفجائع ، كل من مرَّ على جثث العراقيين واضعاً يديه في جيوبه ، كل من رسم خطوطاً حمراً على ظهره مدعياً أنها سياط النظام ، كل من صنع مزماراً من طين الكذب ، إنهم يدعونني للإشفاق عليهم ، يا حبل الغسيل أنت الوحيد الذي لا يمكن تزويره !.

- يقال أن للمثقف العراقي دوراً لم يفعله منذ زمن ولا زال قاصرا ، هل تراه الآن منشغلا بتفعيل هذا ؟

حين تدلّت مكبرات الصوت على مسامع بعضهم بعد 9/ 4 / 2003 وهي تبشر بالديمقراطية الأمريكية تخيلوا أن باستطاعتهم إنزال نصب الحرية  ليتظاهر معهم من الباب الشرقي حتى ساحة الأندلس حين أومأوا له بالنزول أدار ظهره ولم يعبأ بهم  فقادوا تظاهرتهم دونه ومكبرات الصوت تتدلى من أفواههم هذه المرة ومثلما يركل الجنود الأمريكان أبواب العراقيين بأحذيتهم ركلوا باب اتحاد الأدباء ودخلوه (محررين لا فاتحين) ولأنهم ديمقراطيون على الطريقة الأمريكية نصَّبوا أنفسهم قادة للإتحاد ولأنهم من سلالات تؤمن بالتداول السلمي للسلطة ربطوا جبين الإتحاد بيافطة سوداء كتبوا عليها ممنوع دخول الأدباء !! ولأنهم كانوا ماهرين في تعليق الزينة الإحتفالية للإتحاد في 28 / نيسان من كل عام أعدوا قائمة بأسماء وصور الأدباء الذين كانوا يرفضون المساهمة معهم في تعليق الزينة وألصقوها على الحياطين وكتبوا تحتها (المطلوبون في العراق الجديد!) وها هم منشغلون اليوم بتفعيل القصيدة والقصة والرواية الديمقراطية ومحتفظون باللون البنفسجي في أصابع أيديهم التي يدخلونها في جيوبهم كلما مروا على جثث العراقيين في الشوارع ..!!
_ إعلام حر ومنافذ متعددة ، هل تشعر بانها تجسد ما يريده العراقي ومعه المثقف منها ؟


              لقدْ ذهَـبَ الحِمَارُ بأمِّ عمرو 
                                   فلا عَـادتْ ولا عَـادَ الحِـمَار ُ

- من هم حسادك ؟ ومن هم نقادك ؟

 حسادي من قال عنهم المتنبي :
           
  أرى المتشاعرين غروا بذمِّي
                                    ومَنْ ذا يَحمد ُالداءَ العُضَالا !!

أما نقادي : فأنا أولهم ويأتي بعديَ الآخرون ..

- هل ندمت على شيء وهل تحمست لآخر تبين لك لاحقا أنه سراب ؟

لم أندم على موقف اتخذته ولا على قصيدة كتبتها ، هما أنا في كل شيء كلما طال عمر الإحتلال لوطني زاد انتمائي لموقفي وقصيدتي تجذراً وعمقا وإذا كان هناك ثمة ندم فهو على أيام ٍ لم أكتب فيها وعلى أبيات ٍكانت مشاريع قصائد لم تكتمل .. أمثلي يتحمَّس لسراب .. كان حماسي منقطع الأوردة وأنا أتأمل في لحاء نهر لا شاطئان له يمتد من شمال القلب إلى جنوبه بالضد تماماً من الذين يزحفون الآن خلف سراب فاقع على رُكبٍ مهشمة .

- قيل أن أعذب الشعر أكذبه ، هل ينطبق هذا الوصف على قصائدك؟

لو كان هذا الوصف منطبقا ًعلى قصائدي لكنت الآن أعبر شارع الرشيد بموكب سرعته 150 كم ، يهرب من أمامه الباعة المتجولون وتتساقط خلفه شواجير البنادق الفارغة !!

- من هم (الغاوون) الذين تبعوا رعد بندر ولا زالوا في كل واد يسيرون وراءه ؟

 العراقيون  :
1/ في ثلاجات الطب العدلي .
2/ الذين يكتبون أسماءهم وعناوينهم على أيديهم قبل أن  يخرجوا من بيوتهم .
3/ الذين يفرشون دشاديشهم تحت مرضاهم في مداخل المستشفيات وممراتها .
4/ الذين هاجروا من الغزالية إلى الشعلة .
5/ الذين هاجروا من السيدية إلى الأعظمية .
6/ الذين ملأوا حقائبهم بالدموع وغادروا العراق .
7/ الذين استبدولوا السقوف الكونكريتية بسقوف الهلال الأحمر .
8/ الذين يشتمون (جانس كاربنسكي) التي طبقت الديمقراطية الأمريكية بأحس حالاتها في سجن (أبو غريب) .
9/ الذين لا ينظرون للمحتل الأمريكي كما ينظر الروسيون للمحتل الفرنسي نظرة إنسانية فيصفعون (تولوستوي) على (الحرب والسلام) أو يحدقون بالعدو خلف مواقعهم فلا يعتقدون أنه اداة ليس إلا فيتعاطفون معه .. صفعة أخرى لـ (هنري باربوس) على (النار) .
10/ الذين يفيضون غيظاً وهم يسمعون إعتذار بترايوس على قتل أبنائهم .
11/ الذين ملأوا حيطان معتقلاتهم بخطوط أربعة قصيرة وآخر عرضي طويل لحساب أيامهم التي تساقطت مثل أوراق صامتة على جدول صاخب .
12/ الذين مروا على غرف الأقنعة ولم يدخلوا إليها .
13/ الذين أعادوا جنين المشروع الشرق أوسطي إلى رحم أمه .

- المرأة التي شغلت خيال الشاعر فيك ؟

الأم والأخت والزوجة العراقية التي لبست الظهيرة فوق العباءة وهي تنظر للقسوة كيف تدحرج العمر أمامها .. تلك المرأة التي لو قدِّر لها أن تجمع دموعها لبحث متسلقو الجبال عن هواية أخرى ، تلك الأيوبية التي أدهشت الميثلوجيا بخلودها الشرس ، المرأة التي لن تتقبل التعازي المتأخرة من (كيفن راد) رئيس وزراء اسبانيا ، ولن تغفر للمدرعات وهي تقلق هدأة أسلافها في بابل ، ولن يكفيها قتل أكثر من أربعة الآف جندي أمريكي لإخراج لحم خديها من أظافرها ، المرأة التي تستهزيء من إشادات بوش بحكومته الحالية في العراق ، المرأة التي بلغ حزنها سن الرشد ، تلك الممتلئة بمبازل الوجع والدموع الرائبة .. هذه المرأة التي تشعل داخلي فتيل القصائد .

- لمن تهتف بكل قوة ...الذي تحبه داخلك ؟

للعراق بكل تأكيد .. العراق المقاوم وليس العراق المحتل كما يسميه البعض ، العراق عقب ( أخيل ) لأمريكا ، الشاسع بجرحه ، العراق شمسي الأرضية ، كنزي المتجدد ، ذخيرتي التي لا تنفذ ، الوحيد القادر على تعبئتي بالشعر مثل قنينة فارغة .

- بين المنفى والوطن محطات ، أي منها تراه قد تحقق ؟

لا أسميه منفى لأنني أعيش بين أهلي الآن ومع هذا فمحطاتي فيه متقاربة من بعضها ، روفائيل البرتي يقول : (المنفى يجعل منك شاباً على الدوام لأن الوقت يتوقف هناك في البلاد البعيدة التي تركتها ) المنفى والوطن قد يراهما البعض ضدين بينما أراهما حالة واحدة .. بعض الشعراء ممن أعرف وتعرفين اختار المنفى لعدوى أصيب بها ! فكتب عن الوطن من أجل أن يسهم بإضاعته ، أنا هنا أكتب عن الوطن من أجل إعادته لأهله هذا هو الفرق بيني وبين الآخرين .. من لم يكن كبيراً في وطنه لا يمكن أن يكون كبيراً خارج الوطن .. حين خرجت من العراق بعد إحتلاله مباشرة قلت كما قال بليك : (لا يمكن أن أكون قطعة من الطين تداس بحوافر البهائم .)

- المتغير السياسي الذي يعيشه العراق اليوم هل ساهم في إيجاد حرية معينة للتعبير والاعلام والثقافة حقا ؟

إنني أفهم المتغير السياسي الذي حدث على أنه احتلال غير شرعي حدث للعراق وأسقط حكومته الشرعية ولو قـدِّرَ لكِ اللقاء مع (كولن باول) وسألته سؤالك هذا لأجاب كإجابتي ، فبعد أن كان أحد دعاة الحرب وتبنى ما لفقه للعراق (الأخوة المناضلون) حين عرض على أعضاء مجلس الأمن فيلماً أظهر فيه أدلة إمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل .. أطرق بوجهه متحسراً ( هذه المعلومات نقطة سوداء في سجلي الخدمي) على أية حال حين رفع المحافظون شعار الفوضى البناءة وعرَّفوها على أنها الطريق الوحيد نحو الديمقراطية في العراق كانوا يعنون ما يقولون تماما .. تسمية مهرجان المربد بعد الإحتلال بالمربد الأول فوضى لن تلغي على الإطلاق رسوخه في الثقافة العراقية كمهرجان رائد خرج من معطفه كبار الشعراء العراقيين والعرب والمدهش أن من أصروا على تسميته بالأول أو من يحرضون على تغيير اسمه الآن كانوا يتدافعون بأكتافهم ليضعوا مايكروفونه على فمهم !. الصحف التي تجاوزت المائة بعد الاحتلال لن تضع عصاً بيد الأعمى لأنها ببساطة نشرات جدارية لطلاب الصف الثالث الإبتدائي مهما تلونت وجوهها بمستحضرات تجميلية باذخة تنافسَ على توفيرها الممولون ، الفضائيات كورس خلف مطرب البوب الأمريكي ، شبكة الإعلام العراقي (حنـّون) الذي ما زاد في الإعلام خردلة ، ولكن ماذا عن الحرية في كل هذه الفوضى ؟ إنهم يقولون نكون حينما تكون الحرية لكي يزيِّفوها ، نحن نقول نكون حينما لا تكون حرية لكي نصنعها .

- كم من الخيبات فيك لمعنى الصداقة ؟ وهل هناك صداقات حقيقية لمستها ممن حولك ؟

لم تعد مفردة الصداقة مفردة ذات أهمية كل شيء أفرغ تماماً من محتواه الخيبات تراكمت بشكل مفزع جعلت الحيوانات في حديقة الزوراء ترمي بقايا سندويشاتها للآدميين في أقفاصهم ! من كان يظن أن الأقنعة ليست بمقاسات الوجوه خاطيء وساذج .. حركية الأشياء السريعة والمفاجئة جعلتنا نغادر حاضناتنا الإنسانية إلى أخرى هجينة ومعتمة .. لقد تركت خلفي إيقاعاتهم النشاز باحثاً عن تناسق يمنعني من مليء أذنيَّ بالقطن ومع هذا هناك من بقي يدحرج مشيمتي خلفي !  

- الناقد الذي أنصفك والناقد الذي حاول تهميشك ، هل رافقا مسيرتك أم كان هناك مديح لما تكتب فقط ؟

لا أحد يستطيع أن يهمِّش الشعر ، هناك نقاد أنصفوا ما كتبت وهناك نقاد تغاضوا عمَّا كتبت .. أنا شاعر قصيدة ولست شاعر أبيات في قصيدة ولست ممن لمَّع البسطال الأمريكي المتجه نحو العراق لأحصل على جائزة هيلمان هاميث النيويوركية أو جائزة الشعر العالمي الروتردامية ، كثيراً ما كان يدعوني الدكتور عناد غزوان لإصدار مجموعة عمودية يستطيع النقاد قراءتي من خلالها كنت أقول له : قصيدة تنتشر وتُحفظ وتُردد هي أوقع عندي من عشر مجاميع شعرية يصدرها شاعر ما ومع هذا يُخطيء الناس باسمه .. إنني أهتم بما يقوله المتلقي ولا يهمني ما يقوله النقاد .. حين كتب طراد الكبيسي عن مجموعتي (يشبهني تماما) وهي قصائد نثر صدرت في تونس تسائل كيف يستطيع شاعر كتب القصيدة العمودية بمهارة عالية أن يكتب قصيدة نثر بالمهارة ذاتها ؟! وتعلمين أن قصيدة النثر أشبه ما تكون بقرى مستقلة ومتضامنة كما يقول شيغل .. خذي الجواهري مثلا كان ظله الشعري يغطي القرن العشرين ورغم هذا الظل الهائل لديه قصائد لو قدِّرَ له لحذفها من مجاميعه هذا السياق ينطبق على العديد من الشعراء الكبار عبر التأريخ ، حين ألتقيت الجواهري في دمشق قرأت له قصيدتي (قد حمَّلتني سلاماً أرضك َالنجفُ) كان ينصت بإمعان وحين وصلت لقولي :
                واستوقفتني طويلاً وهيَ والهة ٌ
                                     عليكَ كـوفـتـكَ الحمرا التي تصف ُ
               ومسجـد ُالسهلةِ الحاني وقـبَّـتـه
                                      محـرابُـه ُوالثرى والأعين ُالذرُف ُ
               ومَـرَّ صـوت ُ(علي) عـاتِبا ًوأنـا
                                     من ذلك الصوت ِحتى الآن َأرتجف ُ

صاح متحمساً : أجاد .. دعكِ ممن شوَّه لقائي معه وحذف وأضاف حسب مقتضى النوايا .!

- منذ المتنبي والحمداني مرورا بالجواهري العظيم والشعراء يبدلون مواقفهم بين المدح والذم استنادا لمصالحهم الشخصية ، ما رأيك بالشاعر الذي يكرس نفسه للمدح فقط ؟

المتنبي وغيره حالة لم نعشها واكتفينا بما هو منقول ، لا يهمني مدحوا من أو هجوا من ، الذي يهمني هو حجم الشعر في قصائدهم الجواهري  لم يكن مديحه أو هجاؤه بدافع شخصي بقدر ما كان الدافع وطنيا محضا حين كتب الجواهري قصيدته في رثاء محمد نجل البكر والتي نشرت في جريدة الجمهورية في سبعينيات القرن المنصرم لم يكتبها الجواهري تقرباً للسلطة فقد كان أقرب الشعراء إليها وكان صديقا حميميا لصالح مهدي عماش وحين كتب قصيدته عن حادثة اغتيال عبد الكريم قاسم ودفعه فيها باتجاه الإنتقام من مغتاليه (وضيِّق ِالحبل ........) إلى أخر القصيدة كتبها ليس بدافع التقرب من قاسم الذي ما لبث أن هجاه بعد ذلك بقصيدته ( خلفت غاشية الخنوع ورائي ) والتي ألقاها في دمشق .. وحينما انتفض عام 1991 وكتب قصيدة مستهزئأ بـ (انتصار) أمريكا في حرب الخليج الأولى والتي أذكر منها هذين البيتين :

               بـمَ انتهى أو بماذا راح َينتصـرُ
                                           غـول ٌتصبَّغ َمنه ُالناب ُوالظفر ُ
               نصرٌ على مَنْ على بيتٍ ورَبَّتِهِ
                                            وطـفـلـةٍ وعـجـوز ٍهَـدَّهُ الكِبر ُ

وقد قرأها لي في لقائي معه في دمشق أمام الحاضرين ومنهم ابنته خيال وزوجها المندلاوي ونشرت في جريدة الجمهورية التي كان يرأس تحريرها سعد البزاز أنذاك ، كتبها الجواهري بدافع وطنيته أيضا تلك القصيدة التي تم التعتيم عليها الآن أو أسقطها من أسقطها (سهوا) من شعره في حين روجوا وما زالوا لكذبة إسقاط الجنسية العراقية عنه !! كم  تمنيت أن يكون صديقي فرات الجواهري حياً بيننا .. المهم أنا وغيري حينما كتبنا للعراق وللرئيس صدام حسين فذاك لأننا وجدنا مشروعاً وطنياً راسخاً له تجذراته العميقة انظري للعراق الآن سيغنيك المنظر عن كل شيء ، حين سؤلت عن هذا الموضوع في الحوار الذي أجرته معي جريدة الوطن العمانية في الذكرى الرابعة للإحتلال قلت قيمتي التأريخية فيما كتبته وسأظل أردد قولي هذا دون مراوغة أو مهادنة ومثلي لا يراوغ أو يهادن أنا لست محتاجاً لإرضاء الآخرين كي أخسر تأريخاً مشرفاً سأعتز به طوال حياتي ولو كنا نكتب وفق (مصالحنا الشخصية) لمَا بقينا حتى هذه اللحظة متمسكين بكل حرف كتبناه .

- هل ستبقى وفيا للشعر العمودي فقط أم ستشرك تبدلات ابداعية اخرى ؟

إنني وفيّ ٌللشعر بأي شكل أكتبه .. 

- قيل دائما يبقى الشعر عراقيا ، هل ترى دلائل متتابعة تؤيد هذا الرأي ؟

العراق كائن شعري بكل توصيفاته .. وطن يحرِّض على الشعر .. دموعه شعر ، ثوراته شعر ، هدوؤه شعر ، صخبه شعر ، أضرحته شعر ، حتى فرحه المتقطع فيه من الشعر الكثير ، ليس هناك نهران في الدنيا تجري القصائد في أمواجهما الدافقة كدجلة والفرات ، ليس هناك رضيع في الدنيا ينهي احتجاجاته البكائية ويغفو حين تتحسس خداه دموع أمه وهي تلقي قصيدتها التنويمية عليه غير الرضيع العراقي ، ليس هناك وطن في الدنيا يتنفس الشعر غير العراق ، فهل غريب أن يكون الشعر عراقيا لا ينافسه عليه أحد ولهذا قيل إذا أردت أن تكون شاعرا إذهب إلى العراق ، الشعر العراقي كالحمى التي تنام في العظام وتعاف الحشايا كما يقول المتنبي الشعراء العراقيون هم من جعلوا ناقة الشعر تسير بمحرك طائرة إير باص عملاقة .    

          
- هل يتعارض المشروع الثقافي والسياسي أي منهما ينال من جرف الآخر ؟

تخيَّل بعض المثقفين العراقيين بعد الإحتلال أنهم سيشربون نخب جون مليتون الذي منحهم الفردوس المفقود ! بعد خمس سنوات من طقطقة الأصابع تحولوا إلى لوسفير الرمز المنبوذ بامتياز ، أما السياسيون الذين رفعت أمريكا ياقاتهم فقد طبقوا خطة خطف الطائرة بإمعان وهم يعرفون جيدا ما ستؤول إليه هذه المغامرة فحينما يخبرنا الواقع بأن هناك مثقفين تخيلوا فردوسهم فصاروا منبوذين وطائرة مختطفة تحاول الهبوط فوق مدرج معتم لا يوجد مشروع سياسي أو ثقافي لكي نتحدث عنه ومع هذا فالمثقف ليس دبلوماسياً ليصف الأشخاص بما يحبون أن يسمعوا ، المثقف يملك أن يضخ حيويته في الأشياء بوصفه لاعباً محترفاً في المتغيرات ، ليس هناك سياسة تتدلى شفاه الثقافة أمامها .. الشاعر مثلا كانت تنطلق من بين أصابعه الحروب ومن بين أصابعه تتحجم وتتوارى ، الشاعر ليس معمماً يؤم المصلين ويعلمهم كيفية غسل الجنابة ! رغم أن المعمم في وقتنا الحاضر يستطيع أن يستدعي المواليد نكاية بوزارة الدفاع !!

- كيف ترى مستقبل العراق في ظل ما مر به وما صورة الغد لديك ؟

إسمحي لي أن أحيل سؤالك هذا لإمرأة عراقية :
1/  مهجرة تسكن حجرة في دائرة مهجورة تنام فيها واقفة .
2/  قتل لها ولدان .
3/  زوجها معتقل .
4/  بُترت ساق ابنتها بصاروخ (أس بي جي 9 ) .
5/  واقفة في الظهيرة بين طابور متشنج لتحصل على صفيحة نفط .
6/  لم تستلم الحصة التموينية منذ أربعة أشهر .
7/ على وجهها كدمات شرطي وطني خرج بعفو رئاسي من السجن قبل الاحتلال ...!!
8/ لديها هويتان تعريفيتان الأولى باسم (عائشة عبد القادر) والثانية باسم (فاطمة عبد الحسين) !! 

- بغداد الحلم والمحبة غادرها الكثيرون بهجرات متعاقبة لإسباب سياسية واقتصادية لكنها بقيت الهاجس العذب متى ستعود إليها ؟

حينما غادرت ُالعراق كان هناك سؤال يؤرقني ، كيف يستطيع الشاعر أن يحتفظ بحيوية ما يكتب ؟ وحين فتح الجندي الأمريكي جواز سفري في الحدود (طارت الحمامات مذبوحة ) ، أما متى أعود فسأستشهد بالمثل الصيني القائل ( إذا أراد عدوك َالهرب فأبنِ له جسراً كي يعبر عليه !) .

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة /  29  رجــــب  1429 هـ

***

 الموافق   01  /  أب / 2008 م