ان تكون ضيفا في الدول العربية

 

 

شبكة المنصور

د. محمد رحال / السويد

 

الضيافة العربية كانت في العصور القديمة مدعاة للتباهي والتفاخر , بل وانها من اولويات الزعامة , حيث شاع وبرز ذكر شخصيات عربية لا لفروسيتها بل لكرمها ,وكان من اشهرهم من ذكر في القران الكريم كنبي الله ابراهيم , ومنهم من انتشر ذكره عبر وسائل الاعلام في ذلك العصر والمتمثلة بقصائد الشعر , بل واعتاد العرب في حضرهم ان يخصصوا مكانا محترما بجانب منازلهم ينزل فيه الضيوف , وافتخر حاتم الطائي بخدمته لضيوفة وشبه نفسه بالعبد قائلا:

 

واني لعبد الضيف مازال ثاويا   وما في الا تلك من شيمة العبد

 

ويقول الامام الشافي ان خدمة الضيف فرض , ولهذا فقد اعتبرت الضيافة عند العرب من اسمى مكارم الاخلاق , وهي التي امتدحها النبي وقال انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق , وكان هذا في عصور مضت قبل ان يهيء الله لامتنا المضيافة قادة العرب اليوم والذين حبانا الله بهم وميزهم عن خلقه في اكرام الضيف , ويكفي ان تاتي اي مفرزة امنية من هذه الانظمة وتدق بابك وتقول شرف معنا انك في ضيافتنا خمس دقائق , حينها لك ان تتصور مدى وحجم السعادة التي تغمر المستضاف , لانه يعرف ان كرم الضيافة قد يطول مدى العمر , اما عن حسنها فحدث ولا حرج , ولا اخفيك عزيزي القاريء اني جربت هذه الضيافة في عدة دول عربية ورايت فيها من حسن التعامل مع الضيف اشكالا وصنوفا من التعامل لم اتوقعه لا لدى حاتم الطائي ولا الذين خلفوه , وعلى سبيل الذكر , لاحدى هذه الضيافات, اني خدعت بالشعارات العربية الوحدوية الطنانة في دولة عربية كثيرة الكلام , فذهبت اليها خبيرا في محطات الرادار الصاروخية , وكان ذلك في عام 1981 , بالواقع فقد كان استقبالنا مشرفا وقيل لنا اننا ضيوف البلد , وما ان قدمت القاعدة الصاروخية , حتى وجدتها تفتح وتغلق كدكاكين البقالة , وفي حالة تواجد عطل ما  فان هذا يستدعي استحضار الخبراء الروس’ وهو الامر الذي اقلقني حيث منعت من مد يدي لاصلاح اي عطل مهما صغر حجمه ,ووجدت حينها في تلك القطعة العسكرية كل شرائح المجتمع في تلك الدولة المضيافة , وكانت الصدمة الكبرى في اني وجدت الفارق الكبير بين الشعارات المطروحة وطرق تعامل السلطة الحاكمة المستبدة بالشعب , وكان بي شوق لقراءة الكتاب الوحيد لقائدها كما يدعي , ولدى قرائته اكتشفت مدى الجنون الذي يعيش فيه قائد تلك البلدة والذي يريد فرضه على العالم على انه الحل الاخير والمنقذ للبشرية , وظننت حينها ان هناك فسحة من الحرية يستطيع فيها الضيف ان يعبر عن صدق مشاعره , فقلت في الكتاب لافي القائد نفسه , ان هذا الكتاب لايكتبه عاقل , وفي اليوم التالي كانت دورية مدججة بالسلاح تطلبني , وبنفس الصيغة المؤدبة قالوا لي ستشرفنا خمس دقائق , وبالواقع كانت عزيمة مغرية لاترد , واستضافني ضابط برتبة رائد استضافة غريبة , لم اعهدها في مضافات العرب , فقد كان بيده عصا غليظة , وبدا في استقبالي غاضبا , فقلت لعل الرجل استاخر حضوري فحزن لذلك , ولابد ان كراديش اللحمة الحاتمية هي في الطريق , والغريب انه استمر بوكزي بالعصا ثم انهال علي بانواع من السباب والشتم , فعجبت وقلت له لعلك مخطيء , فقال لا انت الذي اتهمت القائد بالجنون , فقلت ياويلاه , ثم صاح الى بعض رجاله , وكانوا اربعة , فعجبت وقلت في نفسي اني قرات في القرآن وعليها سبعة عشر , فلماذا هم اربعة, وبينما انا ماخوذا بالصياح  والزعيق , اذ بالزبانية المضيفين يحملونني من اطرافي الاربعة , الى غرفة خاصة لكبار الزوار وهناك , رايت الضيافة العربية على اصولها , ولقد اكرمني الشباب الاربعة اكراما منقطع النظير , ثم وضعت في رجلاي عدة الضيافة الشعبية وهي الفلقة , وتناوب الاخوة الاربعة على اكرامي بامانة متناهية , وكانوا والحق يقال مثال الكرم فحين ياتي الدور على احدهم بالضرب بالعصا كان الاخرون يقومون باعمال اضافية كالرفس والعض والسب والشتم , فقد كانوا مدربين تدريبا عاليا في اكرام الضيوف امثالنا ,بل وكان احدهم استاذا في الصفع , وكان حفظه الله وبعد كل صفعة يتجه الى سيده وينظر اليه ان كان دوره مقنعا , وكان صاحب الوليمة يهز راسه بعلامات الرضا , وكنت اثنائها اصيح وبشدة بسبب الاستخدام المفرط للضيافة في هذه البلدة , واعتقدت حينها ان اصواتي بلغت دولا اخرى , واملت ان يغمى علي كما حدثني بعض من نال تلك الضيافة في دول اخرى , ولكن هيهات هيهات , وبعد ساعات من تواصل خدمة الضيافة قيل اعترف , وقلت على ماذا فقالوا على هذه الاشياء وفهمت منها اغتيال القائد , وحينها مهرت ورقة الاعتراف بكل الموبقات على وجه الكرة الارضية بما فيها الانتساب لاحزاب لم اسمع بها في عمري , وخرجت من التحقيق معززا مكرما محمولا والقيت في زنزانة سمك جدارها امتار , وبابها يحتاج لرجلين لفتحه , وارتفاعها اربعة امتار , وكانت تفتش عدة مرات في اليوم حفاظا على امني وراحتي , واحسست اني لااسمع في احدى اذني , وبعد ايام حملوني للطبيب , وكان باكستانيا , وسالني هل نسل مادة , فقلت نعم نسل مادة , فقال خلاص مافي سمع , فقلت والله بيكون احسن واريح , ودخلت في اضراب مفتوح عن الطعام لاسبوعين , ثم جررت بعد ذلك الى تحيق ارقى قليلا من السابق وبعد ثلاثة ايام حملت الى سيارة نقلتني مباشرة الى باب طائرة مغادرة الى بلدي , فحمدت الله على تللك الضيافة , ومنذ ذلك اليوم وانا اكره الضيافة العربية , ولهذا فقد حزنت وبشدة بسبب الادعاء ان اهل العراق اللاجئين في البلدان العربية هم ضيوف , فقلت والله باين وقعتكم سوداء ياأهل العراق فقد خلصتم من وقف المطر لتقعوا تحت المزاريب , فضيافة الانظمة العربية لها مفهوم اخر وطعم اخر , وهذا مانراه من ضيافة للشعب الفلسطيني وما يقاسيه من الم الضيافة العربية , وخاصة اليوم في العراق على يد فيلق القدس الايراني واذياله, والذي يدعي نصرة الشعب الفلسطيني , لا بل ويدعي استعداده لتحرير القدس .

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٢٢ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢١ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م