الشــركات المتــعــددة الجنـسية فــــي ظــل العـولمـة
وتاثيرهـا علي إقتصاديات الـدول الناميــة

﴿ الجزء الثاني ﴾

 

 

شبكة المنصور

الــــوعي الــعربـــي

إعداد وتحليل / أحمد عــبيـــد - محام وخبير قانوني

 

كنا قد تحدثنا في الجزء الأول عن العولمة وتاثيرها علي دول العالم الثالث والدول النامية وما آلت اليه من آثار أقتصادية مدمرة حتي علي أمريكا راعية العولمة أحد أنظمة الهيمنة الغربية الجديدة التي تعبر عن المركزية الأوربية الأمريكية في العصر الحديث وهذه المركزية تقوم علي مبدأ العنصرية الغربية وعن الرغبة في الهيمنة والسيطرة من جانب واحد واليوم سوف نتكلم عن دور الشركات المتعددة الجنسيات في ظل العولمة الإقتصادية الحديثة والشركات المتعددة الجنسيات هي ليست بالظاهرة الجديدة فهي ظاهرة قديمة ولكن العولمة وفرت لهذه الشركات العملاقة الهيمنة بحيث إنها اليوم أصبحت هي صاحبة القرار الإقتصادي وبالتالي أصبحت الي حد كبير هي صاحبة السيادة في توجيه دفة السياسة العالمية فالشركات متعددة الجنسيات هي شركات عملاقة متعددة الأنشطة وتتمتع بكفاءة إستثمارية عالمية كما تمتاز بامكانيات هائلة في النقل والتسويق والتصدير فالعولمة الإقتصادية تفتح الحدود الدولية علي مصراعيها أمام تلك الشركات حيث تتمكن هذه الشركات من إستخدام ثمرات التقدم التقني الذي يجعل العالم بأسره مسرح تمارس فيه أنشطتها ليس فقط كسوق للمنتجات التامة الصنع ولكن أيضا كمجال لتقسيم العمل كما إنها لا تقتصر فقط علي التخصص في إنتاج السلعة بقدر ما يشمل التخصص في إنتاج جزء من أجزاء السلعة وترك الأجزاء الأخري من العملية الإنتاجية لمناطق أخري من العالم ومعني ذلك أن المنتج النهائي يصبح منتج عالمي في كل مكوناته سواء أكانت مواد خام آم تكنولوجي آم تمويل آم عنصر بشري وإذا علمنا أن القانون الدولي قد خلا من قواعد دولية تنظم علاقةهذه الشركات بالدول النامية وأن الأمر متروك للشركات متعددة الجنسيات والدول النامية للاتفاق علي أسلوب وإتجاهات الأستثمارفي تلك الدول فالشركات متعددة الجنسيات تستطيع بما تملكه من قدرة علي المساومة أن تفرض شروطها علي الدول النامية التي تضطر بقبول تلك الشروط وهي شروط ليست في صالح الدول النامية و من تلك الشروط مطالبة الشركات متعددة الجنسيات للدول الفقيرة " تقليص او إيقاف الدعم لغير القادرين وهنا يظهر النصب السياسي في بعض الدول الفقيرة بادعاء أن الدعم لا يصل لمستحقيه للوصول الي تنفيذ الشروط التي تضعها الشركات متعددة الجنسيات من تقليص او الغاء الدعم عن غير القادرين " كذلك قيام الشركات المتعددة الجنسيات وفي ظل العولمة الأقتصادية وبمساندة المنظمات الدولية ـ منظمة التجارة العالمية ـ صندوق النقد الدولي ـ البنك الدولي للانشاء والتعمير بالضغط علي الدول النامية بخصخصة مشروعات القطاع العام الناجحة وإحالة العاملين بها الي التقاعد عن طريق إنهاء خدمتهم بالتسوية "المعاش المبكر" كذلك تدخلها من أجل أن تحد الدول الفقيرة من تدخلها للتاثير علي مستوي الأسعار وأنماط الإستهلاك بما في ذلك إستهلاك السلع والخدمات الضرورية و إكساب المجتمع أنماط وعادات غذائية إستهلاكية ليست لها آي قيمة تذكر مثل إستهلاك الشيبسي، والبيتزا، واللبان، والكنتاكي وغيرها من الانماط الاستهلاكية الغربية ،

 

أن ما تلعبه الشركات متعددة الجنسيات في هذا الشأن هو ذاته ما كانت تقوم به الدول الإستعمارية من دور تخريبي وإستغلالي باسم حرية التبادل كاحد أهداف العولمة حيث كانت تجبر الدوله التي تقع تحت سيطرتها الإستعمارية من التخصص في الأنتاج الزراعي او المواد الأولية مثلا مما آدي هذا التركز الي تخصص إقتصاد الدول الخاضعة للاستعمار في إنتاج سلعة واحدة او سلعتين من المنتجات الزراعية او المعدنية وترك الثروات الطبيعية الأخري وكأن التاريخ يعيد نفسه فبعد أن كان الإستعمار يسهل دخول الإستثمارات الأجنبية للدول الخاضعة له فقد أصبحت العولمة بديلا للاستعمار بل تفنن بوضع آسس ومبادئ تحرير التجارة العالمية وحرية إنتقال رؤوس الأموال وبدأت الحواجز التي كانت تضعها الدول النامية بعد الإستقلال تنهار تحت وطاة الهجوم المنظم والشرس من إملاءات الشركات متعددة الجنسيات كخصخصة الشركات وتصفية القطاع العام وتحرير التجارة الداخلية والخارجية ورفع الحواجز الجمركية والغاء كافة القيود علي الإستثمارات الأجنبية وتحرير آسواق المال وحرية الأجانب في التملك والغاء الدعم وتحرير نظام التامين والمعاشات بل والإتجاه الي الغائه بالتدريج ؟؟ فضلا عن الدور الذي تلعبه منظمة التجارة العالمية بعد أن أصبحت مركز القرار في عملية تنظيم التبادل التجاري والجمركي وفي تنظيم جداول الزراعة في العالم الثالث فضلا عن إحتكارها لمسئولية التحكيم في الخلافات التجارية بين الدول و لم تكتفي الشركات متعددة الجنسيات بتدمير الحياة الأقتصادية في البلدان النامية بل عمدت الي إستخدام نفوذها الأقتصادي لافساد الحياة السياسية داخل الدول التي تعمل بها من ذلك ما كشف عن أسلوب التعامل في " شركة لوكهيد الأمريكية للطائرات " وغيرها من الشركات متعددة الجنسيات حيث تبين أن تلك الشركات كانت تسعي في تسهيل مصالحها وعقد صفقاتها في الدول التي تعمل بها عن طريق الرشاوي للمسئولين في تلك الدول وشركة هاليبرتون التي كان يرأسها نائب الرئيس الحالي ديك تشيني وتعرضها لفضائح وإتهامات مستمرة، ويتهمها الكثيرون بالإستفادة من معاملة تفضيلية في تلقي عقود في العراق من قبل وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون، ومبالغة الشركة في قيمة ما تقدمه من خدمات هناك في فواتيرها للحكومة العراقية الأمر الذي أدي الي إضطرابات سياسية وإقتصادية عنيفة في كثير من الدول مثل أفغانستان و العراق وإعلان الحرب عليها وتدميرها لنهب ثرواتها البترولية والأقتصادية وفي الجزء الثالث انشاء الله سوف نتناول دور الغزو الفكري والثقافي الغربي كأثر من آثار العولمة الاقتصادية وأثرها علي الدول النامية والأسلامية .

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين  / ١٤ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٣ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م