القول الفصل للشعب ..

 

 

شبكة المنصور

الهيئة الإعلامية لجيش المعتز بالله - حاتم الطائي

 

هل هناك ، بعد ما يمكن أن يقال ويكتب عن العراق .. العراق الذي كان .. والكائن .. والذي سيكون ، وان ما كتب أو قيل عن هذا الوطن المثخن بالجراح خلال السنوات الخمسة الفارطة من عمر الاحتلال .. ( المديد ) لا سامح الله ، وبكافة لغات الأرض ، لم يكتب ويقال مثله عن أي وطن آخر .


كتب عنه الذين أحبوه ، والذين كرهوه ، والذين حسدوه ، والذين اتخذوه ملعباً وحقل تجارب . كتبوا عن ماضيه كأنه حلم ليلة صيف ، وعن حاضره كأنه كابوس ليلة شتاء ، أو عن مستقبله كأنه لغز محير يستعصي على التنبؤ والحل. أي إن كل ما كتب عنه بالمحبة أو بالشماتة أو التمثيل لم يكن إلا ظلاماً في ظلام . . لان رؤيتهم جميعاً ـ باختلاف أهوائهم واجتهاداتهم ـ كانت لا تلتقط عبر عدساتهم سوى خيط الدم ، حتى أصبح العراق في نظرهم مجرد بركة من الدم القاني على خارطة العالم .


أما الوحيد القادر على الكتابة الممتلك للحقيقة كلها فلم تستهوه لعبة التاريخ ، فلم يكتب مذكرات ولا ذكريات ، بل كان يكتب يومياً فيوم سطور المستقبل .. بدمعه ودمه وصبره وعناده وهو يقبع خلف القضبان أو المتاريس أو بين أنقاض المدن المهجورة ، أو مخيمات اللاجئين في وطن كان يوماً وطناً للمحبة والألفة والتسامح ، أو من الفيافي والقفار ، أو من أزقة المدن المتمردة وهو يقاوم أعداء البشر ، كما يقاوم ببسالة الصمت واحتواء الألم .


ذلك هو شعب الرافدين الذي يكتب عنه الآخرون دون معرفة حقيقية به ، أو دون اذن منه ، فيلفهم الظلام والظَلال من كل جانب ، وهو لا يعير اهتماماً لما يكتب عنه هؤلاء لأنه وحده القادر على أن يكتب الحقيقة دون تزييف ... وبالرغم من كل هذا الضجيج الصاخب والسيناريوهات الضالة المضلة ، يكتب بحبره السري ما لم يكتبه هؤلاء ، وما لم يقرأه سوى الأغلبية الصامتة ذات البصائر الحية والانتماء الأصيل لهذا الوطن الجريح .
ماذا قال العراق ، وماذا سيقول ؟


قال انه لا يعرف الحواجز في باطن أرضه الواحدة ، ولا خطوط الطول والعرض الوهمية في سمائه،كما انه لا يعترف في أعماق ضميره إلا بهوية واحدة وعنوان واحد وصلاة واحدة منذ آلاف السنين . قال دائماً وأبداً ، ان الأحزان بوتقة تصهر معادن الشعوب لتصوغ منها كنزاً لا يصدأ ، وان خيط الدم ليس هو الخيط الحقيقي للنسيج العراقي الزاهي الألوان لأنه خيط عابر وطارئ لا يلبث ان يتلاشى على صفحات دجلة والفرات التي لا تتسع إلا للمحبة والتسامح والسلام .. لقد قال هذا الشعب كلمته بصمته الذي هو أبلغ من كل الكلام وصبره الذي تعدى كل الحدود ، وأنينه الذي لم ينقطع ، لقد قال أنه بريء من الشيطان وجنوده وأوليائه المتاجرون بدمه وأنينه ودموعه .


لقد قال هذا الشعب ومعه كل الأحرار في العالم انه ضد الحرب ، لأن محمداً والمسيح لم يكلفا أحداً بالقتال بالنيابة عنهما ، ولكنها إرادة الشر في صراعها الأزلي ضد إرادة الخير والسلام ، لأن كل ما يحتاجه الشيطان من أجل (( النجاح )) هو ألا يعمل الطيبون شيئاً .


لقد قال هذا الشعب : إن السلام هو مصدر ازدهارنا ، وان الحرية هي سياجنا ، وان التعدد والتنوع في نسيجنا هو أساس خصوصيتنا وثرائنا ، وان ما فرض علينا من أضاليل لا تمزق شعبا ولا تقسم أرضاً ، ولا تخترق مسام الجلد لتسمع النبض المشترك ، أو مسام التربة لترى الجذور العميقة المتشابكة ، لأن هذا الشعب لا يمكن أن يعيش متدفقاً بالعطاء والإبداع بدون هذا التنوع الجميل الذي شكل لوحة تاريخية منذ آلاف السنين ، فلا يمكن أن نتصور عراقاً بلا أكراد لأنهم ملحه ، أو بلا شيعة أو سنة لأننا سنكون قد قطعنا أرحامنا فهم الاخوة وأبناء العمومة والأصهار .. وكذا الحال بالنسبة لباقي ألوان هذه اللوحة الجميلة الزاهية .


وحين يأتي اليوم الذي تكتمل فيه الفصول الأخيرة من ملحمة المأساة والمجد معاً ، فسوف يكتشف المضللون الضالون انهم كانوا قد راهنوا على سراب ، وسيكتشف العالم كله كم كان هذا الشعب عظيماً ، وكيف قاوم الشر كله ، والنفاق كله ، والغدر كله .. وسيبقى شعب المعجزات ، لم يتبدد مع الريح الصفراء ، او الحمراء ، ولم تفلح كل أعاصير الشر الهوجاء ان تقتلعه من على خارطة العالم .. أما الذين يحاولون أن يضلونا السبيل من الغرباء والمدجنين والمهجنين فانهم مجرد دم ملوث لا يلبث أن يلفضهم العراقيون الاصلاء لانه لا يصح إلا الصحيح .


إن العراقيين الطيبين الأخيار لا يعنيهم ما يفكر به هؤلاء وما يوسوسون على هدي سادتهم وكبرائهم ، لان معدنهم الأصيل واخوتهم ومقاومتهم ومناعتهم أقوى من وساوسهم وأضاليلهم وانهم إذا كانوا قد خُدعوا واستُغفلوا فلا بد أن يستفيقوا من غفلتهم ولا أقول من غفوتهم ليختاروا العراق الوطن والتاريخ والحضارة والوحدة ، وان ما يقال عن طلاق أبدي بين مكوناتهم فانه هراء لأنهم يدركون جيداً أنهم كانوا دوماُ وعلى مر التاريخ ضحية حسد الحاسدين والأشرار والطامعين ، وضحية الخيانة والغدر من أبناء جلدتهم ... الذين باعوا الأرض والعرض بدراهم معدودات .


ولكني أخيراً أقول انه برغم عظم المؤامرة الخبيثة التي يخطط لها الأعداء من الأقربين والأبعدين ورغم الدماء التي جفت والتي لم تجف بعد ، ورغم الدموع التي احتبست والتي تفجرت ، ورغم الصورة الناجعة كلها والمأساة كلها ، أرى أن الأوان لم يفت بعد ، فالعراق لا يزال ينبض بالحياة وفي شعبه خير كثير .. فقط .. افسحوا الطريق للطيبين أن يعملوا ويقولوا كلمتهم وسترون أنه سيصنع المعجزات إن شاء الله .

 

 

جيش المعتز بالله
الهيئة الإعلامية لجيش المعتز بالله

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٢٢ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢١ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م