موقع المقاومة في خط وإعلام المعارضة

 

 

شبكة المنصور

جلال / عقاب يحيى

 

عاتبني شاب أربعيني متابع لأوضاع المعارضة السورية ومواقفها، عن ( غياب) المقاومة، خاصة العراقية، من بياناتها، وكتابات رموزها، ونشرياتها، وراح يتهم ذلك الغياب، ويفسره بخلفيات مشككة ..


ـ حاولت أن أحيله إلى ميثاق إعلان دمشق الذي أكّد على حق مقاومة الاحتلال، ورفض الاستقواء بالخارج، لكنه اعتبر ذلك كلاماً عاماً يصحّ على كل حالة، ولا يعني العراق، وما يجري فيه، وأن السبب، كما يرى، يكمن في موقف ضمني مهادن للغرب عموماً، وأمريكا خصوصاً، علّه يمارس نوعاً من ضغط ملموس يسمح للمعارضة أن تنفذ منه، أو تتكيء، وتتعكّز عليه ..

 

• ـ فعلاً لاحظت أن حضور العراق، ومقاومته الوطنية الباسلة للاحتلال الأمريكي ضامرة في مواقف المعارضة السورية وبياناتها، وفي كتابات المنتمين إليها، أو المتعاطفين معها، بدليل أن تلك المواقع الكثيرة التي تهتمّ بالوضع السوري تكاد تخلو من ذكر الذي يجري في العراق ، في جانبه المقاوم، الأمر الذي يطرح أسئلة، تبدو مشروعة، على الذهن، لمحاولة التفسير قبل التبرير :


1 ـ هل الانغماس في الشأن السوري هو السبب ؟؟ ..


2 ـ هل هي حالة الضعف التي لا تستطيع حمل ( بطيخة) الوضع السوري كي تحمل غيرها ؟؟..


3 ـ هل يخفي الوضع نوعاً من المراهنة على الضغوط الأمريكية، والغربية إزاء النظام السوري، فسكتت المعارضة عمّا يجري في العراق كي ( لا تزعل) هؤلاء ؟؟ ..


4 ـ هل هو الاتجاه الجديد للمعارضة السورية المتكوّر داخل حدود القطر؟، أم هو التعبير عن خط ليبرالي يرفض ( العنف) بكل أشكاله، حتى وإن كان مقاومة المحتل ؟؟..


5 ـ وبصراحة : هل هو التجلي لموقف غير معارض، ولو ضمنيا، لاحتلال العراق وإسقاط النظام فيه، فيما يمكن فهمه على أنه " تحرير للعراق" من الديكتاتورية، يحمل أمنيات وأحلام تكراره مع سورية.. كسبيل ( وحيد) لإسقاط النظام، وإقامة ( البديل الديمقراطي) ؟؟!!..


***


لاشكّ أن عموم المعارضة السورية اكتوت كثيراً، ومراراً بنيران الاستبداد وفيضه القمعي، وعانت الأمرّين من الأحادية، والشمولية، واجتثاث الآخر، ورفض الانصياع للحدّ الأدنى من عروضها بالمصالحة، وإعلان استعدادها للوقوف في خندق الوطن إذا ما تعرّض لأي عدوان من أي جهة كانت ..ولم يستجب النظام الماضي في نهجه، وغيّه، ومقايضاته .


ومراراً وصلت المعارضة إلى جدار مسدود، مكين يبدو من الصعب اختراقه، أو إحداث ثقوب معتبرة فيه تسمح بمرور بعض الهواء المبشّر بالتغيير، وتحريك هذا الركود المزمن، المحمي بالأجهزة الفتّاكة، وبالخارج ..الأمر الذي يستدعي، دوماً، البحث عن الوسائل والمخارج، خاصة وأن حالة الضعف، والتشتت، والهامشية، وابتعاد الشعب عن الاهتمام بالشأن العام، وكأنه خارج التاريخ، وحتى الجغرافيا..


وصورة صمود النظام العراقي الذي ما اجتمعت لمثل غيره من القوى المدعومة بكل الوسائل، ومع ذلك عجزت مجاميع المعارضة : العميلة، والمرتبطة بدول الجوار، والعادية، والمصنّعة جداً..في إسقاط النظام، فركبت دبابات الأمريكي وهي تحتفل ب" تحرير" العراق من العراق : الدولة، الموحّد، الثقل، الدور، النموذج ..

 

لا أدري إلى أي مدى فتح غزو العراق، وإسقاط النظام فيه شهية، وآمال، وأحلام بعض أطراف المعارضة، في أن ( تواصل) أمريكا فعلتها، فتخلصها من النظام السوري المشرّش، الذي فشلت في تغييره، أو الوصول إلى صيغة الحد الأدنى معه . وبدا ذلك واضحاً في بعض الأوساط المعارضة بشكل صريح، أو ضمني، وعبر بعض التحركات والتصريحات، والزيارات، أو الصمت.. في حين أعلنت أطراف معارضة عن موقفها الصريح من رفض الغزو، واحتلال العراق وتغيير النظام فيه بالقوة الجبرية، وباعتبار عملية التغيير شأن داخلي عراقي يخصّ الشعب والقوى الحيّة، وليست المأجورة ، المؤجّرة، لكنها في زحمة التطورات، والمتغيّرات، وأمام انهيار النظام العربي المتهاوي، ولعبة الضغط المتناوب على النظام السوري، لاحظنا ( ترّيثاً )، وكأنه ينتظر ما تسفر عنه تلك الضغوط فيتخذ الموقف منها لاحقاً .


ـ كان يجب أن يكون واضحاً، منذ البداية، أن عملية التغيير الديمقراطي في سورية شأن داخلي مناط بالقوى الوطنية أساساً، التي يمكن أن تستفيد من مجمل التطورات الدولية، والجوارية دون الوقوع في شرك المراهنة، أو غض الطرف عن المواقف المبدئية التي لا تقبل الاحتلال، والتي تؤيد المقاومة الوطنية كحق وواجب مشروعين لجميع الشعوب، بل ما هو أكثر وأوضح : دعم تلك المقاومة العراقية الباسلة، الوطنية، التي تحمل أعباء الأمة، وتقاتل بالنيابة عن الجميع : عربياً، وإسلامياً، وحتى دولياً .


ـ ومن جهة أخرى فإن تلك الضغوط كانت في عزّ العنجهية الأمريكية المنتصرة، والفرح الصهيوني الغامر صريحة ، واضحة لا تغشّ إلا الذي يريد الرهان على السراب، لأنها، ووفق التصريحات العلنية، وقبل انكشاف الوقائع، لم تهدف يوماً إلى زعزعة، أو إسقاط النظام، وإنما( تعديل سلوكه)، و( تكييفه ) مع بقية نظم المنطقة، وقد أبدى النظام، في أقصى حالات التوتر استعداده الكبير للتعاطي الإيجابي.. إذا ما تفهّموا وضعه، وظرفه، واحتياجاته .


ـ كما أكدت، ومراراً، أن الصهيونية بثقلها القوي في صناعة القرار الأمريكي، خاصة بين ( المحافظون الجدد، ومع غيرهم أيضاً ) لا تريد تغيير وضع ألفت، وخرت التعامل معه، وهو أنسب الأوضاع التي تتقاطع مع استراتيجيتها التفتيتية، التي تأتي الصراعات والتناحرات المذهبية في مقدمها .


****


من جهة أخرى فإن العمل على إقامة نظام وطني ديمقراطي، تعددي، عبر نبذ العنف، ومن خلال التداول السلمي على السلطة، والتقاء مجمل أطياف المعارضة حول هذا المشترك العام، بدا وكأنه بالتضاد مع إعلان دعم المقاومة العراقية التي تواجه المحتل فعلاً، وليس تلك المجاميع الملغومة، والمتطرفة . أي وكأن النظام الديمقراطي يعوم في الفضاء، وليست له دعائمه الوطنية، وواجباته القومية والإنسانية، ومضامينه النضالية التي تستوجب الدفاع عن الأرض والسيادة الوطنية، والوقوف مع قضايا الشعوب العربية المحتلة أراضيها، والمضطهدة، حيثما كان ويمكن، وحتى عالمياً .


واستتباعاً لهذه النقطة، وقد كان إعلان دمشق خجولاً، عامّاً فيها، فإن تحديد موقع سورية في أمتها العربية، والوطن العربي لا يتنافى وحقوق الأقليات القومية في اللغة، والثقافة، والمساواة التامة بين جميع المواطنين، وحرية المعتقد، والتعبير لجميع مكونات الشعب السوري، ولا مع دورها الذي مارسته عبر التاريخ .


كذلك أيضاً، فإن الذي يجري في العراق ليس شأناً عراقياً صرفاً حتى نغمط النظر إليه، وهو بالتأكيد : ليس بناء تجربة ديمقراطية، لأن الديمقراطية لا تبنى بحراب الغزاة، وعبر نهر الدماء( أكثر من مليون ونصف ضحية عراقية)، واستهداف العقول، والطيارين، والضباط الكبار، أو بتهجير ما يزيد عن أربعة ملايين عراقي إلى الخارج، ومثلهم في الداخل، وذبح وطرد المسيحيين وإجبارهم على الرحيل والهجرة، وغيره كثير كثير في عراق الدماء، والتضحيات. ناهيك عن أنها لا تقام بالعملاء والخونة، والتبّع، والمرتزقة، لأن الديمقراطية خيار الشعب الحرّ، وإنجازه المتطور لبناء مجتمع العدل والمساواة والحرية .


ـ وعلى ذلك فالمقاومة العراقية الوطنية ردّ طبيعي على الغزو والاحتلال، تستوجب من جميع القوى الشريفة، الوطنية، أينما كانت، الدعم والمساندة، وأقله : في الجانب الإعلامي لكسر الحصار الشديد المضروب عليها وعلى عملياتها ..


****


وهنا ’يطرح سؤال يستوجب المناقشة، والمنبثق من المثل الرائج" عدو عدوي صديقي"، أي، وطالما أن النظام يعلن أنه في الموقع الآخر، ولو إعلامياً، ويرفع شعارات الممانعة، ويقف مع ( حزب الله)، و( حركة حماس)، وبعض وسائل إعلامه تبرز بعض عمليات المقاومة، ناهيك عمّا يقال عن غضّ بصره عن ( تسلل) المقاتلين إلى العراق..( بغض النظر تماماً عن خلفياته وأهدافه).. فهل ردّ فعل المعارضة أن تكون في الخندق الآخر على طول الخط ؟؟..وبغض النظر عن المضامين والقضايا التي تمثل بنيان تلك المواقف ؟..أم أن للمعارضة بنيانها، وخطها السياسي، ومبادئها، وسياساتها.. مهما كانت ضعيفة، ومهما بدت في موقع هامشي ؟؟..

 

إن العراق جزء صميمي من هذه الأمة، والعراق محتل، مهدد بالتمزّق والضياع . والعراق يقاتل، وما من أحد ينكر أن تلك المقاومة الوطنية الشرسة كان لها دورها البارز في مأزق الإدارة الأمريكية، وفي كسر اندفاعاتها، ومشاريعها للمنطقة، واكثر من ذلك : يمككنا أن نقرأ أثرها، ولو بشكل غير مباشر، في الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تنطلق من الولايات المتحدة الأمريكية، وترخي بثقلها على مجمل اقتصاديات العالم .

 

وإذا كانت أطياف المعارضة السورية لديها أعباء ثقيلة، بالكاد تستطيع ملامستها.. فذلك لا ينفي واجبها في إعلان مواقفها الصريحة مما يجري في العراق الشقيق، وفلسطين أيضاً، وعموم القضايا العربية، والتي تشكل جزءاً من منظومة الثوابت لها .


ـ والأكيد أن دعم المقاومة العراقية الوطنية لا يتنافى وأهمية أن تبني المعارضة السورية علاقات وطيدة مع القوى والحركات والمؤسسات العالمية المهتمة بحقوق الإنسان، وشيوع الديمقراطية في العالم، وأن تنظر إلى حركة الرأي العام العالمي بمنظار التقرّب والاستفادة من توجهاته، وفعله، وتأثيره ، لبناء شبكة تساعدها في حمل أعبائها الكبيرة، والتعريف بها، وبأهدافها .

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة  / ٠٢ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٣١ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م