المأزق العربي بين الحكومات والشعب

 

 

شبكة المنصور

عراق المطيري

 

كثيرا ما نسمع ساسة العالم القوي بأسلحته والامبريالي بتطلعاته يركزون على فشل المشروع القومي العربي ونسمع صدى ذلك يردده عملائهم المنسلخين عن الأمة والمرتمين بأحضان الغرب ممن يكشف الفكر القومي عوراتهم وزيف ادعاءاتهم ومن الذين يتشدقون بالدين الإسلامي الحنيف على مختلف طوائفه التي تعمل على تعميق جذور الخلاف بينها وفق توافه وقشور كثيرا ما تبتعد عن الإسلام وثوابته لإيجاد المبررات التي تساعدهم للنيل من العروبة والإسلام قومية ودينا وحضارة وليس لأني قومي عروبي إسلامي بفضل الله وحمده أدافع باستماتة عن انتمائي ومعتقداتي ومبادئي بل لأنها حقيقة ثابتة لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها في أن قوميتنا بخير وتماسكنا كشعب واحد قوي البنيان لا يمكن تفتيته ولا بأقوى أسلحة العدوان ولكل واحد منا على ذلك شواهد كثيرة ، فإذا تجاوزنا النظام العربي الرسمي الذي اتفقنا انه أداة الامبريالية العالمية في قمع الشعب العربي وتعطيل فعله الجهادي لوجدناه يتقدم في كثير من المواقف على اغلب شعوب الأرض ولوجدناه قد قطع شوطا كبيرا يتفاخر به بوجه هجمة وحشية مبرمجة ومدروسة وعلى حلقات يكمل بعضها بعضا استهدفت وجوده لقرون طويلة خلت تبدأ من قبل احتلال بغداد كعاصمة للدولة العربية وحاضرتها على يد المغول الهمج عام 1258 ميلادية ولا تنتهي عند احتلال الرعاع الجدد لها عام 2003 وما رافق ذلك من محاولات قضم أوصال وطننا العربي أو تفتيته من خليجه إلى المحيط خلال تلك الفترة وتنامي قوة عربية هنا أو هناك لتنهض بجزء يتلوه الجزء الآخر وتعاد الكرة ما أن ينهض جزء حتى يتعاون الأعداء ليكبو جزء آخر ، ولأننا لسنا بصدد شرح التاريخ العربي المجيد بل في تناول لمجريات أحداث الساعة التي نعيشها وعصرنا هذا الذي نطمح بان نترك أثرا طيبا لأبنائنا وتراثا يتفاخرون بيه فإننا نجد إن امتنا رغم كل محاولات العدوان على وجودها من أكثر من جهة فهي بألف خير تنبض بالحياة المتجددة تضخ باندفاع بالدماء الشابة بتعاقب الأجيال إلى ساحات القتال والمواجهة الداخلية التي يتزعمها النظام الرسمي العربي العميل للأجنبي وبنفس الهمة والعنفوان تصد الاعتداءات القادمة عبر الحدود متجاوزة لآلاف الكيلومترات لتستهدفنا كانسان أو كخيرات أكرمنا الله الجليل بها .

 

ولان شعبنا العربي الكبير في كل شيء قد أدرك عمق الهجمة التي تبتغي النيل منه فقد توضحت أمامه صور العدوان وباتت مكشوفة لديه رغم جهد التظليل الذي يمارس للتغطية عليها فلم يكن العدوان على العراق طيلة فترة الحكم الوطني في قرابة النصف قرن الماضية للنيل منه فحسب والتي أخذت أشكالا متعددة بين التآمر الداخلي الذي تزعمته شريحة عشائرية قذرة عميلة من الأكراد التفت حول مصطفى البرزاني إلى العدوان الفارسي الشعوبي الطائفي الذي تزعمه خميني خليفة الشاه محمد رضا بهلوي بزي إسلامي  إلى ...... الكثير من حلقات التأمر لصالح الحركة الصهيونية العالمية أو القوى الإقليمية المتحالفة معها ، لما يحمله نظامه الوطني من مشروع قومي نهضوي مبني على أساس جماهيري متين يشكل قلعة حصينة تمنع عن الأمة الانهيار أو الضعف أو التخاذل ، فكان العراق الهدف الأول والاهم في مشروع الامبريالية العالمية .

 

فبعد تدنيس ارض الرافدين أصبحت كل ارض العرب بلا غطاء قومي قوي وهانت الأمة على الأعداء واستبيح النيل منها وضعف الصمود العربي وتعقدت قضايانا القومية وتشابكت الحلول الرسمية الآنية وكثر طرح المساومات الرخيصة التي تعجل من حسمها لصالح معسكر الأعداء ، فأصبحت قضية المواطن العربي المركزية ومحور جهاده ... فلسطين يهودية يتمنع الصهاينة من إسكان العرب أهل الأرض وأصحابها فيها وأصبح المواطن لاجئا في بلده يمتلك مفتاح لدار لا وجود لها تساوت جدرانها بتراب الأرض وثوار الأمس الذين آزرهم وساندهم يتنازعون على كراسي السلطة التي لا تمتلك من مقومات وجودها ومبررات قيامها شيء سوى حماية الاحتلال الاستيطاني القديم الصيغة والجديد الفعل وأصبحت دماء العرب ارخص من دماء دواب الأرض الهائمة وها هم يحاولون استنساخ التجربة الآن في العراق وضفة الخليج العربي الغربية لصالح الفرس بدعم ومساندة حليفهم الأزلي الحركة الصهيونية العالمية والمتطرفين الصليبيين فالقتل والتهجير والغربة داخل الوطن أهم ملامح وسمات المرحلة الحالية التي بدأت تتآكل بفعل إرادة المواطن العربي وصموده الملحمي .

 

إننا جميعا وبدون مبالغة وفي تجنب لضروب الخيال والأمنيات نلاحظ اغلب الأنظمة العربية قد فقدت شرعية وجودها لأنها أصبحت لا تشكل ادني قيمة عربية حقيقة ولا تمتلك فعلا يخدم أهداف وتطلعات الأمة في الوقت الذي نستطيع تأشير أكثر من تواطؤ خطير بينها وبين أكثر من عدو لدود للعروبة وأوجدت بذلك أكثر من خرق في مسيرة نهضتها ، فبعد تواطؤ تلك الحكومات أمام تحالف الشر في حصار الشعب العراقي لأكثر من ثلاثة عشر عام انتهت بالعدوان العسكري الذي لم ينطلق إلا من الأراضي العربية وتدمير مقومات الدولة العراقية وركائزها وعناصر قوتها والعمل على تفتيت الشعب العراقي وتكسير أواصر الارتباط الاجتماعي فيه ليصبح نقطة الانطلاقة الأخرى باتجاه الأقطار العربية الأخرى كما حصل بالأمس القريب في محاولة جس النبض التي قامت بها القوات الأمريكية في قرية آلبو كمال السورية ، ثم تجديد البحث عن وسائل الانشقاق في الحركة الفلسطينية ودفعها إلى الاستسلام والقبول بالذل وتسلط اليهود ومن ثم تهديم لبنان وتعدد الزعامات غير الشرعية ومصادرة القرار الرسمي والشرعي فيه وكذلك الحال بالنسبة للمشكلة السودانية والعمل على تدويلها بدلا من احتوائها عربيا وإثارة الفتنة في اليمن واحتلال الصومال وإبادة ملايين العرب جوعا ، ونضع ذلك كله وغيره الكثير في سياق المؤامرة على الحركة القومية التقدمية في الوطن العربي تتأكد أمامنا صورة المكيدة التي تشترك في تنفيذها الحكومات العربية مع أعداء الأمة وفي المقدمة منهم التحالف الأمريكي – الصهيوني – الفارسي .

 

إن الأنظمة العربية التي تظن أنها ليست في قلب الأحداث وتفاعلاتها وتستند إلى الدعم الغربي في ديمومة وجودها وثرواتها من عائداتها النفطية وتضن أنها بعيدة عن المؤامرات وعن المطامع الأجنبية الإقليمية أو غيرها ولن يصيبها من نتائج الأحداث ما أصاب غيرها من العرب من هوان على وهم كبير ، فبعد نتائج الضربات الموجعة والرائعة التي حققتها وحدة فصائل الجهاد والتحرير التي تقاوم الاحتلال الأمريكي في العراق ستجد نفسها أمام نمط جديد من ردود الأفعال الشعبية التي ليست بمقدورها أن تحتويها وستكون ظاهرة متنامية وسترى الأنظمة العربية سلوكا للأفراد والجماعات يمثل الاستجابة الحتمية لظروف الاستهانة الكلية بالعروبة  التي تفرضها قوى معسكر الأعداء وتدفع إليها فينتفض الشعب العربي من حالة التنويم ألقسري المفروضة عليه ويقوضها بعد أن أدرك حقيقة المحنة والامتحان العسير الذي يخضع إليه الآن خصوصا بعد أن تآكل وتفتت تحالف العدوان الغربي لاحت في الأفق القريب بوادر انهيار المعسكر الامبريالي الساند لتلك الأنظمة وانهيار أسطورة القطب الواحد والقرن الأمريكي وان غدا لناظره قريب .

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة  / ٠٢ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٣١ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م