رد على مقال : الحنين لصدام حسين واسبابه

 

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس  / أكاديمي عراقي

 

في زمن تتداخل فيه الالوان حد اصابة الكثيرين بالتعمية يصير من الصعب التفريق بين ما هو موضوعي ويعبر عن احداث حقيقية وافعال مجيدة مازالت تعانق الواقع رغم كل هول الردى وبين تيارات متلاطمة توجه عنوة لتدمير ذلك الواقع وكل شواهده وذبح الشهود على عبقرية عطاءه حتى لو كانوا بالملايين ... وخير شاهد لنا على ذلك التوجه النحري المستديم، هو ما صرح به امس احد نواب برلمان اميركا في العراق داعيا الى تجميع ملايين العراقيين ممن قاتلوا ايران (عن رغبة وبحماس) مضيفا ان هؤلاء يجب ان يفصلوا عن مَن قاتل مرغما. لست هنا بصدد الرد على النائب الفارسي بالهوى ان لم يكن بالهوى والهوية الاّ انني وجدت نفسي مضطرا لأسوق هكذا اعلان ليكون مصداقا لمدخلي في التداخل مع مقال القدس العربي المعبر عن رأيها في عددها الاغر الصادر يوم الاثنين 13-10-2008 كونه يمثل بوضوح نوع الخلف الذي جاءت به اميركا ليحكم العراق منتقما من جميع انجازات الشعب العراقي العظيم ومنها بل وفي مقدمتها انجازه التاريخي في الحفاظ على بلده من العدوان الايراني التوسعي الذي صمم تحت ذريعة مكشوفة هي تصدير الثورة الاسلامية وقتاله الاسطوري لثمان سنوات متواصلة تحت قيادة الشهيد الخالد صدام حسين رحمه الله.

 

قبل ايام قلائل كنت اقرأ رأيا" لشخص كتبه في جريدة معروفة يقول ببساطة متناهية ... لو قام صدام حسين بزيارة مفاجئة الى طهران بعد عودة خميني اليها وقيامه بالاعتذار الى خميني عن طرده من العراق وتقبيله للحية (ذقن) خميني لكان قد جنب ايران والعراق حربا طاحنة اهدرت اموال المسلمين واطاحت بمئات الآلاف من الرجال ... وأنا اسوق ما قراته دونما تعليق واترك للقارئ العربي المسلم الكريم ان يقيس عليه .. واقول فقط ان قبلة ذقن خميني (أي زعله) تستحق كل الموت والتدمير والخراب الذي حصل وانه والله منطق الغاشم الجائر الظالم الذي لا يرى غير تحقيق ذاته على حساب دماء الناس وارواحهم وعلى حساب نزعة الثأر الفردي ... سبحان الله.

 

على اية حال, نحن كعراقيين وكشهود عيان على عصر بدأ مع استلام حزب البعث العربي الاشتراكي للسلطة عام 1968 واغتيل عام 2003 على يد اميركا وعملاء ايران المعروفين من الاحزاب الطائفية (الشيعية) والاحزاب الكردية, نعرف وندرك ادراكا عميقا ان حنين العراقيين الى زمن الترف العراقي ذاك ليس مرتبط بقضية الأمن فحسب، بل يتعداها الى ما هو اوسع واشمل من الاسباب والمبررات. فلقد وجد العراقيون انفسهم بعد الاحتلال وعبر السنوات الخمس والنصف التي مرت يفقدون كل حيثييات الحياة بفعل القتل الطائفي والتهجير والاعتقال والمداهمات وانتهاك الاعراض ووجدوا انفسهم امام (دولة) تؤسس على انقاض دولتهم الوطنية جل همها وهمومها هو ترسيخ وجود المحتل على ارض بلدهم ونهب المال العام وممارسة فساد مالي واداري لم يعرف تاريخ البلدان والدول له مثيلا. انها دولة كانتونات موزعة على الاحزاب الطائفية والعرقية العميلة عبر توزيع الوزارات التي لا يرى العراقي ولا يعرف شيئا عنها الاّ من خلال ما يشهده من توزيع لميزانياتها على مقاولي هذه الاحزاب الذين جاءوا مع الاحتلال من ايران ولندن واوربا وغيرها ... وغير هذا وذاك فان الشعب العراقي ظل طوال هذه السنوات يشاهد بالعين المجردة تدمير كل ما انجزه من مؤسسات انتاج عملاقة قام العملاء بنقلها علنا الى ايران بدءا من تقنيات واجهزة مؤسسات الطاقة الذرية والبحث العلمي والتي ساهمت على ما يبدو بتعجيل برنامج ايران النووي ونقله من مرحلة شبه السرية المطلقة الى مرحلة شبه العلنية المطلقة. هذا طبعا اضافة الى نقل معدات عسكرية من اجزاء الطائرات المفككة ومحركاتها وانواع مختلفة من الاسلحة العراقية الثقيلة والآليات المختلفة بما يقدر ثمنه التخميني مئات المليارات من الدولارات. ثم بدأت مرحلة التصفيات الجسدية التي طالت قرابة 150 الف عراقي من كوادر حزب البعث العربي الاشتراكي وما زال الرقم قابلا للزيادة اليومية اضافة الى مئات الضباط والطيارين وكادر قوى الامن العراقية من امن وامن خاص ومخابرات واستخبارات وعلماء. وكل هذا حصل ويحصل والجيش الامريكي والادارة الامريكية هي المسؤولة قانونيا عن حماية ارواح العراقيين وممتلكاتهم.

 

لماذا تسمح اميركا لايران بقتل العراقيين من البصرة الى الموصل ونهب ممتلكات بلدهم؟

 

ان شعب العراق واع ومثقف ومسيّس ووجد نفسه امام انواع مفضوحة من المفارقات والنتائج الكارثية للاحتلال والخونة لا يمكن باي حال من الاحوال تبريرها او تسويغها لا من قبل اميركا كبلد محتل ولا من قبل عملاءها خونة العراق والامتين العربية والاسلامية . ووجد الكثير من العراقيين الذين اعتقدوا ان اميركا قد جاءت لتغيير النظام فحسب امام حقائق اخرى من بين اهمها ان اميركا لم تأت لتحقيق هذا الهدف الذي يمكن افتراضا التعامل معه غير انها قد برهنت انها قد جاءت لتدمر الدولة العراقية وممتلكاتها وانجازات الشعب كلها التي حققها تحت قيادة صدام حسين رحمه الله وتقتيل وتهجير وامتهان كرامة الشعب العراقي في ابشع صور يمكن توقعها من قوة غاشمة مجرمة غائرة في تفاصيل الحقد الاسود والثأر المجنون.

 

ان من يعلنون عن حنينهم لصدام حسين هم هؤلاء العراقيين الذين غرر بهم الاحتلال وعملاءه وخدعهم بشتى الوسائل فاكتشفوا بعد حين قصير من الزمن ان نظام صدام حسين وبعض ما حسبوه عليه من اخفاق او اخطاء إن هي الا اخطاء واخفاقات ملائكية ازاء الاجرام البشع والهمجية البدائية التي جاءت بها اميركا وعملاءها. اما سواد الشعب العراقي فهو لم يغادر خانات الولاء والحب والتقدير العميق لانجازات الشعب والحزب تحت قيادة صدام حسين ولن يحن لصدام حسين لانه لم يفارقه بعد بل يحتضن أطيافه ورفاقه واخوته وابناءه من ملايين العراقيين النجباء وهم يقارعون الاحتلال والخونة حتى يكتب الله نصره ليعيدوا العراق الى عافيته التي كانت.

 

ان اية مقارنة بين نظام ودولة العراق التي اعتدى عليها الاحتلال واغتال قائدها الخالد صدام حسين مع واقع ما بعد الاحتلال هي امر لا يمت الى العدل والانصاف بصلة وهو مجاف لمعطيات الواقع المادي الذي خلقته قوات الاحتلال واعوانها. وما يحصل من مقارنات وتنويهات بهذا الصدد لا تعدوا كونها جزءا من فعاليات السايكولوجية التوطينية للخيانة والعمالة والعهر السياسي بكل قرفه وانحطاطه الاخلاقي وافتراقه المطلق عن الابعاد الانسانية والقانونية والشرعية.

 

لقد انجز العراق تحت قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي عبر ثلاثين عاما في شتى مجالات الحياة وخاصة تلك المرتبطة بعوامل التنمية البشرية ما يمكن اعتباره اعجازا حقيقيا بمعونة الله سبحانه، خاصة لو اخذنا بنظر الاعتبار طبيعة التحديات والاعتداءات والمطبات والعراقيل التي وضعتها الامبريالية والصهيونية ونفذتها دولة فارس والعصابات المتمردة الكردية وعرب الجنسية.

 

لقد امم صدام حسين رحمه الله نفط العراق وحقق بذلك لاول مرة في تاريخ الامة العربية السيطرة على ثروتها الاستراتيجية واستخدمها استخداما عبقريا في البناء والاعمار والتقدم في كل فروع الحياة. واسس البعث وقيادته لاركان حكم وطني يقود وطنا موحدا  بعد ان غلب الانفصاليين المتسلطين على شعبنا الكردي من خلال اصدار وتنفيذ اول قانون حكم ذاتي للاكراد في العالم والمنطقة بعد سنوات قليلة من استلام السلطة في ثورة تموز الخالدة. وكان من نتائج ذلك على سبيل المثال لا الحصر ... تطور التعليم بكل مستوياته بنسبة لا تقل عن 4000% والخدمات الصحية بواقع لا يقل عن 3000% . وتم الانتقال بالمجتمع الريفي المتخلف الى واقع تمدن فعلي لا يقل عن 7000%. وتغيرت صورة خدمات النقل والاتصالات وشبكة الطرق المعبدة بواقع لا يقل عن 4000% . وانتقلت الصناعة العراقية من حالة شبه عدمية الى واقع آخر لا يجوز مقارنته ويمكن احتساب فارق واقع الحالين بما لا يقل عن 200000%. وتغيير واقع الحال المعاشي للمواطنين بما لا يقل عن 1000% وخاصة في مرحلة ما قبل فرض الحصار الاجرامي البشع على العراق وتمزيق اوصاله بخطوط الطول والعرض سيئة الصيت. لقد وصل راتب الباحث العلمي العراقي عام 1990 مثلا قرابة 1300 دولار للعاملين في مجلس البحث العلمي مثلا وكنت انا واحدا منهم وهو راتب قد يزيد على راتب وزير في الدولة العراقية حينها . وبلغ عدد العراقيين المبعوثين للدراسة في مختلف انحاء العالم المتقدم في الفترة بين عام 1978 وعام 1990 ما يزيد على 180 الف مبعوث رجع منهم الى العراق ما يزيد على 80000 عالم ليصبحوا أهدافا للقتل المجاني على ايدي الفرس والموساد الصهيوني وفرق الموت الطائفية وتحت حماية وتمويل وتوجيه اميركا المحتلة.

 

وحقق العراق في زمن صدام حسين رحمه الله قفزات نوعية في التشكيل النوعي للدولة القومية العروبية المسلمة من خلال صور الدعم والتكامل التي يصعب حصرها للاقطار العربية المختلفة وخاصة الفقيرة مثل اليمن وموريتانيا والاردن ومصر والسودان والصومال وبلدان المغرب العربي وخاصة تونس والجزائر وغيرها حيث نفذت مشاريع تنموية صحية وتربوية وخدمية كثيرة يصعب حصرها وقدمت مساعدات هائلة. وهو ما يعلن الآن جهارا عن العداء له واستهدافه وتحقيره من قبل حكومة العملاء بل واعتباره من جرائم صدام حسين ضد العراقيين !!!.

 

واكثر من هذا يقال عن علاقات دولية متوازنة اسست على احترام ارادة العراق وشعبه وسيادته وعلى مصالح الامة العربية، وفي مقدمتها قضية الامة المركزية في فلسطين السليبة والتي نحتاج الى مقال منفصل لتوضيح وقائعها ومرتكزاتها وآفاقها وكنا نتوقع من اهل فلسطين ان يكتبوه كل يوم وفاءا لعراق البعث وصدام حسين .. عراق الامة الواحد الموحد الذي مزقت اوصاله بسبب موقفه من قضية فلسطين .. بدل ان نقرأ مقالات في مواقع فلسطينية تبحث تحت الرماد وركام التزوير عن اشارات استخبارية وتلتقط عبارات وكلمات مجتزئة من خطب واحاديث الخالد الراحل رحمه الله لتثبت البهتان والتزوير من ان القيادة العراقية السابقة كانت تلتقي سرا مع بعض حلقات التخابر الامريكي .. في حين يتجاهل هؤلاء ويتجنبون كتابة سطر واحد عن العمالة والخيانة السافرة لعملاء اميركا والفرس والصهيونية الذين يقومون يوميا بذبح عروبة العراق واسلامه وطردوا اخوتنا الفلسطينين من العراق دونما ذرة من ضمير او حياء.

 

ونحن نضع امام كل شعوب العالم الحرة هذا التساؤل من جديد:

 

هل جاءت اميركا لتحتل العراق وتغيير نظامه السياسي فقط ام جاءت لتذبح عروبته واسلامه وتدمر دمارا شاملا نسيجه الاجتماعي الذي لم يعرف الفرقة والاقتتال الطائفي من قبل وتزيل من على وجه الارض صناعاته وزراعته وتجارته ومستشفياته ومدارسه وجامعاته التي تحول المتبقي منها الى كيانات خاوية تخترقها مظاهر الفساد المميت والمعيب  والمذل.. ولنقل ,, هل جاءت لتغيير نظام صدام حسين ام لتجتث جيش العراق العظيم الذي اسسته وجهزته وطورته دولة صدام حسين وحزبه العروبي المسلم، وتدمر كل مؤسساته ؟؟. هل كان كل التدمير والقتل والتمزيق العرقي والطائفي جزءا من خطة الاحتلال ام ناتج من نتائجه العرضية؟ وفي كل الاحوال تأتي الاجابات لا لصالح اميركا ولا لصالح عملاءها ... هذا ان اسقطنا تهافت منطق وادعاءات عملاء الاحتلال واربابه من الطائفيين والشوفينيين الذين عملقتهم اميركا بغباء لا تحسد عليه لتعطي للدولة الفارسية فرصتها الحلم في التمدد والتوسع.

 

وبعد هذا العرض الموجز المقتضب .. ألا يحق لنا نحن ابناء العراق الشرفاء ان نسال من يتسائلون بطيبة من اهلنا واخوتنا عراقيين وعرب .. ألا يحق لنا ان نطالب شعبنا العربي وقواه العروبية والاسلامية والوطنية ان يمدوا قنوات التعامل مع مقاومة العراق البطلة ويدعموها بدلا من ان يدعموا الحزب الجمهوري انتخابيا من خلال ارسال الوفود والسفراء الى دولة المنطقة الخضراء؟

 

اللهم اشهد اننا قد بلغنا خوفا وحرصا على شعب نحبه من غضب الله ولعنة التاريخ وجرح عميق في وجدانه وضميره الوطني العروبي المسلم لن يندمل لقرون تاتي. اما نحن .. الذين لم نفارق نظام وقيادة صدام حسين الوطنية العروبية المسلمة النجيبة لاننا لم نفارق ساحة الجهاد ضد الاحتلال واعوانه ولا ساعة واحدة ولن نفارقها حتى يأذن الله باحدى الحسنيين .. النصر او الشهاده فقولنا الاخير ....

 

نحن سننتصر لاننا حتمية ربانية وتاريخية وسنحرر العراق قريبا باذن رب العزة وعندها سيجد من يحبنا من ابناء امتنا انفسهم امام تاريخ مشرف يسؤونا انهم لم يكتبوا فيه الكثير. ونعم اخطأنا هنا وهناك فجل من لا يخطئ حين يعمل.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ١٦ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٥ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م