انهيار السلام نهاية اسرائيل

﴿ الجزء الاول ﴾

 

 

شبكة المنصور

د. محمد احمد جميعان

 

بين بعض معارضي السلام التقليديين وأنصار السلام المتحمسين حقل ألغام ونمطية في التفكير ، فإما ان تكون هجّاءً للسلام كيفما كان لتنال رضى بعض المعارضة وخطابها المكرر ، وإما ان تكون مّداحا للسلام ولو كان على حساب غبائنا لتنال رضى المتحمسين من أبناء السلام ولا تحرم من خيراته من الوظائف والمناصب ؟! وبين هؤلاء وأولئك أجد نفسي باحثا مستقلا اطرح فكرا ورأيا بمنهجية وأساس اصل فيه الى نتيجة محتملة بناء على كل المستجدات التي أراها حاضرة او مستقبلية.


ما جعلني أقول ذلك هو ما وصلني من بعض الردود على بحث سابق نشر على نطاق واسع  بعنوان ظاهرة التشيع بين غياب الإحصاء وتجاهل الأسباب والحلول طرحت فيما طرحت من الحلول اقتراحا سياسيا بتجميد عملية السلام تمهيدا لإلغائها تبعا للظروف الدولية والإقليمية... حيث أرسل لي من أرسل من بعض المعارضة ان هذا الطرح يجب ان يتضمن إلغاء فوري لعملية السلام التي والتي ...وليس تجميدها ؟! وهنا أقول بصراحة من منطلق النقد والنقد الذاتي البناء تخطئ المعارضة إذا اعتقدت ان لها دورا مؤثرا في إفشال عملية السلام وهي وان كررت ذلك فإنما تلبس نفسها ثوبا يفوق قدرتها على أي تأثير في هذا المجال ، بل ان الأمر قد تعدى ذلك لدى بعض أحزاب المعارضة ليس الى عدم التأثير فقط بل الى فقدان المصداقية لدى الشارع في هذا المجال ويكفي ان أشير هنا الى بعض رموز المعارضة الذين قبلوا ان يكونوا وزراء وسفراء ومناصب أخرى في حكومات كانوا ينعتونها بالتطبيع واوسلو وغيرها وهي تحمل مسؤولية معاهدات السلام ومضامينها في الوقت الذي  يرفض المستقل صاحب الفكر والرأي والموقف ان يكون وزيرا في حكومة تخالف فكره وموقفه ؟!!


 بالمقابل أرسل لي من أرسل من أنصار السلام من يتهمني ويلوح لي بان معاداة السلام وعدم تشجيعه سوف تحرمك من المكاسب والوظائف وغيرها وسوف تغلق عليك الأبواب وهي بالفعل مغلقة ؟!


 ولكن السلام كما أرى هو اكبر من نشاط المعارضة وأعقد من نفوذ أنصار السلام لأنه يرتبط بالأمة وقيمها والتاريخ وأثره في النفس والعقيدة وعمقها بالفطرة وبالتربية التي ترافق الإنسان منذ ولادته وبالحقوق التي يتمسك الإنسان بها ويقاوم من اجلها وبالدهاء والنوايا والتكتيك والاستراتيجية  بشكل أعمق واعقد من كل ما جرى ويجري في حضارتين وثقافتين وعقيدتين وأمتين كل يتمسك بحقوقه فكيف يمكن ان ينشأ سلام ؟! ومع ذلك فان هذا الواقع الذي رسمت يتيح المجال للتفكير اكثر واكبر في عملية السلام لعلنا نجد ما خفي على المعارضة من مكاسب السلام ، وبالمقابل ما خفي على أنصار السلام من مصائب على إسرائيل والمنطقة..حيث المعارضة تندب السلام وترى فيه ما ترى من بوائق وفجائع ، وحيث أنصار السلام يبشرون به خيرات ونعم من لبن وعسل ولم تلتفت المعارضة الى مكاسبه على القضية والصراع كما لم يلتفت أنصار السلام الى مصائبه وما سوف تؤول إليه من نتائج التي لم تكن لتكون لولا هذه العملية المنهارة ، ولان المكاسب التي اقصدها هنا هي مصائب أيضا على إسرائيل نفسها فلا حاجة لفصلهما ما دامت النتيجة واحدة.

 

فكرة السلام الإسرائيلي


ان السلام الذي تستميت إسرائيل للحصول عليه وتحقيقه حسب ما تراه مناسبا لم يكن رغبة مجردة بالسلام او التعايش او وليد مرحلة او ظروف طارئة بل هو نتاج تفكير وتخطيط وتدبير صهيوني محكم بدأ كفكرة في رأس مناحيم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي ورئيس عصابات الهغانا في تاريخ إسرائيل حين دخل على بن غورين مؤسس دولة إسرائيل ذات يوم في أعقاب النكبة عام 1948ليبشره بأنه عثر على فكرة يبتلع بها الأرض بسهولة ويقبل معها الفلسطينيون والعرب وجود إسرائيل وقيام دولتها وكان رد بن غورين مستحيل ذلك إلا بالقوة والقوة وحدها وقد لا تنفع القوة على المدى البعيد والدائم؟ فأجابه بيغن لا ليس بالقوة لان القوة لا تدوم يا سيدي بل بالسلام ( شلوم ) نعطيهم بعض الأرض مقابل السلام والاعتراف بدولتنا ؟؟!! وكان رد مؤسس دولتهم متردد وكأنه يقول ماذا لو انهارت عملية السلام او لم نجد ممثل حقيقي يعطينا السلام ؟ واختصر كل ذلك بقوله متسائلا وهل يقبل العرب بذلك ؟! فأجابه بيغن وهل تشك في عبقريتنا ؟! وأخيرا اقتنع بن غورين بالفكرة ونالت إعجابه بعد طول تفكير لان الخيارات معدومة ولا خيار سوى ما طرحه بيغن او نهاية دولتهم بشكل سريع .. وهكذا كانت البداية وبدأوا العمل على هذه الفكرة بعد ان احتلوا مزيدا من الأرض عام 1967 ليقايضوا بها ما اغتصبوه عام 1948 .. إلا ان الرياح لم تأتي ولن تأتي كما أرادها مناحيم بيغن بل سوف تأتي بما لم يفصح عنه بن غورين عندما أبدى تردده بالإجابة..وهذا ما نراه واقعا أمام أعيننا من فشل في العثور على قائد مؤثر او قيادة مؤثرة تقبل بما يريدون لان من تعثر عليهم ويقبلوا بالمحادثات المفرغة كما يقول شمعون بيرس رئيس دولة إسرائيل الحالي نفسه إما إنهم غير مؤثرين او غير مقبولين لدى الشعب الفلسطيني او إنهم غير ثقاة ويلعبون على الحبال ولا يقبلوا ما تريده إسرائيل او إنهم لا يؤمنون بالسلام أصلا إلا بهدنة مؤقت .. وها هي عملية السلام بحكم المنهارة او هي في الإنعاش الذي يمهد للانهيار إذا أردنا التحوط والدقة...

 

اتفاقيات السلام الرسمية


وهنا أشير باختصار وفي سياق الموضوع الى الاتفاقيات الرسمية التي تم التوقيع  عليها بين العرب الرسميين وبين إسرائيل والتي أودعت في الأمم المتحدة وتم التوقيع عليها باعتبارها معاهدات سلام مع إسرائيل وهي:


ـ اتفاقيات كامب ديفيد المصرية ــ الإسرائيلية  التي جاءت بعد حرب رمضان ( اوكتوبر ) 1973 وتحديدا في  أعقاب زيارة الرئيس المصري محمد السادات الى الكنيست الإسرائيلي في القدس في 19/11/1977، حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن  توصل الجانبين المصري والإسرائيلي الى هذا الاتفاق بعد أسبوعين من المفاوضات في 17/9/1978؟!  


ــــ حيث جاءت بعدها اتفاقية اوسلو  ومذكرة واي ريفر الفلسطينية ــ الإسرائيلية حيث تم التوقيع على إعلان المبادئ بين الكيان الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية في 13/9/1993 على إقامة سلطة حكم ذاتي لمدة لا تتجاوز خمس سنوات تؤدي بعدها الى تسوية دائمة طبقا لقراري مجلس الأمن ( 242 ، 338 ) وكان من المفروض ان تنتهي الفترة في 13/9/1998 إلا أنها ما زالت مستمرة لغاية ألان  رغم تأكيد ذلك في مذكرة ( واي ريفر ) التي وقعت أيضا بينهما في واشنطن في 23/10/1998 ؟!


ــــ تبع ذلك إعلان واشنطن واتفاقية وادي عربة الارد نية ـــ الإسرائيلية ، حيث وقع الاعلان في 14/9/1993 وبعد نحو سنة واحدة تم توقيع اتفاقية وادي عربة في 26/10/1994.

 

حقائق تكشفت من عملية السلام


ان لعملية السلام التي جرت وتجري مكاسب تمثلت في حقائق ما كانت لتتكشف لولا عملية السلام ومجرياتها الفاشلة وهي هي ذاتها في الوقت نفسه مصائب على إسرائيل وضعت إسرائيل عل عتبة نهايتها فعلا ، اذكر بعضا منها على سبيل التوضيح :    


1ـ الم تكشف هذه العملية عورات من بشر بالسلام وتبين أنه وهم وسراب وكلام أشبعوه كلاما حتى تحول الى تندر ويأس وإحباط وكان المفروض حسب اتفاقيات اوسلو ان ترى الدولة الفلسطينية النور بعد خمسة سنوات من المعاهدة ولكنها تحولت بقدرة قادر الى خارطة الطريق الطويلة التي لن تنتهي إلا بنهاية إسرائيل المحتومة ...


2ـ الم تخيب هذه العملية ظن الكثيرين الذين اعتقدوا ان بمقدورهم صنع السلام واذ بهم في عداد من أحبطوا وخيبت آمالهم بل ان البعض منهم أمضى بقية عمره ليس رئيسا لأول جمهورية موعودة كما كان يحلم ويمني نفسه بل الى سجن وحصار وإقامة جبرية كان الذل عنوانها ولم يجد من يقف معه من أبناء السلام وأصحابه ليفك أسره وحصاره وذهب الى ربه مسموما . كيف لنا ان نعرف ان تبني السلام وصحبة السلام لا تحمي حتى من حمل السلام نفسه وكان يسميه سلام الشجعان لولا هذه العملية التي كشفت العورات ..


3ـ الم ُيقتل في ظل هذا السلام عدد كبير ممن أيدوه وآخرين من نشطاء السلام ومن الرعايا الغربيين ومن الأبرياء الصامدين في غزة والضفة لمجرد أنهم اعترضوا وتظاهروا وحملوا الحجارة ؟! فلم يستطع السلام تحمل أطفالا وأبرياء وكان البعض منهم يعتقد ان اللبن والعسل بانتظارهم واذ بهم ضحايا للسلام نفسه .. كيف لنا ان نعرف ذلك لولا عملية السلام التي رأيناها؟


4ـ الم يخسر مناضلوا البيانات والفهلوات والفنادق المصنفة ومحترفوا التطبيل الذين لهثوا وراء السلام مقام شعبهم بعد ان فضحتهم صناديق الانتخابات وأصبحوا يتلهون بما تبقى من آمال ضائعة وقد فقدوا شعبيتهم وسيطر عليهم من وقف صامدا مقاوما ولم يتوهم وكان له وقع ومقام في شعبه... كيف لنا ان نعرف هذه الحقائق ويسود في بعض الأرض من يعمرها لولا عملية السلام تلك؟


5ـ ان المعاناة والإحباط والنفق المعتم الذي تكشف من عملية السلام قد ولد من رحمه حركات مقاومة تولت الزمام وأحيت الآمال وأعادت الأمة الى جهادها وماضيها العريق على وقع الآمال التي تبخرت من عملية السلام ، ولم تكن لتكون بهذه القوة والعنفوان والتضحية لولا التحدي والاستفزاز وتكشف العورات وانبلاج الفجر والحقائق المرة التي رأيناها منذ اوسلو ولغاية الآن.


6ـ وحتى على المستويات الرسمية فقد تكشف لمعظم الأنظمة في المنطقة ان إسرائيل دولة لا تريد السلام ولا تسعى له وان السلام حلم بعيد المنال ، حيث كانت الخيبة لديهم كبيرة وغير متوقعة وفقدوا إيمانهم بجدوى عملية السلام وأصبح الحديث عن عقلية القلعة التي تحكم قادة إسرائيل التي لا تسمح بإيجاد حل سلمي للقضية خلافا للواقع الذي كان سائدا قبل عملية السلام حيث كان الحديث فيه عن آمال كبيرة وعريضة لتحقيق السلام ، وهذه النتيجة بكل تأكيد مرشحة الى مزيد من التأكيد والصراحة والوضوح .


7ـ حسابات السلام المحمومة والموهومة دفعت الصهاينة الى تحريض الإدارة الأمريكية على إسقاط الرئيس العراقي القائد صدام حسين لأنه كان يقف عائقا كبيرا في وجه عملية السلام حسب تحليلاتهم لأنه كان رحمه الله يحرض الأمة على مواجهة إسرائيل واقترح عمليا ان يتم قصف إسرائيل بشكل متواصل الى ان يتم إسقاط كيانها ، وهذا هو السر وبيت القصيد في إسقاط النظام وإعدامه صدام وليس ترهات أسلحة الدمار الشامل وعلاقته بالقاعدة التي ثبت بطلانها ولا حتى النفط الذي كان ينساب إليهم بسهولة ويسر ، ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن الصهيونية وغرقت امريكا في مستنقع العراق وأفغانستان معا وأصبحت تفتش عن مخرج بعد ان تحولت الساحة العراقية الى معسكر تدريب وإعداد وتعبئة  للمقاومة التي سوف يكون لها الأثر الكبير في دحر إسرائيل مستقبلا وهذا ما سوف نراه ويتوقعه كل مراقب للأحداث .


8ـ ان السلام وحساباته الخاطئة التي أغرقت امريكا واشغلتها في العراق وأفغانستان أفسح المجال لتعاظم القوة الإيرانية وقوة حزب الله وسوريا وحماس وأصبحت تشكل طوقا ناريا مفزعا وقاتلا على الكيان الإسرائيلي وأصبح معه  الحديث واضحا وصريحا عن زوال إسرائيل ، بل ان تعاظم قوة حزب الله في ظل السلام الموهوم مكنه من مواجهة الجيش الذي لا يقهر وأصبح هذا الجيش مقهورا في عده وعتاده وقادته وتقرير فينقراد خير شاهد على ذلك ..


9ـ ان تحريض الصهيونية للإدارة الأمريكية لتحطيم كل من يقف في وجه السلام كان وبالا عليهم إذ استنزفت القدرات الأمريكية عسكريا ومعنويا وماليا واقتصاديا وتكشفت مواقع الضعف ومواضعه في السياسات الأمريكية ومؤسساته الاستخبارية والعسكرية والمالية وأصبح معه الحديث داخل امريكا وخارجها ومن اقرب حلفائها عن ضرورة إعادة امريكا لحساباتها لتبقى داخل حدودها وتتخلى عن عرش العظمة الأوحد بعد الهزائم والانهيارات المالية والوضع مرشح للمزيد وبشكل متسارع ، وعندما تضعف امريكا او تتراجع او تعيد حساباتها في عدم او كيفية دعم إسرائيل فان ذلك يعني ان إسرائيل تكشفت عوراتها وهي عاجزة عن حماية نفسها بل هي ساقطة جغرافيا وسكانيا وعسكريا لولا المظلة الحديدية الأمريكية...


10ـ وهنا لابد من تنويه ان هذه المكتسبات مهما بلغت لا تعطي صكوك غفران لمن اخطأ او سار على الدرب وفشل في عملية السلام ولكن الشعوب هي التي تحاسب وصناديق الانتخاب هي التي تحكم والتاريخ هو الذي يكتب ولا يرحم .. وما هذه المكتسبات لعملية السلام سوى مصائب على الكيان الاسرائيل سوف نرى نتائجها في انهياره محتوم بعد الفشل الذي نراه في عملية السلام .. 

 

أسباب فشل عملية السلام


أولا ـ ان بذور الفشل في عملية السلام كامنة داخلها في حقائق دينية عقائدية راسخة في العقول والقلوب وقومية لا تقبل القسمة وتاريخية لا يمكن نسيانها وحقوقية تأبى النفس الأبية التفريط فيها وسياسية بل واستراتيجية معقدة لا يمكن القفز عليها هكذا من قبل أي كان إلا من يعتقد في نفسه عبقرية خارقة للقدرات البشرية التي خلقها الله عز وجل وهو اعتقاد قد يوازي الغرور او المستحيل او الوهم أحيانا .


ثانيا ـ هواجس الأمن الإسرائيلية الدائمة الحضور والمزروعة في عقولهم عمقا ورعبا وتاريخا وهم يسترجعون ما جرى لهم في الحقب والقرون الماضية ، فهم يريدون من كل فلسطيني وعربي ومسلم ان يضع توقيعة بل بصمة يديه على معاهدة السلام ويثبت انه صادق في نواياه قبل ان تعيد إسرائيل الأرض وتسمح بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة (يعني ان تبقى على الدوام في غرفة الإنعاش لتبقى تنعم بالحياة) ، فلو وجدوا قيادة مؤثرة توقع معهم السلام كما يريدون لقالوا بان ذلك غير كاف ولطالبوا بعد ذلك ان يوقع عليها من هم تحت سن الأربعين من الشعب الفلسطيني وإذا حصل ذلك فإنهم لن يكتفوا بل سيطالبون ان كل واحد قادر على مسك القلم من الشعب الفلسطيني وعلى رأسهم قيادة حركة حماس المعلنة والسرية ان يوقعوا على المعاهدة وإذا حصل فإنهم لن يكتفوا بل ستأتي مرحلة جديدة لإثبات المصداقية وحسن النوايا التي قد تمتد الى سنين لا يعلمها الاالله وإذا جاءت هذه السنين سيقولون بعد ذلك وماذا عن العرب والمسلمن في أصقاع الأرض لا بد من إحضارهم للتوقيع وإعطاء ضمانات على نواياهم وان حصلت كل هذه المعجزات واحضر لهم ما أرادوا وقدم لهم ما طلبوه فلن يقبلوا إلا بالوقوف معهم ودعمهم في تجريد حزب الله من سلاحه وتصفية امينه العام السيد حسن نصر الله وإسقاط النظام الإيراني وتدمير قدراته العسكرية والاقتصادية وان حصل ذلك وما كادوا يفعلون واطمأنت نفوسهم برهة من الوقت بعد كل هذا الدمار وهذه المحارق ( جمع محرقة ) سيقولون لم يبقى إلا طلب واحد وخذوا بعدها دولة فلسطين بحدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية كما تريدون ولكن لكم سطح الأرض ولا علاقة لكم بباطنها وعليكم ان توطنوا اللاجئين في دولكم ولا باس ان أصبحت القضية وانتقلت صراعات داخلية في هذه الدول بين اللاجئين والسكان الأصليين الذي سوف يطالبونهم بالعودة الى أرضهم التي تحررت بعد انتهاء موجبات الضيافة ولكن بعد استيفاء الشرط الأخير وهو إحضار الشيخ إسامة بن لادن حيا ليوقع المعاهدة ويصدر بيان لأتباعه وأنصاره للكف عن مقاتلة يهود ولاباس سنعطي وعدا لأسرته لن نقتله بل سنحميه ويمضي بقية عمره بالسجن لدينا ؟؟! ولا تستغربوا ذلك فان القرآن الكريم سبق الجميع في وصف تعجيزهم وهواجسهم التي لا تنتهي وما عليكم سوى العودة الى سورة البقرة وحديثها عن بني إسرائيل سيما حديث البقرة وأوصافها بعد ان ذبحوها وما كادوا يفعلون...


ثالثا ـ رفض الشعوب العربية والإسلامية قاطبة لعملية التطبيع لاعتبارات فطرية وتربوية وعقائدية وقومية ووطنية لا تقبلها النفس بسهولة إلا من البعض الذين لا يمكن قياسهم في سياق مليار عربي ومسلم وكان قصد بعض هؤلاء المطبعين فضولي او مصلحي او مادي مؤقت لا علاقة له بالسلام والتطبيع ، لان لب عملية السلام وبيت القصيد فيها ليس المعاهدات السلمية التي وقعتها النظم والمنظمات الرسمية بل هو عملية التطبيع التي تلت ذلك ليصبح الكيان الإسرائيلي وشعبه اليهودي جسما مقبولا وطبيعيا في داخل الأمة وليس المنطقة فحسب ، وهنا الفاجعة الكبرى التي لم تتوقعها إسرائيل وكثير من الرسمين وهو وقوف الأمة عربا ومسلمين شعوبا وقبائل وكافة الشرائح في وجه التطبيع بكافة أشكاله ولم يستطع التطبيع ان يحقق شيئا يذكر رغم الجهود الكبيرة والمعقدة التي بذلت ورغم الأموال التي صرفت ورغم الملاحقات والعقوبات التي فرضت كل ذلك ذهبت أدراج الرياح ويكفي هنا ان أشير الى ما قالته رئيسة الوزراء الإسرائيلية المكلفة ليفني في مؤتمر دولي في الدوحة في مطلع عام 2008 حين قالت بكل وضوح وصراحة لقد فشلت عمليات التطبيع وما زلنا في المنطقة العدو الأول للرأي العام العربي والإسلامي واستجدت الأنظمة الرسمية ان يغيروا المناهج التعليمية لعلها تحقق التطبيع وهو استجداء الغريق الذي يتعلق بقشة او هي الطلقة الأخيرة التي ربما تحمي السلام من الانهيار كما تعتقد ليفني..


رابعا ـ رغم توقيع معاهدات السلام من قبل النظم السياسية والمنظمات القيادية للشعب الفلسطيني في إطار عام ورسمي وبرتوكولي إلا ان في داخل الكثيرين منهم عدم رغبة او رضى او قبول او اقتناع بل ان البعض كان يجاهر إعلاميا بالحديث الصريح مثل ( خذ وطالب ، ارض نقف عليها ، السياسة فن الواقع أي ليس سلام استراتيجي وهكذا..)  بأنه مجرد تكتيك يقتضيه الحال الدولي والإقليمي وطبيعة المرحلة والمصلحة المؤقتة . وكان الأكثر وضوحا هو ما تكشف من مذكرات كتبت لبعض الرسميين ومن محاضرات ألقيت وتصريحات خرجت وتحليلات نشرت لكثير من الوزراء والسياسيين المسؤولين بعد ان تركوا مواقعهم الرسمية وأصبح لديهم متسع من الحرية والتحرر من القيود والمعادلات الدولية ليقولوا قناعتهم كما هي دون مواربة او إخفاء .


خامسا ـ بل ان مجريات عملية السلام أثبتت لكثير من القادة والأنظمة والرسميين فيها الذين ما زالوا في مواقعهم ان السلام بعيد المنال في ظل عقلية القلعة التي تحكم قادة إسرائيل وأصبح هناك من يدق ناقوس الخطر في تأخر إقامة الدولة الفلسطينية بكل جرأة ووضوح كما كان ذلك بوضوح في خطاب الملك عبدالله الثاني أمام الكونجرس الأمريكي خلال جلسة مشتركة لمجلسي الشيوخ والنواب في 7/3/2007، وأصبح هناك من يتحدث عن وضع مصيري لعملية السلام في ظل التعنت الإسرائيلي ، وقد ساد شبه إجماع بين الأنظمة العربية بضرورة مراجعة عملية السلام من خلال مراجعة المبادرة العربية او سحبها وقد أعلن ذلك صراحة أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى وهذا الواقع مرشح للتصاعد والتصعيد في ظل هواجس الأمن والتجبر والعنجهية والتعالي والمجازر والاغتيالات التي تمارسها إسرائيل بكل تأكيد.

 

سادسا : ان قدرية التاريخ في مفاصله الكبرى حقيقة أكدت عليها الأديان والمعتقدات السماوية كافة سيما ما يتعلق ببني إسرائيل حيث وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم يحدث أصحابه عن المفاصل المهمة في تاريخهم المستقبلي ومنها قتال بني إسرائيل غربي النهر وهزيمتهم ودحرهم عن بيت المقدس ، لذلك لا يمكن اعتبار عملية السلام إلا ممهدة للحدث الأكبر في التاريخ وهو نهاية إسرائيل لتكشف العورات وتبرئ الذمم وتشحذ الهمم وتكمل الاستعداد والإعداد باتجاه البشرى العظمى التي اخبرنا عنها القران الكريم في سورة الإسراء ( فإذا جاء وعد الآخرة ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علو تتبيرا/ الآية 7 من سورة الإسراء) وفصلته الأحاديث النبوية في روايات كثيرة ( لا تقوم الساعة حتى تقاتلن اليهود انتم شرقي النهر وهم غربية ...) بل وجاء ذلك في المعتقدات اليهودية التوراتية أيضا  حيث طائفة كبيرة من اليهود يصل تعدادها الى نحو مليون نسمة يقيم اغلبها في امريكا تؤمن بزوال إسرائيل بعد تجمعهم في ارض فلسطين وهي تسعى الى تفكيك إسرائيل حتى لا تقع مذبحة كبرى بحق اليهود بعد تجمعهم في فلسطين ، كما ان المسيحية المتصهينة التي ينتمي إليها الرئيس الأمريكي جورج بوش تؤمن ان زوال إسرائيل على يد جيش يأتي من الشرق وهم بعد تدميرهم للعراق تبعا لهذا المعتقد يحسبون ألف حساب ان يكون ذلك من طرف إيران ويسعون الى تدميره..

 

هل وصلت إسرائيل الى نهايتها ؟


ان كافة المعطيات والمستجدات المتسارعة تشير الى مرحلة جديدة تغيب فيها شمس إسرائيل ، وان انهيار عملية السلام وتصاعد الإعداد والاستعداد للمقاومة وحلفائها في المنطقة بداية النهاية لتدحرج إسرائيل  نحو نهايتها ، وان إسرائيل تدرك ذلك جيدا تبعا لكل المظاهر والمؤشرات الميدانية لديها حيث يزداد التخبط وتنعدم الخيارات وتتدنى معها المعنويات التي لولاها ولولا امريكا لما بقي هذا الكيان قائما لغاية الآن .  
 
وهذا ما سوف يتم تفصيل الحديث فيه لاحقا في الجزء الثاني

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد  / ٠٤ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٠٢ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م