حقيقة ( كابوس ) الانقلاب العسكري الوشيك الذي يرعبهم

 

 

شبكة المنصور

د. أيمن الهاشمي  / كاتب أكاديمي عراقي

 

أركان وموالي المنطقة الخضراء من كل أشكالهم  الوسخة والمقززة مرعوبون هذه الأيام، تتوالى تصريحاتهم تحذر من وقوع انقلاب عسكري وشيك يعيد العراق إلى نقطة الصفر، ويهدم كل ما بناه الأسياد والعملاء من عملية سياسية كريهة اللون والطعم والرائحة، لا يعترف بها العراقيون ولا يشترونها بفلس واحد!!  وهذه التخوفات لا تنطلق من فراغ أو من لا شئ.. بل إنهم (القابعون في المنطقة الخضراء) متيقنون أن أيامهم باتت معدودة بل أقرب مما يتخوفون! ففي خضم استمرار تردّي الأوضاع الأمنية في العراق، وبخاصة بغداد العاصمة، وبالرغم من كل إدعاءات الحكومة عن حصول تحسّن امنيّ، ومع التصريح المثير للجدل للجنرال "بترايوس" لدى انتهاء مهمته في العراق مؤخراً، من أن الوضع القادم للعراق لا يبشر بخير، وتقرير البنتاغون مؤخرا عن "وضع امني هش في العراق"، عاد من جديد إلى صدارة الأحداث في العراق، الكلام التحذيري عن "إنقلاب عسكري وشيك" بمباركة أمريكية. ولا شك أن الكلام عن "مباركة" أمريكية هو محاولة لمصادرة المطلوب قبل أوانه، بعد أن أدركت أمريكا أن مصيرها في العراق إلى أفول، ورحيلها عنه أمر لا تعتريه شبهة ولا شك، فتحاول أن تمنح التغيير القادم (بركاتها) لأنها تعرف أنه حاصل لا محالة!

 

والملفت للنظر هذه المرة، على عكس المرّات السابقة،  أن الحديث عن "الانقلاب العسكري الوشيك" لم يأت من صحف ومصادر أجنبية كما جرت عليه الحال في المرات السابقة، بل ورد عبر تصريحات رسمية لأبرز أركان النظام الحاكم وخلال فترات متقاربة، فرئيس الوزراء نوري المالكي هاجم البعثيين بشدة، في خطاب له مؤخرا، وحذر من خطر عودة تغلغلهم في جسد الدولة العراقية، دون أن يشير إلى تفاصيل رغم انه رئيس هذه الدولة التي يتخوف منها!!

 

أما مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان فقد حذر علناً خلال حديثه لقناة "الجزيرة" من إمكان وقوع انقلاب عسكري في البلاد، وأكد أن الانقلاب وارد إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه الآن، إذ أن البعض مازال يتصور أن بإمكانه الانفراد بالحكم”.   

 

عادل عبدالمهدي نائب الرئيس العراقي وخلال حديثه مع قناة "العربية" أعرب صراحة عن خشيته من إعطاء دور اكبر من المطلوب للجيش في حسم مسائل سياسية، محذراً من حدوث انقلاب عسكري في العراق!!. وقال: "يجب الحذر من حدوث انقلاب عسكري في العراق بسبب وجود تربية عسكرية مركزية فيه"، ودعا إلى "حصر دور القوات المسلحة العراقية والقوات الأمنية في المهام الملقاة على عاتقها في المكان المناسب، ووفق ضوابط معينة، كون العملية السياسية اشترطت أن تكون المؤسسة العسكرية تحت قيادة مدنية لكي لا يعود العراق إلى أجواء الانقلابات السابقة!".  

 

أحمد الجلبي رئيس حزب المؤتمر الوطني صرح بوضوح "أن الانقلاب العسكري ممكن جداً، وحذر الجلبي مما أسماه "محاولة أمريكية لإعادة تحرير العراق"!. 

 

رئيس البرلمان محمود المشهداني، هو الآخر، صرح لجريدة "الحياة" اللندنية عن وجود "دعوات من الخارج  لإسقاط النظام الحالي عبر انقلاب خلال شهرين إذا ما فشلت الكتل  السياسية في التوصل إلى حل ايجابي" مضيفا بالقول: "ربما لا يكون انقلابا عسكريا.. بل سياسيا". كما كشف المشهداني النقاب عن أن "القرار الأمني على وجه  التحديد غالبا ما يكون أمريكيا" مشيرا إلى أن "البرلمان لا يملك  صلاحية استدعاء قائد القوات الأمريكية أو السفير الأمريكي في  العراق للمساءلة". 

 

"محسن الحكيم" المستشار السياسي لرئيس المجلس الأعلى الإسلامي في العراق حذّرَ من حدوث انقلاب عسكري في العراق، معتبرا ذلك هاجساً أساسيا للعراقيين بهذه البلاد، وشدد الحكيم في تصريح صحافي على ضرورة أن يؤخذ موضوع تدبير انقلاب عسكري في العراق على محمل الجد، مشيرا إلى عودة بعض عناصر حزب البعث إلى الجيش العراقي.  وأعرب الحكيم عن أسفه لعودة هؤلاء إلى الجيش العراقي رغم أن قانون إزالة البعث ينص على طردهم من الجيش والشرطة على حد قوله، لافتاً إلى أن وقوع الانقلاب لا يعني بالضرورة في الوقت الحاضر بل إن الأوضاع فيه تؤدي دورها في ذلك.


نائب رئيس البرلمان من التحالف الكردستاني (عارف طيفور) صرح مهددا ومتوعدا وقال إن عودة ضباط من الجيش العراقي إلى الخدمة من جديد أمر خطير لايمكن السكوت عليه!!!

 

إن الحديث عن انقلاب عسكري وشيك يعبّر عن شعور طرفي الكارثة العراقية: (قوات الاحتلال، وعملائها في المنطقة الخضراء)، بالإحباط واليأس والخوف من الغد المجهول!! فقوات الاحتلال الأمريكي ورؤسائها، يشعرون بالإحباط تجاه الشكل السياسي العام الذي أنتجته العملية السياسية العرجاء، والذي لم تحظ بعض مكوناته بالرضا الأمريكي التام، وهذا الإحباط ربما يجعلهم يغضون الطرف عن انقلاب لن يغير بالآليات، بل يغير بالشخوص فقط، أو الخارطة السياسية، ويرى بعض المحللين السياسيين العراقيين أن هذه التخوفات تكاد تكون محصورة بالسياسيين دون سواهم، لإحساسهم بان "العسكر" باتوا يأخذون دورهم في حل القضايا السياسية والأمنية المعقدة،  مما ولد لديهم حذرا وتوجساً يتعلق بالعودة إلى "عسكرة المجتمع" خاصة وأنهم يعتقدون بان المجتمع العراقي مازال يؤمن بالقوة حلا مثاليا لجميع المشاكل لاسيما السياسية منه. فمنذ عامين ونصف ترددت تحليلات إخبارية أمريكية وبريطانية حول قبول الولايات المتحدة مناقشة فكرة "فرض حكومة عسكرية في العراق" بعد فشل أربع حكومات إحتلال في تحقيق الاستقرار المنشود؛ حيث أن ازدياد حدة الخلافات وتصلب الآراء بين الفرقاء السياسيين هو أحد الأسباب الرئيسة وراء تدهور الوضع الأمني مما اقتضى ضرورة مراجعة للعملية السياسية القائمة.

 

وكان أول من تحدث عن خطة أمريكية لإعادة "تحرير بغداد" هي جريدة الصاندي تايمز البريطانية يوم 16/4/2006 حين كتبت بأن القوات الأميركية تخطط لإعادة تحرير بغداد من خلال الأستعانة بالجيش العراقي الجديد، في مسعى لإعادة إحلال الأمن والنظام في العاصمة التي تتسم بالفوضى، وقيل وقتها أن من سيشرف على التخطيط للمهمة هو الجنرال "ديفيد بتريوس". مسؤول دبلوماسي أميركي صرّح لموقع "إيلاف" أن قادة أميركيين سياسيين وعسكريين أصبحوا يميلون مع التقارير العسكرية السلبية حول وضع القوات في العراق إلى فكرة مساندة إنقلاب عسكري لأحد جنرالات الجيش العراقي السابق،  حيث يبدي جنرالات سابقون (معتدلون) في الجيش العراقي رغبتهم في الإتصال سياسيًا مع الولايات المتحدة الأميركية لبلوغ تفاهمات عسكرية في حال ساندت واشنطن الإنقلاب العسكري. ووفقًا للدبلوماسي الأميركي فإنه لدى الجنرالات العراقيين، خطط أمنية على مستوى أمني عالي ومهاري لطرد شبكات وخلايا القاعدة ووقف وشل القدرات الإستخبارية للخلايا الأمنية التي تعمل بأوامر مباشرة من أجهزة استخبارات تابعة لدول في الجوار العراقي (المقصود إيران)،

 

ومع تصاعد حالة الفوضى وفقدان الأمن والاستقرار، واستمرار نزف الدم العراقي، ومع استمرار تخبط القوى السياسية في الاتفاق على إدارة وطنية للبلد الممزق، وفي ظل إقرار القادة والسياسيين الأميركان بتخبطهم وأخطائهم القاتلة في العراق منذ الغزو، وقرب انتهاء ولاية بوش الذي عجز عن تحقيق النصر المزعوم في العراق، وفي ظل يأس العراقيين من أي حل يمكن أن يقدمه (المتنازعون) على كراسي الحكم في المنطقة الخضراء، فقد ظهرت بوادر تتحدث عن حلول محتملة قد تلجأ إليها الولايات المتحدة من أجل حلحلة وإنقاذ الوضع العراقي، وتهيئة الأجواء المناسبة لإنسحاب (مُشرِّف!!) يحفظ هيبة الجيش الأمريكي مع تصاعد ضربات المقاومة، التي أجبرت الأميركان على توسيط أطراف عديدة من أجل (التفاوض) و(الجلوس) معها، في ظل كل تلك الأجواء والتطورات بدأت تتسرب أخبار من داخل أطراف البيت الأبيض، بأن الإدارة الأمريكية باتت تخطط لتهيئة الأجواء لما يدعى (إنقلاب عسكري) من أجل (إعادة تحرير بغداد!!). الحملة الانقلابية العسكرية المقترحة سوف تركز لإعادة السيطرة على بغداد، باعتبارها مفتاح السيطرة على عموم العراق، وتهدف إلى إعطاء سكان العاصمة، الحوافز والتطمينات، للتعاون مع السلطة الجديدة،  وتعزيز دور الصحوات في مجال ملاحقة القاعدة، مقابل تقديم الحماية لهم من العنف الطائفي المتنامي. ويقول مسؤولون لهم علاقة بالعملية أن القوات المسلحة العراقية سيكون لها الدور الرئيسي في التنفيذ، وسيتم دعمها بالغطاء الجوي، ورجال الاستخبارات، وقيادة العمليات الخاصة، وقوات تعزيز أمريكية من مختلف الصنوف. كما سيتم إستخدام الطائرات المروحية الخفيفة المناسبة لحروب المدن في تنفيذ العملية عند الاقتضاء. إن حالة الحرج التي تعيشها الإدارة الأمريكية وقواتها في العراق نتيجة الفشل في إيقاف الهجمات على القوات الأمريكية، واستمرار أعمال العنف الطائفي، جعلتها تسعى إلى إجراء مفاوضات حقيقية مع المقاومة، وعناصر قيادية محترفة من الجيش العراقي السابق، وهذه المفاوضات بدأت في دول الجوار، وترتبط الدعوة إلى حكومة إنقاذ أو إنقلاب وطني ببلوغ الأزمة في العراق بعد خمس سنوات ونصف من الغزو، مرحلة اللاعودة وتلاشي الخيارات السلمية أمام مختلف الأطراف لحسم تناقضاتها بواسطة التفاوض، وربما بانعدام الفرص الفعلية أمام أي مقاربة عملية بين الرؤى والاتجاهات المتصارعة؛ وأكثر من ذلك ببلوغ الاستعصاء في الحياة السياسية درجة يصبح فيها الخيار العسكري هو الحل الوحيد. فقوات الاحتلال الأميركي مثلا، لم تعد – كما كان الحال في الأيام الأولى من أبريل/نيسان 2003- هي القوة الوحيدة التي تستطيع أن ترسم بمفردها صورة العراق الجديد، إنها بكلام أدق قوة من بين قوى أخرى تصارع من أجل رسم هذا المستقبل. بل بات هناك المقاومة العراقية التي دخلت، مع اشتداد عودها وتصاعد نشاطاتها وامتدادها في مختلف أنحاء العراق، مرحلة التحول إلى قوة موازية، بل إلى قوة يمكنها، ربما بأسرع مما يظن الأميركيون، أن تدير دفة الصراع وحسمه.  كما أن الأطراف المتصارعة دخلت أطوارا جديدة من الصراع، في حين أن الدولة مازالت تعيش في عجز شبه تام ومتواصل عن تلبية أبسط احتياجات المواطنين من الأمن الشخصي والماء الصالح للشرب والكهرباء والوقود والصحة وباقي الخدمات الأساسية، تبدو هي الأخرى وقد دخلت طورا جديدا من الأزمة. إنها تسير إلى الوراء بينما توحي حركتها أنها تسير إلى الإمام.

 

المقاومة العراقية بكل مكوناتها من إسلامية وبعثية وقومية وعلمانية وصوفية وسلفية ويسارية شيعية وسنية وكردية ومسيحية وايزيدية وتركمانية ومندائية باتت الرقم الأصعب في المعادلة العراقية كما يفهمها من لديه ذرة معلومات وإدراك للموقف العسكري والتعبوي في العراق، وعلى صعيد الإقناع الجماهيري، فالقوى العميلة المسيطرة على العملية السياسية ماضية في غيّها وطيشها ترفض الاستماع لأي نصيحة أو إدراك لحقيقة الموقف على الأرض، وتظن جاهلة أن الاحتلال باق وان إسناد الأمريكان والإيرانيين لهذه الحكومة ولهذه العملية السياسية الكريهة يمكن أن يستمر إلى ما لانهاية، وما زالت الحكومة وأحزابها الطائفية والعنصرية تصر على استبعاد شريحة بل مكون أساسي كبير من العراقيين إنهم الرافضون تماما للاحتلال ونتائجه، هذا المكون الذي يكبر ويتسع ويقوى يوما بعد يوم، ورغم محاولات الإدارة الأمريكية الخائبة في رفع العصا على العرب لدفعهم للهرولة نحو المنطقة الخضراء ببغداد المحتلة لتجميل صورة النظام الكسيح، وشرعنة الاحتلال لكن لا العرب اقتنعوا ولا حتى من هرولوا إلى بغداد هم مقتنعون بان النظام الحالي يمكن أن يقوى على الصمود ساعات بعد رحيل الأمريكان. إن تيار الرفض للاحتلال يتسع ويقوى يوما بعد يوم وصفوف المقاومة العراقية تكبر ولن يرسم مستقبل العراق وأمنه واستقراره غير المقاومة الباسلة ولا شك أن الجيش العراقي ركيزة أساسية من ركائزها الصلبة.

 

إن من يريد دفع أمور العراق نحو الاستقرار والديمقراطية الحقيقية لابد أن يدرك أن التمسك بالعملية العرجاء أمر ميؤوس منه.. وان من يريد الخير والأمن والرفاهية للعراق لابد عليه أن يستمع لصوت المقاومة ويتحاور ويتفاوض معها.. ولا خوف على العراقيين من انسحاب سريع أو مفاجئ للمحتلين من العراق فالعراقيون كما قال الشيخ حارث الضاري قادرون على لمّ صفوفهم وتوحيد جهودهم ومسك زمام الأمور في بلدهم بعد التحرير أو بعد الانسحاب الأمريكي، وسيبنون بلدهم على أفضل وجه خلال فترة وجيزة.

 

إن التخوف من انقلاب عسكري مزعوم ما هو إلا ترجمة أخرى لكابوس يعيشه أهل المنطقة الخضراء من أمريكان وعبيدهم، بان مازرعوه في 9/4/2003 لن يدوم، وان الظلم لا يدوم، وان إرادة العراقيين في التحرر مستمرة وفاعلة وقاربت أن تؤتي ثمارها في يوم قريب يوم الحصاد الأكبر يوم النصر القريب ..

 

﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ﴾ ،

 

وهو قريب بل أقرب مما نتصور ( إنّهُمْ يَرَوْنَه بَعيداً وَنَراه قَرْيباً )...

 

 
 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس  / ١٧ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٦ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م