الدستور ومجلس النواب من يصلح من ؟

 

 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

 

على الرغم من التعديلات المزمع إجرائها منذ سنوات على بعض المواد غير المتفق عليها في الدستور الفليدماني والتي لم تتحق حتى اللحظة الراهنة, فأن التجارب التي مرت منذ الاتفاق بين الكتل السياسية على إجراء هذه التعديلات أثبتت أن هذا المجلس الذي تفقس في ظل الاحتلال والمحاصصة الطائفية والذي بني على تمويه الشعب العراقي بكل شرائحه وطوائفه في انتخاب الشخص غير المناسبين في المكان غير المناسب حقيقة ماثلة للعيان وهي إن الاعوجاج موجود ليس في الدستور فحسب وإنما المجلس نفسه و قبل تعديل الدستور فأنه يتطلب تعديل المجلس وتقويم سلوك النواب المعوج هذا إذا أمكن تعديله حقا, فأن الاعوجاج يبدو متأصل الجذور في النفوس المريضة والعقول المتعفنة, وهذا الأمر يذكرنا بالمثل المعروف بشأن المحاولات الحثيثة التي بذلت لتقويم الاعوجاج في ذيل الكلب والتي فشلت فشلا ذريعا رغم الملوحة الماسخة التي وضع فيها الذيل.


فأي إصلاحات سواء كانت دستورية أو غير دستورية تحتاج بادئ الأمر إلى أرادة صميمية ورغبة صادقة بإجرائها ومسئولية جماعية للنهوض بها, ولكونها دستورية فأنها تستلزم إرادة سياسية واعية ومتفهمة ونظرة موضوعية وخبرة قانونية متوجة بالإطلاع على دساتير الدول الأخرى لغرض الاستفادة منها وتجنب المساوئ والعيوب, وكذلك الانفتاح على نظام أوسع وأقدر في فهم متطلبات الشعب, وليس تقليدا انتقائيا أعمى كما جاء في بعض الفقرات التي أخذت من الدستور الإيراني! وان تجري المسائل كلها في إطار المصالح العليا للوطن والشعب, ولأن الدستور العراقي لقح بأيادي يهودية كما هو معروف ولكونه دستور ولد قبل وقته في فترة مخاض عسير تركت تشوهات في شكله لم تنفع معها محاولات التجميل التي قامت بها قوات الاحتلال معه, ويوم بعد يوم يزداد تشوها وقباحة ووقاحة!


كما إن ولادته كانت فصل الخريف في ليلة متخمة بغيوم قاتمة من الطائفية والعنصرية, حيث تغيب عن الحضور أقرب الشرائح الاجتماعية التي بقي مكانها شاغرا لم يتمكن أحد أن يشغله وهي شرائح مهمة كانت لها آراء جيدة يمكن أن تغني وتنضج الدستور ولكن الانفرادية وانتهازية الوضع المضطرب عجل بولادته. لذا فقد جاءت الكثير من المواد متوافقة مع مصالح الكتل الرئيسية وليس المصلحة الوطنية العليا.وهذا الأمر أرسى تداعيات خطرة على حاضر ومستقبل العراق وقد لمسنا جميعا بعض بوادرها وسنشهد المزيد منها في المستقبل المنظور, ويبدو إن ترقيع الدستور ما يزال بعيدا عن التوافقات السياسية سيما أنه وضع لخدمة أجندات الأحزاب التي استغلت الوضع الاستثنائي لتفرض إرادتها على الدستور وتضمن ما يحقق لها مصالحها الحزبية الضيقة.


لقد فاحت رائحة العفونة من الدستور ومن السلطة التشريعية التي تمثله منذ الأيام الأولى لمناقشته واحتدمت بعد المصادقة عليه مباشرة ومن الطبيعي إن كل ما يبنى على خطأ سيكون آيل إلى السقوط, فالدستور يعاني من إشكالية سياسية وقانونية واقتصادية وثقافية واجتماعية ودينية, فقد تجاهلت النصوص التشريعية الواقع ألاحتلالي للعراق وهل يمكن فعلا إجراء تحولات تستوفي الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مثل هذه الظروف المضطربة وبمنأى عن أرادة الاحتلال! وهل يمكن جبر الضرر الناجم عن مخلفات الاحتلال على كافة الأصعدة؟ وهل يمكن لسلطة تشريعية ولدت في رحم الاحتلال بالنهوض بمسئوليتها التأريخية سيما إنها تفتقر إلى أبسط المقومات القانونية والثقافية والاجتماعية بل الأخلاقية أيضا للبعض.


من المعروف إن النصوص الدستورية هي محصلة دراسات شرعية وقانونية وأفكار ومفاهيم وتجارب حقيقية وعملية نسخ متطور للدساتير السابقة التي سنت خلال الأنظمة السابقة وليس إلغاءا لها تحت حجج واهية, وكان من الأجدر أن يتم تحديد الوضع الدستوري بثلاث نقاط أساسية فهل هناك حاجة فعلية لإلغائه أم إصلاحه أو تصحيحه؟ هل المشكلة في الدستور السابق كانت مشكلة قانونية أم شرعية أم سياسية؟ هل المشكلة في الدستور أم تنفيذه أي الحكومة باعتبارها السلطة التنفيذية؟ وهل الدساتير تتغير بتغيير الأنظمة وتلغى بانتهاء الأنظمة؟


بالرغم من ركاكة الدستور ألاحتلالي فأن الحكومة ومجلس النواب نفسه ارتكبتا انتهاكات صارخة لبعض نصوصه عبر القرارات والقوانين التي لا تتفق مع روحه وهناك انتهاكات لا يمكن السكوت عنها, كما أن الكثير من الكتل السياسية تفصل القوانين والقواعد الدستورية حسب مقياسها! علاوة على إن الكثير من القرارات الجائرة اتخذت تحت ظلاله, وفي الوقت الذي يفترض فيه أن يمارس فيه مجلس النواب سلطة الشعب وان يمثل إرادته وحاجاته وطموحاته لكن الواقع أن الشعب يقف على الضفة المعاكسة للضفة التي يتنزه فيها مجلس نوابه, ومن الطبيعي أن الدستور الذي لا يريد الخير للأمة لا خير يرتجى منه. وإذا سحبنا من الدستور التشريعات النابعة من الدين فأن المتبقي منه يصلح لأن يكون مادة دسمة في مكب النفايات وهي مفردة استعرناها من حديث رئيس الوزراء المالكي.


ولنتساءل مع أنفسنا! ما الذي قدمه مجلس النواب للشعب العراقي باستثناء الكذب والطائفية والعنصرية وتحقيق المصالح الحزبية للكتل الحاكمة والضحك على ذقون من لوث إصبعه بالحبر البنفسجي؟ هل حافظ على حقوق الشعب وصانها؟ هل أدى المسئوليات المناطة به بأمانة ومارس سلطته الحقيقية وواجباته باستثناء فريضة الحج المتكرر؟ هل أمن سيادة الوطن والشعب؟ هل حافظ على كرامة المواطنين؟ هل حفظ ثروات الأمة؟ هل حافظ على هوية العراق وعروبته؟ هل تمكن من بناء علاقات بناءة ومتوازنة على المستوى البرلماني والسياسي مع الدول العربية والعالم الخارجي؟ والجواب سيكون أن رئيس وأعضاء برلمان يشممهم كلاب الاحتلال قبل دخولهم حرمه المجلس ولا يقدروا أن يحفظوا كرامتهم لا يمكنهم مطلقا أن يحفظوا كرامة شعبهم.


لقد خرجنا بانطباع بليغ خلال السنوات الثلاث الماضية من مسيرة مجلس النواب وهي أننا لم نكن نتوقع أن يكون هناك أشخاص بهذا المستوى العالي من الحماقة والجهل والعمالة أناس غير واعين بواقع الشعب العراقي وخارج التغطية الوطنية, وعليه نرى بأن اعوجاج المجلس لا يحتاج إلى إصلاح وإنما إلى عملية تطهير من المكروبات الضارة . والدستور ليس بحاجة إلى تعديل وإنما إلى عملية نسف وأعداد دستور بأيادي عراقية وطنية مخلصة خبيرة بالقانون الدستوري وغير مجنسة بجنسيات أجنبية. نحن بحاجة ماسة إلى نواب كرامتهم من كرامة شعبهم وطموحهم من طموح شعبهم , يضعون مصالح الشعب فوق مصالحهم الشخصية ومصالح الكتل الحزبية التي جاءت بهم . يحمون الشعب ويدافعون عن حقوقه ويحفظون ثروته ويكملون بنائه ويرصونه رصا. ليسنا بحاجة إلى نواب يتعمدون رشً الملح على جروح الشعب.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين  / ١٤ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٣ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م