سواء فاز ماكين أو أوباما .. سيرحل بوش ..
أيام ونشهد بداية نهاية حقبة حكم رئيس كاذب وقاتل ومجرم ..
لعنة العراق تلاحقهم ..
ديفيد وورمسر .. المضَلِل .. إسرائيلي في مكتب تشيني .. توأم ريتشارد بيرل ..

﴿ الحلقة الثامنة ﴾

 

 

شبكة المنصور

الدكتور محمود عزام / مقاتل ومقاوم عراقي

 

هدف (ضرب سوريا) كان من المخطط له ليكون أحد أهم ثمار "الإنتصار" الموعود بعد مغامرة  غزو وإحتلال العراق الذي لا زالت الولايات المتحدة تدفع  ثمن باهظ جدا لتحقيق حلم الوصول إليه!..ولكن الذي حصل إن الإنتصار الأمريكي تأخر كثيرا حيث إن الحرب على العراق  كما تنكشف يوما بعد يوم لا علاقة لها بـ "أسلحة الدمار الشامل"، ولا علاقة لها لا بالقاعدة ولا بـ "زراعة جديدة  لديمقراطية واعدة " في تربة العراق المعقدة التكوين والتشكيل..فليس هناك من هدف تحقق ليعتبروه إنتصارا..

 

وكانت هذه العقيدة قد ورد ذكرها في ورقة عمل أُعدت في عام 1996 لصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتانياهو من قبل مجموعة عمل تتألف من عدة شخصيات يحتلون الآن مراكز رفيعة في إدارة بوش  وأوصت الورقة التي تحمل عنوان "انفصال تام: استراتيجية جديدة لتأمين العالم"، بأن تحرر اسرائيل نفسها من الإعتماد المحرج والمضعف على الجيش والدعم الدبلوماسي الأمريكيين  وبصرف النظر عن كونه غير مشروط، فان هذا الدعم قيد إسرائيل ومنعها من السعي وراء مصالحها الحقيقية  وهذه الورقة التي شارك في صياغتها كل من ريتشارد بيرل، دوغلاس فايث ، ديفيد وورمسر وميراف وورمسر، وغيرهم  صورت سوريا باعتبارها العدو الرئيس لإسرائيل ولكنها أكدت أن الطريق إلى دمشق يجب أن يمر أولا عبر بغداد!!..

 

وذكرت هذه الدراسة نصا ما يلي : ( تستطيع اسرائيل أن تشكل بيئتها الإستراتيجية بالتعاون مع تركيا والأردن  ومن خلال إضعاف واحتواء بل صد سوريا  ويمكن لهذا الجهد أن يركز على إزالة صدام حسين من الحكم في العراق  وهو هدف استراتيجي إسرائيلي مهم بحد ذاته  كوسيلة لإحباط الطموحات الإقليمية السورية  وقد تحدى الأردن  مؤخرا  طموحات سوريا الإقليمية عبر اقتراح اعادة الملكية الهاشمية إلى العراق)..

 

إذا هي إستراتيجية قديمة وجاهزة ولو تتبعنا مسؤولي البيت الأبيض في حقبة بوش لوجدنا ان ثلاثة من مستشاري نتانياهو السابقين وهم: بيرل وفايث وديفيد وورمسركانوا قد شغلوا مناصب رفيعة في مجالس السياسة الخارجية التابعة لإدارة بوش  حيث ساعد دعمهم البغيض للحرب على العراق في تنفيذ القسم الاول من هذه الخطة..

 

شغل ديفيد وورمسر منصب كبير معاوني مساعد وزير الخارجية جون بولتون  الذي كان يعد شارون  قبل أن تُطلق طلقة واحدة على العراق  بأن سوريا ستكون التالية!.. وكما نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية في حينه  فإن مساعد وزير الخارجية الأمريكي جون بولتون قال في اجتماعاته مع مسئولين اسرائيليين في الفترة التي سبقت الغزو  إنه لا يساوره أدنى شك بأن أمريكا ستهاجم العراق.

 

لكن الأمريكيين إرتدعوا عن شن حروب أخرى بفعل التورط غير المتوقع (بالنسبة لمهندسي الحرب) في المستنقع العراقي الذي يزداد عمقا  فلقد وضعت مقولة كارل روف (عقل بوش) : ( لا حروب في عام 2004)..  حاجزا في طريق المحافظين الجدد في الحكومة الأمريكية المؤيدين لإسرائيل، والذين يخضعون الآن لحصار  لتلعب إسرائيل  الذي أثار حفيظتها هذا التحول في الأحداث بورقتها العسكرية.

 

في عام 1996م  وجه بنيامين نتانياهو  رئيس الوزراء الإسرائيلي  الدعوة إلى العديد من هؤلاء النشطين ذوي النفوذ من المحافظين  لحضور مؤتمر نظمه في القدس لمناقشة سبل إنهاء إهتمام الحزب الديمقراطي في سياسته الخارجية بموضوع حقوق الإنسان  والتركيز بدلاً من ذلك على شن حملة تتصدرها الولايات المتحدة ضد (الإرهاب) في العالم! .

 

وفي ذلك المؤتمر قدمت مجموعة من المحافظين الجدد برئاسة ريتشارد بيرل الذي كان آنذاك كبيرًا للباحثين في معهد 'أمريكان إنتربرايز للسياسات العامة في واشنطن وعضوية دوغلاس فايث وكيل وزارة الدفاع الأمريكية بعد ذلك  وديفيد وورمسر من معهد 'الدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدمة' في حينها  وآخرين من أنصار إسرائيل  خطة استراتيجية جديدة بعنوان 'A Clean Break'، تدعو نتانياهو إلى التخلي عن اتفاقات أوسلو والتحول من مبدأ الأرض مقابل السلام إلى (السلام مقابل السلام) المستند إلى توازن القوى  واعتماد علاقة استراتيجية جديدة مع الولايات المتحدة تستند إلى الفلسفة التي تجمعهما معًا  وهي فلسفة السلام من خلال القوة  وإعادة تشكيل الوضع في المنطقة بما يخدم أمن إسرائيل.

 

وجاء في تلك الخطة:

( أن بوسع إسرائيل أن تعيد تشكيل البيئة الاستراتيجية المحيطة بها من خلال التعاون مع الأردن وتركيا  وإضعاف سوريا وإسقاط نظام صدام حسين في العراق)!..

 

في تشرين الاول 2003 وبعد سبعة أشهر على غزو وإحتلال العراق تخلّى ديفيد وورمسر عن منصبه كمعاون خاص لمساعد وزير الخارجية جون بولتون في حينها ليصبح مساعد نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني الخاص للشؤون السورية!.. وكان إنضمام وورمسر في ذلك الوقت الى طاقم نائب الرئيس تشيني أقوى دليل على إن الادارة الاميركية توجّه انظارها وليس بالضرورة فرقة المشاة االثالثة (التي كثر الحديث في حينها عن تحركات تقوم بها قرب الحدود السورية!)  نحو دمشق!..

 

(إذا كان على الولايات المتحدة أن تبقى كلاعب كبير في المنطقة  وإذا كان على إسرائيل الإستمرار كأمة فعلى الجانبين واجب التفكير في الإقدام على ما لا مهرب منه: الحرب  فالحرب وحدها تحول الأزمة إلى فرصة)!..كانت هذه اول تصريحات وورمسر عند تسلمه منصبه مع تشيني!.. لقد وجه وورمسر رسالة إلى العرب تتبنى المنطق الشاروني : (ما لم يحل بالقوة يحل بالمزيد من القوة)!.

 

وعادة  يتولى مجلس الامن القومي ادارة شؤون السياسة الخارجية في البيت الابيض  بما في ذلك تكليف موظفين متوسطي المستوى للإهتمام بشؤون دول معينة.. لكن تشيني كان ولايزال يتخطّى تأثيره على قرارات السياسة الخارجية بأشواط تأثير أسلافه ..وكما عُض سابقا فقد قام بتعيين لويس "سكوتر" ليبي رئيساً لموظفيه والذي كان يشغل في الوقت عينه منصب مدير الأمن القومي.. وكان ليبي يتعدّى وطاقمه الى حد كبير على صلاحيات مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية  وعلى الأرجح إن تشيني تعلّم هذه الخطوة من مرشده دونالد رامسفيلد!.. فقد أنشأ الأخير في البنتاغون مراكز لجمع الإستخبارات وصنع السياسات يستعملها لتطويق لا بل لتكذيب  التحاليل الصادرة عن وزارة الخارجية او وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي أيه).

 

فمن هو ديفيد وورمسر؟..

 

بإيجاز إنه توأم الروح الإيديولوجي لريتشارد بيرل الذي يُزعم انه مُلهم السياسات الحالية للادارة الاميركية. على غرار بيرل كان وورمسر عضواً في مجموعة صغيرة من الأميركيين المؤيدين لحزب الليكود والتي أعدت لـنتنياهو بعد فوزه عام 1996 إستراتيجية خاصة للشؤون السياسة الخارجية. وتقترح الوثيقة تحت عنوان "تحرّر تام: إستراتيجية جديدة لتولي القيادة" "تحرّر" إسرائيل من إلتزاماتها في أوسلو والعمل فورا على الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين  وتعزيز العلاقات الإسرائيلية مع الولايات المتحدة  وإضعاف الأعداء الإقليميين ( بما في ذلك سوريا ) من خلال تحالفات مع الأردن وتركيا. ربما لم يحظَ نتنياهو بالوقت لتطبيق هذه الاستراتيجية لكن آخرين في واشنطن وتل أبيب أخذوا الأمر على عاتقهم..وخاصة البدء بحملة مكثفة للشروع بمراحل الإطاحة (بالنظام العراقي)!..

 

إثر أحداث الحادي عشر من أيلول عُيّن وورمسر مستشاراً لمساعد وزير الدفاع دوغلاس فايث ومساعده هارولد رود في البنتاغون  وهما أيديولوجيان مناهضان للبعث! . وقد أدى دوراً أساسياً في انشاء مكتب رامسفيلد "للتضليل"  الذي أغلق بعد أن فضحته الصحف على صفحاتها الاولى.. وكان الهدف الأساسي من إنشاء المكتب هو :

 

( تحميل الرئيس العراقي صدام حسين مسؤولية هجمات الحادي عشر من أيلول!.. الامر الذي كان يعتبره بول وولفوفيتز ايضاً ضرورة ملحة ).

 

بعبارة اخرى وورمسر كان يمثل النموذج الجمهوري المنتمي الى المحافظين الجدد الذي لا يتردد في عرض العضلات العسكرية في سبيل تحقيق أهداف السياسة الخارجية التي تُعتبر أساسية لضمان (رغبات الرئيس ونائبه!) على أنها ضمان للمصالح الاميركية في مجال الأمن القومي.

 

وعلى غرار من سبق الحديث عنهم كريتشارد بيرل ودوغلاس فايث وليبي وولفوفيتز ومسؤولين بارزين آخرين في الادارة الاميركية  أعلن ديفيد وورمسر آراءه على الملأ..  وكما في خطاب حالة الإتحاد الذي ألقاه الرئيس بوش في 20 كانون الثاني  2004 ركّز دائماً على مسائل أخرى مختلفة عن عملية السلام الاسرائيلية - الفلسطينية. وبالاضافة الى مساهمته في إعداد وثيقة "التحرّر التام"، ألّف كتاباً ونشر عدداً من المقالات.

 

تنادي كل كتابات وتوصيات وورمسر بزوال الدول القومية العلمانية وإحتواء التأثير السوري ودعم الهاشميين في الاردن والعراق وإضعاف نشاط من يُعرفون بـ"العروبيين" في المؤسسات الاكاديمية والحكومة. ويتحالف في هذا المجال بالذات مع دانييل بايبس الذي عيّنه الرئيس بوش قبل ستة اشهر من تعيين وورمسر رئيساً لمعهد السلام الاميركي. وقد تعثر تصديق مجلس الشيوخ الاميركي على تعيين بايبس عندما شنّت المنظمات العربية والاسلامية هجوماً ضارياً على حملته الآيلة الى الحد من التمويل الحكومي لمراكز الدراسات الشرق الأوسطية التي لا تضم دروساً وأساتذة تتوافق آراؤهم مع السياسة الخارجية الاميركية.

 

عندما كان كلينتون رئيسا للولايات المتحدة كان وورمسر يدير بنفسه مركزاً للدراسات الشرق الأوسطية في معهد المبادرة الأميركية الذي يميل الى اليمين. ومن أبرز المانحين في المعهد ملك الكازينوات في لوس انجلوس إرفينغ موسكويتز.. وكان موسكويتز وهو صديق مقرّب لنتنياهو ويدعم منذ فترة طويلة بناء المستوطنات الاسرائيلية قد أيّد بناء مستوطنة حارهوما في جنوب شرق القدس بين منتصف التسعينات وأواخرها. وفي مقدمة كتابه "حليف الطغيان" الصادر عام  1999 كتب وورمسر "أنا موجود هنا بفضل دعم موسكويتز السخي".

 

وزوجة وورمسر ميراف هي من مؤسسي معهد البحوث الإعلامية الشرق الأوسطية الى جانب الكولونيل ييغال كارمون  الضابط السابق في الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية!!.. كان هذا المعهد يرصد الصحف العربية ويترجم المقالات الأعنف لهجة والأشد عداء لإسرائيل ثم يرسلها عبر البريد الألكتروني والفاكس الى مختلف أنحاء الولايات المتحدة للتقييم وحشد التأييد ضد هذا التوجه (المعادي لإسرائيل!) .

 

وورمسر ومعه العديد من مؤيديه يعتبر إن سوريا بديل حيوي جيد لنقل النفط العراقي  وقد أوردت مجموعة أوكسفورد للأعمال أن سلطة التحالف الموقتة في العراق وعلى الرغم من تفاقم المشاكل الأمنية والسياسية التي تواجهها قد وافقت على إعادة تشغيل خط سكة حديد الموصل - حلب لنقل النفط من شمال العراق الى شمال سوريا ثم الى منطقة البحر المتوسط. كما لفتت المجموعة الى ان قوات التحالف تحمي الخط في الجهة العراقية. ولم يكن لقانون محاسبة سوريا أي تأثير ملحوظ على هذا المشروع. وهذا يعطي إنطباعا واضحا من أن  وورمسر كغيره من الحاقدين تحكمه في التعامل وإعداد السياسات في "العالم الحقيقي" ما يشبه كثيراً المساومة في السوق. تُضطر احياناً الى التخلي عن بعض الاشياء التي ترغب فيها من اجل الحصول على الاشياء التي تحتاج اليها حقاً!.

 

والمعروف عن وورمسر هجومه الدائم على المملكة العربية السعودية ومصر ودعوته لتغيير أنظمتها!.. وصلاته القوية بأحمد الجلبي والمؤتمر الوطني العراقي الذي حاول تنظيم لقاءات له مع مسؤولين إسرائيليين  كما ساعده في إختراق الكونغرس وعرض خططه ومعلوماته المتعلقة بالنظام العراقي وإمتلاكه لأسلحة التدمير الشامل والتي أعتبرت أساسا لغزو العراق وإحتلاله والتي تبين كذبها وزيفها..  

 

غير أن وورمسر يكاد يكون متخصصاً في التحريض ضد سوريا ككيان وليس فقط ضد السياسة السورية!..

 

وورمسر مقرّب جداً من ريتشارد بيرل حيث عملا في مركز أميركان أنتربرايز المعروف بتوجهاته اليمينية المحافظة  وكتب الثاني مقدمة كتابه الأول عام 1999  حول ضرورة شن الحرب على العراق!..وإن مطالعة لأدبيات هذا الرجل تستوجب التوقف حيال المقال الذي نشره صيف عام 2001  في مجلة الشؤون الأمنية الدولية الصادرة عن المعهد اليهودي لشؤون الأمن الوطني حيث يقول إنه لا بد من إعادة النظر بالسياسة الشرق الأوسطية في ضوء تفجر الإنتفاضة الفلسطينية رداً على عقد كامل من العجز الأميركي والإسرائيلي  ويضيف:

 

(نحن أمام وضع شبيه بما كان عليه الوضع في عام 1939م حين إتضح إخفاق أميركا وبريطانيا في إستثمار الإنتصار الذي تحقق في الحرب العالمية الأولى  وبعد الحرب العالمية الثانية طبقت النخبة البريطانية على الشرق الأوسط سياستها السابقة فتراجعت وتخلت عن المشروع الصهيوني  وأخفقت في أن تلاحظ التطابق الكامل بين كثافة العداء للصهيونية ودرجة الاستبداد  والتعاطف مع النازيين ثم السوفييت)..

 

ويضيف : ( لقد أدى تخلي بريطانيا عن إسرائيل إلى طردها من الشرق الأوسط)!..

هكذا يعتقد وورمسر ويقول: (ورثت السياسة الأميركية في البداية الأساليب البريطانية إلى أن انتبهت إلى أنها مع إسرائيل في معركة واحدة: معركة الأمم الحرة ضد الاستبداد)!..

 

ويعتبر وورمسر أن إسرائيل هزمت الجيوش العربية 5 مرات: 1948و 1956 و 1967 1970و 1973م ولكنها لم تستثمر انتصاراتها  فحصلت على هدنات مديدة فقط ويقول : ( الحرب الوحيدة النموذجية بهذا المعنى هي الغزو الإسرائيلي للبنان في 1982م حيث استكملت إسرائيل تدمير منظمة التحرير بدل الاكتفاء بالإضرار بها)!..

 

ويمضي وورمسر ليعتبر : (أن الثمانينيات هو بمعنى ما عقد ذهبي افتتح بالغزو واختتم بضرب العراق  هذان الانتصاران: الإسرائيلي والأميركي جعلا العرب يقتربون من إسرائيل وأميركا. لقد اصطفت الأمم لتسالم  وبدا أن النصر المشترك آخذ بصياغة المنطقة مع انتقال الراديكاليين العرب بأطيافهم كافة إلى الهامش)!..

 

غير أن الكارثة في رأي وورمسر هي أن تل أبيب وواشنطن لم تفهما انتصارهما!.. وتخلتا عنه!.. فقد  وقعتا في (خديعة الاعتقاد بأنهما تسببان الكراهية  فسعتا إلى إصلاح الأمر ورفع الظلم واستجداء العطف. لقد أخطأت الولايات المتحدة بحق إيران فلم تنقض عليها  وأخطأت بحق العراق فاكتفت بحصار متراجع  ولكن الخطأ الأكبر هو إرتكاب خرافة أوسلو. لقد اقتنع اليسار الإسرائيلي أن الظلم الذي أنزل بالفلسطينيين هو القوة الدافعة للنزاع وغرق في يوتوبيا الحل والتسوية  وغفل عن الحقيقة القائلة إن القوة المتفوقة يمكن استخدامها لزعزعة أسس القومية العربية الراديكالية والأصولية الإسلامية)!..

 

ويمضي وورمسر فيقول: ( نشأ وهم يعتبر أن التخلي عن ثمرة الانتصار في عام 1967  هو المدخل إلى حل)!..  والأنكى من ذلك في عرف وورمسر أن التخلي لم يكن معروضاً على الأردن وإنما باسم تلبية التطلعات الوطنية الفلسطينية!.. ففي رأيه : (أن مجرد الإعتراف بحقوق متساوية للفلسطينيين يشرع الإعتقاد الفلسطيني بأن وجود إسرائيل نفسه جريمة وسطو)!..

 

يلوم وورمسر أميركا كلينتون على مشاركتها في الأخطاء ولومها إسرائيل على تعثر التسوية وإعتناقها خرافة حل الأزمات عبر تشجيع معسكرات سلام تبحث عن قواسم مشتركة  ويتهم قادة الولايات المتحدة وإسرائيل العمالية بأنهم أوهموا أنفسهم أنهم يكتبون قواعد جديدة للتاريخ  غير أن التاريخ إنتصر وإنتصاره يقود الطرفين نحو هاوية.

 

 يختم وورمسر ناطقاً بإسم الأميركيين والإسرائيليين:  )بما أننا محكومون بالكراهية لما نحن عليه، ولما هم عليه  فإننا محكومون بالحرب إلى حين توجيه ضربة قاصمة إلى مراكز الراديكالية والحقد: دمشق، بغداد، طرابلس، طهران، غزة)!..

 

ورغم هذا الترتيب فقد سعى لتكون الضربة القاصمة الى بغداد أولا!..

إن وورمسر ينتمي لإتجاه المحافظين الجدد الذي برز بعد 11 أيلول  ولقد تأسس هذا التيار عملياً في غمار الحرب الفيتنامية  وإنتقل رواد منه من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين بدافع بذل أقصى الجهد لهزيمة البيروقراطية الستالينية السوفييتية  وطور هذا الجناح أفكاره عن السياسة الخارجية عبر مجادلات عديدة أبرزها السجال مع واقعية هنري كيسنجر المتهم بالإذعان إلى ضغوط وبهندسة التراجع أمام الفيتناميين.. ويكاد الشعار المركزي لهذا التوجه يكرر شعار الغلاة في إسرائيل: (دعوا الجيش ينتصر)!..

 

لقد شكلت الريغانية بهذا المعنى فترة ذهبية أولى لهذه الأفكار ليس لأنها جددت الحرب الباردة وزادت العدوانية حيال موسكو فحسب  بل أساساً لأنها تصرفت وكأن التوسع السوفييتي في العالم قابلاً للكسر ( نيكاراغوا، أثيوبيا، أفغانستان، أوروبا الشرقية ) تمهيداً لإرغام حلف وارشو على الركوع.

 

وجاء جورج بوش الأب ولكنه شكل خيبة أمل لهذا التيار لأنه لم يحسن الإستفادة من الإنفراد بعد جدار برلين  كذلك نظر هذا التيار إلى ولايتي بيل كلينتون بصفتهما عاراً يجب الخلاص منه بأي ثمن!.. وإذا كان وصول بوش الابن نافذة فرص فإن تفجيرات 11 أيلول فتحت النافذة على مصراعيها!..

 

ومن المثير أن استعادة ذكرى فيتنام لا تثير عند هذا التيار ذعراً من الحرب وإنما تستحضر الخوف من الخسارة  ولذا يمكن القول إن ما يعتبره البعض تباشير فيتنامية في العراق هو مدعاة إلى التصعيد ليس في العراق فحسب ولكن في أرجاء المنطقة.

 

ويؤكد هذا المعنى ما أكده رامسفيلد ففي مقال نشرته واشنطن بوست عندما كان وزيرا للدفاع تحدث فيه عن الدروس التي إستخلصها من تفجير مقر المارينز في بيروت قبل عشرين عاماً  حيث ذكر : (أن الولايات المتحدة وضعت نفسها في موقع دفاعي  فتكيف الإرهابيون مع ذلك  وضربوا  فأمام كل عمل دفاعي كان الإرهابيون يتحركون صوب طريقة أخرى للهجوم والطريقة الوحيدة لهزيمة الإرهابيين هي أخذ الحرب إليهم عن طريق ملاحقتهم أينما يعيشون أو أينما يخططون للاختباء والتصريح بشكل واضح للدول التي ترعاهم وتوفر مكاناً لإقامتهم بأن أفعالاً من هذا النوع لها عواقب وخيمة)!.

 

وقد كتب ريتشارد بيرل رئيس مجلس سياسة الدفاع التابع لوزارة الدفاع الأميركية تقريراً تحت عنوان تحول واضح: (استراتيجية جديدة) وملخص التقرير هو أنه لا بد من تغيير كامل في العالم العربي برعاية أميركية والتقرير له صلة بمشروع قانون محاسبة سورية الذي ناقشه الكونغرس ووافق عليه، وله صلة بالتصريحات الصحفية بأن سورية تأتي بعد العراق في استراتيجية التخلص من الحكومات المارقة.

 

وتذكرنا حادثة الغارة التي قامت بها الطائرات السمتية الهجومية الأمريكية على ألبو كمال السورية إنطلاقا من الأراضي العراقية يوم 26/10/2008 من أن الذي كتب وقيل منذ مجيء وورمسر الى منصبه في مكتب تشيني وإستقالته من منصبه هذا كان يمثل نفس الحالة هذا اليوم وهو يبين دائما  أن الرسالة الأمريكية التي تريد أمريكا إيصالها بأن النظام السوري لم يعد في استطاعته اللعب بأوراقه السياسية كما كان في السابق للضغط أو الحصول على مكاسب إقليمية ومحلية معينة  بل إن الوقت هو وقت هيمنة أمريكية مباشرة في المنطقة  وهذه السطوة لا تحتمل أن يلعب أحد معها بأوراقه وهذا ما أجمله باول في تصريحه الشهير في زيارته الى سوريا بعد غزو وإحتلال العراق : (إن العالم قد تغير وإن على السوريين أن يتغيروا)..  

 

ويحمل هذا التوجه فريق باول داخل الإدارة الأمريكية الحريص على التهدئة كلما زادت درجة التصعيد  فقد دعا وزير الخارجية الأميركي كولن باول سوريا وإسرائيل إلى تخفيف حدة التوتر بينهما حتى اللفظية منها  واعتبر باول إن مثل هذه التصريحات لا تساعدنا ولا تساعد أي طرف في المنطقة على التقدم  وقبلها كان باول قد أشار إلى أن ما يعنيه عندما يتعلق الأمر بالحالة السورية أقرب إلى التنبيهات منه إلى التهديدات. 

 

فثمة مطالب أمريكية معينة من سوريا إن هي نفذتها واستجابت لها  فليس هناك مشاكل. ويأتي على رأس هذه المطالب ما يتعلق بنظام الرئيس صدام حسين. وتقول التايمز البريطانية: إن القوات الأميركية سوف تتدخل وتتجاوز الحدود الفاصلة بين سوريا والعراق إذا دعت الضرورة!.

 

وبإختصار كانت مهمة وورمسر هي السعي لتحقيق المطالب الأمريكية التي تتلخص في أمرين: عدم التدخل في الملف العراقي إن لم تساهم سوريا في دعم الموقف الأمريكي. وترك القضية الفلسطينية وعدم استخدامها ورقة للمساومات.

 

وفي النهاية فإن السلوك الأميركي تجاه سوريا يكاد يكون ترجمة حرفية لمفهوم الغموض الاستراتيجي الذي تمارسه واشنطن - منذ فترة غير قليلة - تجاه أعدائها المحتملين.

 

وفي آب 2007 إستقال  وورمسر من منصبه في  مكتب تشيني بعد إزدياد الفضائح وفشل مسرحيات المحافظين الجدد التي ملأها الكذب والزيف والخداع!..

 

ولكن بقي ديفيد وورمسر يروج لأفكاره وخاصة ضرب سوريا فقد قال في مقابلة مع صحيفة (ديلي تليغراف) الصادرة يوم 5/10/2007 بأننا : (نحتاج الى فعل اي شيء ممكن لزعزعة استقرار النظام السوري واستثمار كل لحظة يتجاوز فيها الخطوط الستراتيجية بما في ذلك الاستعداد لتصعيد الموقف بقدر ما نحتاج لاسقاط النظام لو اقتضى الامر)!..

 

واضاف: (إن إنهاء حكم البعث في دمشق يمكن أن يفجر تأثير الدومينو والذي سيؤدي حينها الى سقوط نظام طهران)!.. مشدداً على ضرورة : ( أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لمهاجمة سورية وايران لمنع انتشار التطرف الاسلامي والاسلحة النووية في الشرق الاوسط والتي يمكن ان تنجم عنها حرباً اوسع نطاقاً)!..

في مقابلة مع شبكة الـ "بي بي سي" في العام 2003 تقول ميراف وورمسر زوجة أحد المحافظين الجدد والذي عمل مساعدا لديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط ومن الحاقدين على نظام الرئيس صدام حسين وكل التيارات القومية وخاصة فكر حزب البعث ..تقول ميراف:

 

" عندما بدأ الهجوم على العراق  فتحنا زجاجة شمبانيا.. كانت لحظة انتظرناها لسنوات طويلة.. كنا نقوم بعمل خارق من خلال الدفع نحو هذه الحرب.. لم يخطف أحد شيئا.. لم نغسل دماغ الرئيس.. انه يعمل وفق معتقداته وقناعاته الخاصة".

 

ولم تمضي بضعة أعوام حتى أعربت وورمسر عام 2006 عن خيبتها من الانتكاسات التي عرقلت مشروع المحافظين الجدد قائلة  :

 

 "أنا إسرائيلية ومن العصابة.. هذه الجماعة تتألف من أكاديميين أصبحوا جزءا من إدارة بوش لكنهم فشلوا في تمرير أفكارهم من خلال البيروقراطية.. هم مجموعة من المفكرين الذين أتوا بأفكار عظيمة  لا أزال أؤمن بها  لكنهم لم يجدوا طريقة للترويج لمعتقداتهم في ظل تعقيدات البيروقراطية".
وتشدد وورمسر على أن: " القرار الأخير لم يكن بين أيديهم. كان هناك الكثير من الإحباط عبر السنوات في الإدارة لأننا لم نشعر بأننا كنا ننجح.. (جون) بولتون غادر وكثيرون غيره يستعدون لذلك.. جميعنا نشعر بأننا انهزمنا بعد السنوات الخمس الأخيرة".

 

وتعد وورمسر أحد أهمّ واضعي تقرير الإستراتيجية الجديدة لضمان أمن إسرائيل في العام 1996 بالتعاون مع آخرين من أمثال ريتشارد بيرل ودوجلاس فيث. وقد تمحور موضوع أطروحتها لشهادة الدكتوراه حول أفكار فلاديمير جابوتنسكي  منظر اليمين الإسرائيلي   الذي يعتبره بنيامين نتنياهو "أباه السياسي"، والذي رفع الشعار القائل "أيها الفتية اليهود، تعلموا استخدام السلاح".

 

لقد تكشفت اليوم طبيعة المؤامرة وكيف أنه وبعد 11 أيلول 2001 مباشرة  قام وولفويتز ودوكلاس  فيث بتجنيد أحد الباحثين اليهود الأميركيين المتطرفين وهو ديفيد وورمسر مدير الشرق الأوسط في معهد (أميركان إنتربرايز) للعمل مستشاراً للبنتاغون، ليصبح المشارك المؤسس لوحدة المخابرات السرية في مكتب فيث التي كانت نواة لحملة تشويه وفبركة المعلومات في البنتاغون بشأن العراق.وفي الوقت الذي ركزت فيه وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ووكالات الاستخبارات الأميركية الأخرى على تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن بشأن هجمات الحادي عشر من أيلول  فقد ركز وولفويتز وفيث أنظارهما بصورة طاغية على العراق  وهي نظرية لم تجد أي مصداقية  بل كانت مثار سخرية لموظفي الاستخبارات المهنيين.وكان وورمسر قد شارك بشكل رئيسي عام 1996  تحت قيادة ريتشارد بيرل  في كتابة تقرير لمعهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدمة في القدس المحتلة اعتبر ( أن من يرث العراق يهيمن على مجمل الشرق الأوسط استراتيجياً).. وقد دعا التقرير إلى (الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين وتنصيب زعيم هاشمي في بغداد  ومن بعدها ستركّز الاستراتيجية إلى حد كبير على سوريا  أو على الأقل لتقليل نفوذها في لبنان)!... وقد أضيف لأعضاء المجموعة شخص آخر هو مايكل معلوف، ليصبح شريكاً لوورمسر. ومعلوف هو أميركي من أصل لبناني، كان مساعداً لبيرل في البنتاغون في الثمانينيات من القرن الماضي. وقد جُرد من تصريحه الأمني الخاص جداً مرتين في أواخر عام 2001 ومرة أخرى في ربيع 2003  بعد كشف علاقته أيضاً برجل أعمال أميركي من أصل لبناني  هو عماد الحاج، كان قد خضع لتحقيقات يجريها مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) بشبهة تورطه في خطة لتهريب أسلحة إلى ليبيريا.وبناءً على هذه الدراسات  بدأت وحدة الاستخبارات بالتدقيق في تقارير الـ(سي آي إيه) ووكالة الأمن القومي وغيرهما من الوكالات الاستخبارية لإيجاد بعض المعلومات التي تربط العراق والقاعدة والإرهاب والإدعاء بووجود أسلحة دمار شامل عراقية.

 

وقد ادعى معلوف وزميله وورمسر أنهما وجدا دليلاً على أن مجموعات إسلامية سنية وشيعية ودولاً عربية (علمانية) تتعاون معاً للإضرار بالولايات المتحدة على الرغم من خلافاتها. وقد اطلع مسؤولون في البنتاغون والـ (سي آي إيه) على معلومات فريق (معلوف ــــ وورمسر) في شهر آب 2002 لتكون أساسا لبناء كذبة كبيرة أستند عيها الصقور لتمويه الشعب والكونغرس بالخطر العراقي وضرورة غزو العراق.

 

وضعوا الهدف..وجمعوا وسائل وأشخاص مهيئين لتطبيق رغبة الرئيس ونائبه التي تتماشى مع عقيدتهم وهي ضرورة القضاء على النظام الوطني في العراق ..كانوا منفذين بدون تفكير أو تدقيق وكلفوهم بوضع أدلة وأختراع مبررات وأكاذيب وجعلوهم يعرضونها بمهنية عالية ثم روّجوا لتصديقها والإيمان بها ثم الإعتماد عليها كأدلة دامغة لتبرير غزو وتدمير وإحتلال العراق..

 

وهكذا يتساقط المضللون ..وتنكشف شمس الحقيقة ..

وسينتصر بالنهاية من كان جزءا من هذه الحقيقة وسيلحق بالمزورين والمضللين عار الهزيمة وهوان الإنكسار ..

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت  / ٠٣ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٠١ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م