الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

الوطنية الحقيقية والوطنية الزائفة

 

 

شبكة المنصور

نبيل ابراهيم

 

صرنا نسمع وبشكل يومي مصطلحات كثيرة مرتبطة بكلمة الوطنية, هذا وطني وذاك ليس وطنيا , هذا العمل او الفعل وطني وذاك ليس وطنيا , هذا الصوت وهذا القلم وطني وذاك ليس وطنيا...فمصطلح الوطنية اصبح يتداول ويعرف حسب مزاج  أي شخص وكيفما يرتأيه طبقا لما يريد ولما يتناسب مع المزاج والمصالح, فهناك على سبيل المثال من يعتبر خونة العراق وعملاء الاحتلال وطنيين .

 

للتعريف وللوقوف على مفهوم الوطنية علينا ان نقف بداية الامر عند مفهوم الوطن وتعريفه, فالوطن هو عبارة عن رقعة جغرافية  معينة لها حدود معروفة يعيش عليها مجموعة من البشرولهم تاريخ مشترك دون شرط الانتماء الى قومية واحدة   او ديانه واحدة او عرق واحد او لغة واحدة, يكون لهذه الرقعة الجغرافية اسم محدد ويكون له رمز و علم ونشيد خاص به و مؤسسات ونظام ودستور ويكتسب الافراد المنتمون الى هذه الرقعة الجنسية الخاصة بها .

 

اما المواطنة  فهي انتماء الانسان او الفرد الى هذه الرقعة الجغرافية المحددة (الوطن) واستقراره بها والحصول على الجنسية ويكون مشاركا باجهزة الدولة وخاضعا للقوانين السارية, وله حقوق وعليه واجبات .

 

من هنا نستطيع ان نستنتج مفهوم الوطنية فهي انتماء الفرد للرقعة الجغرافية التي يعيش بها وولاءه  المطلق لخدمة وطنه والاستعداد التام للتضحية بكل ما يملك في سبيل الدفاع عن وطنه وبايه وسيلة كانت. اذن فالوطنية هي مدى استعداد او تقبل الفرد او المواطن للتضحية {مادية او معنوية او جسدية} في سبيل الوطن بما يحتويه من افراد وممتلكات وعقائد وسيادة وكرامة, هذا يعني ان ليس كل من تملك جنسية بلد هو وطني , نعم هو مواطن لكنه ليس بالضرورة ان يكون وطنيا طالما ليس له الاستعداد او الرغبة بالتضحية في سبيل الوطن او حتى ليس له الولاء للوطن.

 

قد تيسائل احدكم هل للوطنية درجات ؟..اقول نعم وبكل تأكيد للوطنية درجات تعتمد في نوع ومقدار الولاء ودرجة الاستعداد للتضحية بما يملك الفرد في سبيل الوطن ,هناك من يضحي بروحه وبحياته في سبيل الوطن وهناك من يضحي بامواله لكنه ليس على استعداد للتضحية بروحه وهناك من يعتبر ان مجرد ادعائه بحبه لوطنه كاف لان يوصف بالوطني وهكذا, اذن لا نستطيع ان نساوي بين من يضحي بنفسه وبروحه في سبيل الوطن وبين من يدعي حبه للوطن....هذا لا يعني اننا نسقط او نشكك بمن لا يضحي بروحه من اجل وطنه هناك الملايين من ابناء الوطن الواحد يحبون وطنهم لكن كم من هؤلاء الملايين مستعدة للتضحية بارواحها في سبيل الوطن؟ وكم من هؤلاء مستعد لان يبذل ويضحي,  اذا فأن اعلى درجات الوطنية تمنح لمن يقدم اغلى ما يملك في سبيل الوطن وهكذا تأتي الدرجات المتعاقبة والمتتالية لمقدار الوطنية مقرونة بمقدار الاستعداد للعطاء وللتضحية.

 

هل للوطنية مفاهيم ومقاييس مختلفة في زمن الحرب عن ما هو عليه في زمن السلم؟

 

بالتاكيد هناك مقاييس للوطنية تختلف عن بعضها البعض في زمني الحرب والسلم...ففي زمن السلم ليس مطلوبا من المواطن ان يضحي بروحه من اجل الوطن , فلا حرب ولا تهديد للوطن ,اذن كل ما هو مطلوب من المواطن ان يكون وطنيا هو خدمة الوطن في مجال عمله وتخصصه , فكلما ابدع المواطن بعمله وخدم من خلال عمله وطنه وافراد شعبه يكون قد صعد مراتب في سلم الوطنية ,هنا الانجاز يعتبر اكثر ما يمكن ان يقدم للوطن وللمواطن فالعالم المبدع والطبيب والمهندس  وحتى الرياضي وحتى ابسط الموظفين  كلما انجزوا وانتجوا ابداعا يكونون قد خدموا الوطن, فلا نستطيع ان نساوي مثلا المرتشي او السارق بمن خدم بلده من خلال انجاز معين ...هنا يعتبر المرتشي او السارق قد ارتكب فعلا او عملا مشينا اساء للوطن وبالتالي يكون قد خان الوطن.

 

اما في زمن الحرب فالامر مختلف تماما لان الوطن والمواطن في حالة خطر حقيقي يجب الدفاع عنه بكل السبل , نعم  واجب الدفاع عن البلد هو من مسؤولية الجيش لكن الجيش وحده دون مساندة باقي مكونات الشعب لا تكفي خصوصا اذا ما تعرض الوطن للاحتلال فهنا واجب على كل افراد الوطن ان يلتحقوا بالجيش او باي تنظيم من شانه الدفاع عن حرية وكرامة البلد الى حين زوال الاحتلال. وعلى ذكر الخيانة في زمن الحرب , فليس كل من تعامل مع العدو بشكل او باخر هو وحده من خان بلده, الخيانة في زمن الحرب تشمل حتى من يسرق .

 

في عراقنا المحتل تنوعت درجات الوطنية كما تنوعت افعال الخيانة..هناك من ضحى بروحه وبحياته واستشهد في سبيل تحرير العراق من الاحتلال الامريكي الصهيوصفوي وهناك من لازال يقاتل المحتل ,يحمل روحه على كف ويحمل سلاحه على الكف الاخر ويخرج ليصول على العدو في مهمة قد يرجع منها حيا او قد يستشهد فيها وفي كلا الحالتين فهو منتصر لا محال,هذا المقاوم البطل بالتاكيد له عائلة وله اطفال لم يفكر يوما في مصير عائلته واطفاله بعد استشهاده لان ايمانه بتحرير الوطن هو فوق كل الاعتبارات, وهناك من يقدم العون والمال وحتى الدعم اللوجستي والاستخاراتي وهناك من يحتضن هذا المقاوم العراقي ويوفر له ابسط مستلزمات العيش فزوجة المقاوم وامه وعائلته توفران له كل ما يستطيعون حتى الدعم النفسي والتشجيع المستمر  لكي يكون هذا المقاوم جاهزا وعلى استعداد للقيام بمهامه القتالية ,  وهناك من يدعم هذا المقاتل اعلاميا بكلمة حق وايصال اخبار انتصاراته وصولاته على المحتل الى العالم وايصال قضيته الى المحافل الاعلامية العالمية, وهناك من يدعو رب العالمين ان ينصر هذا المقاوم {وهذا اضعف الايمان} , وهناك من ينتظر الفرصة للالتحاق بهذا المقاوم ليقاتل معه جنبا الى جنب.

 

بالمقابل هناك من خان الوطن وتعامل مع المحتل بل وشرع له واسس ميليشيا مسلحة لحماية المحتل , وهناك من استفاد من المحتل واستغل وجوده ليستفاد ماديا على حساب وطنه, وهناك ايضا من سرق الوطن, سرق الممتلكات وسرق الاثار وسرق حضارة العراق وتاريخه.

 

ان سراق العراق بمختلف اشكالهم ليسوا اقل خطورة على الوطن من من شارك العدو بالعدوان المباشر على العراق, وليسوا اقل خيانه منهم فهم خونة من الطراز الاول , السارق او المهرب لثروة العراق خصوصا في زمن الحرب هو خائن من الطراز الاول اسوة به مع من خدم الاحتلال المباشر اسوة به مع من قتل وشرد الملايين من ابناء شعبنا ,فالخيانة ليست لها درجات كما هو الحال مع الوطنية, انما الخيانة انواع.

 

هل للوطنية رداء ؟

 

قد يستغرب بعضكم هذا التساؤل لكن حقيقة الامر البعض استسهل هذا الامر وصنع لنفسه ثوبا يلبسه متى ما شاء وينزعه متى ما رغب واطلق على هذا الثوب اسم الوطنية, يعتبر نفسه وطنيا عندما يرتديه ويؤجل وطنيته او يجمدها الى حين عندما لا يرغب بارتداء ثوبه, قد تكون لاغراض ولمصالح ذاتية كامنة في اعماقه لكنها في اغلب الاحيان تكون مصالح مادية او معنوية, بل يلجأ هذا النوع من من يملك هكذا رداء الى اساليب غير اخلاقية في مهاجمة وتسقيط الغير على حساب ثوبه.

 

هل نعتبر هكذا ثوب وطنية زائفة؟ ام وطنية ناقصة؟ ام سوء فهم لمعنى الوطنية؟ ماذا نسمي من يلبس رداءا يسميه الوطنية؟ متى كان للوطنية رداء حتى يلبس او ينزع من قبل صاحبه؟ ثم لماذا يلجا البعض الى الحصول على هذا الثوب وما هو الدافع والمحفز لذلك؟ , قد تكون الاسباب والدوافع كثيرة ومختلفة تبعا للسلوك الشخصي للفرد او لايمانه بسلوك طريق معين اختاره لنفسه , وقد تكون بدافع من وطنية حقيقية كامنه في اعماقه لكن سوءا في فهم هذا المفهوم او سوءا في تحليلاته جعلته يلجا الى ذلك..وهنا يطرح سؤال اخر نفسه..وهو هل يكفي ان يحب الانسان وطنه لان يكون وطنيا؟ انا في رايي حب الوطن وحده لا يكفي ان يكون الانسان وطنيا , فالوطنية هي تعبير لمقدار التضحية  من اجل الوطن اذن الوطنية هي عطاء وبالتالي هي ليست الحب فقط , ودرجات الوطنية مرتبطة بدرجات العطاء.

 

من هنا نميز وبكل وضوح بين  الوطنية الحقيقة و بين الوطنية المزيفة , فالوطنية الحقيقية  هي صفة اقترنت بالمشاعر الصادقة للالتصاق بالوطن وبمختلف الظروف التي توجب ترجمة هذه المشاعر الى  افعال حقيقية والاخلاص بها من اجل الوطن ومن اجل الدفاع عنه الى درجة ارواء ارضه بالدماء الطاهره في سبيله, والوطنية الحقيقة هي ان نقبل بكل مكونات الشعب لانهم ابناء البلد الاصلاء هم من يضحي وتسيل دمائهم على ارضه وهم من يبني ويعمر وهم من يحمل هموم الشعب وويطوي الليل بالنهار من اجل السعي لخدمة المواطن .

 

اما الوطنية الزائفة او المزاودة بالوطنية فهي الشعور بالقهر والظلم السياسي او المذهبي الذي يحاول البعض تكريسه او الشعور بالمظلومية ومحاولة اجتثاث لشريحة معينة باستخدام ذرائع واسباب مذهبية عرقية او حزبية,  لابعاد شريحة او شرائح مهمة عن الشراكة الوطنية وعن عملية البناء والاندماج بعد التحرير  وبهذا فأن الهدف هو  تفتيت اللحمة الوطنية التي تربط ابناء العراق بصورةعامة, فالعراق بلد متنوع القوميات والاديان والمذاهب والطوائف, والذي يجمع العراقيين جميعا وبشكل عام هو انتمائهم للعراق وولائهم للوطن.

 

المرحلة التي نعيش بها الان يجب ان تكون مرحلة تتسم بالعمل الجاد لخدمة ابناء الوطن اكثر منها مصلحية من اجل التسلط , وان معرفة المواطن وادراكه بهويته الوطنية والعقائدية هي الخطوة الاولى نحو المواطنة , اما التجاهل ورفض الاخر بسبب المظلومية او بسبب الحقد السياسي فهذا امر مرفوض ولا يخدم العراق .

 

ماهو الطريق الذي علينا ان نسلكه لنكون وطنيين حقيقيين؟

 

الطريق الوحيد هو في الوحدة الوطنية بين ابناء العراق الواحد , ان نرفض الطائفية , ان نرفض التقسيم, ان نكون مستعدين في تقبل الاخر , ان ننسى الاحقاد والكراهية, ان لا نؤمن بما يسمى بالمظلوميات, ان نفهم بعضنا البعض وان نواجه بعضنا بعض لحل مشاكلنا لا ان يكيد احدنا للاخر , ان لا نستعين باطراف خارجية لايذاء انفسنا, ان نتحد ونلتف حول فصائل المقاومة العراقية الباسلة وان نؤمن بان الطريق الوحيد لاسترجاع بلدنا لعافيته هو تحريره من المحتل الامريكي الصهيوصفوي عن طريق المقاومة المسلحة , ان نمد ايدينا الى هؤلاء الابطال فهم خلاصنا, ان لا ننجر الى اعلام المحتل وان لا نثق ولا نصدق ما يقوله من خلال اجهزته ومن خلال عملاءه, ان نفضح كل الخونة والعملاء وسراق الوطن وان نرفضهم  وان لا نتعامل معهم, ان نؤمن باننا شعب واحد بجميع مكوناته, وان لاننسى بعدنا العربي وان العراق جزء لا يتجزأ من الامة العربية .

 

المرحلة التي نعيش بها الان يجب ان تكون مرحلة تتسم بالعمل الجاد لخدمة ابناء الوطن اكثر منها مصلحية من اجل التسلط , وان معرفة المواطن وادراكه بهويته الوطنية والعقائدية هي الخطوة الاولى نحو المواطنة , اما التجاهل ورفض الاخر بسبب المظلومية او بسبب الحقد السياسي فهذا امر مرفوض ولا يخدم العراق.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس  / ٠٣ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٠٢ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م