البرنامج النووي العسكري الاسرائيلي
وعلاقته بتفجيرات رقان ( الفرنسية ) النووية
جنوب الصحراء الجزائرية

 

 

شبكة المنصور

أ.د. عبد الكاظم العبودي

 

منذ الاعلان الرسمي لقيام "الكيان الصهيوني" في 15 مايو/آيار 1948، ظل "دافيد بن غوريون" David Ben Gurion رئيس الوزراء حريصا على حث تلامذته واتباعه من قادة دولة الكيان الصهيوني"اسرائيل" مثل "شمعون بيريس"Shimon Peres وزير الدفاع،وقادة جيشه مثل"موشي دايان"Dayan ،"موردخاي جور" Gore ، "ايغال ألون" Eagal Alone...وغيرهم بالاهتمام بأمن اسرائيل والتوصية بضرورة امتلاك القدرة النووية كاستراتيجية اسرائيلية في مواجهة التفوق البشري العربي.


اعتمد البرنامج النووي الاسرائيلي مقولة"ايجال ألون"Eagal Alone المشار اليها في كتابه[انشاء وتكوين الجيش الاسرائيلي]، والمعبر عنها بوضوح: " يجب على اسرائيل ألا تسمح بأن تجعل وجودها يعتمد على ضمان خارجي مهما كانت الظروف، ذلك يعود لعدة اسباب: فقد يؤدي الى خضوع اسرائيل الى ضغط سياسي حول حل النزاع العربي الاسرائيلي في صالح الاعداء، او قد لاتكون الدولة الضامنة معنا تماما، وأخيرا فاننا نعيش في عالم ـ اصنعها بنفسك ـ واستمرار بقائنا يعتمد على قدرتنا الذاتية في الدفاع عن أنفسنا دون مساعدة خارجية".


وبهذا المنطق كثفت اسرائيل جهودها بالتعاون مع جهات عديدة واساسية وخاصة الولايات المتحدة من جهة وفرنسا من جهة اخرى اضافة الى دول اخرى مكملة ككندا وجنوب افريقيا وتايوان حتى وصلت الى تخطي العتبة النووية. واستمرت إسرائيل على التكتم والانكار بكل ما يتعلق بحجم برنامجها النووي واهدافه العسكرية.


حتى عام 1995 ظل معهد أبحاث السلام في السويد ينشر في تقاريره ان انتاج وتطوير الاسلحة النووية قد توقف في العالم باستثناء دولتين هما اسرائيل والهند اللتان تواصلان انتاج البلوتونيوم لاغراض عسكرية. وقدر التقرير، حينها، ان مخزون اسرائيل من البلوتونيوم الصالح لاغراض عسكرية يقدر بنحو 440 كغ والهند 350 كغ، ولعل في تلك الارقام دلالة واضحة على ان اسرائيل كانت مستمرة في تطوير برنامجها النووي حتى في ظل تفوقها النووي في المنطقة، وفي ظل التغيرات في المنطقة ومنها طرح الدول العربية امام اسرائيل من خيارات للسلام في المنطقة.
حافظ البرنامج النووي الاسرائيلي على تفاصيل سريته ومجالات تعاونه مع دول عديدة وخاصة مع فرنسا. وجرى التكتم على تفاصيل تجاربه ومواقع تنفيذها في مناطق عديدة من العالم، ومنها الصحراء الجزائرية، رغم بعض التسريبات التي نشرها الاعلام العالمي عنه هنا وهناك، وما عرف عنه من خلال بعض الاشارات التي وردت في تقارير العديد من المخابرات العالمية ومنها المخابرات المركزية الامريكية CIA نفسها.


منذ اكثر من اربعة عقود، منذ ستينيات القرن الماضي، تسربت المعلومات عن تعاون نووي واسع يتم بين إسرائيل وجنوب افريقيا ومع فرنسا، في الوقت الذي كان هذا التعاون كان يتم في أفضل حالاته مع الولايات المتحدة ويحظى بدعم قادتها ونخبها العلمية والذرية.


ان المعلومات حول التعاون النووي الفرنسي الاسرائيلي ظلت دائما في الظل ولازالت تفاصيله حبيسة أدراج الارشيف الفرنسي والاسرائيلي معا، لكن الحقائق حول الصفقات النووية الفرنسيةـ الاسرائيلية بدأت تظهر وتثير فضول الباحثين، خصوصا بعد ان فجر الفرنسيون قنابلهم النووية السطحية والباطنية خلال سنوات الستينيات من القرن الماضي والاستخدام الواسع للاراضي الصحراوية الجزائرية لإجراء التجارب الصاروخية وبعدها النووية في فترة من الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.


ولم تتوان اسرائيل من أن تقدم على العديد من الانشطة السرية من خلال عملاء الموساد الاسرائيلي للحصول على المواد والاجهزة النووية والمعلومات، وان تخترق العديد من المؤسسات والمخابر النووية الغربية بالتعاون مع عملاء يهود وغير يهود خلال شبكات متخصصة كانت مسيرة من قبل الموساد الاسرائيلي ونشاطه الخارجي للحصول على ما يحتاجه المشروع النووي الاسرائيلي.
سلكت من اجل تحقيق اهدافها عدة طرق، منها المشروعة واخرى غير مشروعة لتقايض بما يتوفر لها من مواد وخبرات للتعاون والتبادل مع دول أخرى مقابل امتيازات لها تضاف لتطوير مشروعها النووي. وكما هو الحال مع المشروع النووي الفرنسي والمشروع النووي الجنوب أفريقي خلال فترة حكم نظام الميز العنصري"الابارتهايد".
استفادت اسرائيل من خبرات علمائها في مجالات عديدة جعلتها تصل الى غاياتها في اختراق العديد من المشروعات النووية للدول الاخرى، وخاصة المشروع الفرنسي والجنوب إفريقي من خلال التعاون وتبادل الخبرات.


في عام 1953 عقدت اسرائيل مع فرنسا "اتفاقية للتعاون النووي" وبموجب تلك الاتفاقية "سمحت فرنسا للعلماء الاسرائيليين بالاستفادة من التدريب والتقنية الاساسية الفرنسية في الميدان النووي. وحسب "جاك ديروغي" Jacques Derogy في مقالته حول اتفاقية التعاون النووي بين فرنسا واسرائيل التي في رأيه: "... كانت خارج أي اشراف برلماني في فرنسا، ففي اكتوبر/تشرين اول 1956 كان رئيس الوزراء"غي موليه" ووزير دفاعه "بورجيس مينوري" ومدير مكتبه "ابيل توماس" قد باشروا مجتمعين مع "شمعون بيريس" وزير دفاع "بن غوريون"سباق التسلح العالي وتبادل المخترعات ،باتصالات مباشرة من وراء ظهر دائرة التوثيق الخارجي ومكافحة التجسس،ودائرة مراقبة الاراضي، اجراءات سرية مختلفة وحميمية كانت اكبر من مما بين جهازي الدولتين". وينقل "جاك ديروغي" عن "بيــير بن " مؤلف كتاب [قنبلتان] الصادر عن دار النشر الفرنسية"فيارد": " ان رجلا مكلفا أنشأ في نيسان/افريل 1958 شركة وهمية لحساب "سان غوبان" الذي وضع ديمونة موضع العمل بلا علم الجنرال ديغول. وقد تشعب المفاعل الذي كان مختف خلف واجهة معمل للنسيج في نهاية عام 1962. واصبح معمل الاستخراج يعمل نهاية 1966، وجربت الصواريح الحاملة للرؤوس المنقولة من قبل داسو في ربيع 1967[12].
جاء في نشرة الدليل السنوي حول القوات المسلحة في العالم الصادر في باريس عام 1982 : " ان مفتعل ديمونة يمكنه ان ينتج 9 كغ من البلوتونيوم، وهو ما يكفي لصنع قنبلة ذرية من طراز قنبلة هيروشيما خلال تلك الفترة ان التقارير المتسربة عن اوضاع مفاعل ديمونة اشارت الى ان الفرنسيين بنوا منشئات فصل البلوتونيوم تحت الارض بعيدا عن المراقبة وتسمح تلك المنشئات من انتاج 4 ـ 5 كغ من البلوتونيوم في السنة معدة للاغراض العسكرية .


وفي السبعينيات تمت توسعة المفاعل الى قدرة وصلت الى 70 ميغاواط، مما يتيح له انتاج كميات من البلوتونيوم تكفي صنع 8 قنابل نووية سنويا [يشير الدليل السنوي عنن القوات المسلحة الصادر في باريس عام 1982 الى "ان الخبراء الاسرائيليين هم الذين زادوا من قدرة مفاعل ديمونة الى 70 ميجاواط].ومهما اختلفت التقديرات حول قدرة ديمونة على انتاج البلوتونيوم الا انها لا تقلل من قدرته على انتاج كميات ما بين 8ـ9 كغ عندما بدأ الانتاج بقدرته الكاملة. فان اسرائيل وفي حدود عام 1960 تكون قد جمعت الكمية اللازمة من البلوتونيوم لصنع قنبلة من طراز قنبلة نياغازاكي التي تطلبت 10.441كغ .


منذ الخمسينيات كان العلماء والفنيون الاسرائيليون قد حصلوا على جملة من المعارف والخبرات، وذكر [لدليل السنوي للقوات المسلحة ص 64]انه في بداية الستينيات: " ان الفرنسيين ربما فجروا في منشئآتهم الصحراوية قنبلة ذات فكرة فرنسيةـ اسرائيلية". لاتخفي الكثير من المراجع معرفتها المبكرة بمستوى التطور النووي الاسرائيلي حين اشارت منذ 1961 :"... الى ان مؤسسة البحث العسكري الاسرائيلية امتلكت عددا من المختبرات الكبيرة والتقنيين الذين يعرفون كيف يفجرون كبسولة الاجهزة النووية.


وهكذا يبدو ان المساحات الشاسعة من الصحراء الجزائرية وحاجة فرنسا الى الخبرة الاسرائيلية دفعت بالتعاون الفرنسي الاسرائيلي الى مداه. وهذا يعني بشكل جلي ان فرنسا مكنت اسرائيل من الاطلاع على نتائج التجارب الذرية الفرنسية الاولى في الصحراء الجزائرية من خلال المشاركة والتنفيذ الميداني. ومقابل ذلك باعت اسرائيل لفرنسا براءات اختراع للعالم"اسرائيل دوستروفسكي" منها امكانية الوصول الى انتاج الماء الثقيل بطريقة كيميائية منخفضة التكاليف، كما نجحت في تحضير اليورانيوم الطبيعي من الفوسفات، حيث عمل الدكتور "اسرائيل دوستروفسكي" في قسم البحوث عن النظائر في معهد وايزمان وطور عملية كيميائية لانتاج الماء الثقيل الضروري لعمل المفاعلات.
كان نجاح العالمين الاسرائيليين "أشعيا نيبنزال"Isaiah Nebenzahl و" مناحيم ليفين" Menahem Levin في معالجة تخصيب اليورانيوم باستخدام أشعة الليزر، وهو ما يعتبر أرخص وأسرع وسائل التخصيب في العالم، حيث أمكن تخصيب 7 غرامات يورانيوم ـ 235(Uـ235) بدرجة 60% خلال يوم واحد فرصة اخرى لاتمام التعاون الاسرائيلي الفرنسي.


تطور التعاون النووي الفرنسي الاسرائيلي بشكل عكس حاجة كل من الطرفين لما يمتلك الآخر من امكانيات ولخرق الحصار التقني الذي فرضته دول النادي العالمي النووي آنذاك على غيرها من الدول لمنع انتشار الخبرات النووية خارج دولها وخاصة في الحصول على الماء الثقيل واليورانيوم.لقد وجدت فرنسا في هذا التعاون فرصتها لتقليل الاعتماد على التقنيين الامريكيين.
كما ان اشتراك اسرائيل في التحالف مع فرنسا وبريطانيا عام 1956 في العدوان الثلاثي على مصر دفع التعاون النووي الاسرائيلي ـ الفرنسي الى توقيع " اتفاقية سرية تتضمن انشاء مفاعل نووي بقدرة 26 ميجا واط يعمل باليورانيوم الطبيعي والماء الثقيل" .


واجه كل من المشروعين النووين الفرنسي والاسرائيلي مصاعب كبيرة للحصول على الاحتياجات المطلوبة لتطورهما وخاصة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وبريطانيا رغم توفر بعض المساعدات في مجالات محددة. ففرنسا سعت الى استخدام الخبرات الاسرائيلية التي نقلها العلماء اليهود عن الولايات المتحدة وغيرها معبرا للوصول الى ما تحتاجه من مواد وخبرات، واسرائيل هي الاخرى حققت ماخططت له لتطوير برنامجها النووي للاستفادة من فرنسا في الحصول على فرصة بناء مفاعل ديمونة، والاستفادة من وجود الاراضي الجزائرية الشاسعة تحت الاحتلال الفرنسي وامكانية استخدامها كساحات للتجارب الصاروخية والنووية كما سنرى لاحقا.


.يرى البعض انه من الممكن ان تكون صناعة الصواريخ في اسرائيل قد أبهرت الفرنسيين الى الحد الذي جعلهم يطلبون من الاسرائيليين أن يساهموا ايضا في تصميم السلاح النووي الفرنسي فقد حققت الصناعة العسكرية الاسرائيلية في ميدان الاسلحة الصاروخية نجاحات هامة، خاصة في بعض الجوانب المحددة لتكنولوجيا الصواريخ، اذ كانت اسرائيل قد حصلت على انواع من اجهزة الكومبيوتر التي ساعدت الاسرائيليين في ميدان صناعة الوقود السائل للصواريخ البالستية. كما ان تكنولوجيا الوقود الصلب الاسرائيلية كانت اكثر تطورا من نظيرتها الفرنسية.
كما ان مجالات اخرى في تصنيع الصواريخ الفرنسية كانت اكثر تطورا من نظيرتها الاسرائيلية وبهذا الصدد يشار الى دفع اسرائيل ما قيمته 100 مليون دولار الى فرنسا في أوائل الستينيات مقابل قيام فرنسا بتقديم يد المساعدة لاسرائيل في تطوير صاروخ أريحا الذي يعتبر من اكثر الصواريخ الاسرائيلية تطورا جرى تجريبه في منطقة حماقير في ولاية بشار في الصحراء الجزائرية منذ عام 1956. ان صاروخ اريحا، وهو الاكبر حجما والاعظم أهمية تمت عملية بنائه في البداية في مصانع فرنسية، كما قام العلماء الفرنسيون بتجربته في موقع طولون الفرنسي ومن ثم اطلاقه وتجريبه على الارض في جنوب الصحراء الجزائرية في الخمسينيات من القرن الماضي.


اضافة الى التعاون في المجال الصاروخي بين فرنسا واسرائيل كانت اسرائيل طريقا لمرور كثير من التكنولوجيات النووية نحو فرنسا وقد تمكنت اسرائيل من بيع العديد من تلك التكنولوجيات الى فرنسا مقابل امتيازات اخرى منها المشاركة المباشرة بتفجيرات فرنسا النووية في الصحراء الجزائرية.
توافقت احتياجات كل من فرنسا واسرائيل في أواخر الاربعينيات واوائل الخمسينيات من القرن الماضي. كلتا الدولتين لديها من الاطارات العلمية والتقنية في المجال النووي وكلتاهما بدأت التفكير بالتسلح النووي العسكري. وفي اسرائيل احتل التفكير بالمشروع النووي الاسرائيلي حال قيام دولة الكيان الصهيوني من جانب الدكتور "حاييم وايزمان" Haiem Wiesman أول رئيس لدولة اسرائيل، والذي كان على صلات وطيدة مع العلماء المتخصصين في مجال الذرة منذ الحرب العالمية الثانية، وكان "ديفيد بن غوريون" ريس الوزراء الاسرائيلي مقتنعا اشد الاقتناع بضرورة سعي اسرائيل الى امتلاك السلاح النووي. ولم يمض على قيام اسرائيل في 15 ماي 1948 سوى ثلاثة اشهر تجسد هذا الحرص الاسرائيلي في انشاء مؤسسة الطاقة الذرية الاسرائيلية في 15 أوت/اب 1948 تحت اشراف وزارة الدفاع.


ضمت المؤسسة علماء الذرة الاسرائيليين ومن ضمنهم علماء بارزين من اصل فرنسي مثل "دي شاليت" De Shalet و " كوتييلي" Kotielly . و"تالمي" Talme الجيكي و "بيلاج" Bylag النمساوي و"هابر شايبم" Heber Shaibem. من المانيا الشرقية.
ارسل"دي شاليت" و"كوتيلي" و"جولدنبرج" عام 1949 الى بريطانيا للتخصص في الكيمياء الاشعاعية وكيمياء التفاعلات النووية وارسل"تالمي" الى المانيا للتخصص في الاشعاعات النووية واختص"بيلاج" في تطبيقات النظائر المشعة. اما "هابر شايبم" Heber Shaibem فقد سافر للتخصص في مجال النظائر المشعة الى الولايات المتحدة، حيث عمل في مختبرات لوس الاموس في نيو مكسيكو لمدة اربعة سنوات تحت اشراف " روبرت اوبنهايمر" Robert Openheimer.


كما ارسلت بعثة من المهندسين النوويين الى الولايات المتحدة للتدريب في "مشروع فلوشير" Floshare Plant الخاص بدراسة تقنيات التفجيرات النووية تحت الارض، حيث كان العالم الامريكي "روبرت أوبنهايمر" قد توسط لتدريب أفراد البعثة الاسرائيلية في ذلك المشروع.
وعندما أعلن الرئيس الامريكي ايزنهاورEisenhour عن برنامج"الذرة من اجل السلام" في 15 نوفمبر 1954 واعلنت الامم المتحدة عن انشاء الوكالة الجولية للطاقة الذرية في 4 ديسمبر 1954 وقد استفادت اسرائيل كثيرا من المساعدات العلمية والتقنية وحظيت بحصة الاسد من النظائر المشعة واليورانيوم الطبيعي والمخصب الذي كانت تقدمه الولايات المتحدة بموجب البرنامج المذكور، فقد حصلت اسرائيل على 390 شحنة من أصل 3785 شحنة من النظائر المشعة أي حوالي %11 ، او ما يعادل اكثر من حصة 6 دول مجتمعة كما نالت على كميات كبيرة من المساعدات الامريكية المقدمة لـ 26 دولة من بينها اسرائيل. تضمنت تلك المساعدة 265 طنا من اليورانيوم الطبيعي، و 192 طنا من اليورانيوم المخصب، و 11 طنا من اليورانيوم الجاهز للتفجير و 30 كغ من البلوتونيوم، وحصلت اسرائيل بموجب هذه المساعدات على 90% من الوقود النووي اللازم لتشغيل مفاعلاتها.


لم يكد عام 1955 يطل حتى تم تأسيس اول قسم للفيزياء النووية في معهد وايزمان للعلوم في رحابوتRaha vot، ثم تولى العلماء النوويون الاسرائيليون واليهود العائدون من الخارج بعد انتهاء دراساتهم الاشراف على الابحاث النووية، منهم د.جيرالد بن دافيد Girald Ben David و"ابراهام بار اورAbraham Bar Or و"يوسف نعمان" Youssef Noman و" اسحق ماركوس" Yitzhak Marcos و"جاكوب تدمر" Jaccob Tadmor.
توالت التخصصات والاقسام الجامعية في مختلف التخصصات الفيزيائية والهندسية النووية وتجاوز عدد علمائها وخبرائها المئة من بينهم البروفسور" ابرجمان"Bergman والبروفسور" ش.يفتاح" Sh. Yeftah والبروفسور"تساهي جزاني" Tsahy Gazany وغيرهم جميعهم تلقى تدريبا متخصصا عاليا في ميدان العلوم النووية في المانيا وفرنسا وانجلترا والولايات المتحدة.


اضافة الى مفاعل ديمونة كانت اسرائيل قد بنت مفاعلات ومشروعات نووية في ناحال سوريك ومدن اخرى بعضها تحت الارض. تملك المؤسسة النووية الاسرائيلية اربعة مفاعلات ذرية موجودة في المدن التالية: ريشون ليزيون Rishon le Zione ، وهو اول مفاعل اسرائيلي تم بناؤه في 20 نوفمبر 1954 شمال مدينة ريشون ليزيون وانتهى بنائه في 25 ديسمبر 1956 بلغت طاقته الاجمالية 8 ميجاواط من النوع الحراري غير المتجانس thermal heterogeneous مخصص للابحاث العلمية وانتاج النظائر المشعة. يستخدم اليورانيوم الطبيعي بنسبة 80% ويورانيوم ـ235 بنسبة 20 % ويستخدم الماء الثقيل كمعدل ومهدئ. لم ينته عام 1957 حتى كان العلماء الاسرائيليون بالاشتراك مع خبراء امريكيين منهم "هوستون" Hoston و "وينبرغ " Winberg و "بروكسي" Broxy و "جلاستون" Glaston و "روزنبلات " Rozenblat و"باركنز" Parkin، اضافة الى خبراء آخرين كانت طاقته التشغيلية 8 ميجاواط، ورغم اشتغاله منذ 1959 لم تعترف المصادر الاسرائيلية بوجوده الا عام 1960 حيث استغل للابحاث العلمية، وعن طريق الزيارات اليه تمت دعوة كبارعلماء العالم في المجال الذري، وفيه تمت عملية تخصيب اليورانيوم باستخدام الليزر. اسرائيل صاحبة براءة الاختراع لهذه الطريقة الهامة في تخصيب اليورانيوم .


واخيرا مفاعل ديمونا Dimona الذي تقرر بناؤه منذ 1957 كمفاعل ذو قدرة كبيرة اساسا ليفي باحتياجات اسرائيل النووية المستقبلية. جرى بناء هذا المفاعل حسب تصميمات فرنسية، وضعتها لجنة الطاقة الذرية الفرنسية تشبه تصميمات المفاعل G3 الذي بني في ميركولMirkole بفرنسا، والحرف G هو اختصار لكلمة جرافيت Graphite، حيث يستخدم المفاعل الجرافيت كوسط ومادة معدلة. ومن الناحية الرسمية اعلن عن تشغيله عام 1960 بعد ان أفتضح وجوده من قبل الولايات المتحدة. يستخدم مفاعل ديمونا اليورانيوم الطبيعي وكذلك الماء الثقيل، وكلا المادتين متوفرة لدى اسرائيل.


تطور هذا المفاعل حتى بلغت طاقته 150 ميجاواط، وهو يستطيع انتاج البلوتونيوم239 وبكميات كبيرة، لذا يعتبر مفاعلا إنتاجيا ان فرنسا قدمت هذا المفاعل لاسرائيل مقابل الاسرار النووية التي اسهمت في تطوير البرنامج النووي العسكري الاسرائيلي، والتي نقلتها اسرائيل اليها. اسهم كبار العلماء الفرنسيين في الاشراف على مفاعل ديمونا، وتقديم الخبرة والمشورة التقنية لاسرائيل، منهم، م. "روبول" M. Ropole و "هـ. بيساس" H.Bessas و "ي.جيرار" Y. Gerard وغيرهم من كبار العلماء الفرنسيين.
وهناك مفاعل آخر هو مفاعل "نبي روبين" Nebi Rubin والمركز الاسرائيلي للنظائر المشعة. بلغت تكاليف تلك المفاعلات ما يقرب من 362 دولار امريكي.
وفي عام 1959 تكاملت المؤسسة النووية الاسرائيلية وتوسعت علاقاتها الدولية سواء مع الولايات المتحدة أو أوربا، ومنها فرنسا.
كانت فرنسا تحتل موقعا مرموقا في مجال الدراسات النووية قبل الحرب العالمية الثانية، وبعد انتهاء الحرب مباشرة سعت فرنسا إلى جمع علمائها الذين واجهوا حالات من الاستبعاد والمحاصرة من قبل الولايات المتحدة، وحرموا من احتلال مواقعهم الرئيسية في برنامج الذرة الامريكي والبريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، منهم المفوض الفرنسي السامي للشؤون النووية "فردريك جوليو كوري"Fredrick Jolio Kori الحائزعلى جائزة نوبل في الفيزياء الذرية، ونظرا لقناعاته الشيوعية، ولكونه كان معارضا للخيار النووي العسكري الفرنسي، وهو أول من وقع نداء استكهولم للسلام عام 1950. وبدعم من الاتحاد السوفيتي قاد الحملة العالمية من اجل حظر تجارب الاسلحة النووية بكافة انواعها.


منذ بدايات القرن الماضي كان الفرنسيون على علم واطلاع تام على قضايا الانشطار النووي، وقد اسهموا معهم في تجاربهم وفي كثير من الحالات بعض العلماء الاسرائيليين الذين كانوا حاضرين في عمليات بناء المفاعلات النووية الاختبارية.
ولعب بذلك العالم الفرنسي "بيرين"Beren دورا هاما بتقريب الاسرائيليين من المشاريع والبرامج النووية الفرنسية. كان "بيرين" اشتراكيا، سبق له أن فر من بريطانيا عام 1940 بعد سقوط فرنسا تحت الاحتلال النازي، وارتبط بصداقة مع "بيرجمان" Bergman، ثم سافر الى تل أبيب عام 1949. وبعد تلك الزيارة لاسرائيل سمح لبعض العلماء الإسرائيليين بالمجئ الى "ساكلاي"Sackly ، وهو مركز الابحاث النووية الوطنية الفرنسية، الذي أقيم قرب فرسايVersaille للمشاركة في بناء مفاعل نووي إختباري صغير في "ساكلاي"، وهي فرصة ساعدت العلماء الاسرائيليين على نقل التكنولوجيا الفرنسية إلى اسرائيل ولتوطيد علاقاتهم مع زملائهم الفرنسيين.


كان عام 1951 هو عام القرار الحاسم بالنسبة لفرنسا ولاسرائيل معا، ففيه تجاوز "جيبوما" Jiboma إعتراضات "بيرين" Beren وأجاز بناء مفاعل نووي يستخدم اليورانيوم الطبيعي وقودا له، ويمكنه أن ينتج بعد المعالجة الكيميائية 22 رطلا من البلوتونيوم الصالح لصنع أسلحة نووية، ويستخدم الجرافيت في ضبط رد الفعل المتسلسل في المفاعل. وعندما تم العثورعلى اليورانيوم الطبيعي على مقربة من "ليموجي" Limogy في وسط فرنسا، ذلك ساعد "جيبوما" على الاستغناء عن الطريقة البديلة في استخدام اليورانيوم المخصب كوقود للمفاعل، حيث ان التقنيين الفرنسيين في ذلك الوقت كانوا لا يتقنون عملية تخصيب اليورانيوم بعد، مما يجبر فرنسا على الاعتماد على الموردين الاجانب ويبقيها رهينة بيد الآخرين.
وفي العام التالي شرع الفرنسيون في البناء في ماركولMarkol في جنوب وادي الراين. منحت شركة "سان جوبين تكنيك نوفيل"San Goben Technique Nouvelle ، وهي شركة كيميائية ضخمة عقدا لبناء مصنع المعالجة الكيميائي في ماركول. حينها كانت فرنسا مهتمة بالطرق الاسرائيلية لصنع اوكسيد الديوتريوم Deuterium Oxide واستخلاص اليورانيوم من خامات الفوسفات التي تحتوي على درجة تركيز منخفضة من تلك المادة. كما كانت فرنسا راغبة في الحصول على تكنولوجيا الكمبيوترالامريكية التي كانت محظورة على فرنسا وبفضل إسرائيل تمكنت من الحصول عليها بطرق عدة.


وفي داخل اسرائيل تجدد الخلاف والجدل حول جدوى التعاون والوجود الاسرائيلي في مشروعات فرنسا النووية. كما تجدد الامل لدى قسم من القادة الاسرائيليين في بناء مشاريع نووية مشتركة مع فرنسا، وانتهى الجدل الى حسم الامر في قرارالقيادة العسكرية الاسرائيلية في الشروع لبناء مفاعل نووي فرنسي عالي القدرة في منطقة ديمونة يستخدم لاغراض عسكرية. استقال على اثر ذلك القرارستة من الاعضاء السبعة المشكلين للجنة الطاقة الذرية الاسرائيلية .
أصر كل من "شمعون بيريز" و"بن غوريون" على التعاون مع الفرنسيين تحديدا لأن عالم الذرة الاسرائيلي "بيرجمان" الذي كان معروفا جدا في أوساط العلماء النوويين الفرنسيين، وعن طريقه وبفضل علاقاته مع الفرنسيين تم انجاز الكثير من التعاون. كان قرار بناء مفاعل ديمونة في عام 1957 قد اعتمد في موضع التنفيذ بعد ان حسم الاسرائيليون أمرهم في قرار صنع الاسلحة النووية. وان امر بناء مفاعل ديمونة ومراحل بناءه ظل سرا، وبقيت المعلومات حوله تحت الحظر الصارم وفي منتهى السرية حتى على حلفاء اسرائيل من الامريكيين. ولم ينكشف الأمر الا في كانون الاول/ديسمبر 1960، حين اتهمت الولايات المتحدة، في عهد الرئيس الامريكي جون كندي لاسرائيل ببناء مفاعل نووي في ديمونة بعد أن ادعت اسرائيل بانه مجرد موقع يعد لبناء معمل لصناعات النسيج.
جرى العمل للفرنسيين والاسرائيليين في ديمونة بسرعة كبيرة وبسرية عالية. ويبدو ان كلا الطرفين، الفرنسي والاسرائيلي، كانا في سباق مع الزمن. وقد خططا للوصول الى انتاج سلاح نووي بحلول عام 1960. وفعلا كان مفاعل ديمونة جاهزا قبل ذلك الموعد، وان اسرائيل استطاعت في الخفاء التقدم في صنع القنبلة الذرية بحلول عام 1960 بمساعدة فرنسا.


يؤكد ذلك الكاتب الفرنسي "جاك ديروغي" في مقال له بعنوان"أسرار ديمونة". ويضيف في هذا المجال قائلا:(... في عام 1960 أنهى فنيون مرتزقة من الشركات الفرنسية، لقاء ثمن مرتفع جدا، انجاز معمل تحت الارض لاستخراج البلوتونيوم في ديمونة ؛مما اتاح للدولة اليهودية بناء قنبلتها النووية الاولى) .
ورغم ان اسرائيل قد حصلت مسبقا على المساعدات النووية الامريكية في إطار برنامج "الذرة من أجل السلام" وتمكنت من بناء مفاعلها النووي الاول في "ناحال سوريك"، كما حصلت على العديد من الفرص التقنية لإرسال البعثات والتدريب من الولايات المتحدة خصوصا؛ الا انها حرصت وعلى مدى 14 عاما، مابين 1953 الى 1967،على التعاون مع فرنسا في المجال النووي والصاروخي.


تعاونت اسرائيل في البدء في ظل حكومة "غي موليه" Ge Mollet، ثم في عهد"شارل ديغول"، وبصورة سرية خطت الدولتان الكثير من الانجازات في مجال تطويرالاسلحة التقليدية والصواريخ، وكذا التكنولوجيات النووية.
تدفع فرنسا دوافع عدة لاشراك اسرائيل معها في إنجاز العديد من البرامج النووية وفي الحصول على فرص للتقدم في المجال النووي العسكري، كما انها قد فكرت جديا بعامل الوقت الضاغط عليها بشدة خصوصا بعدتصاعد انتصارات وتطور الثورة الجزائرية عليها. ولكي تصل الى انتاج السلاح النووي حرصت على إشراك أسرائيل معها لتكون معها قوة ضاغطة للتأثير على سياسات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في تحالفه ودعمه الكبيرللثورة الجزائرية التي انطلقت في الاول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954.
كانت فرنسا تجد منفعتها للوصول الى عدد من الخبرات والتقنيات المطلوبة في وسائل تجسسية وعلمية بفضل التغلغل الاسرائيلي في الاوساطالنووية الامريكية ومن خلال اختراقها لاوساط العلماء اليهود الامريكيين، وغيرهم من العاملين في المشروع البرنامج النووي الامريكي وغيره لتحقق فرصتها للحصول على التقنيات النووية المحظورة عليها، كتكنولوجيات وبرامجيات الكومبيوترالامريكية التي كانت تحتاجها فرنسا، خاصة في مجالات تصميم القنابل النووية وتقنيات تفجيرها.


ولابد من الاشارة هنا ايضا الذكر، والقول بشيئ من الاختصار، حول حادثة "ابوللو" Apollo، عندما وصل "روفائيل ايتان"Rofail Itan من الموساد الاسرائيلي وبتعاون مع "ابراهام حرموني" Abraaham Harmonyمستشار الشؤون العلمية في سفارة اسرائيل في واشنطن لتقدير ردود الفعل الامريكية إزاء حادثة سرقة كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بواسطة العالم الامريكي الدكتور "زلمان شابيرا" الذي كان يعمل في معمل أبوللو. كانت الشعبة العلمية في الموساد التي يرأسها "روفائيل ايتان" وراء اختفاء هذه الكمية من اليورانيوم وكمية كبيرة من المعلومات التي تم جمعها من آلاف الوثائق حول الشؤون النووية.


وكذلك الاشارة الى قضية اخرى حيث تم تجنيد "شابيرا" من قبل الشعبة العلمية في الموساد الاسرائيلي، لكونه كان مطلعا على الكثير من اسرار الصناعات النووية الامريكية. وكان يلتقي بمنزله أبرز علماء الذرة في الولايات المتحدة بحضور "حرموني"، وقد تمكن "شابيرا" من تجنيد عشرات العلماء الامريكيين ليضعوا خبرتهم لصالح البرنامج النووي الاسرائيلي ومنهم من اليهود والامريكيين ممن تطوعوا للسفر الى اسرائيل وعملوا في مفاعل ديمونة]حتى على أقرب حلفائها كالولايات المتحدة وفرنسا ودول اوربية أخرى لتحقيق هدفها المنشود لامتلاك السلاح النووي.
لقد وظفت اسرائيل من مكانتها النووية للحصول على امتيازات اخرى من خلال الاصرارعلى منع فرق التفتيش زيارة مفاعل ديمونة وبتواطؤ غربي أمريكي ظل في نطاق المناشدة والمطالبة الشكلية للزيارات التي شابها الكثيرمن الغموض في حقيقة أهدافها المعلنة وما كان يجري فعليا في ديمونة وغيرها من تنفيذ مشروع نووي عسكري اسرائيلي تم بتعاون غربي وامريكي عامة وفرنسي بشكل خاص.


لقد وصل الامر ان حصلت اسرائيل على مساعدات فنية اخرى في أواخر الستينيات بأن عرضت الولايات المتحدة على اسرائيل مساعدة فنية ومبلغ 40 مليون دولار لبناء محطة لتحلية المياه يتم تشغيلها بالطاقة النووية مقابل موافقة اسرائيل على اخضاع مفاعل ديمونة لنظام الضمانات الدولية، لكن اسرائيل رفضت ذلك العرض واستمرت في تنفيذ برنامجا النووي العسكري. ان اسرائيل ما كانت ترفض العروض الامريكية في المساعدات التقنية النووية لولا الدعم والتعاون الفرنسي الواسع النطاق معها.
الامثلة عن النشاط السري الاسرائيلي عديدة منها تهريب 200 رطلا من اليورانيوم المخصب العائد للحكومة الامريكية من شركة "نوميك"Numec عام 1968، وشن هجوم بالغازات المسيلة للدموع قام به عملاء اسرائيل على شاحنات تنقل كميات من اليورانيوم في بريطانيا وفرنسا عامي 1968 و1969 وتم تهريب المواد المستولى عليها الى اسرائيل، والاستيلاء على سفينة شحن ألمانية تحمل 200 طن من اليورانيوم في عرض البحرعام 1968 ونقلها الى اسرائيل، وكذا اعادة تصدير شحنة مكونة من 40 طن يورانيوم مباع الى "لوكسمبورغ" اصلا الى اسرائيل في تموز/يوليو1985 بطريقة غير مشروعة، بالاضافة الى الاستيلاء على 1200 جهاز توقيت من نوع كرايتون Kraiton الذي يستخدم في التفجيرات النووية من الولايات المتحدة دون إذن رسمي من السلطات الامريكية.
ملاحظة للبحث مراجع واحالات وتعليقات اخرى للتوثيق ستصدر كاملة في كتابنا القادم تحت النشر بعنوان [الجحيم النووي الفرنسي في الصحراء الجزائرية].


الجدير بالذكر في هذا المجال انه: استطاعت اسرائيل، عن طريق نقل التكنولوجيا النووية الامريكية المتطورة، حل جميع المشاكل والتغلب على كافة المعوقات التي كانت تعترض برامجها في تصميم السلاح النووي وانتاجه، وكذلك تطويروسائل استخدامه ونقله، فسخرت جهودا كبيرة انيط تنفيذها من خلال شعبة خاصة من مخابراتها تدعى"لكام" Lakam . نشط كل من "حرموني" و"يروحام كنكافي" Yroham Kankafi من شعبة الموساد في الولايات المتحدة في مجال نقل التكنولوجيات النووية المتوفرة في الولايات المتحدة الى اسرائيل وتم تجنيد واستدراج العلماء والتقنيين الامريكيين، وخاصة اليهود منهم، للعمل في ديمونا. وكانت حاجة فرنسا الماسة للحصول على التقنيات الكيميائية لانتاج الماء الثقيل وطرق ووسائل تخصيب اليورانيوم واستخلاصه من الخامات التي يتواجد بها العنصر بتراكيز منخفضة ضاغطة على الفرنسيين وتدفعهم للخضوع للابتزاز الاسرائيلي في تقديم المزيد من الدعم والاسراع ببناء مفاعل ديمونا.


وكانت فرنسا تخشى الفشل في بناء القنبلة الذرية الفرنسية الاولى واحتمال فشل تفجيرها، فهي ينقصها عامل الوقت وعامل التجربة اللازمة ولا تتوفر لديها الخبرات الكافية وبناء وتصاميم وسائل التفجيروالتحكم بها، وتنقصها تصاميم الاطلاق في التجارب النووية السطحية وبعدها الباطنية التي كان مخططا لها التنفيذ في الجزائر مع نهاية سنوات الخمسينيات وبداية الستينيات.
وتبعا لما جاء في كتاب"هاركافي" Harkavy و"وليم بادر" William Bader


"الولايات المتحدة وانتشار الاسلحة النووية"، اصبح التعاون الفرنسي ـ الاسرائيلي محتوما في الميدان النووي ووثيقا جدا في عدة مجالات، خصوصا بعد ان رفض "جون فوستر دالاس"Foster Dalas وزير الخارجية الامريكية الامريكي في عهد الرئيس ايزنهاور، الطلب الذي تقدم به الرئيس الفرنسي"شارل ديغول" من اجل قيام علاقة نووية متميزة بين فرنسا والولايات المتحدة على غرار ما تتمتع به بريطانيا آنذاك. وقد اسهم ذلك الرفض الامريكي في زيادة نفورفرنسا من منظمة معاهدة شمال الاطلسي"الناتو" خلال سنوات الستينيات ودفع فرنسا الى المزيد من التعاون الاوثق مع اسرائيل وجنوب أفريقيا وتايلاند، وهي الدول التي كان يطلق عليها آنذاك بـ "الدول المنبوذة" او "المعزولة" على المستوى الدولي نتيجة لمواقف سياسية دولية كانت معروفة تجاهها.
كانت إدارات الولايات المتحدة المتعاقبة تتابع تفاصيل ومسار المشروع النووي الاسرائيلي ومراحل تطوره، وتتابع أبعاد التعاون الفرنسي ـ الاسرائيلي في المجالات التسليحية والنووية، خاصة في زمن الرئيس الامريكي جون كندي. لكن الولايات المتحدة لم تقف عائقا امام تطور مثل ذلك التعاون سواء في المجال السلمي أوالعسكري، مع مراعاة أمنها القومي ونشاطها السياسي والعسكري على المستوى العالمي.


كما يلاحظ أن الولايات المتحدة قد غظت النظر عن رفض اسرائيل لاية محاولة دولية لتفتيش المنشئآت الاسرائيلية، وخاصة في مراقبة نشاط مفاعل ديمونة خاصة. كما تواطئت الإدارات الامريكية المتعاقبة على السماح في تقديم المساعدات المطلوبة لإسرائيل سرا وعلانية.
وقدعمل خمسة من الرؤساء الامريكيين، بدء من "ايزنهاور" و"كندي"ومرورا بالرؤساء "جونسون" و"كارتر" و"ريجان" ثم "جورج بوش" و"كلنتون" و"جورج بوش" الابن على اخفاء المعلومات المتعلقة بمستوى التطور الذي بلغته الترسانة النووية الاسرائيلية سابقا وحاضرا، كما سمحوا للعلماء والخبراء النوويين الامريكيين بزيارة المنشئآت النووية الاسرائيلية وتقديم الخبرات المطلوبة عند الحاجة، وجرى السكوت عن الاختراقات التجسسية الاسرائيلية المستمرة للوصول الى المعلومات والتقنيات وسرقة الاسرار والتطبيقات النووية ونقلها الى إسرائيل.


وبالرغم من كل ذلك فان فرنسا، تكون بإقدامها على بناء مفاعل ديمونة، قد دفعت للاسرائيليين ثمنا قد تجاوز الثمن الذي يمكن أن يعوضهم لقاء خدماتهم للفرنسيين، ومساعدتهم الكبيرة لإنجاز البرنامج النووي العسكري الفرنسي في فتراته الحرجة، وخصوصا عندما مكنت فرنسا الاسرائيليين من فرصة ذهبية ونادرة الوقوع في تمكين إسرائيل من إجراء تجاربها من خلال تنفيذ مشاريع البرنامج النووي العسكري الفرنسي في "التفجيرات النووية"الفرنسية" على الاراضي الجزائرية في سنوات(1960-1966) في منطقة رقان وتمنغست وقبلها في 1956 في تجارب اطلاق الصواريخ في منطقة حماقير بولاية بشار في الصحراءالجزائرية.
تتناول الوثائق والدراسات المنشورة حول هذا الموضوع تقديرات متفاوتة عن حجم الفرص التي قدمتها فرنسا لاسرائيل لتطوير برنامجها النووي الاسرائيلي وتنفيذه بشقيه العسكري والسلمي. ويلاحظ على أغلب تلك الدراسات محاولات التكتم على المستوى النووي العسكري الذي وصلت اليه إسرائيل.


هناك فرضية قدمها كل من "وايزمان"Weissmanو"كروسني" Krosney ترى: بأن فرنسا سمحت للاسرائيليين بالاطلاع على المعطيات التي حصلت عليها من تجاربها النووية في مقابل اطلاعها على الانجازات الاسرائيلية الواسعة في ميدان صناعة الاسلحة، خاصة نظم التحكم والتوجيه التي وصلت بها اسرائيل الى ذروة الاتقان والتحكم في منظومتي صناعة وإطلاق الصواريخ الاسرائيلية المنشأ، وهما صاروخ"شافيت" وصاروخ"أريحا". والاخير بدأت تجارب إطلاقه في جنوب الصحراء الجزائرية بدء من عام 1956.
وعندما إتخذت اسرائيل قرارها بالحصول على مفاعل فرنسي الصنع بدء من عام 1957 بطاقة تشغيلية قدرها بحدود 26 ميجا واط في ديمونا، ثم رفعت طاقته الى 70 ميجا واط ثم الى 150 ميجا واط مما يعكس بشكل واضح ان المقاصد الكامنة في تصاعد تلك الزيادات في قدرة المفاعل سوف تؤدي الى زيادة امكانيات الحصول على البلوتونيوم اللازم لصناعة القنابل النووية. حصلت إسرائيل على ما تريد وجرى التنفيذ على مراحل مرتبطة بخطوات تطور كل من المشروعين النوويين الفرنسي والاسرائيلي.


وبدء ذلك عندما أرسلت فرنسا فريق من مهندسي الذرة الفرنسيين الى اسرائيل من خلال "شركة سان جوبيان"San Gobyan النووية SGN . وكانت تلك الشركة مجرد واجهة للحكومة الفرنسية، لكنها كانت تابعة لاحدى مؤسسات لجنة الطاقة الذرية الفرنسيةAEC التي تمتلك فيها 66% من قيمة أسهمها. وظلت تلك الشركة تعمل بهذا الاسم بين 1960 و 1965، وهي تحمل الآن اسم"الشركة العامة للتقنية الحديثة".
دخل مفاعل ديمونا مرحلة الخدمة الفعلية في ديسمبر 1963 رسميا. في حين وكما يبدو من خلال كثير من الحقائق انه كان قادرا على إنتاج كميات كبيرة من مادة البلوتونيوم ـ 239 [Pـ239] قبل هذا التاريخ،وينتج البلوتونيوم في وحدات تصنيعية تفصله عن خامات الوقود للوصول الى انتاج كميات من هذه المادة الاساسية في صنع القنابل النووية. يستخدم مفاعل ديمونا الماء الثقيل، ووقوده من اليورانيوم الطبيعي، وليس اليورانيوم المخصب، الذي يستخدم غالبا في مفاعلات الماء الخفيف، ومثل تلك المفاعلات الاسرائيلية حصلت عليها في الخمسينيات من الولايات المتحدة والمتواجدة بالقرب من "ناحال سوريك" Nahal Soreq.


كانت فرصة حصول اسرائيل على بناء مفاعل ديمونة بمثابة الفرصة التاريخية التي تحررت بها إسرائيل عن الضغط والمراقبة الامريكية والدولية التي يفترض أن تفرض عليها من خلال حاجتها الى استخدام اليورانيوم المخصب لتشغيل مفاعل ناحال سوريك، ولأنها كانت مضطرة الى شرائه من الخارج، نظرا لإفتقارها آنذاك الى التجهيزات المعقدة والمنشئآت الضرورية لتخصيب اليورانيوم.
وجدت اسرائيل ان تعاونها مع الولايات المتحدة للحصول على اليورانيوم المخصب لتشغيل مفاعل ناحال سوريك سيجعلها عرضة للمراقبة الامريكية المستمرة وامكانية الكشف عن توجهاتها النووية العسكرية وربما سيعرضها الحظر الى كثير من المصاعب للحصول على احتياجاتها النووية والذي يمكن ان يطال مشروعها النووي العسكري، وإبقاء أبواب منشئآتها النووية مفتوحة امام عمليات التفتيش التي تقوم بها اللجان النووية الامريكية ولجان اخرى تابعة للامم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية.


جرى التستر التام على موقع ومراحل بناء مفاعل ديمونة من قبل الحكومتين الفرنسية والاسرائيلية، فمركز الابحاث النووية الاسرائيلية في ديمونة مكون من ستة طوابق تحت الارض.
لازال الجدل محتدما في الاوساط السياسية والنووية متسائلا عن الدوافع التي دفعت فرنسا الى مساعدة اسرائيل في إنجاز مفاعل ديموناDimona النووي وبناءه بتلك السرعة وبتلك الطاقة العالية من التشغيل؟ ووضعه في أولويات مشاريعها النووية خارج فرنسا.
تقول "سلفيا كروسبي"Sylvia Grosbie بهذا الصدد: " ذهب الظن، خاصة في الولايات المتحدة الامريكية، الى ان فرنسا كانت بحاجة الى مفاعل ديمونة، كمصدر إضافي ستتزود منه بمادة البلوتونيوم التي يحتاج اليها برنامجها النووي العسكري، حيث كان من المفترض أن تعيد اسرائيل الى فرنسا وقود مفاعل ديمونا المستهلك والغني بمادة البلوتونيوم." لاعادة فصل البلوتونيوم. وان تلك الاتفاقية وبهذه الصيغة ظل ينكرها الاسرائيليون، ويقولون عبر التسريبات الاعلامية والصحفية، انها لم توضع موضع التنفيذ.


وهكذا ظل الاسرائيليون يصرون على تكرار مثل هذا القول:( انه لا اساس لها من الصحة)، رغم ما ينطوي عليه مثل هذا القول من مفارقات وتقف عاجزة عن رد الاتهامات الدامغة تؤكدها جملة من الحقائق والشهادات لآخرين أدلو دلوهم في هذا الموضوع، كما سنرى.
يقول فؤاد جابر: ( انه بالرغم من ان تكون الاتفاقية قد تضمنت شروطا متعلقة بقيام اسرائيل بتسليم ناتج مفاعل ديمونا من الوقود الى فرنسا، الا انه لم يتم الوفاء بشروطها). ثم يضيف: ( انه في حالة وجود مثل تلك الاتفاقية وتنفيذها، فان اسرائيل سوف تحصل من فرنسا مجددا على جزء من كمية البلوتونيوم المذكورة، بعد معالجتها وفصلها، وهذا يعني بوضوح تام، في كلتا الحالتين، ان اسرائيل تمتلك بالفعل مخزونا من البلوتونيوم الذي تمت معالجته وفصله وأصبح جاهزا لصنع أسلحة نووية).


ذكر "وايزمان"Weissman و"كروسني"Krosney : إن إثنين من ألمسؤولين السابقين في البرنامج الذري الفرنسي والبرنامج الذري الاسرائيلي، لم يدليا بأسمائهما، أكدا في مقابلات صحفية: ان الاتفاقية الفرنسية الاسرائيلية بشأن وقود مفاعل ديمونا المستهلك موجودة فعلا. وقال المسؤول الاسرائيلي: ان فرنسا لم تنفذ الشرط الخاص بإعادة جزء من البلوتونيوم المنتج بعد معالجته وفصله الى اسرائيل. أما المسؤول الفرنسي فقد أكد ان إسرائيل أرسلت الى فرنسا عام 1967 حوالي 40 طنا من وقود مفاعل ديمونا المستهلك والغني بمادة البلوتونيوم، وان الفنيين الفرنسيين قاموا بعملية فصل تلك المادة في فرنسا، وأعادوا الى اسرائيل ما يقرب من نصف الكمية المستخلصة، وهو ما يكفي لتصنيع من 15 إلى 20 قنبلة نووية.


ان ما تضمنه قول "سيلفيا كروسبي" Sylvia Crosbie اعلاه وغيره والتمسك بالانكار من حصول اسرائيل على حصتها من البلوتونيوم بعد فصله في فرنسا من الوقود الاسرائيلي المستهلك في ديمونة ، او التصريح بالقول من: " ان اسرائيل تنازلت عن كل ما انتجه مفاعل ديمونة من الوقود الغني بالبلوتونيوم يفتقر الى المصداقية"؛ وذلك لان اسرائيل، هي الاخرى، كانت في حاجة فعلية الى هذه المادة من أجل تنفيذ برامجها النووية العسكرية المسطرة. ولو صح ان الاسرائيليين قد سلموا لفرنسا كل مادة البلوتونيوم تلك، فان الأمر في جوهره يصبح قابلا للتأويل والتفسيروفق منطق يحاكم الحقائق الموصوفة على الارض الجزائرية من خلال حجم التفجيرات وتنوعها وسعتها، وما يرتبط بطبيعة التعاون النووي الفرنسي الاسرائيلي ومراحل تنفيذه خاصة في المجال التسليحي والعسكري.


والسؤال المنطقي إذا كانت اسرائيل قد قدمت لفرنسا الكثيرمن الاسرار والمعلومات النووية الهامة وعلى حدسواء في المجالين الصاروخي والذري، منها بيعها رخصة انتاج الطريقة النرويجية التي طورتها اسرائيل لتصنيع الماء الثقيل بطريقة كيميائية واقتصادية منخفضة الكلفة، وطرق استخلاص اليورانيوم من خامات تحتوي عليه بنسب تركيز منخفضة جدا، إضافة الى التعاون الوثيق في ميدان طرق ووسائل التفجيرات النووية السطحية والباطنية، وقبلها تم تطويرتجريب وبنجاح اطلاق الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية والتقليدية في الصحراء الجزائرية.
وان القول بأن إسرائيل قد دفعت ما قيمته 130 مليون دولار نقدا كثمن لمفاعل ديمونة الفرنسي الصنع فيه كثير من التأمل والغرابة للتساؤل هنا من كان يساعد من؟؟ وما هو الثمن الحقيقي للآلام والدمار الشامل الذي طال مئات الالوف من الكيلومترات المربعة من الصحراء الجزائرية التي كانت ساحات للتجارب الصاروخية والنووية الفرنسية والاسرائيلية خلال الخمسينيات والستينيات القرن الماضي؟.


أمام كل هذه التساؤلات تبقى الاجابة عنها تلح : وماذا حصلت اسرائيل من فرنسا عدا بناء مفاعل ديمونة؟ وثمن المشاركة معها في شن العدوان الثلاثي على مصر 1956؟ وثمن تمكينها من استخدام الاراضي الجزائرية في تجارب الصواريخ وفي التفجيرات النووية في رقان وتمنغست جنوب الصحراء؟؟.
ولا نعتقد ، كما تعتقد العديد من الاوساط: ان فرنسا قدمت الى اسرائيل في المجال النووي ما هو أهم من بناء مفاعل ديمونة. إذ يحتمل ان تكون فرنسا التي قامت مابين عام 1960 الى عام 1964 بتقديم المساعدة التقنية لاسرائيل، في تصميم وتفجير قنبلتها الذرية التجريبية الأولى في حقول التجارب الفرنسية بولاية أدرار في منطقة رقان وفي ولاية تمنغست بمنطقة اينيكر جنوب الصحراء الجزائرية.


بل نعتقد ان وجهة النظر المطروحة هذه يمكن ان تكون معكوسة ايضا تماما حيث يرى البعض ان اسرائيل قبل أن يكتمل بناء مفاعل ديمونة لم يكن باستطاعتها الحصول على كميات من البلوتونيوم اللازمة والكافية لصناعة قنبلتها النووية الاولى ولكنها كانت تمتلكالكثيرمن المعلومات والخبرات لاتمام نجاح اي تفجير نووي يمكن ان تتشارك به مع فرنسا التي كانت في ذلك الوقت بأمس الحاجة لمثل تلك الخبرات ولهذا فان تفجيرات رقان كانت تشير الى دور اسرائيلي كبير وملموس في تقديم الخبرة وإنجاح التنفيذ بتفجير قنبلة "اليربوع الازرق" في منطقة رقان يوم13/2/1960 بطاقة تفجيرية عالية تجاوزت 60 كيلو طن، أي بثلاث أضعاف القدرة التدميرية لقنبلة هيروشيما.
وهناك رأي آخر يذهب به ظن "هاركافي"Harkavy بانه يعتقد باحتمال ان تكون فرنسا قد زودت إسرائيل بكميات من البلوتونيوم أو اليورانيوم235 تكفي لصنع سلاح نووي يمكن الاسرائيليين من إنجاز تجربة سلاحهم النووي في الصحراء الجزائرية تحت اسم وعنوان وبرنامج فرنسي معلن "التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية" تفاديا من ردود الفعل الدولية، ولتبقى اسرائيل دولة نووية في الظل، وتذهب بالنجاح المنجز في رقان فرنسا وتعبر به للاعتراف بها دولة نووية الى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحادالسوفيتي في عضوية النادي النووي الدولي آنذاك ولتحتل موقعها كدولة دائمة العضوية في مجلس الامن الذي كان يضم آنذاك ثلاث دول حصلت على لقب "عظمى" وهي الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي.


وسواء كانت أسرائيل امتلكت البلوتونيوم او اليورانيوم المطلوب، أو تحصلت عليه بطريقة ما لاجل صنع قنبلتها النووية، فان الحقيقة الهامة التي يجب التذكير بها هنا: ان إسرائيل كانت حاضرة وبقوة وبوضوح وبفعالية في تنفيذ جريمة التفجيرات النووية"الفرنسية" في الصحراء الجزائرية وخاصة في تفجير اليربوع الازرق.


كتب "ليونارد بيتون" Leonard Beaton في مقال له بعنوان" لماذا لا تحتاج اسرائيل الى القنبلة؟" والذي نشر في مجلة"الشرق الاوسط الجديد" New Middle East: انه يعتقد ان عملية صنع القنبلة النووية لا تحتاج الى مصنع ضخم للفصل الكيميائي للبلوتونيوم. وان عملية فصل وتحضير البلوتونيوم ليكون صالحا لصناعة الاسلحة النووية يمكن اتمامها في المعامل الحارة، الموجودة فعلا في كل من مفاعل ناحال سوريك ومفاعل ديمونا.
ويعترف كل من "وايزمان"Weissman و "كروسني"Krosney بالدور الاسرائيلي في البرنامج النووي الفرنسي بقولهما :"انهما يعرفان يقينا ان اسرائيل قد استفادت من التفجيرات النووية التجريبية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية". ولكنهما يحاولان بلغة دبلوماسية مخففة أن يبرزا ويشيدا بالدور الفرنسي وإعطائه الدورالاهم في الانجاز النووي الذي تم في الصحراء، وهم بذلك يقصدون وعن تعمد في التقليل من الدور الاسرائيلي في التفجيرات بقولهما (... غير ان ذلك لا يعني بالضرورة ان اسرائيل قد شاركت بطريقة مباشرة في تلك التجارب)، ثم يشيرون ( ان الفرنسيين قد أعطوا العلماء الاسرائيليين معلومات بالغة الاهمية حول تصميم القنبلة النووية وطريقة إدائها، وهي المعلومات التي تم الحصول عليها من نتائج التفجيرات "الفرنسية" في الصحراء الجزائرية).


وفي ذات السياق نرى أن ثمة تناقض في مثل ذلك الاعتراف الهام. وفي ذات الوثيقة يتجلى بوضوح ومن خلال النص نرى ذلك التناقض من خلال تأكيدهما :


( ... ان فرنسا قد زودت اسرائيل بتلك المعلومات الحساسة مقابل قيام العلماء الاسرائيليين بالاسهام في بناء القنبلة النووية الفرنسية الاولى)، وهذا إعتراف صريح وواضح ولا لبس فيه.
ويمضي الكاتبان في توضيح أكثر، لتبيان نوع ألمساهمة والمساعدة الاسرائيلية في تنفيذ المشروع النووي الفرنسي العسكري على الاراضي الجزائرية بالقول:


(... انه قد تمثل في سر تلك المساعدة، في ان العلماء الاسرائيليين كانوا قد حققوا تقدما مذهلا في مجال صناعة الاسلحة، خاصة في ميدان آلية نظم التوجيه المسيطر عليه، والذي أتقنه الاسرائيليون في أوائل الستينيات، بانتاجهم لمنظومات الصواريخ من طراز "شافيت" Shavit و"أريحا" Jericho. وهنا قام بعض العلماء الاسرائيليين بتركيز جهودهم وقدراتهم للاسهام في تصميم السلاح النووي الفرنسي، فلعبوا دورا رئيسيا في التخطيط له وتطويره.).
ويستطرد الكاتبان بالاعتراف عن مصادر معلوماتهم بالقول: ( لقد كشف لنا أمر هذه المساعدة مصدر أمريكي. وبالرغم ان باريس والقدس نفتهما تماما، الا اننا نعتقد بصحة تلك المعلومات، وبذلك تكون القوة الاستراتيجية الفرنسية سلاحا إسرائيليا، ولهذا كان لزاما على الفرنسيين أن يقدموا للاسرائيليين مقابلا أساسيا).


إن اقرار "وايزمان" و "كروسني" :( ان فرنسا قدمت لاسرائيل مقابل تلك المساعدة المذكورة مفاعل ديمونة، وهو، وان كان مساعدة أولية في بناء معمل صغير لمعالجة واستخلاص البلوتونيوم من الوقود المستهلك، الا انه يعتبر منفذا لا قيود عليه لبيانات اختبارات التفجير النووي الفرنسي حول طبيعة ونوع نلك التجارب لا بد من عرض ماتوفر من معطيات حول حجمها واتجاه التجريب فيها وفيما كانت هي تجارب فرنسية ام اسرائيلية ام مشتركة؟؟).


ان العديد من المصادر اشارت الى ان اسرائيل قد نفذت تفجيرات تجريبية واتيح لها الفرصة للقيام بذلك ثلاث مرات:
اولا: يقول"لوفيفر"Lefever انه من المحتمل ان يكون الفرنسيون قد قاموا باجراء تفجير تجريبي لقنبلة نووية ذات تصميم فرنسي ـ اسرائيلي مشترك في مركز التجارب النووية الفرنسية في صحراء الجزائر في رقان أوائل الستينات...، ولكنه يضيف بأنه لا يتوفر أي دليل قاطع على ذلك.


ثانيا: في مقال لمجلة "تايم" Time تحت عنوان: " كيف حصلت اسرائيل على القنبلة" ان بعض الخبراء في أجهزة المخابرات الغربية يعتقدون ان اسرائيل أجرت تجربة نووية تحت سطح الارض في منطقة النقب عام 1963. لكن لم يصدر عن أي مصدر موثوق به، ما يدعم ما أوردته مجلة "تايم" على لسان خبرائها ولم تفصح عن هويتهم.
ثالثا: وهناك ايضا ما قيل من ان قمر التجسس الامريكي فيلا Villa قد رصد عام 1979 وميضا حراريا في منطقة جنوبي المحيط الاطلسي، وذهب الظن بالكثيرين ان هناك تجربة نووية مشتركة قد تم إجرائها بالتعاون بين اسرائيل وجنوب افريقيا.


رابعا: يقول "وايزمان": بعد تطورات حرب 1967 وجد الجنرال ديغول فرصته لانتزاع البرنامج النووي الفرنسي من مخالب التدخل الاسرائيلي بقطع كل علاقات فرنسا العسكرية مع اسرائيل. وتحت تأثير ضغط الولايات المتحدة وضع الجنرال ديغول الحد للتعاون النووي الفرنسي الاسرائيلي.


ان ذلك الظرف أعاد اسرائيل نحو التعاون من جديد مع الولايات المتحدة كبديل عن فرنسا ؛ مما جعلهم يسارعون الى إقامة مصنع اسرائيلي لفصل البلوتونيوم من اليورانيوم المستهلك في مفاعل ديمونة وتوفير البلوتونيوم اللازم لاجل اتمام صنع القنابل النووية الاسرائيلية رغم وجود بعض الاختلافات في آراء القيادة الاسرائيلية حول جدوى انجاز ذلك المصنع. لقد حسم "موشي دايان" ذلك الخلاف وتجرأ على اصدار الامر بنفسه في بناء مصنع فصل البلوتونيوم بشكل منفرد متحديا كل المعارضة السياسية الكبيرة التي ضمت في صفوفها كبار القادة الاسرائيليين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الاسرائيلي "ليفي اشكول"Levy Ashkole، اضافة الى"جولدا مائير"Golda Maer و"ايجال الون" Eagal Alone الذين وضعوا قرارا بالنقض "فيتو" امام مشروع لمصنع فصل البلوتونيوم عام 1968.


ان قرار اعتماد اسرائيل على نفسها في فصل البلوتونيوم جاء نتيجة لحسمها لقرارصنع قنابلها النووية في اسرائيل، ونظرا لتوفرالكميات الكافية من البلوتونيوم المنتج عن نفايات اليورانيوم المستهلك في مفاعل ديمونة مع حلول 1967.
طوال تلك الفترة، وقبلها كانت إسرائيل تحصل على احتياجاتها من اليورانيوم من جنوب افريقيا ومن فرنسا، وما تتمكن من استخلاصه من اليورانيوم من صناعات الفوسفات الاسرائيلية الذي يشكل ما مجموعه 24 طنا من اليورانيوم كل عام لاستمرار تشغيل مفاعل ديمونة.


رغم الاعلان الرسمي عن القطيعة النووية بين فرنسا واسرائيل بعد حرب 1967 الا ان اسرائيل، ورغم ادعائهان من انها لا تمتلك مصانعا للفصل الكيميائي للبلوتونيوم المستخلص عن نفايات اليورانيوم التي يطرحها مفاعل ديمونة، الا ان هناك العديد من الباحثين ما يشير الى ان عمليات فصل ومعالجة البلوتونيوم ظلت سرية وتأخذ طريقها الى منشئآت الفصل الكيميائي الفرنسية حتى عام 1969.
لقد اوردت مجلة "دير شبيغل" Der Spiegel الالمانية ان اسرائيل كانت تمتلك بشكل قاطع مصنعا للفصل الكيميائي بمعالجة البلوتونيوم ويرى "فريدمان" Fridman ان اسرائيل قادرة على اتمام عملية فصل واستخلاص البلوتونيوم وتطوير اسلحة نووية بالاعتماد على ما لديها من تجهيزات.


كما يعترف "فرانسيس بيرين"Francis Perran الرئيس السابق للجنة الطاقة الذرية الفرنسية : "ان بلاده قامت، خلال فترة تشييد مفاعل ديمونة بالاسهام ايضا في بناء مصنع لاستخلاص البلوتونيوم في اسرائيل. وبهذا الاعتراف الصريح لا بد من انهاء الجدل حول مصادر البلوتونيوم المخصص للتسلح النووي العسكري لدى اسرائيل.
أشار "تاهيتينين" Tahtinen في كتاب [ الميزان العسكري بين العرب واسرائيل في الوقت الحاضر]الى :"ان اسرائيل كانت قد أتمت بالفعل صنع خمس أو ست قنابل نووية بقوة 20 كيلوطن مع حلول عام 1969".


وفي الشهادة التي أدلى بها مدير وكالة المخابرات المركزية "ريتشارد هلمز" Richard Helmez أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في السابع من يوليو/تموز عام1970، قال:(... إن اسرائيل كانت في ذلك الوقت تملك الوسيلة لصنع قنبلة ذرية).


وكان "هاركافي" Harcavy يتفق في الرأي مع ماورد في التقرير الخاص لمجلة "تايم"Time الامريكية المنشوراستنادا الى تقارير مخابرات غربية، عندما كتب: ( لقد تم الانتهاء من عملية بناء مصنع فصل البلوتونيوم عام 1969، وأتمت إسرائيل عملية التركيب النهائي لأسلحة نووية وانتاج هذه الاسلحة في الفترة حتى عام 1973). كما أعرب "لوفيفر"Lefever عن اعتقاده ان اسرائيل ربما تمتلك كلا النوعين من القنابل النووية ، أي القنابل المصنوعة من البلوتونيوم ـ 239، التي تم انتاجها في مفاعل ديمونة، وقنابل أخرى تكون مصنوعة من مادة اليورانيوم ـ 235 المخصب المهرب من دول أخرى.


ان كثيرا من الشواهد تشير الى أرجحية استخدام اسرائيل للبلوتونيوم، وليس اليورانيوم عند صنع قنابلها النووية لأن كمية من البلوتونيوم كتلتها تتراوح بين (5,79 ـ 10,1) كغ من البلوتونيوم ـ 239 لتحقيق الكتلة الحرجة اللازمة لتحقيق الانفجار النووي المطلوب؛ في حين يحتاج الامر الى 50 كغ من اليورانيوم ـ 235.


تضمن رأي "لوفيفر" قناعته ان الاسرائيليين صنعوا قنابلهم قبل عام 1974. وإذا أخذنا بهذا الرأي فستكون اسرائيل هي الدولة النووية السادسة في العالم وتسبق بذلك موقع الهند في النادي النووي العالمي.
اننا نظل على قناعتنا ان مشاركة اسرائيل لفرنسا في تجاربها النووية في الصحراء الجزائرية وتنفيذ برنامجها النووي العسكري في المركزالنووي الفرنسي في تفجير رقان في 13 فيفري/شباط 1960، وان نجاح تلك التفجيرات وبتلك الطاقة العالية ( 60 ـ 70) كيلوطن تكون إسرائيل هي الدولة النووية الخامسة في النادي النووي بعد كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي وفرنسا معها.


ان خلاصة التقارير المنشورة من هنا وهناك حول البرنامج النووي الاسرائيلي، ورغم كل التكتم عليه، وعدم الاعلان عن الكثير من تفاصيله، تشير الى ان اسرائيل منذ تجارب رقان في جنوب الصحراء الجزائرية عام 1960 قد تخطت العتبة النووية وانتجت سلاحها النووي بشكل مستقل او وجربته بالتعاون ضمن صفقة مع فرنسا تبادلت معها الخبرات والمصالح المتبادلة لقاءالارض وساحات التجارب وبناء مفاعل ديمونة.


كان "شيرمان كانت" Chairman Kant رئيس هيئة تقديرات الموقف القومي في وكالة المخابرات المركزية الامريكية CIA قد توصل في شهرمارس/آذار 1963 الى استنتاج يتلخص: " في أن اسرائيل أصبحت تمتلك أسلحة نووية"، وحذر حينها من الخطورة المترتبة على ذلك، وقال: "ان اسرائيل نجحت في اقناع الولايات المتحدة، بل وجرها لمساعدتها على امتلاك قدرة نووية". كما أيد الرئيس كندي البرنامج النووي الاسرائيلي وعبرعن هذا التأييد على مسامع القادة الاسرائيليين ومنهم "شمعون بيريس" مديرعام وزارة الدفاع الاسرائيلية آنذاك والمدير التنفيذي الفعلي للبرنامج النووي الاسرائيلي على مدى عقود. وعند مقابلة الرئيس كندي لرئيس الوزراء الاسرائيلي "بن غوريون" اثر مطالبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية اجراء تفتيش لموقع مفاعل ديمونة إثر إكتشاف الطائرات الامريكية للموقع مطلع 1961، واصرار اسرائيل على ان ديمونة هو مجرد موقع لمصنع للنسيج لاغير، حينها طار"بن غوريون" الى نيويورك في مايو/آيار 1961 لتسوية الامر مع الادارة الامريكية والتقى بالرئيس كندي الذي سارع الى الهمس في أذن "بن غوريون" قائلا: (...انني لا استطيع أن اعارض، وأعرف جيدا انني انتخبت بأصوات اليهود الامريكان، وأنا مدين لكم بفوزي) .


بعدها انفصل البرنامجان النوويان الفرنسي والاسرائيلي عن اشتباكهما وتعاونهما الوثيق السابق وإعتمدت اسرائيل على برنامجها الخاص بها، خاصة بعد استكمال مصانع فصل البلوتونيوم في اسرائيل، وتطويرها لوسائل التخصيب enriched لليورانيوم داخل اسرائيل. وانها تمكنت فعلا من استخدام كلتا الطريقتين لصنع قتابلها النووية، مستخدمة البلوتونيوم ـ 339 وكذلك اليورانيوم ـ235 خلال الفترة بين )1969 ـ 1973)، وقبل ذلك استغلت تعاونها مع فرنسا ودول أخرى ومن خلال عمليات التهريب للمواد النووية بطرق غير مشروعة وانها تورطت في كثير من عمليات الاغتيال والابتزاز والتجسس. لكنها في النهاية وصلت الى حلمها ومبتغاها النووي لتكون دولة نووية بامتياز.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس  / ٢٠ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٨ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م