كلاب وقطط وتأريخ !

 

 

شبكة المنصور

الدكتور محمود عزام

 

لم يعد مستغربا أن يصل حد الإستهانة بالعقل العراق وتأريخه وحضارته لهذه الدرجة لنصل الى اليوم الذي يحكم العراق فيه الطالباني والمالكي والحكيم الذين لا يهتمون بكرامة العراقي الغائبة والمنسية ويقضون الأسابيع هم ومستشاريهم للبحث عن صيغ تضمن كرامة الجندي الأمريكي وعدم التعرض له بحيث توصلوا أخيرا الى صيغة تمنع القضاء العراقي بمسائلة الجندي الأمريكي عن أي جريمة يقترفها (إلا للضرورات القصوى) وبالطبع هذه الضرورات لا تحددها السلطة العميلة ولا قضاءها المسيس وإنما القوات الأمريكية.

وفي الوقت الذي برر الطالباني في حينها للقوات الأمريكية جرائمها في سجن أبو غريب ويقود المالكي والحكيم ميليشيات الموت التي لا تفرق بين الرجل والمراة والطفل الرضيع بلا رحمة ولا رأفة .. تخرج علينا اليوم العجلة الإعلامية  الأمريكية بحملة لإعطاء (القادة العراقيين جميعهم ) درسا في الحنان والرأفة والإنسانية !!...

 

درس جديد وحملة منظمة يعبر فيها الأمريكان و( والعالم المتحضر ) عن إستهزائهم وإستخفافهم بنا ليطالبوا بالآلاف عبر الإنترنت في نداءات وإلتماسات للمسؤولين الأمريكيين في العراق وأمريكا يستعطفوهم بالسماح لكلبٍ ضال في العراق قامت على تربيته إحدى المجندات الأمريكيات بالقدوم الى أمريكا!...

 

وهذه الحملة التي أثيرت وتعاطف معها كل ( الذين ساهموا بتدمير العراق) تجري في وقت يقف على أبواب السفارات الأمريكية في بعض البلدان مئات الآلاف من اللاجئين العراقيين الذين خدموا القوات الأمريكية ووجودها وينتظرون العطف الأمريكي لهم بالفرار إليها خوفا من الشعب ..

 

ومن جانب آخر لم يسافر أي من المسؤولين الأمميين الى العراق أو سوريا أو الأردن للإطلاع على حال اللاجئين العراقيين المسيء لكل القيم الإنسانية وهم يعيشون في ظروف سيئة وعوز وحاجة في حين يشتري المسؤولين العراقيين وأبناءهم قصورا وعمارات وأراضي في أوربا من ثروة الشعب العراقي ..نقول لم يهتز ضمير أحد من المسؤولين الدوليين أو رجال العالم الحر في حين طار المنسق العام للجمعية العالميه للرفق بالحيوان تيري كريسب من كاليفورنيا الى العراق لإنقاذ الكلب الضال الذي عطفت عليه إحدى المجندات الأمريكيات والذي اطلقت عليه اسم راتشت ..هذه المجندة التي تفيض ودا وحنانا وهي تتأبط بالبندقية الأمريكية القاذفة للرمانات والتي هدمت بها الكثير من البيوت الطينية الآمنة والمساجد في مدن وقرى العراق وقتلت من فيها..

 

وياتي هذا التعاطف الدولي والإنساني العالمي مع هذا الكلب الضال من منطلق أنه من المؤلم واللاإنساني ان يُترك الكلب راتشت لوحده حين تغادر هذه المجندة  الى بلدها بعد إنتهاء مهمتها في العراق خصوصا وكما تقول تلك المجنده إن العراقيين يعاملون الحيوانات بقسوه لأنها تنقل الأمراض الى البيوت..ولكي لا يضطر بوش قبل رحيله الأبدي من البيت الأبيض للأمر بتمديد بقاء المجندة الأمريكية في العراق إكراما لهذا الكلب ولكي تحضى بمرافقته فقد تدخلت هذه المنظمات لترحيل الكلب معها الى امريكا !


وهذا ما أعلنت عنه وكالات الأنباء من إن أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي تدخل شخصيا بالضغط على وزارة الدفاع للسماح للكلب بالقدوم الى أمريكا برفقة تلك المجنده..وتناسى هذا الحاقد وليس الرؤوف ملايين المشردين والأيتام من أطفال العراق من ضحاياهم ..

 

ومن الجدير بالذكر أن (الحنان الأمريكي) الذي بدأته لورا بوش زوجة الرئيس الأمريكي بتخصيص 18 مليون دولار للحفاظ على التأريخ العراقي وحمايته من الضياع ما هو إلا درس آخر ( للقادة العراقيين) لتذكيرهم بواجباتهم وأهمية الحفاظ على تراثهم وتأريخهم!..مع العلم إن المبلغ المخصص لا يمثل أكثر من مردود إنتاج (ساعتين فقط  ليوم واحد ) من النفط العراقي!..

 

ومع ذلك وإمعانا في (الحنان والرأفة الأمريكية ) ستشرف على صرف هذا المبلغ ( البسيط )  لجنة أمريكية مختصة حفاظا عليه من السرقة المنظمة التي قد تقوم بها السلطة العراقية او من يمثلها لصرف هذا المبلغ لو أنيط بها ذلك !!..

 

وقد لا نستغرب إذا سمعنا أن زوجة الرئيس الأمريكي ستوكل تنفيذ هذه المهمة الى (قطة من قطط العراق ) التي تعيش معهم وهي إبنة احمد الجلبي المتخصصة بالآثار والتي جاءت مع والدها على ظهر الدبابات الأمريكية التي لم تتوقف إلا امام المتحف العراقي!!..

 

وهذه القطة ( البزون) تعرف جيدا كيف تحافظ على التأريخ العراقي!!..

وهي التي  ستكون اليد الأمينة التي ستشرف على الصرف!!..

 

وبعيدا عن إنسانية المجندة الأمريكية التي ربما أرادت لها عجلة الإعلام الأمريكية أن تصبح ظاهرة للحنان والوداعة والعطف الأمريكي الكاذب للعالم..

 

وبعيدا عن الإهداف العامة للجان الرفق بالحيوان الناشطة أكثر من لجان حقوق الإنسان ..

 

ولأن العراقيين يؤمنون بأن شر البلية مايضحك.. والبلية ستكون شديدة إذا كان ناشرها ومروجها قاتل ومجرم يدعي الرأفة بالكلاب الضالة والوثوق بالقطط وإستغفال الناس برغبته كمحتل بحمايته لتأريخ الدولة التي يحتلها بعد ان دمرها بالكامل وأحرق كل مؤسساتها وسرق كل شواخص حضارتها ومَزّق كل معالم نهضتها الغائرة بالقدم وعبث بكل قيمها ومبادئها وحلل الباطل وأشاع الرذيلة مع من نصبهم لحكم البلد!!!!..

 

فسيضحك العراقيون كثيرا على ظاهرة (إستفحال الحنان الأمريكي الجديدة!)..بعد أن فقد ( قادتهم الحاليين !) كل عطف ورأفة وحنان!.. وخاصة ما يتعلق  بقصة العطف المتبادل مع الكلب المسكين راتشي الذي سيحصل على الجنسية الأمريكية ..وقصة (البزون إبنة الجلبي) الذي ودعته لورا بوش ( شحمة ) التأريخ العراقي!..

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد  / ٢٠ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٩ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م