الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

الاتفاقية الامنية : مخاطر منظورة وكوارث مطمورة

( 4 -  8 )

 

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

 

يروي الجاحظ انه شاهد بغلا يركض خلف فقيه التف بطيلسان اخضر ظنا منه انه حزمة عشب

الجاحظ في ( رسالة البغال )

مصدر الكوارث : اقتصاد السوق

مالمقصود باقتصاد السوق ؟ لنترك كل التعابير والتعريفات الاكاديمية ، لانها مضللة غالبا ، وننظر الى ما رايناه مع كل العالم من نتائج لتطبيق اقتصاد السوق في واقع الحال ، فهي اثار واقعية وملموسة يمكن رؤيتها ولمسها واثبات وجودها في عدة بلدان . ان اقتصاد السوق نظام يقوم شكليا ونظريا على مبدأ عدم تدخل الدولة في النشاطات الاقتصادية وتركها تتقرر في ضوء اهم قوانين السوق : قانون العرض والطلب . فما معنى ذلك ؟ وما هي نتيجته ؟ في اقتصاد السوق الكلاسيكي الاسعار يقررها الطلب وليس معيار محدد سلفا ، والدولة مجرد منسق عام لا يتدخل الا لمنع اللصوص العاديين ، او من يهدد النظام العام . اما حياة الناس الاقتصادية فلا دخل للدولة فيها ، وعلى المواطن ان يجد رزقه بنفسه في ظل نظام قاس لا يرحم تسوده انانية المنافسة غير الشريفة ، والتي يتحكم بها من يملك المال ويسحق تحت جزمته الفولاذية من لا يملك ، والخدمات تتقرر اسعارها كالسلع وفقا لحاجة السوق وحالته ، لذلك يصبح الطب مثلا سلعة وليس خدمة انسانية يقرر سعرها السوق وهو حال يجعل الفقير يموت قبل ان يوفر النقود للعلاج .

          وفقا لهذه الطبيعة فان تطبيق اقتصاد السوق في بلد نام محافظ  تسوده علاقات تقليدية كالعراق ينتج أثارا كارثية لم يسبق له ان واجه مثيلا لها في كل تاريخه ، فلقد اعتاد العراق ، تاريخيا ومنذ الاف السنين ، على مركزية الحكم        ( هيمنة كل من شيخ القبيلة ، زعيم الحارة ، رجل الدين ، الامير ، حاكم المدينة ، رب الاسرة ، رأس الدولة ...الخ ) ، وهدف المركزية تلك ، والذي تمثل في ارقى اشكاله في تدخل الدولة ، هو ادارة المجتمع ، سواء كانت ادارة مستغلة او عادلة ، والمحافظة بهذا الدور على المجتمع من التفسخ بشكل عام ، نتيجة وجود حدود دنيا على الاقل لتقديم الخدمة والعون للمواطن بشكل عام وللمراة بشكل خاص ، نزولا عند تقاليد المجتمع المحافظ . لذلك فان جعل المواطن ، وبالاخص المراة ، مكشوفا من اجل العثور على لقمة عيش سوف لا يؤدي فقط الى اذلال المراة واجبارها على خرق التقاليد السائد بل الاهم سيصبح البيت بيئة سلبية اخلاقيا واجتماعيا ، وسينشأ جيل مختلف كليا في تقاليده وضوابطه الاخلاقية هو اقرب لاجيال امريكا الضائعة والمتفسخة اخلاقيا ، نتيجة اقتصاد السوق وتحكم المال في كل شيء . اما الدولة فسوف تكون ذات دور ثانوي وشكلي غلبا ويخدم النهب المنظم للعراق والتغيير المنظم لهويته الوطنية والقومية .  وهذه الظاهرة لها جذور مناخية بالاصل ، واطلق مفكرون غربيون عليها تسمية ( الاستبداد الشرقي ) كما فعل كارل ماركس ، رغم ان هذا التعير خاطئ ونحن نفضل اطلاق تسمية المركزية الشرقية ، وسنتناول هذا المفهوم في دراسة اخرى لاحقا .      

وربما يكون ضروريا التذكير بالمصدر الاهم لمخاطر اقتصاد السوق وهو المتعلق بالسؤال التالي : مادام اقتصاد السوق يقوم على قوة المال وسيطرة من يملكه فاي مال هو الذي سيسيطر على العراق ؟ هنا تكمن مأساة العراق اذا طبق اقتصاد السوق لان المال الذي سيسيطر هو المال الامريكي ومال الصهيونية ، التي ستدخل مباشرة في السوق العراقي وليس بالواسطة ، والمال الامريكي والصهيوني حينما سيدخل العراق في ظل اقتصاد السوق سوف لن يكتفي بالنهب والسيطرة التامة على العراق واتجاهاته بل انه سيقوم ، وفقا لتخطيط دقيق ، بتدمير نسيج المجتمع وقيمه وروابطه ، واخيرا وليس اخرا انه مال الفاسدين من العراقيين الذين نهبو ثروة العراق ، خصوصا بعد الغزو ، وهؤلاء لصوص وطفيليين لا يملكون عقلية استثمارية بل تتحكم فيهم عقلية الاثراء او زيادة الثروة باسرع وقت وباي طريقة ممكنة .

هؤلاء هم السادة في اقتصاد السوق وهم من سيتحكم بالاقتصاد والمجتمع ، وهم من سيقرر حركة السوق والاسعار وما ينفع وما يضر . ان مثال روسيا ودول اوربا الشرقية بعد دخول اقتصاد السوق اليها يقدم لنا صورة دقيقة وحقيقية لما سيحدث للعراق ان فرض عليه اقتصاد السوق ، فبالاضافة لانتشار الفقر المريع هناك ، بعد عقود طويلة من ضمان الدولة لكل شيء من التعليم والطب المجانيين والسكن المجاني والنقل شبه المجاني ... الخ وجد الناس انفسهم عراة لا حماية لهم ولا ضمانة للعيش حتى الغد ، وبرز امراء جدد يملكون المال الحرام ويمارسون كل انواع الفسوق والجريمة المنظمة بل واصبحت اوربا الشرقية تصدرها الى العالم كله !

اما المرأة فانها تضررت اكثر من الرجل لان السلعة الاكثر اثارة التي تخصصت روسيا ودول اوربا الشرقية بتصديرها للعالم كانت المراة ، التي اصبحت تحتل المركز الاول في الكثير من دور العهر في العالم ! هذا هو اقتصاد السوق : انه ليس نهبا منظما للثروة فقط بل هو تدمير منظم ومقصود للاسس الاجتماعية والاخلاقية للمجتمع التقليدي وتغليب مخطط لاقامة مجتمعات تقوم على العهر الكامل ، سواء كان عهر الجسد ، اي بيع الجسد ، او عهر الضمير ، اي بيع الضمير ! ان من يعيش في الغابة مع وحوش مفترسة لا ترحم يجب ان يصبح ذئبا ليبقى ! وعند هذه النقطة فان الباب سيفتح لتحول العراق الى غابة وحوش لا امن ولا امان فيها ولا قيم ترحم العجوز او الطفل . هذا ما تريده امريكا من الفقرة السابقة : تحويل العراق الى مبغى كبير يباع فيه الجسد والضمير من اجل لقمة العيش او نتيجة الجشع والانانية التي تنغرس في نفوس لصوص المال الكبار . اليس ذلك تطبيق ( خلاق ) للهدف الامريكي المعلن وهو ( جعل العالم على شاكلة امريكا ) بتطبيق ( القيم الامريكية ) عليه ؟

واذا تذكرنا بان العراق خصوصا منذ وصل البعث الى السلطة كان المواطن يتمتع فيه بالامن الاجتماعي والاقتصادي الكاملين ، ممثلا بمجانية الطب والتعليم ودعم الدولة للسلع الاساسية من غذاء واجهزة مزلية ، فان تعريضه لحالة انكشاف تام وشامل لشرور الفقر والموت مرضا نتيجة الغاء دور الدولة في اقتصاد السوق ، فان الاثار الاجتماعية والنفسية ستكون اخطر بكثير مما حصل لاوربا الشرقية لان العراق مجتمع تسوده القيم العشائرية والدينية ، فيما يتعلق بمفهوم الشرف ، وصلات الرحم والروابط الاجتماعية القوية ومتانة الاحترام والتضامن الاسري ...الخ . ان المراة بالذات ستكون الضحية الاهم لاقتصاد السوق وسوف يصبح كل اخ مجبرا على التفكير بمصير اخته وفيما اذا كانت مضطرة لبيع جسدها من اجل العيش ! وسيصبح كل زوج قلقا على زوجته التي تعمل مع ذئاب بشرية لا تتردد عن افتراسها اشباعا لنزوة دون وجود دولة قوية تردع لان الدولة تابعة لمن يملك المال ! وسيصبح كل اب قلقا على ابنه او ابنته حتى يعودا سالمين الى الدار !

رابعا : في الفقرات 4 و5 و8 يرد ما يلي : (4 ـ مساعدة جمهورية العراق على الاندماج في المؤسسات المالية والاقتصادية والاقليمية والدولية ) و (5 ـ تسهيل وتشجيع تدفق الاستثمارات الاجنبية وخاصة الاميركية الى العراق للمساهمة في عمليات البناء واعادةالاعمار ) و (8 ـ مساعدة جمهورية العراق ودعمها للحصول على ظروف تجارية تشجيعية وتفضيلية تجعلها من الدول الاولى بالرعاية في السوق العالمية واعتبار العراق دولة اولى بالرعاية من قبل الولايات المتحدة الاميركية بالاضافة الى مساعدته في الانضمام الى منظمة التجارة الدولية) .

ما معنى ذلك ؟ معناه هو ان السيطرة على العراق بالمال الامريكي الصهيوني وبمال اللصوص لا يكفي لاحداث تغيير جوهري وجذري في المجتمع العراق اذ لابد لاكمال بناء بيئة التغيير القسري هذه من خلال وضع العراق تحت سيطرة صندوق النقد الدولي بشكل خاص ، لكي يتحكم بشروطه التي يفرضها على العراق في تطوره وتحديد اتجاهات هذا التطور اقتصاديا واجتماعيا . لقد اكدت احداث القرن العشرين ان صندوق النقد الدولي هو من اهم ادوات السيطرة الامبريالية للغرب الراسمالي ، فبفضل الشروط التي يضعها لمنح القروض او الدعم المالي يحدد طريقة استخدامها ويضع الضوابط الملزمة التي يجب اتباعها ، وفي مقدمتها منع دعم الدولة للسلع وعدم تدخل الدولة في الانشطة الاقتصادية وضمان عدم الخروج من اقتصاد السوق ، وهذه الشروط تؤدي ، بالاضافة لاحكام قبضة الامبريالية على الدول المعنية ، الى انتشار الفقر والجوع والعهر والفساد !

خامسا : المجال الامني : وردت في ثالثا الفقرات الاتية (ثالثا ـ المجال الامني :

1 ـ تقديم تاكيدات والتزامات امنية للحكومة العراقية بردع اي عدوان خارجي يستهدف العراق وينتهك سيادته وحرمة اراضيه او مياهه او اجوائه.

       لقد سبق وشرحنا ما يكفي عن امكانيات العراق وقدرته على حماية نفسه لذلك نعلق على هذه الفقرة بسؤال محدد : هل يحتاج العراق لمن يحميه اذا كان مستقلا وسيد نفسه ؟ الم يهزم العراق ايران وهي تتمتع بافضل قوة امتلكتها في كل تاريخها وهي قوة المعنويات في زمن خميني ؟ ان العراق التابع والمقزم هو وحده من يحتاج الحماية الاجنبية ، وهذا النص يؤكد حقيقة ان القرار الامريكي الثابت منذ عام 1991 هو منع قيام عراق قوي ، والان تريد امريكا تطبيقه من خلال الاتفاقية .

2 ـ مساعدة الحكومة العراقية في مساعيها بمكافحة جميع المجموعات الارهابية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة والصداميون وكل المجاميع الخارجة على القانون ، بغض النظر عن انتماءاتها ، والقضاء على شبكاتها اللوجستية ومصادر تمويلها والحاق الهزيمة بها واجتثاثها من العراق ، على ان تحدد اساليب وآليات المساعدة ضمن اتفاقية التعاون المشاراليها اعلاه.  

مرة اخرى نسأل :  الا يعني هذا ان القرار الامريكي ان تقزيم العراق سياسة ثابتة وليست مؤقتة ؟ والا لم يحتاج لقوات امريكية لحمايته من تهديدات داخلية ؟ الا يشكل ذلك اعترافا مباشرا بان المقاومة العراقية هي القوة الرئيسية التي تواجه الاحتلال وان الحكومة العميلة غير قادرة على البقاء الا بحماية امريكية ؟ لماذا لا يبنى جيش عراقي قوي يتولى الدفاع عن العراق ضد التهديدات الداخلية والخارجية كما كان قبل الغزو ؟ ثم الا يعني الاصرار على سياسة ( الاجتثاث ) ان المطلوب هو اقامة نظام ديكتاتوري دموي فاشي ، وليس نظاما ديمقراطيا ، وظيفته الاساسية الابادة والقتل الجماعي وهو ما تعنيه كلمة ( الاجتثاث ) ؟ الا تعني عبارة ( وفي مقدمتها تنظيم القاعدة والصداميون وكل المجاميع الخارجة على القانون ، بغض النظر عن انتماءاتها ) ان الحملات الامريكية لن تقتصر على البعثيين بشكل خاص والمقاومة بشكل عام بل ستشمل كل من تقرر قوات الاحتلال انه يشكل خطرا عليه ، دون تحديد او تمييز دقيق ، بحيث ان شعب العراق كله وبلا استثناء سيصبح عرضة للقتل والاعتقال كما يجري منذ الغزو ؟

3 ـ دعم الحكومة العراقية في تدريب وتجهيز وتسليح القوات المسلحة العراقية لتمكينها من حماية العراق وجميع ابناء شعبه واستكمال بناء منظوماتها الادارية وحسب طلب الحكومة العراقية .

هذه الفقرة تفسر قضية التدمير المتعمد للجيش العراقي ليس كافراد ومؤسسة فقط بل ايضا التخلص الاعتباطي من اسلحته الكبيرة ( الدبابات ، الطائرات ، الدفعية ...الخ ) ، والتي كان يمكن ان تكون كافية لاعادة بناء جيش لا باس بقوته ! ان هذه الفقرة تؤكد بلا غموض ان تدمير الاسلحة العراقية كان ضروريا لاجبار العراق بعد الاحتلال على شراء اسلحة امريكية ، وذلك يوفر لشركات صنع السلاح الامريكية ارباحا هائلة تضاف الى مانهبته وتنهبه من العراق من جهة ،  وتغيير عقيدته العسكرية من عقيدة شرقية الى عقيدة امريكية من جهة ثانية ، لاجل اكمال السيطرة على الجيش الجديد وضبط توجهاته المستقبلية . وهنا يجب ان نلفت النظر الى حقيقة عسكرية فنية معروفة وهي ان تغيير العقيدة العسكرية يتطلب سنوات وربما عقودا من الزمن للتحول من عقيدة الى اخرى ، الامر الذي يمنح امريكا فرصة كافية لابقاء العراق ضعيفا وفي حاجة للحماية من اخطار تفتعلها هي من خلال تصعيد صراع الديوك مع ايران .

هذا هو اهم ماورد في اعلان النوايا الذي وقعه المالكي مع بوش ، لكن ما ورد ليس كل ما فيه لان هناك فقرات سرية تجنب البيان المعلن ذكرها ، فما هي الفقرات السرية التي اكدت تصريحات المالكي وزيباري وجودها ؟ وما هي درجة خطورتها ؟

يتبع  ...

 
النصف الاول من تموز – يوليو / 2008

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاربعاء /  13  رجــــب  1429 هـ

***

 الموافق   16  /  تمــوز / 2008 م