نعم ، مرة اخرى واخرى ، المقاومة العراقية تتقدم وتنتصر

﴿ الحلقة السادسة ﴾

الفشل في التخطيط يقود إلى التخطيط للفشل

مثل عالمي

 

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

 

خطة الباب المفتوح : بدائل بلا قيود

 

بالاضافة للاضطرار لتغيير الستراتيجية العسكرية لرامزفيلد باخرى تقوم اساسا على العمل الاستخباري بالدرجة الاولى ، كما عرضنا ، فان هناك حلولا سياسية طرحت من قبل جهات امريكية لمعالجة الازمة الامريكية في العراق . لقد تبنت المخابرات الامريكية ، وبعد تجربة حوالي خمسة سنوات من الاحتلال ، خطة جديدة هي ( خطة الباب المفتوح ) ، والتي تقوم ، بالاضافة على لعبة التعتيم على عمليات المقاومة العراقية وتحويل الانظار من العراق الى لبنان وايران ، على الاتصال بشخصيات مدنية وعسكرية وقوى عراقية رافضة للاحتلال ولم تتعاون معه حتى الان ، وتقديم وعود معسولة لها ومعاملتها باسلوب ودي من اجل توريطها في العملية السياسية ، وكان اهم وعد هو قيام الامريكيين بطرد ، وربما محاكمة المالكي والجعفري والحكيم ومن لف لفهم ، و( تصفية ) التنظيمات التابعة لايران في العراق وتوريط الامم المتحدة والانظمة العربية في المستنقع العراقي باجبار هذه الاطراف على تحمل تكاليف غزو العراق المادية والبشرية من اجل تخفيف الضغط الشعبي الامريكي وتعديل حسابات الربح والخسارة الامريكية .

 

الامم المتحدة : صندوق باندورا

 

تحت عنوان ( كتلة في الكونغرس تؤكد وجود مناقشات سرية مكثفة لاستمرار الحرب) وتقترح إرسال قوات دولية بديلة الى العراق  نقل الملف بريس عن مصادر امريكية معلومات نلخصها بشكل نقاط رئيسية مع تعليقنا على كل نقطة منها ، لتسهيل البحث من خلال تفكيك مكوناته :

 

1 - تقول المعلومات بان عددا من أعضاء الكونغرس كشفو ، في تقرير من 30 صفحة ، عن وجود مناقشات تركز على كيفية استمرار الحرب في العراق . ويؤكد أعضاء الكونغرس في تقريرهم أن توقيع اتفاقية طويلة الأمد مع العراق ستقود حتماً الى حرب لا نهاية لها في الشرق الأوسط . ولذلك دعوا الى خطة ( بديلة ) شاملة قابلة للمراجعة ( التنقيح والتعديل ) ، تتولى تنفيذها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والدول الست المجاورة للعراق .

 

ملاحظتنا : ان فقرة التي تقول ( أن توقيع اتفاقية طويلة الأمد مع العراق ستقود حتماً الى حرب لا نهاية لها في الشرق الأوسط ) تمثل المأزق الحقيقي للادراة الامريكية والنخب الامريكية الحاكمة او المؤثرة في صنع القرار ، اذ انها تعرف على وجه اليقين ان البقاء في العراق عمل يائس ولا جدوى منه  بصورة مكشوفة ومباشرة وسوف يجلب المزيد من الكوارث على امريكا ، بل ان الكوارث القادمة اكبر مما واجهته في العراق منذ الغزو وحتى الان ، اضافة للعواقب الاقليمية المترتبة على وجود عسكري امريكي دائم في قطر هو جوهرة  المنطقة الستراتيجية التي تتصارع حولها قوى اقليمية متعددة ، وهو وضع سيسحب سحبا اجباريا قوى دولية للعمل في العراق او من اجل حصة فيه . اما الفكرة الاهم والاوضح في هذه الفقرة فانها الاضطرار الامريكي لجعل الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن والدول الست المجاورة للعراق تنفذها ! بمعنى ان الجيش الامريكي اما سينسحب كليا من العراق او انه سينسحب الى خارج المدن ويترك ضبط الامن للقوات الدولية والاقليمية . وبنظرة متفحصة وخبيرة يخرج المرء باستنتاج مرجح وهو ان امريكا تريد التخلص من مأزقها في العراق عبر تسليم الامن الى غيرها لتجنب تحمل فكرة انها هزمت والقاء مسؤولية الفشل على الاعضاء الداميين في مجليس الامن ودول الجوار العراقي .

 

2 – تشترط الخطة تطبيع العلاقات ( الامريكية ) مع إيران وسوريا ، الدولتان اللتين تلامان على (تصليب ) عود النزاع الأهلي في نطاق العراق .

 

ملاحظة : التطبيع مع ايران وسوريا يترجم كما هو واضح الى منح ايران حصة وثمنا لقاء دورها الايجابي في خدمة الخطة الامريكية في العراق ، كما انه يترجم الى دفع دول الجوار الى الانخراط في صراعات مصالح داخل العراق ، ومن ثم فان الحاجة لامريكا تصبح مطلبا عراقيا لاجل تخليصه من كارثة بديلة وهي التصارع الدولي والاقليمي ، في العراق وحوله ، وما ينجم عنه من تدهور الامن وزيادة حدة الازمة بدل حلها . وينطبق على هذه الحالة المتوقعة المثل العراقي الذي يقول ( من يرى الموت يقبل بالسخونة ) . وهكذا تعود امريكا لدخول العراق من شباك ( انقاذه ) بعد ان طردت من باب تحريره منها .

 

3 - استخدام قوات دولية بديلة عن القوات الأميركية التي يجب سحبها فوراً حسب تعبيرهم .  ودعت كتلة النواب في الكونغرس الأمم المتحدة الى إصدار قرار يستبدل القوات الأميركية في العراق . وأكدت صحيفة بوسطن كلوب في تقرير لها أن النواب طالبوا بقوة دولية تحل محل القوة الأميريكة ، كجزء من خطة مرحلية لسحب جنود الولايات المتحدة ، بعد أن يتسلم رئيس جديد للبيت الأبيض في شهر كانون الثاني المقبل . وجرى تبني القرار أمس (الأربعاء 25 حزيران) من قبل النواب (جيمس ماكغوفرن) ، و(جون تيريني) و(وليم ديلهونت) الذين دعو الى إنهاء ( اي الغاء ) المحادثات المستمرة بين الولايات المتحدة والعراق من أجل توقيع اتفاقية أمنية طويلة المدى . وبدلاً من ذلك – طبقاً لمقترح القرار الذي قدمه النواب - فإن السلطات الأميركية يجب أن تبدأ على الفور المباحثات مع الأمم المتحدة بشأن التفويض لإدارة مسؤوليات مساعدة العراق .

 

ملاحظة : اذن هو انسحاب فوري للقوات الامريكية من العراق بعد وصول رئيس جديد للبيت الابيض ، وملأ الفراغ بواسطة قوات دولية ، وايقاف المحادثات ( وليس المفاوضات لان التفاوض يتم بين طرفين مستقلين ) لانها اصبحت غير مفيدة من زاوية انها كانت مصممة لابقاء القوات الامريكية في العراق ، ربما لخمسين عاما كما اشار وزير الحرب الامريكي جيتس ، اما وان المطلوب هو انسحاب كامل فان المحادثات اصبحت غير ضرورية .

 

4 -  وتنقل صحيفة بوسطن كلوب عن النائب في الكونغرس (ماكغوفرن) ، وهو من الديمقراطيين ، قوله أن الكونغرس يجب أن يساعد الرئيس المقبل في البيت الأبيض كي يوجد خطة بديلة . وأضاف (ماكغوفرن) قوله : ( بالنسبة لنا نحن الذين نعارض الحرب ، ليس كافياً القول إن الحرب كانت خطأ ، بل يجب أن ننسحب من العراق فوراً ) . وكان عضو الكونغرس يتحدث للصحفيين في مؤتمر عن الدعوة الى بدائل دفاعية عقده معهد الكومنولث ، بمركز البحوث المستقلة في كامبريج ، حيث أكد أعضاء الكونغرس الثلاثة قولهم : ( في كل مرة كنا نحاول أن نعرض قضية سحب القوات الأميركية من العراق ، كانت إدارة الرئيس جورج بوش تفتعل حمام دم في العراق ، بحيث تبقى الدعوة كما لو أنها مستحيلة وأن لا خيار هناك سوى بقاء القوات التي وصلت الى حد الإرهاق في العراق ) .

 

ملاحظة : هنا نلاحظ ادراك شامل من قبل اعضاء الكونغرس لحقيقة ان هزيمة امريكا محققة اذا بقت في العراق ، وان بوش كان يعمل على منع سحب القوات بافتعال حمام دم !  انه اتهام خطير بان الرئيس يضحي بارواح الامريكيين واموالهم لمجرد الاصرار على رأيه وعدم قبول مقترحات الانسحاب ، كما انه اعتراف خطير اخر بان عمليات قتل المدنيين العراقيين بين فترة واخرى هو من عمل المخابرات القوات الامريكية ، دون ان ننسى الدور الايراني والاسرائيلي في ابادة العراقيين .      

 

5 - ويدعو التقرير الولايات المتحدة الى وقف تسليح القوات الأمنية العراقية الى أن تستطيع الأمم المتحدة بشكل مستقل تكوين الآليات التي تحجب هذه الأسلحة عن أي من الميليشيات الطائفية ، سواء كانت سنية أم شيعية .

 

ملاحظة : ان تحييد القوات الامنية التي تشكلت في ظل الاحتلال ولخدمته لكنها لم تكن مضمونة لا من حيث القدرة القتالية ولا من حيث الانضباط العسكري وتنفيذ الاوامر والولاء ، لذلك فان المطلوب هو بناء قوات امنية اخرى تملك قدرة قتالية وانضباط . ويجب ان نلاحظ فكرة بالغة الاهمية وهي ان المقترح يتحدث عن ( قوات امنية ) وليس ( عن قوات مسلحة ) ، والفرق كبير فالاولى للقمع الداخلي فقط ، والثانية لردع العدوانات الخارجية المحتملة وضبط الامن الداخلي في ان واحد ، وهذا مواصلة للعمل بواحد من اهم قرارات الاحتلال وهو منع قيام جيش عراقي قوي مجددا وجعله قوات امنية لضبط الامن . ماذا يترتب على هذا المقترح ؟ الجواب بسيط وواضح : بقاء القوات الدولية في العراق الى اجل غير مسمى ، لوجود الحاجة اليها تحت غطاء ( حماية العراق ) من التهديدات الخارجية !

 

6 - إن دعماً حقيقياً من المجموعة الدولية (مجموعة الدول الأعضاء دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي إضافة الى الدول الست المجاورة للعراق ) ، يمكن أن يساعد في إقامة مصالحة سياسية بين مختلف المجموعات المسلحة في العراق – باستثناء إرهابيي القاعدة - وتبدأ بمعاجلة مشاكل اللاجئين ، والغذاء ، والمشاكل الإنسانية الأخرى .

 

ملاحظة :  هذه الفقرة تؤكد ما قلناه من ان المطلوب بقاء امريكا في العراق ولكن بوجود قوات دولية تزيل الانطباع بان العراق محتل ، وتزرع انطباع مضلل وهو ان القوات الدولية ليست احتلال ، وتكريس هذه الفكرة يسمح بانخراط اطراف جديدة في العملية السياسية واعادة بناء الدولة العراقية على اسس تخدم المصالح الامريكية ، مع اعطاء حصص للاطراف التي تساعد امريكا على البقاء في العراق باسم ( المجتمع الدولي ) والامم المتحدة ! ولذلك فان الفقرة تنص على اجراء ( مصالحة وطنية ) ومعالجة الاسباب التي تزيد من سخط الشعب العراقي والعالم ، ومنها انعدام او سوء الخدمات والاوضاع اللا انسانية للعراقيين في المهجر وغيره . 

 

7 - وتتوقف الخطة عند نقطة دور المؤسسة الأممية ( أي قوة حفظ السلام من ذوي القبعات الزرق ) ، وتدعو الولايات المتحدة الى دعم الأمم المتحدة في التنظيم والتمويل .

 

ملاحظة : وهكذا فان القوات الدولية ستمول ليس باموال امريكية بكمياتها الاهم ، كما قد يتصور البعض ، بل من الامم المتحدة ودول الجوار العراقي ! وهذا الخيار يزيح اعباء مالية مدمرة عن كاهل امريكا ويوفر نفوس الامريكيين اضافة الى انه يخدم مخططها في العراق والمنطقة ، خصوصا تحقيق استقرار نسبي يمكن امريكا من اعادة بناء الصناعة النفطية لاجل تحويل العراق الى اكبر مصدر للنفط في العالم وتحت ( اشراف شركات امريكية وفق (عقود خدمات )  ! انه تجميل لوجه الاحتلال ، كما يجمّل حزب الله وجه ايران بدماء اللبنانيين ، وتمويه لاهداف الاحتلال الامريكي  وازالة كل مظاهر الاستفزاز فيه ، وتوفير المناخ الملائم لانخراط من يريد التعاون مع الاحتلال لكنه متردد ، ( يشتهي ويستحي ) كما يقول المثل العراقي ، او خائف لكون الاحتلال مفضوح ولا يمكن الدفاع عنه بصيغته الحالية .

 

8 -  ونقلت صحيفة بوسطن كلوب عن (وليم ديلهونت) عضو الكونغرس الآخر في الكتلة الجديدة ، قوله : ( إن ما قمنا به مجرد بداية ، والمخطط الذي قدمناه مشروع قابل للمناقشة والمراجعة ) . ومن جانب آخر أكد عضو الكونغرس (جون تيريني) إنه يأمل أن يكون التقرير محققاً لإمكانية دفع الأعضاء الآخرين في الكونغرس الى مناقشته بشكل كامل .

 

ملاحظة : المشروع مجرد اطار عام ( قابل للمناقشة والمراجعة ) ، بمعنى انه بالون يمكن ان ينفخ ليكون كبيرا او يقلص ليصبح اصغر ليتناسب مع احتياجات امريكا في العراق ، المهم هو ان يكون اطارا حديديا يضم ، ويحمي ويدافع عن ، فكرة جوهرية وهي جعل النفط العراقي بيد امريكا عمليا ، وبغض النظر على الشكل القانوني الظاهري ، وان يبنى عراق محيّد سياسيا ، بالفدرالية الشكلية والتي تخفي تحتها كونفدرالية ، جاهزة لتقسيم العراق في اي ظرف مناسب للمصالح الامريكية .

 

( المصدر : صحيفة العراق الالكترونية 28 / 6 / 2008 ) .

 

خلاصة موحية : ان اهم ما يجب التأكيد عليه هو ان هذا التقرير يستند اساسا على ، وينطلق من ، تقرير بيكر - هاملتون والذي يدعو الى اشراك اطراف اخرى دولية واقليمية في تحمل اعباء وتمويل ومخاطر غزو العراق ، كالامم المتحدة وحلف النيتو ودول الجوار العراقي . واول واهم عناصر الخطة هو استبدال القوات الامريكية بقوات دولية باسم الامم المتحدة وبقوات اسلامية عربية هلى الارجح . ان الفشل الامريكي في العراق عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا يتأكد ، ويتجلى أيضا ، في هذا التوجه لتحميل اطراف ودول اخرى عبء غزو انهك امريكا ووضعها على حافة الانهيار العسكري ، بعد ان تحقق الانهيار المعنوي ( الاعتراف بوجود اكثر من 50 الف معوق جسديا ونفسيا  وقد يصل العدد الى مائة الف معوق ) ، وبعد ان تحقق الانهيار الاقتصادي الذي نراه الان في سقوط النظام المالي الراسمالي العالمي انطلاقا من انهيارات امريكية ، وهذان العنصران ( المال والمعنويات ) هما العمادان الاساسيان لكسب اي حرب بعد مواصلتها او مواجهة الهزيمة الكاملة .

 

نراه لكنه لم يقال !

 

ما الذي ينطوي عليه هذا التقرير الخطير من مؤشرات موجودة بين سطوره ولم تذكر مباشرة ؟ في السياسة خصوصا في الاستخبارات فان الذي لا يذكر قد يكون اهم مما ذكر ، لان المشروع الاستعماري ايا كان يقوم بطبيعته على اساس لصوصي مرفوض اخلاقياو وقانونيا ، لذلك جرت العاددة ان توضع بنود سرية خارج النقاش العلني تحقيقا لاهداف الاحتلال . فما الذي لم يذكر في المقترحات والسيناريوهات المنشورة ؟ بالاضافة لما اوردناه وناقشناه فان الخطة الامريكية ، التي راينا بعض ملامحها في تطبيق خطط عديدة في الفترة الماضية ، لابد ان تحتوي على خطوات استخبارية مدروسة .

 

بأختصار دقيق ان الخطة تنطوي على خطوات متعددة وشاملة ذكر بعضها مباشرة ولكن البعض الاخر ترك للجهات المختصة للقيام به لملا الفراغات في الخطة المعلنة لاكمالها وفي تنفيذها ، ولكن اهم ما في الخطة هو ان امريكا تريد فتح ( صندوق باندورا ) في العراق ! ما معنى هذا ؟ لنحلل مكونات الخطة  ، او الخطط المحتملة ، غير المذكورة مباشرة غالبا ، من اجل تكوين صورة شاملة حول ما تفكر فيه النخب الحاكمة في امريكا تجاه العراق . وقبل هذا يجب او نوضح ما معنى اسطورة ( صندوق باندورا ) ، هذا الصندوق طبقا للاسطورة يضم كل انواع الشرور واخطرها ، واقفل لمنعها من الخروج ، لذلك فان المعنى الرئيسي لفتح الصندوق هو اطلاق كل انواع الشرور واشدها خطر . ان السؤال المتعلق بهذا الصندوق هو : ما هي الشرور التي يتضمنها تقرير اعضاء الكونغرس الامريكي ، وغيره من التقارير الكثيرة المتقاربة المقترحة ، لانقاذ امريكا من مأزقها في العراق ؟

 

هنا يجب ان نعيد تركيب الخطة لتكون كاملة باضافة مالم يذكر فيها عمدا وكشف النقاب عنه :

 

1 – طبقا لما رأيناه منذ عام 2006 في الساحة العراقية فان العمل الاستخباري الذي حقق ما فشلت فيه الالة العسكرية الامريكية وهو اختراق بعض الفصائل المقاتلة ودفعها لتغيير بعض مسارات حرب تحرير العراق ، لذلك لابد ان نأخذ بنظر الاعتبار ان العمل الحالي والقادم يقوم على جعل المخابرات الامريكية هي العمود الفقري للعمل امريكي في العراق ومنحها ، استنادا لهذه الضرورة ، صلاحيات اكبر مما سبق ، وجعل أرتباطها مع الرئيس مباشرة وليس بمجلس الامن القومي ، وعدم وضع قيود كبيرة على تدخل الكونغرس الامريكي لتصويب الخطوات الامريكية في العراق ، والذي تواجه فيه امريكا احتمالا يترجح يوما بعد اخر بانهيارها العسكري ، ومن ثم الاقتصادي ، وهما انهياران قد يؤديان الى تشرذم امريكا ونشوء دول عديدة على انقاضها ، في تحول درامي اكثر اثارة من تفكك الاتحاد السوفيتي .

 

ان اجهزة الاستخبارات الامريكية اصبحت الان القوة الاكثر نفوذا وتاثيرا في السياسة الامريكية تجاه العراق وليس البنتاغون او الرئيس .  والسبب واضح فالقوى والشخصيات والمؤسسات الامريكية التي تصنع القرار، او التي تؤثر فيه ، تعلمت واحدا من اهم دروس غزو العراق وهو يتلخص في ضرورة منع انفراد اي جهة امريكية باتخاذ قرار الحرب بمفردها ( وهما الرئيس والكونغرس ) او الدفع الحاسم باتجاهها واقناع الرئيس والكونغرس بضرورتها او مواصلتها اذا اندلعت وعدم السماح بتوقفها ( وهو البنتاغون ) ، عن طريق تعزيز دور الكونغرس واعادة تحديد صلاحيات الرئيس فيما يتعلق بالحرب ، بعد ان تغلبت صلاحياته عمليا على صلاحيات الكونغرس ، مع ان الدستور الامريكي يمنع شن الحرب من قبل الرئيس وحده وبدون موافقة الكونغرس ، والاهم ضرورة اعتماد الكونغرس والرئاسة والاعلام على نصائح المخابرات ( تترجم اوامر ) قدر تعلق الامر بالحرب والسلام .

 

وهذا التوجه الذي نرجحه تدعمه ضرورة مواجهة احتمال اصبح ممكنا وهو انهيار امريكا الشامل ، لذلك فان المركزية في اتخاذ القرارات المصيرية يجب ان تقترن بالاعتماد على راي المخابرات ، لانها اكثر من يعلم وافضل من يعرف واعمق خبير . لقد سقطت القوة العسكرية في الامتحان العراقي ، والافغاني ايضا ، لذلك لابد من الحيل والاحتيال والمكر المبني على معلومات دقيقة وصحيحة ، وتلك هي وظيفة المخابرات الامريكية . ان توسيع صلاحيات المخابرات ودمجها ووضعها تحت قيادة واحدة وترفيع مديرها الى درجة وزير وربطه مباشرا بالرئيس ما هي الا مقدمات لهذا لتوجه الديكتاتوري ، الذي سيقلص اولا ثم سيسحق الليبرالية الامريكية ، التي تفاخر فوكوياما بانتصارها قبل حوالي 15 عاما ! وهذا التوجه لديه الحجة والدليل على صوابه : الازمة المالية وعواقبها التي تحرك الراي العام بقوة لا حدود لها وتجعله يقبل باي حل يضمن مصالح الفرد الامريكي وليس الدولة والمجتمع ، بغض النظر عن مصير المشروع الامبراطوري الامريكي .

 

انها محاولة لانقاذ امريكا من الكارثة التي جلبها المحافظون الجدد اليها عبر غزو العراق ومانتج عنه من انهيارات مالية خطيرة . هذا هو المحرك الجديد لامريكا الجديدة منذ الان .

 

2- اعتماد سياسة ( الجزرة ) ، اي الاغراءات والوعود ، مع المقاومة العراقية وانصارها ، بعد اكثر من خمس سنوات من استعمال (العصا ) ، اي القوة الغاشمة ، من اجل العثور على عناصر ضعيفة او تعبت من طول القتال الشرس ، ووصلت مرحلة طلب الراحة حتى لو كانت ستجلس في احضان الاحتلال !

 

3– محاولة شق القوات المسلحة العراقية والتمرد على قيادتها العامة وقائدها العام ، بصفتها الحاضنة الاساسية للمقاومة العراقية بكافة فصائلها . ان هذه النقطة بالغة الاهمية لانها تقوم على ادراك الولايات المتحدة واكثر مما مضى ان التغلب على المقاومة ، الان وقبل التحرير رهن بتفكيك القوات المسلحة العراقية ، التي نجحت في اعادة بناء نفسها بعد الضربات الموجعة التي وجهها الاحتلال لها ، ابتداء من حل الجيش الوطني العراقي بعد الغزو مباشرا ، مما جعلها مرة اخرى الرقم الاصعب في معادلة المقاومة المسلحة ، لانها مصدر قوتها وخبرتها القتالية ومئات الالاف من المقاتلين الذين نشأو في احضانها وتخرجو من مدرستها ، اضافة لكونها تملك التصنيع العسكري الذي وفر ويوفر للمقاومة ما تحتاجه من اسلحة واصلاحها وتطويرها .

 

الان ومنذ اكثر من عام تمت اعادة تشكيل الفرق والالوية وعين قادة وامرين لها ، ووزعت المسؤوليات المناطقية عليها ، اي حددت لكل قطعة عسكرية منطقة للسيطرة عليها ، وفقا لخطط الطواري ومنها خطة انهيار او انسحاب الاحتلال مضطرا ، فتقوم القوات المسلحة العراقية بالسيطرة الكاملة والفورية على كل العراق ، وتدعم وتحمي الدولة الوطنية التي ستخرج من تحت الارض بعد ان نزلت تحتها بعد الاحتلال . وهكذا يكون بامكان الشعب العراقي العيش بامان في ظل قواته المسلحة الوطنية العقائدية خلال ايام من انسحاب او انهيار الاحتلال .

 

والاهم ان القوات المسلحة تمنع اي محاولة لتحويل الهزيمة الامريكية او الانسحاب الى نصر لامريكا عبر منع المقاومة من السيطرة الكاملة والشاملة على العراق ، ودفع امراء حرب كي يسيطر كل واحد منهم على منطقة او مدينة او حي ، كما حصل في الصومال . ان الكارثة التي ستصيب هدف تحرير العراق ، وتخطط لها المخابرات الامريكية ، هي تمزيق القوات المسلحة العراقية وتحويلها الى فرق متناحرة ومتقاتلة على السلطة ، في ظل الافتقار لوجود مركز واحد وقوي قادر على الحسم السريع بعد ان شرذم ، حسب ما تخطط له امريكا .

 

في ضوء هذه الحقيقة فان الاحتلال ، الذي زرع كل عوامل الفوضى وانعدام الامن وفقدان القوات المسلحة التي تفرض النظام في اطار خطة تفكيك العراق تمهيدا لتقسميه ، يرى ان وجود قوات مسلحة قوية ومتماسكة وعقائدية وتحت قيادة مركزية واحدة ومسيطرة عمليا الان على الحركة العسكرية الرئيسية ، يشكل عنصر التحدي الاكبر للخطة الامريكية التي اشرنا اليها ، خصوصا عدم قدرة القوات الدولية ، التي من المرجح ان تستخدم في العراق ، على مواجهة القوات المسلحة العراقية ، لذلك فان المخابرات الامريكية شرعت منذ عام 2007 بالعمل على تفتيت القوات المسلحة العراقية بمحاولة ترويج فكرة مضللة وقاتلة لعنصر التفوق للقوات المسلحة وهي ان الجيش يجب ان يكوم مهنيا وليس عقاديا ، وايجاد مركز قيادي منشق منها ومتمرد عليها ، اضافة لتشجيع الاحتلال تشكيل تنظيمات عسكرية من الجيش الوطني الشرعي ، ربما لا وجود فعلي لها لكنها تهدف الى ارباك القوات المسلحة او شقها وشرذمتها .

 

لقد شهد عام  2007 حالة مفضوحة من تنفيذ الخطة المخابراتية الامريكية وهي  قيام انفار من الجيش الوطني العراقي بالتمرد على القيادة العامة للقوات المسلحة ، وهم عبارة عن مجموعة دعمت ماليا وسياسيا واستخباريا من قبل انظمة عربية معروفة بمعاداتها للمقاومة ومشاركتها في غزو العراق ، وامرت بالعمل مع مجموعة مدنية معينة لاجل ان تكون وسيطا بين الانظمة العربية وهذه الزمرة المتمردة ، وكانت اطروحتها الرئيسية هي ان الجيش يجب ان يكون مهنيا صرفا ! كما ان اتجاه اخر ظهر وهو تحريك مجموعة اخرى من الضباط الذين ارتدو منذ الايام الاولى للاحتلال ، واخذت هذه المجموعة تتحرك مع الاحتلال علنا وزارت بغداد واسكنت في المنطقة الخضراء من اجل اعدادها للقيام بانقلاب عسكري في وقت ما ، واقامة نظام ديكتاتوري في العراق وفقا لخطة رامزفيلد .

 

والمهم هنا هو ان هاتين المجموعتين حاولتا وتحاولان بلا جدوى العثور على ضباط لهم وزن وقيمة يقبلون بالارتداد عن الخط الوطني وخدمة الاحتلال بصورة غير مباشرة ، عبر شق القوات المسلحة ، او بصورة مباشرة عبر خدمة البديل الانقلابي .  اننا صمتنا حتى الان لاننا ندرك ان هؤلاء لا نفوذ لهم ولا يتمتعون بتأهيل الحد الادنى للقيادة او الثقافة او الدور الوطني ، خصوصا وان تمردهم يتم في ظل اخطر مراحل عملية تحرير العراق ، وبالتزامن مع بقية خطوط المؤامرة على الثورة العراقية المسلحة ، مما يحدد هويتهم وحقيقة ارتباطاتهم باعداء الثورة والتحرير .

 

ان اي عمل لشق القوات المسلحة العراقية او شرذمتها او التمرد على القائد العام للقوات المسلحة العراقية المهيب الركن عزة ابراهيم الدوري هو عمل يخدم الاحتلال ، دون ادنى شك ، وهو جزء جوهري من العمل الاستخباري الامريكي الجديد ، ويقصد به القضاء على الامل بالتحرير العاجل عن طريق توفير بديل للاحتلال عن عملاءه الذين احترقو ، وهو عناصر عسكرية كانت من الجيش الوطني الشرعي تتبرع بان تكون ادوات نظام عسكري ديكتاتوري يراد به اجهاض الثورة المسلحة ، تحت غطاء وطني مزيف .

 

3– تنشيط محاولات شق حزب البعث العربي الاشتراكي ، بصفته القوة الوطنية الام والرئيسية في العراق ، او احتواءه بطرق مموهة جديدة وذكية غير التي استخدمت منذ الغزو وحتى الان وفشلت ، واهمها محاولة السطو على اسمه ، تحت حجج مختلفة وبطرق عديدة ، واستخدامه في المساومات السياسية عراقيا وعربيا ، وتحويله من حزب ثورة وتحرير ومبادئ الى غطاء لكافة اشكال التأمر على الامة العربية وقضاياها المصيرية ... الخ .

 

ويجب ان نتذكر دائما ام الحقائق وهي ان البعث الان ، ورغم كل ما تعرض له من اجتثاث دموي جماعي لمناضليه ادى لاستشهاد اكثر من 120 الف بعثي ، هو القوة الوطنية الوحيدة التي لديها تنظيمات جماهيرية تمثل كل مكونات الشعب العراقي من الشمال الى الجنوب ، بعكس كافة القوى الاخرى ، سواء كانت وطنية اوعميلة ، التي تمثل مجاميع او نخب من طائفة معينة وليس كل مكونات العراق ، لذلك فان هذه الكتل ، وبغض النظر عن وطنية بعضها ، هي مشروع شرذمة للعراق بحكم تشكيلها من طائفة واحدة ، ومن ثم هي احتياطي مهم للاحتلال يمكن استغلاله بعلم او بدون علم من يمثلها .

 

ان احدى الحقائق الاساسية  في العراق المحتل هي ان البعث هو القوة الرئيسية في التحرير التي يجب ان تتحلق حولها كل المجاميع والكتل الوطنية والفصائل المجاهدة ، في اطار جبهة وطنية عريضة تستلم الحكم بعد التحرير ، وتقيم نظام ائتلافي ديمقراطي وليس نظام حكم حزب واحد او جماعة واحدة ، وتترتب على تلك الحقيقة  حتمية وطنية لاشك فيها  وهي انه بدون البعث لا حل حاسم وجذري لمشاكل العراق باي اتجاه وطني او غير وطني قبل التحرير او بعد التحرير ، وبناء عليه فان شق البعث او القوات المسلحة العراقية يعد ضربة معلم خطيرة للمقاومة ولهدف التحرير تقوم بها مخابرات الاحتلال بواسطة خيول طروادة عراقيين وعرب .

 

4– تمويل فضائيات تتظاهر بدعم المقاومة لكنها في الواقع تقدم عناصر او تنظيمات وهمية او هزيلة ولا دور جهادي لها لاقناع الراي العام والانظة العربية بانها ذات وزن في العراق .

 

5 – استغلال المندسين في صفوف المقاومة والقوى الوطنية الداعمة لها لتشجيع عدم توحد فصائل المقاومة في اطار واحد شامل ودفعها للقتال ، او على الاقل ، الانغماس في تنافس غير شريف حول السلطة وتعمد اتباع اساليب استفزازية حمقاء من قبل انفار محسوبين على الخط الوطني .

 

6 – الطلب من انظمة عربية القيام بدعم شخصيات وطنية او فصائل صغيرة ، ماليا واعلاميا ، مع انها لا تستطيع الحسم ولا تستطيع السيطرة على العراق حتى لو اتحيت لها الفرصة ، لتمكينها من احتلال موقع مؤثر اعلاميا في الساحة العراقية لاجل وضع المقاومة والقوى الوطنية الرئيسية اما تحد معقد ، وهو انها تواجه عناصر او تجمعات نخبوية ( بلا قواعد جماهيرية ) ذات مواقف وطنية وتتمتع بالاحترام لكنها تتنافس على السلطة والمغانم قبل التحرير ، على طريقة من يقود غزة والضفة الغربية المحتلتين في فلسطين ، وبنفس الوقت منع تقديم اي دعم مالي او اعلامي للقوى الاساسية القادرة على الحسم في العراق .

 

ان الهدف المركزي لهذه التوجه هو تعليق الوضع في العراق لزمن قد يكون طويلا ، من خلال توازنات هشة وقابلة للتبدل السريع بقرار من الاحتلال او بمبادرة من ادواته ( وطبعا بالتنسيق معه ) ، وعدم السماح بقيام سلطة مركزية عراقية وطنية قوية قادرة على مواجهة كافة التحديات ، بما في ذلك تحدي ضغوط الاحتلال وطلباته في مناخ تعاظم المطالبات الشعبية بالانسحاب الكامل والشامل وغير المشروط لقوات الاحتلال .

 

يتبع ..

 

نهاية رمضان – ايلول – سبتمبر ٢٠٠٨

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين  / ١٤ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٣ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م