المشروعان الإيراني والغربي - الصهيوني وما بينهما

 

 

شبكة المنصور

أحمد أبو علي ـ أوتاوا

 

لا يختلف أثنان على أنَّ الأمَّة العربيَّة مُحتلٌّة وممزَّقة ومشرذمة ومهانة وذليلة وواصلة إلى أدنى مستويات الهوان والسكينة. وعلى مدى تاريخها الطويل، حتَّى أيَّام الاحتلال الغربي إبَّان الغزو الصليبي لم تصل أمَّة العرب إلى ما وصلت إليه هذه الأيَّام. إنَّها مأساة بكلِّ المقاييس الإنسانيَّة التي تعيشها. فالعراق مُحتلٌّ وممزَّق وغارق في ظلمات النزعات الشعوبيَّة والطائفيَّة. أمَّا جزيرة العرب لم يبق منها سوى اسمها، وأُستُبيحت من أقصاها إلى أقصاها من المستعمر الغربي والعامل الأجنبي والثقافة الغربيَّة الطفيليَّة ذات القشور الفاسدة والقلب المدمَّر. أمَّا فلسطين! فحدِّث ولا حرج. ولبنان يراوح ما بين عملاء إسرائيل وأمريكا من طرف، وقوى الممانعة اللبنانيَّة من طرف آخر في سجال مدمِّر داخل "الوطن النهائي". ويرزح كامل شمال أفريقيا العربي تحت ثقل أحذية الديكتاتوريات العسكريَّة المجرمة والمجنونة.


في المقابل، تجد هنالك قوَّتين أساسيَّتين فاعلتين غير متساويتين في الحجم والقوَّة والتأثير. قوَّتان فاعلتان بدون منازع على ساحة الوطن العربي عامَّة مع التركيز على ساحة الجزء الآسيوي منه: إيران من جهة والغرب وإسرائيل من جهة أخرى. طبعًا هاتان القوَّتان لهما امتداداتهما وشركاؤهما وتحالفاتهما. الولايات المتَّحدة ما تزال القوَّة الأكبر والأفعل على ساحة الوطن. في المقابل، فإيران أثبتت أيضًا أنَّ لها تحالفاتها وامتدادتها، وأنَّها قوَّة فاعلة لا يستهان بها في المنطقة. فانتصار "حزب الله" في تموُّز 2006، جُيِّر استراتيجيًّا لحساب الدولة الإيرانيَّة مقابل الخسارة الفاضحة المخزية المدوِّية للاستراتيجيَّة الصهيو ـ أمريكيَّة وشركائها الصغار في المنطقة. وأمام هاتين القوَّتين لا يوجد سوى الخراب والدمار السياسي والثقافي والأخلاقي والديني للأمَّة العربيَّة من محيطها إلى خليجها.


الاستراتيجيَّة الصهيو ـ أمريكيَّة تقوم أساسًا على سرقة الموارد النفطيَّة وغيرها، ودعم قوَّة الكيان الصهيوني وتمدُّده، وإغراق الوطن العربي بما هو فاسد ورخيص من قشور "الهمروجة" المسمَّاة زورًا وبهتانًا بالثقافة الأمريكيَّة الوضيعة تحت يافطة العولمة، وزرع الفرقة الشعوبيَّة والقطريَّة والطائفيَّة والعنصريَّة في نفوس العرب. وأخيرًا، لكي تتمكَّن هذه الاستراتيجيَّة من تأمين سرقة مقدَّرات الوطن العربي، وأمن الكيان الصهيوني، أحدثت مزارع دويلات "سايكس بيكو" بشعوبها التي تتقاتل مع بعض على لا شئ مسحوقة بنعال أحذية ملوك وأمراء وسلاطين وجنرالات، ومحكومة بدساتير لا تصلح للاستهلاك البشري المتحضِّر كما هو حاصل في لبنان، أو فرَّخت أنظمة مثل "الأردن أوَّلاً"، ثمَّ آخر يكتب تاريخًا ملفَّقًا كاذبًا يحوِّل القبائل إلى شعوب، فهذا "شعب كويتيٍّ" وغيره "شعب قطريٌّ" وهلمَّجرَّا في كتب "تاريخيَّة" كتبها متملِّقون ومهرِّجو أمراء "كومسيونات" النفط في الخليج العربي. كلُّ ذلك لم يكن لولا إصرار الغرب الإمبريالي على خطوطه الحمر في مؤتمر سان ريمو واتِّفاقيَّات "سايكس بيكو" التي أكَّدت على أن: "لا وحدة لهذه الأمَّة، ولا حريَّة لها في مواردها، وأنَّ الجهل والتجهيل لازمة لا غنًّى عنها في صيرورة هذه الشوب المُستحدثة، وإنشاء كيان استعماري غربي في قلب هذه الأمَّة ليكون القلعة المتقدِّمة للغرب." فلو لم يكمن هناك يهود صهاينة مستعدِّون للهجرة إلى فلسطين لهاجر إليها، على سبيل المثال، كلُّ مَن هبَّ ودبَّ من الشعوب الأوروبيَّة. هذه حقائق مثبتةٌ وموجودة في ملفَّاتهم، لكنَّها غير حاضرة في تاريخنا!


أمام هذا الواقع الأليم الذي نعيشه كأمَّة، تطلُّ علينا إيران الفارسيَّة تحت ستار الدين والتضامن الإسلامي، بينما الحقيقة والتاريخ يقولان شيئًا آخر. فإيران ما تزال تعتبر العراق الأوسط والجنوبي جزءًا انتزع منها أيَّام الفتح العربي الإسلامي، وما تزال تعتبر الخليج العربي فارسيًّا، وأنَّ دوله هي في واقع الحال أراض فارسيَّة. لذا ليس من الغريب أن نسمع بين بين الفينة والأخرى مسؤولاً إيرانيًّا يصرح بـ "فارسيَّة البحرين" أو أنَّ شواطئ جزيرة العرب الشرقيَّة هي إيرانيَّة، وأنَّ العرب فيها واقع عارض ومُستحدث. ومع ما في هذه السياسة من مخاطر، يبقى العامل الثقافي والعقائدي هو أخطر ما في هذه الاستراتيجيَّة المتمثِّل في استغلال الدين من خلال مسوِّغة ومعزوفة "الأمَّة الإسلاميَّة". طبعًا حسب الرؤية الإيرانيَّة لهذه الأمَّة التي تأسَّست بشكل سياسي استراتيجي مع قدوم الخميني الذي لخَّص أفكاره في كتاب "الجمهوريَّة الإسلاميَّة" خارجًا فيه من هيمنة الغرب والتبعيَّة له كما كان الحال إبَّان عهد الشاه من قبل. وبالنسبة إلى الأمَّة العربيَّة، يريد الإيرانيُّون تصدير ثورتهم "المذهبيَّة" للعرب ليقضوا بذلك على الهويَّة العربيَّة، ويطمسوا تاريخ الثقافة العربيَّة ويقضوا على أسسها، ولا سيَّما عندما ندرك أنَّ الأيرانيِّين يعتبرون أنَّ التاريخ العربي الإسلامي مزيَّف كاذب، وفيه الكثير من اللغط والظلم والفساد وأنَّ عليهم (أي الإيرانيِّين وأعوانهم) تصحيح هذا التاريخ والثقافة وإعادة صياغة مفهوم الأمَّة بما يتلاءم مع مفهومهم لماهية الأمَّة الإسلاميَّة. ومن هنا كان الصدام الأوَّل بين الإيرانيِّين وأعوانهم العراقيِّين من جهة، ونظام البعث العربي العلماني من خلال تأجيج العلاقات وتسخينها على الحدود ودعمهم لعصابات "حزب الدعوة" في أرهابه المتواصل في العراق.


لذا، ليس من باب الغرابة أن يصطدم المشروعان الإيراني والغربي الصهيوني تارة ويتعاونان تارة أخرى. ففي مرحلة ما، إبتاعت إيران المسلمة السلاح من الكيان الصهيوني لقتال عدوٍّ لدود، عرب العراق، أكثر من البائع. ولم يجد الإيرانيُّون غضاضة أو حياء في تسهيل مهمَّة الغرب في احتلال العراق وأفغانستان. ولم يرَ رافسنجاني أيَّ عيب في أن يعلن مفتخرًا: "لولا إيران لما استطاعت الولايات المتَّحدة احتلال العراق وأفغانستان وتدميرهما"، وكأنَّه يرغب في أن تغضَّ أمريكا الطرف عن امتلاك بلاده للتكنولوجيا النوويَّة! لكن "الشيطان الأكبر"، وكعادته لن يسمح لإيران أن تقوى وتتسلَّح لتكون بمثابة الندِّ له ولمشروعه في المنطقة، ولو على نطاق إقليميِّ فقط. هذه الأحجية تفسِّر الأزمة المتفاقمة ما بين المشروعين في المنطقة التي لا ناقة للعرب فيها ولا جمل أو حتَّى جرو. على العكس، فقد كان العرب مهدَّدين بسلاح الكيان الصهيوني، أمَّا الآن فهم مهدَّدون من كيان آخر، وكلاهما له مطامع توسُّعيَّة على حساب أمَّة العرب. إسرائيل تريد التوسُّع لإقامة دولة إسرائيل الكبرى، وإيران تريد التوسُّع لـ "تحرير" لعتبات المقدَّسة" والديار الحجازيَّة من أيدي "الضَّالين" وحفدة قتلة الحسين، توطئة لقدوم المهدي حسب ما أورده الخميني في كتابه، وما يشيِّعوه بين العوام في إيران وغيرها. كلُّ هذا، يفسِّر بعقلانيَّة وعلميَّة متناهية التضاد في فلسطين والعراق، والتوطئة لقدوم الأمريكان لكسر شوكة نظام علماني عروبي لم تسطع الآلة الحربيَّة الإيرانيَّة على مدى ثماني سنوات من هزيمته. وينسحب الأمر ذاته على أفغانستان، على أمل أن يُجيَّر هذا الدمار الذي حصل في البلدين للمصلحة العليا للاستراتيجيَّة الإيرانيَّة، ليتمَّ من بعدها وضع اليد الإيرانيَّة على هذين البلدين الجارين اللذين لا تسطيع إيران ترويضهما بدون مساعدة "الشيطان الأكبر" ومن خلفه الكيان الصهيوني المجرم. فليس مستغربًا أن يتواطأ سياسيُّو إيران ومراجعها مع الاحتلال الأمريكي ـ الصهيوني للعراق من خلال لجم أيِّ توجُّه جماهيري للمقاومة بمسوِّغات دينيَّة وسواها من مسوِّغات طائفيَّة شعوبيَّة كان لها تأثير كبير في مجريات الأمور في جنوب العراق ووسطه! علاوة على ذلك، كانت إيران أوَّل دولة تعترفت بمجالس الحكم في بغداد، وباركت ما سمِّي بـ "العمليَّة السياسيَّة" التي تمخَّض عنها القبول بـ "دستور بريمر" التفتيتي، وانتخابات هزيلة صوريَّة صوَّت عليها من أُلزموا "شرعًا" من مراجع إيرانيَّة تسكن في أقبية رطبة ومعتمة في النجف! ليتكلَّل هذا التواطوء بزيارة الرئيس "الثوري" الإيراني لبغداد تحت حماية أربعة آلاف جندى أمريكي!


ثمَّة من يتساءل عن مصلحة إيران من دعمها لـ "حزب الله" في لبنان، و "حماس" و "الجهاد الإسلامي" في فلسطين؟ الجواب غاية في اليسر والسهولة: إذا لم تصارع إيران على "الكعكة" من يحاول أن يلتهمها، أي الكيان الصهيوني، ولم تدعم أولئك المقاومين، فسوف تكون خارج اللعبة، وتكون بذلك الخاسر لصالح الكيان الصهيوني والغرب. لكن الأخطر من كلِّ ذلك، سوف تكون الخاسر في مُراهنة الجماهير الإسلاميَّة المُفتَرَضة التي نصَّبت، أي إيران، نفسها مدافعة عنها، أي الجماهير، قائدة لها سواء شاءت أم أبت، طبعًا حسب التفسير والأيديلوجيا الصفويَّة الإيرانيَّة، وحسب ما أبدعته عبقريَّة الخميني ونهجه. ومع ذلك لا بدَّ من الاعتراف بالحقيقة بأنَّ اثنتين من القوى الإسلاميَّة المقاوِمة (بكسر الواو) ولدتا مع نجاح ثورة الخميني، بينما الثالثة لم تجد من يدعمها في خطهِّها، ولا سيَّما في السنوات العشرة الأخيرة. تتِّفق إيران والقوى الثلاث على عالميَّة الإسلام ومحاربة الفكر القومي في المنطقة العربيَّة. فليس من الغريب أو المُستهجن أن يغضَّ حلفاء إيران الثلاثة، الطرف عمَّا جرى ويجري من تدمير منهجي للعراق العربي، وإعادة صياغته على أساس شعوبي يخدم مصلحة إيران والكيان الصهيوني. كلٌّ له أسبابه في التقائهم من جرَّاء عروبة العراق وعدائه لأيديولوجيَّاته. غير أنَّ الأدهى من هذا وذاك، موقف "حزب الله"! الحزب الذي يطرح نفسه حزب العرب والمسلمين الذي له موقف واضح من قضايا الأمَّة العربيَّة بكلِّ وضوح، من عملاء المنطقة الخضراء المزدوجين، وممَّا يسمَّى بـ "المراجع الدينيَّة" المختفية في أقبية النجف، ومن المقاومة منذ اليوم الأوَّل! موقف "حزب الله"، حزب ولاية الفقيه، أي أمتداد نفوذ خامنئي وما يمثِّل، كما تفاخر به أمينه العام حسن نصر الله! في أحسن الأحوال، موقف ضبابيٌّ مفرط في سكونه، ولا يعقل لأيِّ تفكير سليم إزاحة الضبابيَّة عن هذا الحزب المتورط لشوشته في استراتيجيَّة المشروع الإيراني في المنطقة العربيَّة. فلقد أعرض "حزب الله" وأمينه العام عن دعمه لخيار المقاومة باستحداث ألفاظ ضبابيَّة عامَّة عن المقاومة في العراق ليقرأها مَن شاء من مبرِّريه من العرب الساخطين على عمالة أذيال أمريكا في المنطقة الذين يشعرون بمرارة الذل والهوان اللذين وصلت إليهما أمَّتهم. وجاء توقيت الاتِّفاقيَّة الأمنية بين حكومة الطائفيِّين الخونة والمحتل الأمريكي، وبعد اعتراض إيران المستميت عليها، خرج علينا حسن نصر الله بعد خمس سنوات من مقاومة ضارية للاحتلال يؤيِّد المقاومة، ويحثُّ الشعب العراقي على خيارها كأن لم تكن هنالك مقاومة على مدار تلك السنوات الماضية!


عميل ومجرم وذليل كلُّ مَن يعترض على مقاومة "حزب الله" للكيان الصهيوني. بل أفَّاك وجبان رعديد مَن يشكك بعداء "حزب الله" للكيان الصهيوني، وفي انتصاره في تمُّوز 2006، وليس لديَّ أيُّ شكِّ في ذلك. إلاَّ أنَّ الحقيقة يجب أن تُقال بكلِّ وضوح هو أنَّ "حزب الله" ومع انتصاراته التي عجزت كلُّ النظم العربيَّة عن تحقيقها على العدوِّ الصهيوني لن يكون الجواب عن مسائل الأمَّة من انحطاط وذلٍّ واحتلال وهوان، بل هو جزء أساس من استراتيجيَّة إيران مقابل الاستراتيجيَّة الأمريكيَّة – الصهيونيَّة. وهذا أمر لم يخفه "الحزب" منذ انطلاقه عام 1983، بل جاهر به وعبَّأ الجماهير اللبنانيَّة الجنوبيَّة بالفكر الخميني والثقافة الإيرانيَّة الإسلاميَّة، ورُفع العلم الإيراني في عدَّة أماكن ومناسبات طوال السنوات الخمس والعشرين التي مضت. في المقابل، وإزاء استسلام الأنظمة العربيَّة قاطبة للسيِّد الصهيو ـ أمريكي، وعجز القوى الوطنيَّة واليساريَّة عن عمل تحقيق أيِّ إنجاز أمام هذه الهجمة الشرسة من الغرب وربيبتها إسرائيل، وقف الإنسان العربي المُحبط والمذل مشدوهًا معجبًا ومهلِّلاً لانتصارات "حزب الله" في لبنان على العدو الذي أذلَّنا على مدى قرنٍ مضى. وأسفر هذا "الانتصار" عن قوًى وأحزاب وشخصيَّات ومفكِّرين قوميِّين ويساريِّين تفنَّنوا في تبرير علاقة "حزب الله" بإيران، وسكتوا عن جرائم إيران في العراق والهجمة الصفويَّة الثقافيَّة على الأمَّة العربيَّة من مفاهيم غريبة ومستهجنة كالتي تطلقها أبواق كثيرة، على رأسها فضائيَّة "العالم" التي لا تجد حرجًا ولا غضاضة في تسمية خليج العربي بالفارسي. وإتاحة المنابر لكلِّ شعوبيٍّ يهاجم العرب ويسفِّه تاريخهم. ناهيك عن تطويع العقل العربي لمفهومات الثقافة الفارسيَّة الصفويَّة من تاريخ وأدب وسياسة. فلا ترى على صفحات "كيهان" العربي أو جريدة "التوافق" أو فضائيَّة "العالم" سوى وجوه شعوبيَّة طائفيَّة حاقدة على كلِّ ما هو عربي عروبي أمثال مَن باعوا أنفسهم للمحتل في العراق.


إنَّ سياسة خلط الأوراق التي تتَّبعها فارس ـ إيران في المنطقة تمرُّ مرور الكرام تحت أنوف الكثيرين وسمعهم ونظرهم من أبناء أمَّة العرب الطيِّبين الذين يريدون لها كلَّ خير. فالحرب الإعلاميَّة ما بين الفأر الفارسي والوحش الغربي في قضيَّة الملف النووي وملف الاحتلال الصهيوني لفلسطين مقرون بغياب عربي، وبخيانة رسميَّة عربيَّة وانحطاط شعبي عربي جعلت الكثيرين من العرب الغيورين يقعون ضحيَّة الكذب والتلفيق والكلام الإيراني المزدوج في فلسطين وغيره في العراق. فترى بعض هؤلاء ينصِّب نفسه أو حزبه، ويسترخص قلمه للدفاع المستميت والضاري عن إيران مبرِّرًا أنَّ "المعركة الأساس" مع العدوِّ الصهيوني- الغربي في محور فلسطين، وأنَّ الخلاف مع إيران هو خلاف ناتج عن ضعف الأنظمة ووهنها وخيانتها. ولخلاف مع إيران ثانوي ومؤقَّت. إذًا، دمار العراق وتفتيته على أسس عرقيَّة ـ طائفيَّة، وبث الشعوبيَّة والعداء للعروبة وتاريخها وثقافتها وهويَّتها مسألة ثانويَّة تُحلُّ مع "حليف وصديق"! فما العمل وكيف التعامل مع هذا العدو - الصديق؟


لا مجال للنقاش في أنَّ التناقض الرئيس مع الكيان الصهيوني، ومع الغرب بقيادة الولايات المتَّحدة عمومًا. غير أنَّ هذا التناقُض يجب ألاَّ يختَزِل التناقُضات الأخرى لتُرمى في سلَّة مهملات النفسيَّة العربيَّة المهزومة. ويجب ألاَّ يغرب عن البال إطلاقًا أنَّ الثمن المدفوع لتحقيق بعض انتصارات معنويَّة وصغيرة عالٍ ومرتفع. والقوى التي تحقِّق تلك "الانتصارات" هي قوى سياسيَّة- إسلامويَّة لها برامجها الثقافيَّة والاجتماعيَّة والفلسفيَّة، وهي نفسها التي بتحليلها "الأممي" النرسجي والطوباوي للإسلام تحالفت، وما تزال في الشيشان مع "الشيطان الأكبر" بشكل مباشر وغير مباشر في تدمير الاتِّحاد السوفياتي ويوغسلافيا الدولتين الصديقتين لقضايا العرب، وفي مقدَّمتها فلسطين. بل كانت القوَّة التي دمَّرت قوى قوميَّة وعلمانيَّة في لبنان. ناهيك عن تحالف قوى الإخوان المسلمين، و "حماس" جزء منها، مع الأنظمة العميلة على امتداد الوطن العربي وآخرها تحالف حزب طارق الهاشمي (إخوان العراق) مع الاحتلال الأمريكي.


المطلوب من القوى والأحزاب والشخصيَّات القوميَّة والوطنيَّة الفاعلة، بدلاً من الركض واللهاث وراء مكتسبات آنيَّة مقابل أثمان باهظة جدًّا، أن تنهض للملمة نفسها واستنهاض برنامج استراتيجيَّة عربيَّة قوامه مصالح الأمَّة العربيَّة وتحرُّرها وتقدُّمها، والكفِّ عن السير نحو سراب آتٍ من وراء جبال زاغروس أو من وراء أمواج البحار العالية. استراتيجيَّة كتلك تتقاطع مع الاستراتيجيَّة الإيرانيَّة، الأمَّة الجارة لنا، لا شكَّ أنَّها تخدم الأمَّتين لما فيها من رفعة وتقدٌّم وحضارة. أمَّا إذا أصرَّت إيران على ما هي عليه، فلا مناص من مقارعة العدو الأساس المتمثِّل في الصهيونيَّة والإمبرياليَّة والأنظمة العميلة لها على امتداد الوطن القومي وحماية الوطن من من يريدون تعجيم الأمة بمسوغات دينية وعاطفية. كذلك المطلوب هو أستراتيجية تقوم على مصالح الأمة الواحدة لا القطرية أو الطائفية أو العشائرية أ لمناطقية..أستراتيجية تأخذ بالحسبان المواطن ومطالبه وحريته (التي لا تتجزّأ ولا يُفتى فبها) وأستقراره الشخصي والأمني والمستقبلي.. أستراتيجية تقوم على العدل الأجتماعي بين الناس جميعا وأعطاء المرأة, نصف المجتمع, حقوقها الأنسانية التي جُرّدت منها تارة بأسم الدين وتارة أخرى بأسم عاداتنا البالية, لكن فوق كل ذلك على هذه الأستراتيجية أن تدافع على حق هذه الأمة بأن تعيش بسلام ووئام مع جاراتها من الأمم على أساس الأحترام المتبادل وإلا فالسيف هو العدل كانت أيران المعتدي أم ألغرب بكل أشكاله.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٢٢ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢١ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م