الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

أمريكا بين الاحتلال والانهيار

 

 

شبكة المنصور

عراق المطيري

 

لقد أكد الغزو الأمريكي الهمجي للعراق ومحاولات تدمير مرتكزات دولته الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية حقيقة ثابتة مؤداها يعود بنتيجته النهائية كما هو مخطط إلى تحالف قوى الامبريالية العالمية والإقليمية بالدرجة الأساس وبشكل مباشر أمريكا – الكيان الصهيوني – الفرس وبشكل غير مباشر باقي الدول التي تحالفت معها في عدوانها وبنسب متفاوتة تعود بارتباطاتها إلى قوة تلك الدولة أو هذه ومدى التعاون القائم بينها وبين أطراف الحلف الامبريالي وهذا ما لا يعنينا الآن رغم الأهمية الثانوية التي حققتها تلك الدول .

 

فما هي الأهداف غير المعلنة للحلف الامبريالي وكيف يسعى إلى تحقيقها وما تحقق منها لحد الآن وهل ممكن أن يتحقق الباقي منها ؟

 

في حقيقة الأمر إن انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالقوة العسكرية وما يتعلق بها من تكنولوجيا حربية وهيمنتها على القرار الدولي قد دفع إدارتها المتمثلة ببوش الابن الذي يقف خلفه البنتاكون والشركات المهيمنة على الاقتصاد الأمريكي بل ويدفعه إلى ذلك بإلحاح لأسباب يقف خلفها الطمع الأمريكي وشراهته بما قد تكسب من عوائد ومردودات في المنطقة بشكل عام وفي العراق بشكل خاص يسيل لها العاب , قد دفع تلك الإدارة إلى السعي الحثيث وفي تحدي للإرادة الدولية لإعلان الحرب والعدوان بشكله المعروف على العراق بعد أن تحققت الذريعة المتمثلة بتفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك فانطلق بقوته العاتية لمحاربة الإرهاب القادم من الشرق الأوسط في مجاملة مجه للعرب والمسلمين الذين عقد العزم على مهاجمتهم في عقر دارهم وإنهاء وجودهم , بما يعني نيته على جعل الوطن العربي درة كرسي الرئاسة الأمريكي على غرار ما كانت عليه الهند درة التاج البريطاني في القرن الماضي وما قبله وجعل الأمة العربية كشعب مجرد أدوات تنفذ الإرادة الصهيونية بأيادي أمريكية.

 

إن الشعب الأفغاني مع كل تقديرنا واحترامنا له نكاد نجزم انه اعتاد على أن يكون مستعمرا وسكن إلى هذه الحالة لولا الدفع الأمريكي والدعم الذي قدمه الفكر الإسلامي المتطرف ماليا وبشريا للخلاص من الاستعمار السوفيتي لأسباب تحجيم الفكر الشيوعي كما هو معروف بمعنى آخر إن الغرب شجع التطرف الإسلامي لتكملة الطوق الذي كان يحاول فرضه على التمدد الشيوعي باتجاه المنطقة الدافئة وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وفشل تجربة الفكر الشيوعي هناك أصبحت الدوافع تختلف وأصبح للنوايا اتجاه آخر بما يخدم المصالح الامبريالية وعلى حد تعبيرهم كانت تهدف إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط كأن المنطقة ضيعة غربية أو ولاية أمريكية حسب نظرتهم لنا والتي أكدها النظام الرسمي العربي ودعم لتنفيذها في تجاهل تام لإرادة شعبنا وقدرته الهائلة في إفشال المخططات التي تتعارض مع متطلبات وجوده كشعب له جذوره الضاربة العمق في تاريخ الإنسانية .

 

وإذا مررنا بتتابع الأحداث خلال الفترة الماضية لما بعد استقرار الأوضاع التي خلفتها فوضى الحرب العالمية الثانية وما افرزه الفكري التحرري القومي العربي تماشيا مع تراجع مد الاستعمار وتطور الفكر التحرري العالمي من ثورات نهضت بالشعب العربي من واقع التخلف والظلام نتيجة فترات الاحتلال المتعاقب لقرون طويلة فان الأقطار العربية وان حققت قفزات نوعية مهمة إلا أنها ظلت سياسية تدور في الفلك الغربي فانتقلت إدارتها أو تبعيتها من القيادة البريطانية لها إلى القيادة الأمريكية وظلت منطقتنا على امتدادها من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي مطمعا للغرب ما أن تنفلت منه حلقة حتى تتحطم سابقتها بينما ظل الكيان الصهيوني أهم عوامل استنزاف طاقات الأمة البشرية والمالية وعامل شد إلى التخلف والركود ومانع مهم وحاجزا أمام أي تطور حضاري وعلمي ينهض بالأمة لضمان تفوقه في كل المجالات الحياتية تحت ذريعة ضمان أمنه لان الغرب يدرك تمام الإدراك إن أي تطور بأي اتجاه هو إضعاف للوجود الصهيوني في المنطقة , لذلك كله ولغيره كانت أقطارنا وخصوصا التي تتمتع بثقل قومي ونهج تطوري معلن هدفا لحروب مستمرة كما هو معروف ويحفظه عن ظهر قلب حتى أطفالنا لشدة ما يخلف من مآسي يمتد تأثيرها لفترات طويلة جدا .

 

ومن خلال ذلك لم تستطع قوى الامبريالية الإقليمية التي تتمثل بأهم طرفين يعاديان فعلا امتنا العربية الفرس والكيان الصهيوني , من تحقيق التمدد على حساب الوطن العربي فقطعت يد الفرس من الامتداد باتجاه العراق سنتمترا واحدا حتى أصبح اسم العراق يقلق الملالي فركزوا معظم نشاطهم في مشايخ الخليج العربي بعد أن تركزت تكتيكاتهم في تهجير الأيدي العاملة ومحاولة السيطرة على رؤوس الأموال ومفاصل الإدارة هناك وانتهاج التثقيف الطائفي واستقطاب جيل الشباب بالتحديد تدريجيا وهذا ما بدأت تظهر نتائجه الآن على الساحة الخليجية في اغلب مشايخها .

 

أما الكيان الصهيوني فقد ظل متمسكا بما قد تحقق له بعد نكسة حزيران 1967 وحرب التحريك 1973 وظل يحافظ على التفوق الشامل كما أسلفنا ولازالت حدود دولته المسخ تمتد من هضبة الجولان إلى سيناء التي تدخل حاليا ضمن حدوده رغم ما يعلن عن تحريرها لصالح مصر فان ذلك محض افتراء لا يغير من حقيقة سيطرته عليها في شيء فاها أي أراضي سيناء اليوم تمثل حاجز امني لحدود كيانه بينما حقق مكاسب سياسية مهمة كالتمثيل الدبلوماسي المصري واقتصادية كالتبادل التجاري أهمها صادرات الغاز والقطن المصري بأسعار رمزية تكاد تكون مجانية .

 

لذلك كله فقد وجدت الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة مراهق السياسة بوش الابن إن العجز الذي مثله حلفائها في المنطقة لا يكمن أن يستقيم إلا في تدخلها عسكريا والعودة إلى ما قبل خمسينات القرن الماضي وأعلنت بشكل مباشر عن انهيار المبادئ والقيم التي كانت تتشدق بها من رعاية لحقوق الإنسان واحترام للسيادة الدولية ورعاية للديمقراطية وما شكل من شعارات أصبحت خاوية جوفاء من محتواها لا تستقيم إلا بسيف المقاومة العربية التي أصبحت نموذجا رائعا لها مقاومة الشعب العربي في العراق وبالتأكيد يعمل الشعب العربي في كل أجزائه المحتلة على الاحتذاء بها وتطبيقها لأنها الطريق الوحيد الضامن إلى تركيع غطرسة أمريكا .

 

والآن فان الولايات المتحدة الأمريكية من خلال غزوها للعراق قد حققت لحلفائها ما عجزوا عن تحقيقه طيلة الفترة الماضية فعلى صعيد الكيان الصهيوني فقد حقق امن حدوده على كل الجبهات فسيناء كما أسلفنا كلها حاجز حدودي مضمون بالمطلق حتى بلغت القسوة حد تجويع أكثر من مليون فلسطيني وتقطع عنه كل أسباب الحياة وبإرادة مصرية أكثر مما هي صهيونية والجبهة الأردنية أغلقت ملفاتها منذ عهد الملك الراحل حسين حتى أصبحت في طي النسيان وحدودها آمنة للغاية والجبهة اللبنانية كان لحسن نصر الله وحزبه اكبر انجاز في تدمير لبنان وإغلاق ممرات عبور المقاومة إلى الأراضي الفلسطينية عن طريق إقامة أكثر من حاجز امني برعاية المنظمة الدولية وها هو النظام السوري يخضع تحت مختلف التأثيرات للوساطة التركية لإغلاق آخر جبهة عربية مع الكيان الصهيوني وبنهاية المفاوضات يكون الكيان الصهيوني قد حطم أي سلاح عربي يمكن أن ينال منه باستثناء مقاومة فلسطينية منقسمة على نفسها تتهاوى بشكل يومي يضرب بعضها البعض وتأكل في مقومات استمرارها تحاصرها القوة الأمريكية والصهيونية وان استخدمت أيادي عربية

 

وفي الجاني العراقي كان لدى ملالي الفرس حلم من المستحيل تحقيقه بجهدهم القومي فالعراق كان أمامهم تمثل حدوده محرقة لكل من يحاول مجرد النظر إليها وليس الاقتراب منها فأصبح اليوم مسرحا تجوب به عناصر فيلق القدس وعملائهم لذلك فقد تركز نشاكهم في إثارة الفتنة الطائفية وفي تصفية القيادات الوطنية والفكرية والعسكرية ونشر الثقافة الصفوية متوهمين انه سيصبح أمر ابتلاعه أمرا مفروغا منه .

 

إن الإدارة الأمريكية حاولت من خلال غزوها تحطيم اكبر قوة فكرية نهضوية في الوطن العربي تمتلك ذراعا عسكريا مبدئيا وعقائديا أثبتت العديد من التجارب السابقة قدرته على الصبر والمطاولة وإحراز النصر أصبح مركز استقطاب للقوى التحررية العربية لذلك فقد حاولت خلال الفترة الماضية من عمر احتلالها لأراضيه شل وإغلاق كل المنافذ تجاه أي إمكانية لإعادة بنائه بشكله الطبيعي في الوقت الذي عملت على تقوية إمكانيات أعداء الأمة العربية , وإذا كان امن الكيان الصهيوني امتداد للأمن الأمريكي القومي وذلك ما يعلنه الجميع بدون تردد أو خشية من ردود أفعال حلفائهم أو الأصح أدواتهم الحكام العرب فقد افتعلت ضجة وجعجعة إعلامية فارغة توحي بمعارضتها للتطور النووي الإيراني الذي يكاد إذا لم يكن فعلا قد أنهى مشروع امتلاكه للرؤوس النووية التي تحملها صواريخه التي بناها على أساس سرقة المنشآت العسكرية العراقية التي سرقت بعد العدوان الأمريكي وعبرت إلى إيران بمرأى من قوات الغزو وبموافقتها .

 

لقد أسست الإدارة الأمريكية لكل ما يطيل من بقائها في العراق بالتعاون مع حلفائها في المنطقة الصهاينة والفرس وحاولت تدمير الاقتصاد العراقي المنتج والمتين بمقوماته ومن قطر استطاع الصمود أمام حصار ظالم وإغلاق تام لحدوده طيلة أكثر من ثلاثة عشر عام عجاف اكتفى ذاتيا في الزراعة والصناعة إلى اقتصاد دولة منهار يعتمد كليا على الاستيراد حتى النفط ألذي يستخرج من أرضه أصبح يباع خاما بينما تستورد مشتقاته وتعطيل أكثر من خمسة عشر مصفى نفطي وآخر مسعاها بعد أن فشل مشروعها في العراق كليا بفعل ضربات المقاومة العراقية الباسلة إلى الالتفاف على الشعب العراقي من خلال عقد اتفاقية تشرعن الاحتلال وترفع عن كاهلها نفقاته التي أدت إلى انهيار الاقتصاد الأمريكي بالشكل الحالي الذي يشهده العالم اليوم .

 

إن الولايات المتحدة تجني حصاد سياسة إدارة بوش الرعناء فانهيار اقتصادها بهذا الشكل الذي يهدد بتفتيتها ويشكل هزة عنيفة للاقتصاد العالمي هو التحصيل الحاصل للجهد العراقي المقاوم ولن ينفع معه أي ترميم قد تساهم به دول المعسكر الغربي إلا بالانسحاب السريع من العراق معلنة انهزامها وانكسارها إلى الأبد ولو شاء النظام الرسمي العربي أن يعجل من الانهيار الأمريكي فان اية تحريك لرؤوس الأموال العربية المودع في أمريكا كفيل بذلك .

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة  / ٢٦ رمضــان ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٦ / أيلول / ٢٠٠٨ م