الأخت العربية البحرينية الفاضلة سميره رجب
لنقل لحكامنا بوضوح ... انكم تهربون الى امام

 

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس  / أكاديمي عراقي

 

بات بينا ان معظم حكام الامة, الرافضين منهم لفظيا, أو اولئك الذين ساهموا بهذا الدور او ذاك في معاونة اميركا او الاشتراك معها فعليا في احتلال العراق عام 2003, قد وجدوا انفسهم بعد مضي خمس سنوات ونصف امام نتائج ووقائع ومعطيات تقع كلها خارج ماتمنوه أو توقعوه لمرحلة ما بعد ذبح النظام الوطني القومي العراقي ... ولا عجب في ذلك اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان ماكنة السياسة البريطانية والامريكية بكل قدراتها التكتيكية والاستراتيجية قد اخفقت اخفاقا تاما في استقراء الحال العراقي في مرحلة ما بعد الغزو. ومن الواضح تماما ان وقائع التخطيط غير الدقيق وحساباتها الخطلة قد قادت الى النتائج التي لم تكن الادارتين الامريكية والبريطانية راغبة بل ولا حتى متخيلة بانها ستفرض حالها كواقع سقط الاعلام في تزويره وتهاوت الارادة الغازية المحتلة على كل ما تمتلكه من امكانات الاخفاء والتستر والباطنية في تغييبه. الواقع يقول ان خطط الغزاة الآنية والاستراتيجية قد ذهب بعضها ادراج الرياح وانغرس بعضها في وحل يتعمق مأزق الخروج منه كل يوم ... ولذلك اسبابه التي لم يعد العالم كله قادر على انكارها وتجنب التعامل معها ما عدى حكامنا العرب من بين اهمها :

 

اولا" : حسابات خطلة وسطحية من ان الدولة العراقية الوطنية ستنهار وتموت ولم يصدق احد ان هذه الدولة قد اعدت العدة للانتقال حتى ولو بربع كادرها الذي يزيد على ثلاث ملايين انسان الى حالة المقاومة بمجرد وصول الغزاة الى بغداد ووضعت كذلك كل وسائل الاجهاز على المشروع الامريكي لذلك تفاجأ الجميع وتاه في كيف يواجه هذه المقاومة الباسلة.

 

ثانيا" : الوهم في تغيير ولاء العراقيين بين ليلة وضحاها لحزب ونظام تعاملوا معه تعاملا حياتيا دام خمس وثلاثين عام بحلوها ومرها تحت تأثير معلومات مظللة تستند الى مواقف ما يسمى بالمعارضة العراقية وبعض مرتزقتها وعملاءها في الداخل, دون أي حساب عميق للروح القومية والوطنية المتأصلة في عقول سواد شعبنا الاعظم. ان مخابرات اميركا كانت قصيرة اليد في العراق في الوقت الذي كان معارضوا الحكم الوطني يتعطشون لسلطة لا تحكم حتى ذاتها تحت نير المحتل وجبروته المتعطش هو الآخر الى تحقيق اطماع وغايات معروفة فظللوا انفسهم وظللوا اسيادهم فقانون التعطش المتهافت يفضي الى فعل ورد فعل غير محسوبة العواقب.

 

ثالثا" : انكشاف بطلان مسوغات الاحتلال التي اعلنها الانجليز واميركا، الامر الذي اجبر حلفاء اميركا على الانسحاب التدريجي من ساحة العراق قبل اكمال مهمة الغزو الذي يبدو ان الاتفاق عليه مبدئيا مع الحلفاء على انه لن يعبر مدة نهاية 2003!!!. لقد وجد الحلفاء انفسهم امام حرج كبير مع شعوبهم لاندفاعهم الأهوج خلف الافتراءات الامريكية – البريطانية لتدمير دولة وشعبها، ووجدوا انفسهم ايضا امام احتمالات بقاء خارج المدى الزمني المتفق عليه بناءا على توقع اميركا وبريطانيا وحساباتها الخطلة.

 

لقد كان لنتائج الفشل الامريكي الذي يتعمق كل يوم وعبّر عن نفسه بوسائل مختلفة ليس اكثر وضوحا منها سقوط الامبراطورية الامبريالية برمتها في سفوح الانحدار المدوي الذي نعايشه الآن واخذ صورة ازمة مالية يقرأها جل المحللين على انها بداية النهاية الجديّة لعصر العولمة بل ولكل النظام الرأسمالي وكذلك العجز الامريكي البين والفاضح امام موقف روسيا الناهض من تحت ركام النظام الاشتراكي والشيوعي. وقد كان لهذا الفشل دورا هاما ومباشرا في تحريك قريحة بعض رموز النظام العربي لطرح مشاريع او اطر مشاريع لا يمكن ان توصف الاّ بكونها بائسة وما هي في حقيقتها الاّ ترقيع لصفحة العدوان المشؤوم التي حملت عنوان الشرق الاوسط الجديد بعد ان مزقت تلكم الصفحة على أيدي ابناء شعبنا العظيم ومقاومته الجسور ولم يعد احد يجرؤ على الحديث عنها بعد ان كانت اذاعة المنبر الذي يعتليه كولن باول ورامسفيلد وكونداليزا رايس وغيرهم من رموز اليمين المتصهين الامريكي المتعجرف.

 

الاسئلة الكبيرة الآن .. هل ان العراق دولة وحكومة مؤهلة وحقيقية في قناعات الاخ وزير خارجية البحرين او سواه من حكام الامة ليقترحها طرفا في احلاف وتكتلات ومشاريع اقليمية؟ ولماذا لا تلتئم القمة العربية لتناقش اوضاع العراق تحت ظل الاحتلال والحكومة الطائفية العرقية الشوفينية التي فرخها؟ لماذا لا يعقد وزراء الامة اجتماعا لمناقشة معالجة احوال الملايين من العراقيين المهجرين الذين يرفضون منحهم تأشيرات دخول الى اقطارهم تحت ذرائع شتى ومعها يناقشون ارتفاع حصيلة القتل الجماعي في العراق الى ما يزيد عن مليون و400 الف عراقي؟ والقوانين الجائرة التي اقرها و نفذها الاحتلال واعوانه ومنها الدستور الذي الغى هوية العراق القومية الشاملة رغم ان عرب العراق تزيد نسبتهم عن 85% من سكان العراق وهناك جزء آخر من الـ 15% المتبقية هم من الاقوام التي لا يمكن باي حال من الاحوال عزلهم عن افقهم العراقي العربي الذي تعايشوا معه وانصهروا ضمن قوالبه طيلة عشرات المئات من السنين؟ واخيرا وليس آخرا .. لماذا لا يناقش زعماء الامة تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك ؟؟

 

الاجابات بسيطة للغاية وهي انهم لا يمتلكون الارادة الحقيقية وان ما يعلنونه هو تعبير عن املاءات خارجية هدفها مد يد الانقاذ لمشروع الاحتلال الاجرامي الذي صاروا يرونه بالعين المجردة وهو يحتضر وهم لا يريدون له ان يُقبر وهي محاولة عديمة اللون والطعم والرائحة للتعمية على العجز والضياع الرسمي العربي تجاه قضايا الامة المصيرية. انهم بدل ان يمارسوا المراجعة الشجاعة لنتائج السنوات الستة التي انصرمت ليخرجوا منها بمواقف تعاونهم على اعلان الذات الوطنية الحرة القادرة على الاستقراء والاستنتاج والتحليل الآني والاستراتيجي فانهم يهربون الى امام ... غير ان المؤكد ان مثل هذا الهروب لن يكون اكثر من مزيد من النكوص والنكسات والتيه لانه لا يمثل ارادة وطنية ولا قومية ولا اسلامية بل انه ببساطة يعمق ازمة التبعية الذليلة.

 

انه هروب الى الامام لانهم يصارعون انفسهم للتوافق مع حقيقة ان الدولة العراقية الوطنية التي تآمروا وخططوا ونفذوا مع اميركا جريمة احتلالها  لم تمت وان كوادرها تقود الفعل المقاوم الذي يتعمق ويتجذر ويتسع كل يوم ويطيح بالحلم الامريكي المجرم في العراق ولا يتوقف فعلها عند هذا الحد على اهميته الاستراتيجية للمنطقة والعالم كله، بل يتعداه الى انها تقوم برسم تفاصيل الغد القادم للعراق والعالم اجمع ... وان غدا لناظره لقريب ... وسيرى الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

 

فالانظمة العربية تعرف من باب اليقين ان المقاومة الوطنية العراقية الباسلة هي الامتداد الطبيعي لدولة العراق الوطنية القومية المسلمة التي تآمرت عليها وحاولت ذبحها مع اميركا وايران والكيان الصهيوني. ولذلك فان الحديث عن دعم عربي رسمي للمقاومة امر يقع بالنسبة لنا قي خانة (غير الممكن) في الزمن المنظور على الاقل. ان المنطق يفرض حاله وهو ان هكذا دعم ان حصل فانه سيكون بمثابة انقلاب جذري في موقف الانظمة وسيكون بمثابة مواجهة مع اميركا لا تقوى انظمتنا عليها، بل انها تقع بالنسبة لها في خانة وحقول المنكر واللا معقول. ملخص القول هنا ان انظمتنا تتعامل مع ما حصل ويحصل في العراق على انه قضية فلسطينية اخرى او شئ من هذا القبيل ... ان من تهاون في وضع قضية فلسطين على طريق الضياع الابدي لا يمكن ان ينتخي لقضية العراق ... فمن يهن سيدتي يسهل عليه الهوان.

 

ان مثل هكذا تعميم رغم كونه صحيحا غير انه لا يعني ان الانظمة العربية عاجزة عن مد عنق الى مستقبل العراق والى عراق المستقبل من خلال البحث عن آلية تضمن لها تحقيق حماية وجودها بعيدا عن المقصلة الامريكية وفي ذات الوقت ضمان صلة تعاون من انواع معينة مع الاطراف العراقية الرافضة والمقاومة للاحتلال. ولعل من بين ما يمكن ان تبدأ الانظمة العربية  به مثل هكذا تعاون هو ان تبدأ بفك الحصار الاعلامي على المقاومة ويمكن في هذا الصدد ان نشير الى تجربة اليمن التي ظلت اجهزة الاعلام فيه تنقل اخبار العراق المقاوم دون ان تفقد بوصلة الاتزان التي تجنبها تقاطعات حادة مع الامريكان او سواهم.

 

نحن كعراقيين وعرب نرى ان عزاءنا في الموقف العربي الشعبي اذ ان سواد الشارع العربي مع العراق المقاوم ومع المقاومة العراقية. ومع اننا كنّا وما زلنا نأمل فعلا ظاهرا وكبيرا لابناء الامة الاّ اننا لا نبتأس كثيرا ازاء احتمالات مستقبلية قد يحصل فيها فعل الشارع العربي وفق انتقالة حادة ليدعم المقاومة العراقية وربما ايضا يفرض ارادات خارج سياق المألوف على حكامنا. والاهم من هذا كله ان الشعب العربي قادر في اية لحظة يشاء على تغيير كل الانظمة العربية او جزءا منها كما ان هذا الشعب وقواه الحية تختزن احتياطيا هائلا يتوهم من يراهن على حالة السكون فيه التي يمكن ان تتغيّر بين لحظة واخرى الى براكين غضب وثورات عارمة. كما اننا بدأنا نلمس توقدا في فعل القوى الطليعية الوطنية والقومية العربية هنا وهناك يتمثل في عقد مؤتمرات وندوات ومحافل فكرية وثقافية لدعم الانتفاضة في بعض الاقطار العربية، نأمل ان تتعمق وتتجذر وتتسع.

 

ولغرض ان ننتقل من صيغة التمني والرجاء الى صيغة الاقتراح المباشر لما يمكن عمله لدعم جهاد العراقيين لطرد المحتل واعوانه وما انتجه من قوانين وتشريعات ومظاهر فساد وافساد وتمزيق نرى:

 

1 – تشكيل هيئات شعبية مدنية سلمية لمقاومة ورفض الفرقة القومية والطائفية والدينية. آخذين بنظر الاعتبار ان مثل هذه المكافحة لا يقتصر فعلها وتاثيرها على ساحة العراق فقط، بل لكل الامة وعلى امتداد ساحة الوطن العربي. ان على ابناء الامة ان يرفعوا شعارا واحدا موحدا، ألا وهو ان الفرقة والفتن المختلفة قد اوجدها الاحتلال واذنابه من الاحزاب الطائفية العميلة كلها على السواء.

 

2 – تشكيل منتديات اعلام جماهيري في كل الاقطار العربية تأخذ على عاتقها التقاط معلومات واخبار من الاعلام الامريكي حصرا وتحديدا تتحدث عن عوامل الفشل الامريكي في العراق وما احدثه الاحتلال من فتنة طائفية مقيتة، مصادر الاحماء وقدور الطبخ فيها كلها اميركية الجنسية او عبر عملاء اميركا, وعن تصاعد الدور الفارسي في العراق, الذي نحن نتعامل معه على انه ليس مجرد تدخل، بل هو شريك للاحتلال الامريكي وغير ذلك الكثير مما يمكن لكتاب واعلام المقاومة المتاح على الانترنيت وغيره المعاونة فيه.

 

3 – تشكيل هيئات لدعم وحدة العراق وشعبه فلقد صار حتى البصير يرى ان الاحتلال واعوانه ينفذون على الارض عملية تمزيق العراق ونحن كعراقيين شهود عيان على ما يحصل من عمل واقعي على الارض ويؤسس لثلاث دويلات مقزمة وتابعة حقيرة ذليلة.

 

ان انظمتنا العربية تعيش اسوأ حالات الضعف في كل شئ وان الدعوة لاقامة أي حلف او تكتل لا يمكن ان يوصف الا بكونه هروب للامام واهدافه مكشوفة ومفضوحة وتتكرس في الاستجابة لرغبة الادارة الامريكية في دعم حملة الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة ضمن حسابات الهلع الرسمي العربي من الانسحاب المتوقع لاميركا في حالة فوز الحزب الديمقراطي وضمن هذا المضمار تقع عملية الهرولة لزيارة المنطقة الخضراء وفتح السفارات. ونحن نؤكد هنا وبشكل واثق ومطلق ان الانسحاب الامريكي حاصل في كل الاحوال وبغض النظر عمن سيدخل بيت الامبراطورية الامبريالية الراسمالية التي بدأت شمسها بالغروب ونجومها بالافول ونحن لا ننطق عن هوى لاننا على جبهة قتال مع اميركا ونعرف نبضها بدقة. كما اننا ندرك بعمق ان الواهن الذي لا يمتلك ارادة وقدرات حماية الذات لا يمكن ان يلعب دورا حيويا في السياسة الدولية .. بمعنى .. ان اية مبادرة تقدمها انظمتنا لن يكتب لها النجاح هذا ان كتب لها ان ترى النور اصلا لانها انظمة واهنة.

 

اختي الفاضلة: ان امتنا العربية المجيدة تمتلك عقائد سماوية و وضعية متشابكة ومتداخلة بطريقة نوعية قد لايناظرها في ذلك احد وهي وليدة اعمال الفكر ورجاحة العقل وعلو الهمة .وامتنا امة حية تمتلك قيما اخلاقية اصيلة تؤهلها دائما للخروج من المحن والازمات وان ايمانها العبقري بالله سبحانه وبذاتها القومية كفيل دوما بان يمنحها مقومات الارتقاء الى المعالي ...وتيقني ان خصالها وسماتها وعبقريتها و خصبها تجعلها دوما اكبر من الطاغوت سواءا كان الطاغوت من بين اضلعها ام كان طاغوتا اجنبيا .والله اكبر .

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد  / ٢٠ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٩ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م