بين الرجعيات القطرية والمرجعيات الطائفية ... واعروبتاه!

 

 

شبكة المنصور

د. عادل سمارة / رام الله – فلسطين المحتلة

 

قبل أن تقترب المرجعيات الطائفية الشيعية وتشم رائحة الحكم، كنا نعتقد حتى وقت قريب، أي حتى احتلال العراق بأن النخبة الطائفية للشيعة هي يسار الاسلام. هكذا كانت هذه النخبة تزعم وتدعي، هذا ما كان بائنا من عمائمها. نعم اعتقدنا انها حولت العمائم المفتخرة الى رؤوس حقيقية. (كما قال ماركس عن محمد علي). كنا ولا زلنا نرى النخبة السنية نخبة بلاط. وفي هذا السياق يمكننا وضع موقفها الحالي موقف من يصارع من أجل حكومة للسنة لا للشيعة. ولكن يشفع لها أنها ضد الاحتلال.


وما أن فتحت الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة وبريطانيا (بريطانيا معهد اجتذاب وتجنيد وتخريج كافة انواع العملاء وشبكات التجسس والثورة المضادة) حتى قفزت مرجعيات شيعية الى احضانها تنافس السنية والوهابية وغيرها لتتحالف معها وتعقد صفقات لاحتلال العراق. لنكتشف إثر ذلك ان هذه المرجعيات ليست مجرد مدارس فكرية وفلسفية، بل هي في النهاية مشروع سياسي لا وطني، وبالطبع معادٍ للامة العربية والقومية العربية.


وقد نفهم ان تكون مرجعية دينية ما فوق قومية في هواها، ولا نقبل هذا بالطبع لأن حياة الأمم لا يحددها الدين وحده. ولكن أن تكون المرجعية حليفة لعدو كي يحتل البلد ويسلمها السلطة ضمن مشروع حرب طائفية شاملة فهذه أكبر الكبائر.


في هذا السياق تساءل المرجع الشيعي اللبناني محمد حسين فضل الله (في حديث لصحيفة "الشرق الاوسط" السعودية 29-10-2004 ) عن "تلك المجموعات التي تعطي لنفسها صفة الإسلامية او المقاومة العراقية ثم تقوم بتصفية العراقيين وتطرد رجال الشرطة والحرس الوطني والمدنيين بمختلف مواقعهم واعمارهم فيما يقل عدد القتلى من الجنود الأميركيين".


بهذه البساطة يتجاهل سماحة السيد النضال العنيد للمقاومة العراقية ليطلق عليها "تلك المجموعات". فالعبارة نفسها مقصود بها التقليل من شأن ثم من فعالية المقاومة. وفي هذا الصدد، ليس المهم فعالية المقاومة بل شأنها ودورها وهذا ما قصده السيد فضل الله!


يزعم السيد بأنه حريص على وجود حرس وشرطة وجيش عراقي. جميل، ولكن السيد وهو جار للاراضي المحتلة في فلسطين، ألم يلاحظ انه لا يمكن وجود سلطة وجيش حقيقيين تحت الاحتلال؟ لا وجود "شرعي" لأية مؤسسة وطنية تحت الاحتلال. ولو كان الأمر بهذه البساطة وجود جيش عراقي، فقد كان هناك جيش عراقي وقام الاحتلال بتفكيكه. وبالمناسبة، ليس صيحاً ان الاحتلال أدرك "خطيئته" بتفكيك الجيش العراقي ذو المؤسسة التي يربو عمرها على ثمانين عاماً. بل يعرف العدو ان هذا الجيش كان سيهزمه لو بقي على حاله.


لذا يقوم الاحتلال بإنشاء جيش عميل من تربيته وتربية كافة الرجعيات العميلة العربية (مصر والاردن بشكل خاص).
من هنا، فإن تكتيك المقاومة هو منع قيام هذا الجيش الجديد لأنه لا يحرس البلد بل يحرس اسياده الامريكيين ويحل محلهم ويُقتل نيابة عنهم. فماذا تصنع المقاومة لمأجورين وأيضا فقراء يقدمون أرواحهم فدى للمحتل؟ تماماً كما يقدم السيد فضل الله فتواه فدى لهذا المحتل!


إن ضرب الجيش العميل هو فقط الطريق الى الانتصار عبر قتل الجنود الاميركيين "ولو كانت اكثريتهم من الفقراء" كي تضطر واشنطن وشيكاغو للانتفاض ضد ارسال ابنائها الى محرقة العراق. لا بد من تفكيك الجيش العميل لتضطر القوات الاميركية للانتشار في كل مكان وتضرب وعندها يزداد عدد القتلى الاميركيين؟


صحيح القول ان جنود الجيش العميل أناس عاديون يريدون دخلا ما. ولكن لماذا يتم تشغيل الناس في جيش عميل كي يكسبوا العيش؟ لماذا لا يسأل سماحة السيد ومناصريه الاحتلال (حليف السيستاني وباقر الحكيم وبحر العلوم... وربما هو) عن عدم خلق مشروع تنموي للتشغيل؟ فلماذا يكون الجيش العميل هو فرصة الكسب اليومي الوحيدة؟ بينما يكون التشغيل لشركة هاليبرتون ونظيراتها؟


ويضيف فضل الله:
"ان هذه الطريقة ليست اسلوبا اسلاميا ولا يمكن ان تساهم في تحرير العراق من المحتل خصوصا ان المحتل يضعها في خانة الحرب الاهلية".


ليست المرة الأولى في التاريخ التي يطلق فيها الغزاة تسميات تشويهية على المقاومة. فأمريكا نفسها هي التي أسمت الثوار في فيتنام بـ (فيات كونغ) بمعنى مخربين. والكيان الصهيوني يسمي الفلسطينيين تخريبيين، ونفس امريكا تسمي حزب الله إرهابياً بل تسمي كل مقاومة إرهاباً. ثم من قال ان هناك اسلوباً إسلاميا في المقاومة يحدده شخص مسلم واحد؟ ومن قال ن كل المقاومين في العراق مسلمين أو إسلاميين بالطريقة الفضلاوية؟


ثم نقد السيد فضل الله "خطف الاطفال للفدية وخطف النساء العاملات في الحقل الانساني" لا بأس، يمكننا نقد خطف الاطفال وبعض النساء. ولكن ربما كان الاطفال أبناء لصوص سرقوا البلاد ولا بد من "سرقة الاموال المسروقة" كما قال لينين لا سيما اذا كان ذلك لتمويل المقاومة. فمن اين للمقاومة أموالا كأموال "قارون – اي جورج بوش وعملائه)؟ ومن قال ان كل النساء وحتى الرجال الذين تدفقوا على العراق شرفاء؟ لو كانوا كذلك، فما كان للمحتل ان يجد جاسوسا واحدا. باختصار، لا شك ان السيد يعرف تفاعلات وظروف المقاومة لعدو يأتي في القوة بعد الله. فلا يمكن عندها أن نقيس المقاومة بالمسطرة. ان القياس بالمسطرة أمر خبيث الهدف منه معاداة المقاومة وخدمة العدو. لكل مقاومة مصائبها وأخطائها، ولكن حين يحصل ذلك في طريق خدمة الوطن، نضطر للقبول به. لذا، واضح ان السيد مرجعية طائفية الى درجة انه طائفي "عتيق".


ويضيف سماحته:
"لقد دخل العراق مرحلة تصعيدية يشترك فيها اكثر من طرف ... وفي تحريك الفوضى الأمنية التي قد تعطل الانتخابات بطريقة أو بأخرى. الامر الذي قد يوحي ان من الصعب حصول العراق على الاستقرار الأمني في ظل الاحتلال الذي اصبحت قوته مشغولة بالدفاع عن نفسها لا عن الشعب العراقي."


وهنا لا تنفع المسطرة يا سماحة السيد! فطالما غزا الاحتلال العراق وأسقط حكومته القومية، اصبح مباحا للثائرين ان يناضلوا في العراق. ان عبارة اكثر من طرف عبارة رجعية تماماً يجب ان تقابلها عبارة ساحة نضال قومي وأممي بكل معاني الامميات ضد إمبراطورية العولمة والإمبراطورية العجوز. إذا كان لا بد من مقياس للمشبوه والنظيف فهو مقياس المقاومة وليس مقياس صفقات السيد السيستاني الذي برر الاحتلال واقنع قيادة تيار الصدر بالاستسلام طمعا في كرسي ما في حكومة طائفية شيعية مقبلة يصوغها العدو المحتل.


ثم ما هذا التناقض، ففي موضع يزعم سماحته أن المقاومة تقلل القتلى من الأمريكيين وهنا يقول ان القوات الأميركية مشغولة بالدفاع عن نفسها!


ثم ينتهي السيد الى زاوية طائفية تماما بقوله:
"اننا نتابع الحركة الاوروبية الخاضعة للضغوط الاميركية في الملف النووي الايراني السلمي تحت تأثير الخطة "الاسرائيلية" التي تخشى من الخبرة الايرانية النووية السلمية في قلقها من تحولها الى مشروع عسكري نووي".
لا بأس، من حق إيران التسلح نووياً كما ان أعداء العالم هم المسلحين نووياً. ولكن لماذا لم تؤيدوا محاولات صدام حسين التسلح نووياً ولماذا تحالفت مرجعيات العراق مع المحتل الذي احتل العراق بزعم منع العراق من ذلك! إن من يقبل باحتلال العراق تحت مزاعم نزع سلاحه سيجد نفسه وقد قبل باحتلال إيران. أم ان هناك صفقات كبرى تحت العمائم المفتخرة؟ نعم، صفقة وصول الطائفة الى السلطة حتى سلطة بيد عميل مثل إياد علاوي مرفوع تجسسياً (باعترافه) الى قوة 16، والمخفي أعظم.


إن الحرص على إيران وتشريع استباحة العراق لإقامة حكومة تجزئة طائفية فيه، ليس حتى موقفا طائفيا، إنه جوهريا انتماء قومي فارسي. وهنا الخطورة الكبرى. ترى هل ينقد سماحة السيد احتلال إيران لجزر طنب الصغرى والكبرى وابو موسى من إمارات الشيخ زايد الراحل حديثا؟ أم أن هذا نشر للإسلام هناك!


بقي أن نقول إن مرجعية بهذا النمط من التفكير هي الأخطر. فمرجعية "فضل الله" هي التي تبرر لمرجعية نصر الله (المطران نصر الله صفير) التمسك بدولة مارونية في لبنان تستند الى أمريكا هذه المرة طالما فرنسا عاجزة عن حمايتها اللهم إلا إذا انتهت فرنسا الى مقاول لأمريكا في المنطقة وافريقيا. وهذا قد يحدث فهو معتمد على قدرة الاتحاد الأوروبي على بلورة كتلة في مواجهة امريكا، أما في حالتنا فالنتيجة من نفس النوع...خنوعاً.


وفي حين ان القطريات كرجعيات رعت التجزئة القطرية ليكون العراق قطرا واحدا فإن المرجعيات الطائفية سوف تقسم العراق الى ثلاث قطريات ناهيك عن كيانات أخرى ربما للتركمان والسريان والألمان والرعيان...الخ وربما أخيرا جمهورية للُّوطيين! وتقسيم لبنان الى جمهورية مارونية وأخرى شيعية وثالثة سنية ورابعة لجواسيس العالم كما كان لبنان قبل 1967. وتقسيم بقية وطن العرب وشركائهم إلى جمهوريات أو ممالك نفط وممالك صحارى بلا نفط جمهوريات موز بلا موز.


بقي أن نقول، آن الأوان لكي لا يصطف المصلون وراء "المرجعية" لمجرد أنها مرجعية ويستمعوا لكل ما تقول كالببغاوات!

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٢٠ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٨ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م