العـولــمة الفـكـرية والثـقـافـية الـغـربـية وتأثيـرها
علي الهـوية العـربـية والأسـلامـية

﴿ الجزء الثالث ﴾

 

 

شبكة المنصور

الوعي العربي

إعداد وتحليل / أحمد عبــيد - محام وخبير قانوني

 

أشرنا في المقاليتن السابقتين الي الآثار السيئة لما يسمي بالعولمة الإقتصادية من تآكل سيادة الدولة ودور الشركات متعددة الجنسيات التي أحلت نفسها محل الإستعمار الذي كانت الدول النامية تئن منه في القرن التاسع عشر الي منتصف القرن العشرين واليوم نتحدث عن الغزو الفكري والثقافي الغربي كأثر من آثار العولمة الإقتصادية فالغزو الفكري هو من أقوي الأسلحة التي تواجهها الدول النامية والإسلامية و منها علي وجه الخصوص فقد بدأ هذا الغزو الفكري مع الإستعمار العسكري للدول الأوربية علي شعوب العالم الثالث ولم ينته مع إنحسار الإستعمار العسكري في منتصف القرن العشرين فقد ظل الغزو الفكري الإستعماري مستمر بهدف طمس هوية ومعالم الثقافات المحلية وفي الوقت ذاته يعمل علي صبغ مجتمع الدول النامية بصبغة الثقافة الغربية ، ولما لا فقد كانت الثقافات المحلية هي بالمرصاد للغزو العسكري مثال ثقافة المقاومة ضد المحتل "إرنستوتشي جيفارا في أمريكا الجنوبية ـ عمر المختار في ليبيا ـ ثورة الآرز في لبنان ـ غاندي في الهند ـ منديلا في جنوب أفريقيا ثورة العشرين في العراق وثورة 1919 وما تلاها في مصر من ثورات ،إن خطورة الغزو الفكري تتمثل في إختلاف الفكر والثقافة الغربية عن الفكر والثقافات المحلية لشعوب الدول النامية وخاصة الإسلامية منها ذلك أن مبادئ الفكر الغربي تقوم علي فصل الدين عن الدولة في الحياة السياسية والإقتصادية ، كما صُبغ الفكر الغربي بروح التحلل من القيود الأخلاقية والدينية كما أن فلسفة الحياة في الفكر فلسفة مادية بحته وقد تسلح هذا الفكر الغربي للوصول الي هدفه بالسيطرة علي أهم المؤسسات التي تشكل وجدان وثقافة الشعوب وهي المؤسسات التعليمية والثقافية للعمل بدأب وبكافة الوسائل علي تشويه الثقافات الوطنية والدينية والقومية بهدف الوصول الي إضعاف فكرة الإنتماء الوطني والقومي لدي شباب وشعوب الدول النامية إن لم يكن القضاء عليها هدفاً رئيسيًا ،

 

ولقد إستفادت الدول الغربية من التقدم التكنولوجي أكبر إستفادة في هذا الشأن هذه التكنولوجيا التي أخترقت كافة الحدود والقارات عبر الفضائيات وبكل اللغات وإقتحمت حياتنا اليومية للعمل علي محاولة تشكيل عقول وفكر وثقافة شباب وأبناء الأمة العربية والإسلامية وإن لم تستطع تحاول تشويه الحقائق والتاريخ ولذلك حرصت الدول الغربية علي السيطرة علي وسائل الإعلام وكافة الصناعات التي تدخل في عملية الغزو الفكري والثقافي مثل صناعة الإعلام المرئي من إنترنت وفضائيات موجهه أمام فضائيات عربية لها توجهها وثقافتها الخاصة بها بل ومنعها أيضا بكل الوسائل من بث إرسالها الي أوربا وأمريكا ولذا من الضروري مواجهة ومجابهة الغزو الفكري والثقافي الغربي الماسوني بنفس إسلوبه وطريقته وبالحجة الدامغة والفكر الرصين ومواجهة الطابور الخامس من بني جلدتنا الذين يطلوا علينا ليل نهار في وسائل الإعلام المقروء والمرئي لتشويه وتزييف الحقائق تحت مسميات كثيرة ومنها العولمة والليبرالية السياسية والمواطنة وصراع الحضارات وصراع الثقافات وفي ذات المقصد مازال يردد العالم الغربي بإن العولمة الإقتصادية هي التي تخلص الدول النامية من الفقر وتساعدها علي التنمية الثقافية فيقول الكاتب الأمريكي توماس فريدمان " إن الإنخراط في مسارات العولمة والسوق العالمية باي ثمن هو الطريق الوحيد للتقدم والإزدهار بينما الأحتفاظ بالهوية او الإنتماء للجذور والدين والعقيدة هو طريق التخلف والإندثار وبالطبع هو يقصد الأسلام ،ولذا عمدت الدول الغربية بتجنيد بعض النخب وممن يطلق عليهم بالمفكرين والكتاب العرب عن طريق تمويلهم ماديا ويرتبطون معهم بمصالح فكرية وذلك لمحاولة إقناع شعوبهم بان الثقافة الخاصة بدولهم والقيم الدينية هي من الأسباب التي حالت بين إنفتاحها وتقدمها بل أن الولاء للتراث والثقافات المحلية كلها من مخلفات الماضي ومحاولة طمس ثقافة المقاومة كما في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان وإلقاء أوصاف من عينة الإرهابين أو المتمردين أو المتطرفين علي كل أشكال من يقاوموا المشاريع الإستعمارية والإمبريالية والإدعاء زوراً وبهتاناً بأن المقاومة السياسية هي الأفضل لعودة الحقوق الي أصحابها ومثال ذلك ما يتم بثه من موضوعات علي فضائيات قناة الحرة والعراقية الممولتا أمريكياً وعشرات من الفضائيات العراقية التي تمول عن طريق مصادر أمريكية مشبوهه والتي ترتبط بمصالح إقليمية وغربية من حوارات وندوات يهدفون من ورائها إشاعة اليأس والتشكيك في القدرة الوطنية والقومية والإسلامية ،

 

وهكذا يتضح أن الغزو الفكري والثقافي هو آثر من آثار العولمة الإقتصادية لطمس الهوية الثقافية للدول العربية والإسلامية وتشكيل وجدان الأجيال القادمة لكي تنشأ وتشب علي ثقافة غربية غريبة عن الأمة والوطن والقومية فاقدة للقيم الدينية والأجتماعية مثل ما يتم بثه علي القنوات الفضائية العربية مثال ذلك برامج ستار آكاديمي و برامج الواقع 24/24 وهزي يانواعم وغيرها من البرامج والأفلام والمسلسلات التي تؤدي الي تسطيح الفكر ونشر الرزيلة بين فئات وأفراد المجتمع وشاهدنا ذلك عندما حدث من تحرش جنسي وإنتهاك لاعراض الفتيات عن طريق الشباب في شوارع القاهرة في وضح النهار وفي آعز المناسبات علي الأمة الإسلامية وهو الإحتفال بعيد الفطر المبارك هذا الغزو هو الذي يجرد الأمة من سلاحها العقائدي والفكري والثقافي فيسهل القضاء عليها ، ولنا في الأندلس خير مثال علي تفريغ الأمة من ثقافتها وعقيدتها عندما أرادوا الإستيلاء عليها ، وهو ما تم عمله في العراق علي أيدي الشيطان الآكبر أمريكا قبل وبعد الغزو من إطلاق العديد من الفضائيات العراقية التي تكرس الطائفية والمذهبية وتحييد الشرفاء والمثقفين العراقيين بقتلهم وإغتيالهم وإجبارهم علي الخروج من البلاد عن طريق إصدار أوامر التوقيف كما فعلوا مع الشيخ والمجاهد حارث الضاري من ملاحقات أمنية لاجباره علي ترك البلاد .

 

فهل نعي ما نشاهده اليوم من هذا الغزو الفكري والثقافي الغربي الذي لا يقل خطورة عن الغزو العسكري الذي يدمرنا كل يوم .

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس  / ١٧ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٦ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م