الإرهاب الإمريكي لا يقف عند حدود

 

 

شبكة المنصور

محمد حسن الجبوري

 

العدوان على سورية يوم الأحد الماضي في 26  تشرين الأول  2008 جاء ليبرهن ليس للشعب العربي السوري ولا للعرب بل للعالم أجمع أن الإدارة الأمريكية المجرمة لا تتورع في إرتكاب الجرائم بحق الأبرياء وأنها تمارس الإرهاب الدولي بأشنع وأقذر صوره ضد المدنيين الآمنين العزل من السلاح والذين تدفعتهم ظروفهم للعمل في مجال البناء والإعمارمن أجل لقمة العيش وإدامة الحياة ، هذا العدوان الهمجي إنما هو حلقة من مسلسل الإعتداءات والتجاوزات التي  تمارسها الإدارة الأمريكية ضد الدول والشعوب وتسوق بموجبها شتى الاكاذيب والتهم ، ففيما يخص سورية فالتهم جاهزة ، فتارة بإسم مكافحة الإرهاب وتارة أخرى دعم وتسهيل نقل المجاهدين عبرالحدود مع العراق ، وكلها عارية عن الصحة ومخالفة للحقيقة ، تكذبها الدلائل على أرض الواقع تماماً كما شاهدها العالم أجمع ، فالتوغل في الأراضي السورية ثمانية كليومترات والقتل العمد للعمال المدنيين في قرية السكرية التابعة الى (البوكمال) إنما هو سطو مسلح وإختراق لسيادة الدولة السورية ، وهو إعتداء بربري ووحشي سافر بدافع الحقد على الشعب السوري وقيادته الوطنية ، وهو قرارغبي من الإدارة الأمريكية الغبية المتهورة الحمقاء ، إدارة (بوش وتشيني وبطانة اليمين المتصهين) التي تقودالولايات المتحدة نحو الهاوية في سياستها الرعناء تجاه الشعوب . هذه الإدارة الأمريكية التي صمتت باديء الأمر عن الجريمة النكراء التي نفذها الجنودالأمريكان على أرض سورية الصمود والممانعة ، وحين تكلمت عن تفسيرها للعدوان غلفته بالأكاذيب والإفتراءات ، تماماً كما كانت الإدعاءات والأكاذيب التي سبقت إحتلال العراق والتي ظهرزيفها وكذبها وبطلانها فيما بعد ، لقد أحتل العراق وحل الجيش الوطني ودمرت المؤسسات والمعامل ، وسرق التراث والمتاحف والمخازن والمكتبات والبنوك ، وأصبح العراق ضعيفاً ممزقاً تحكمه العصابات والمرتزقة الذين جاءوا بهم ، واليوم تقررالإدارة الأمركية البقاء في العراق ضمن إستعمار طويل الأمد تحت أسم (الاتفاقية الأمنية بين الحكومة العراقية وإدارة الرئيس بوش) لوضع هذا البلد تحت الحماية والوصاية الأمريكية بموجب هذه الإتفاقية المنوي توقيعها ، بحيث تبيح للولايات المتحدة السيطرة على كل شيء في العراق البشر والثروات ومستقبل الأجيال وتحول العراق إلى سجن كبير، مع حق السيطرة على البحر والأرض والسماء في العراق ، والإنطلاق منه نحو الجيران ، وتحت حجج مكافحة الإرهاب مع حق إعتقال أي مواطن عراقي أو عربي ، وللقوات الأميركية وقوات المرتزقة الحصانة ضد القوانين العراقية والمجتمعية في العراق ، ناهيك عن القواعد والمعسكرات الخاصة والتي سيصل عددها إلى 400 موقع عسكري ، مع إحتكار النفط العراقي والثروات الأخرى وتحديداً للشركات الأميركية الكبرى التي طردت من العراق بعد قرار التأميم العظيم قبل 36 عاما ً.


أعود الى الغارة والقرصنة للطائرات الأمريكية على الأرض السورية حيث تبين وتبرهن بأن جميع الشعارات التي رفعتها الولايات المتحدة عن السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان كانت شعارات كاذبة ودعائية لتبريرالعدوان والحرب والإستعمار، فنحن نعلم أن أمريكا كانت قد طرحت مخطط الشرق الأوسط الكبيرالذي تروم تشكيله برعاية الكيان الصهيوني والذي يرتكز على تفتيت الدول العربية وتقسيمها الى كيانات طائفية وإثنية ليسهل السيطرة عليها وإستعمارها من جديد ، مشروع الشرق الأوسط الكبير ، أفشلته وأسقطته المقاومة العراقية الباسلة وجعلت الإحتلال يترنح ويفقد صوابه ولم يبق أمامه غيرالرحيل ، فالإحتلال مأزوم في أرض الرافدين ويبحث عن أي شيء أي فعل أو عمل عدواني للتهرب من عقدة المقاومة العراقية وفعلها .


وهوالآن ينظر الى العقدة السورية الواقفة والممانعة لخططه الإستراتيجية الإستعمارية ، ومن هنا يأتي العدوان عليها لغرض إركاعها والسير في ركاب مخططاتها كي يتم نجاح إستراتيجيتها في الهيمنة والتسلط على الأرض والنفط والماء والموارد والقرارالإستراتيجي والسياسي في المنطقة ، وعندما تتم معالجة (العقدة السورية) من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب فستتم السيطرة على منطقة الشرق الأوسط بأكمله بعد أن إكتملت الهيمنة على العراق .

 

الإعتداء على سورية يأتي كفعل يؤشر لما سيحصل بعد ( الإتفاقية الأمنية الأميركية ـ العراقية ) وضمن ما تخططه إدارة بوش إنطلاقا من العراق بعد عجزها عن تمريره عبر لبنان . 

 

أمريكا لا تزال تحتل العراق وتمارس العدوان والقرصنة على سورية وتخرق المواثيق والشرائع الدولية ،وتعرض الأمن العربي للمخاطر والمنطقة للفوضى وعدم الإستقرار وبنفس الوقت ترفض الإنصياع للقرارات الدولية ، ومثل هذه السياسات لن تؤدي إلا إلى المزيد من الكراهية لأمريكا وستسرع من إنهيار حلم الإمبراطورية الأمريكية في الإنفراد بالنفوذ والقوة وحكم القطبية الأحادي ، كما أنها ستؤدي للفوضى والدمار الذي سيحل بالعالم ويضعف العلاقات بين الدول .

 

لقد جلبت هذه السياسات العدوانية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية مزيدا من إنعدام الثقة بهذه الإدارة وقيادتها للعالم ، ليس فقط داخل المجتمعات العربية والإسلامية ، وإنما داخل المجتمعات الأوروبية ، بل إمتد هذا الرفض ليشمل الرأي العام الأمريكي نفسه ، الذي أصبح يرتاب وبعمق في الدوافع والنوايا الأمريكية ، وأنه لا يثق بما تقوله إدارة بوش ، وأن كراهية أمريكا أصبحت واسعة الإنتشار بشكل غير مسبوق وخصوصاً في دول العالمين العربي والإسلامي ، كما إنتشرت في أنحاء مختلفة من العالم إمتدادًا من أوروبا إلى آسيا ومن أمريكا الجنوبية إلى إفريقيا . كما إنتقد العديد من الدول العربية والأجنبية والمنظمات الدولية الممارسات اللاإنسانية والبربرية التي قامت بها قوات الإحتلال الأمريكي في العراق بعملها العدواني ضد سورية ، وكان بوش - الذي يوصف برئيس الحروب - قد أكد في خطابه الذي ألقاه في قاعدة (براغ) العسكرية الأمريكية يوم 27/6/2005م، أن الحرب في العراق هي "جزء من الحرب الدولية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإرهاب ، وتسعى من خلالها إلى نشر الديمقراطية والحرية بدلاً منه"، ووسط ظروف عصيبة يمر بها العالم في الوقت الحالي ، جاءت بالأساس نتاج السياسات التي إتبعتها إدارة الرئيس (جورج بوش)، التي رأت أنها الوسيلة الوحيدة التي من خلالها سيتم نشرالحرية والديمقراطية بين ربوع المعمورة ، متناسية أنها تسببت حتى الآن ، تحت زعم محاربة "الإرهاب"، في إحتلال دولتين، هما : أفغانستان والعراق ، وإشاعة أجواء التوتر وعدم الإستقرار في "منطقة الشرق الأوسط"، بل في العالم برمته .   

 

الولايات المتحدة إذن تقود العالم إلى الفوضى ، وأن خطة إحتلال العراق والضغط الأمريكي -الصهيوني على لبنان ، كانا يستهدفان سورية وإبتزازها ، وبإعادة ترتيب الوضع في المنطقة لمصلحة المخطط الأميركي – الصهيوني ، حيث وصلت دمشق إلى قناعة مفادها ، أنه بعد إحتلال العراق تريد أميركا أن تكمل المشروع الصهيوني من خلال حكومات لبنان أو عبر سورية مباشرة ، وبعدها  إلى باقي الدول العربية . الكل يعلم في الشرق الأوسط  أن إدارة الرئيس بوش تريد أن تستخدم لبنان كمدخل لتغيير النظام في سورية لأنه يشكل  شرطاً ضرورياً لنجاح مشروع الشرق الأوسط الكبير ، كان المحافظون الجدد في الإدارة الأمريكية لا يزالون يتهمون سورية بأنها لا تفعل الكثير إزاء منع المقاومين المعادين للإحتلال الأمريكي في العراق من التسلل  عبر أراضيها ، ويطالبون بإعتقال العراقيين الذين يعيشون في سورية ، حيث تشتبه واشنطن في أنهم يموّلون المقاومة العراقية التي إشتد عودها  وإستفحل توسعها بصورة متسارعة من وجهة نظرهم .

 

لقد ظلت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية و سورية ، على مدى العقود الماضية ، علاقات معقدة ، فسورية هي الدولة التي حددتها واشنطن كدولة راعية للإرهاب ، ومع ذلك ظلت ترتبط معها بعلاقات دبلوماسية عادية ، وعلى الرغم من أن سورية قد تعاونت مع الولايات المتحدة الأمريكية في الحملة على الإرهاب منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 ، وأكدت مراراً أنها تريد التفاهم والحوارلا المجابهة مع واشنطن ، إلا أن ما يطلق عليهم بالصقورالذين يتمركزون في البنتاجون، وفي مكتب ديك تشيني بالتحديد ، ظلوا يتهمون سورية بأنها تطور برنامج أسلحة الدمارالشامل ، و ترفض طرد الفصائل الفلسطينية المقاومة وإغلاق مكاتبها في دمشق ، ويثيرون مسألة إخفاق سورية المزعوم في التعاون الكامل مع الإحتلال ليبرروا بذلك إنتهاج سياسة "تغيير النظام" في دمشق ، وعلى أية حال ، هم يقولون على سورية أن تخضع ومطلوب منها العمل على تحقيق رغبات الإحتلال ومسايرة توجهاته الإستعمارية ، والإمتناع عن دعمها للمنظمات الجهادية المقاومة ، وهي الحركات التي تعتبرها أمريكا أهدافا ذات أولوية عالية ، في حركتها ضد الإرهاب فالولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تقبل بأنصاف الحلول مع سورية ، و كان من نتائج إحتلال العراق في أبريل عام 2003 تزايد الضغوط على سورية .

 

في 28/10/2008 ... أتحفنا علي الدباغ الناطق بإسم الحكومة العراقية بتصريح سبق الرد الأمريكي   وبدون خجل أو حياء متهماً سورية بتشجيع الإرهاب بقوله (أن المنطقة الحدودية مع سورية التي إستهدفها  هجوم الاحد كانت مسرحا لنشاطات "تنظيمات معادية للعراق ، تنطلق من سورية" ، جاء هذا التصريح قبل أن تصدرواشنطن أي  تعليق ، وتجاهل الدباغ من الذي نفذ الهجوم . ولئن إنطلت مثل هذه الأكاذيب والدعاية الأمريكية الرخيصة على  السذج من المرتزقة والعملاء المأجورين ، فانها لا تنطلي على الوطنيين والشرفاء مناهضي الإحتلال في العراق والوطن العربي أجمع ، فالمجرمون والخونة والعملاء وبائعي الأوطان هم وحدهم لا غيرهم من وقف الى جنب أمريكا في سياستها العدوانية تجاه الشعوب  .

 

ونقول لأمريكا كذلك : هل قتل الآمنين في مزارعهم والعمال المدنيين في مكان العمل غدا في ما يسمى الحرب على الإرهاب مشروعاً ومبرراً ؟ وهل أمريكا وقيادتها الخاضعة للصهيونية وما تحمل من أحقاد على عراق الحضارة والتاريخ ، وسورية العروبة والممانعة والصمود يمكن أن تركع وترضخ لممارسات أمريكا العدوانية الإستفزازية ؟ نحن لا نرى ذلك ، ولسبب بسيط أن كل الجماهير العربية من أقصى الوطن العربي غربا الى أقصاه شرقاً تدعم وتساند المسيرة الظافرة للشعب في سورية في نضاله العنيد ضد الهيمنة الأمريكية والإستعمارالجديد ومشاريعه المشبوهة ، فأمريكا تجسد الظلم والإرهاب والبطش والإجرام والنهب الإستعماري ، وما عدوانها الأخير على الأرض السورية والمواطنين السوريين إلا محفزاً يزيد بغض الجماهير لها ونفوراً منها ليعمق الشعور الوطني ويرص الصفوف للنضال من أجل حماية الوطن والدفاع عنه . ليخسأ المعتدون فالنصر دوماً للشعوب .

 

نسأل الله أن يتغمد شهداء السكرية برحمته ويدخلهم في جنته ويلهم ذويهم الصبر والسلوان .

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة  / ٠٢ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٣١ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م