فاز أوباما.. وخسِرَ الفاشل بوش !.. نهاية حقبة حكم رئيس كاذب وقاتل ومجرم ..
لعنة العراق تلاحقهم ..
إليوت أبرامز .. الرجل الغامض الذي جعل من الكذب سياسة رسمية .. آخر قلاع المحافظين الجدد .. إيديولوجي متعصب بصفة دبلوماسية ..

 ﴿ الحلقة السابعة عشر

 

 

شبكة المنصور

الدكتور محمود عزام

 

في شباط 2005 أعلن البيت الأبيض أن إليوت أبرامز الذي كان يشغل حتى الآن منصب مستشار الرئيس الأمريكي جورج بوش لشؤون الشرق الأوسط عين أمس الأربعاء (مساعدا لمستشار الأمن القومي مكلف الإستراتيجية الدولية لشؤون الديمقراطية).. وأوضح المصدر أن أبرامز سيكون أيضا مساعدا لمستشار الرئيس بوش. وسيتبع في مهمته الجديدة لمستشار الأمن القومي ستيفان هادلاي.

 


وأضاف المصدر أن(أبرامز سيساعد هادلاي على العمل من اجل دفع الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيواصل عمله في مجلس الأمن القومي كمشرف على شؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والمنظمات الدولية)!.. وقال المصدر ايضا أن إليوت أبرامز سيواصل أيضا  القيام بعمله في مجلس الأمن القومي كمشرف على شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبالتنسيق مع وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس وهادلاي والاضطلاع بالملف الإسرائيلي الفلسطيني .. وكان أبرامز عين في ديسمبر 2002 لمتابعة هذا الملف في البيت الأبيض.

ويعتبر ابرامز من أشرس المدافعين عن رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون في واشنطن.
وعين في إدارة الرئيس رونالد ريغان مساعدا لوزير الخارجية من 1981 إلى 1989.
وكلف في إطار هذه المهمة متابعة السياسة الأمريكية في أمريكا اللاتينية. واقر بعد ذلك بأنه حجب معلومات أمام الكونغرس تتعلق بمتمردي "الكونترا" في نيكاراغوا..

 


في 19 شبط 1998 وجه ريتشارد بيرل وعضو الكونجرس السابق ستيفن سولارز رسالة مفتوحة إلى كلينتون مطالبين فيها بحملة عسكرية شاملة تقودها الولايات المتحدة نحو "تغيير النظام" في بغداد!..وتضمنت الرسالة المخطط العسكري الفاشل والخطير لقلب النظام الوطني في العراق والذي تم نشره في تلك الرسالة المفتوحة والذي تم إحياؤه لاحقا من قبل شبكة ريتشارد بيرل من "الصقور الجبناء" في مكتب وزير الدفاع.. وقد تم رفض الرسالة في حينها بشكل مباشر من قبل قيادة أركان الجيش وكان من بين الموقعون الأصليين على رسالة بيرل- سولارز المفتوحة الموظفون في إدارة بوش الحالية التالية أسماؤهم:(إليوت أبرامز - مجلس الأمن القومي)، (ريتشارد أرميتاج - وزارة الخارجية)، (جون بولتون - وزارة الخارجية)، (دوجلاس فيث - وزارة الدفاع)، (فريد ايكل - مجلس الدراسات الدفاعية)، زالماي خلي زادة - البيت الأبيض)، (بيتر رودمان - وزارة الدفاع)،(دونالد رامسفيلد- وزير الدفاع)، (بول وولفوويتز - وزارة الدفاع)، (ديفيد وورمسير - وزارة الخارجية)، (دوف زاكايم - وزارة الدفاع).

 

وقد رفض الرئيس كلنتون دعوات الحرب هذه في فبراير 1998 مسببا لكل من توني بلير ونتنياهو نوبات غضب هستيرية.. وإستمرت محاولاتهم والتي أدت الى رفض كلينتون مجددا في تشرين ثاني 1998 مطالب بلير ونتانياهو الداعية إلى الحرب ضد العراق.. ولكن عاد الرئيس كلنتون وتحت ضغط الهجمة الداعية إلى إقالته (على خلفية فضيحة مونيكا لوينسكي) استسلم كلنتون في النهاية وأعطى تفويضا بشن عملية ثعلب الصحراء في كانون أول 1998 بينما كان عائدا من إسرائيل على متن طائرة الرئاسة الأمريكية ولكن حملة القصف ضد العراق لم تقضي على نظام الرئيس صدام حسين وبقيت القضية معلقة ومقلقة لهذا اللوبي لمدة ثلاثة سنوات الى ان حانت الفرصة لإثارة الموضوع بعد 11 سبتمبر 2001.

 

يلقب إليوت أبرامز نائب مستشار الأمن القومي الأميركي بآخر قلاع المحافظين الجدد في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش فمؤهلات أبرامز السياسية والأيديولوجية تضعه في مصاف أكبر المحافظين الجدد الذين أثروا على إدارتي الرئيس جورج دبليو بوش الأولى والثانية وذلك على غرار ريتشارد بيرل وبول ولفويتز ودوغلاس فايث.

وبهزيمة وفرار أغلب هذه الأسماء من جراء السياسة الخاطئة والمعلومات المزورة الخاصة بمبررات شن الحرب على العراق والتي قامت بإعدادها هذه المجموعة وما رافق ذلك من فضائح وإستقالات فقد بقي أبرامز وحده قلعة صامدة يدافع عن تراث المحافظين الجدد وأفكارهم خاصة فيما يتعلق بواحدة من أهم قضاياهم وهي قضية الصراع العربي الإسرائيلي التي يبدو أن أبرامز هو أحد أهم المؤثرين فيها داخل الإدارة الأميركية منذ نهاية عام 2002 إضافة الى الدفاع المستميت لآخر لحظة عن سياسة بوش الحمقاء في الإصرار على إتباع النهج العدائي والإنتقامي في المشكلة العراقية.

 

إليوت أبرامز من مواليد 1949 وهو صهر نورمان بودهورتز أحد أهم مؤسسي تيار المحافظين الجدد  وهو زميل قديم لبيرل وفايث وغيرهم من رموز المحافظين الجدد  كما أنه ينتمي إلى أسرة يهودية أميركية ليبرالية وتحول في السبعينيات لليمين وأصبح مساندا لرونالد ريغان وعمل بإدارته كما هي حال أغلب المحافظين الجدد.

وقد أدين أبرامز في قضية إيران/كونترا التي باعت من خلالها إدارة الرئيس ريغان أسلحة لإيران واستخدمت عائدها بشكل غير قانوني لدعم متمردي الكونترا في نيكاراغوا بأميركا اللاتينية  وكان أبرامز أحد أبطال الفضيحة وأدين قضائيا بحجب معلومات عن الكونغرس..حيث أمضي عقد التسعينيات معزولا سياسيا يعمل في مراكز أبحاث يهودية أميركية تابعة للمحافظين الجدد  وعلى رأسها مشروع القرن الأميركي الجديد  وهو أبرز مشاريع المحافظين الجدد الفكرية.

 

وفوجئ الكثيرون بتعيين أبرامز بمجلس الأمن القومي الأميركي في ولاية جورج دبليو بوش الأولى تحت رئاسة مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس!!..  

 

 

وتشير تقارير صحفية إلى أن رايس أعجبت بعمل أبرامز كثيرا بسبب (خبرته الواسعة وقدرته على اتخاذ القرارت ووعيه الإستراتيجي)! الذي يمكنه من النظر إلى أكثر من خطوة للأمام!.

وتقول تلك التقارير إن رايس عندما انتقلت إلى وزارة الخارجية في ولاية بوش الثانية أرادت اصطحاب أبرامز معها ليكون مساعدا لها ولكنها خشيت معارضة مجلس الشيوخ ووسائل الإعلام بسبب خلفيته وإدانته في فضيحة إيران كونترا.لذا فضل الجميع إبقاء أبرامز في منصبه بمجلس الأمن القومي مع ترقيته وتوليه ملف نشر الديمقراطية الذي منحه الرئيس بوش أهمية كبيرة في ولايته الثانية خاصة في منطقة الشرق الأوسط بعد أن فشلت القوات الأميركية في العثور على أسلحة دمار شامل في العراق.

 

ويعزز من قدرة أبرامز على البقاء في منصبه إلتزامه الصمت والبعد عن الإعلام بقدر ما أمكن  وقد يعود ذلك إلى إرتباطه بفضائح سياسية سابقة ولكنه أمر عزز فيما يبدو بأسهمه لدى الإدارة الأميركية.

ففي الوقت الذي تعرض فيه أشخاص مثل ولفويتز وفايث وبيرل لانتقادات إعلامية كبيرة خاصة بسبب حرب العراق  وهي انتقادات ساهمت بدون شك في رحيلهم  بقي أبرامز خلف الستار يعمل في صمت.

لذلك كان من الصعب على وسائل الإعلام تتبع أخباره ومعرفة ما يفكر فيه والتنبؤ بمواقفه السياسية التي أثارت إنتقادات واسعة في الفرص القليلة التي تسربت فيها لوسائل الإعلام الأميركية خلال فترة عمله بإدارتي الرئيس جورج دبليو بوش.

 

ولعل من أبرز ما تسرب من معلومات تتيح التعرف على أفكار أبرامز وطريقة عمله تعود إلى كتاب كتبه في التسعينيات عن اليهود الأميركيين وبضع مقالات كتبها عن اليهود في السياسة الأميركية على موقع ديني أميركي يدعى بليف نت  ويبدو أبرامز في كتاباته واحدا من الأبناء المخلصين للأقلية اليهودية الأميركية  ناشطا في قضاياها  واعيا بهمومها ومؤسساتها وقياداتها.

وتتمحور أفكار أبرامز في هذا المجال في خشيته من تراجع أعداد اليهود الأميركيين وإنصهارهم في المجتمع الأميركي بفعل قوى العلمانية والتزاوج المختلط  ويطالبهم بمزيد من التركيز على التعليم الديني وزيارة إسرائيل لتقوية الروابط اليهودية ومقاومة قوى الذوبان.ويعبر عن انتقاده للتوجهات العلمانية واليسارية لليهود الأميركيين فهو يرى أن الإفراط في العلمانية أضعف الروابط اليهودية الدينية وأن الإفراط في اليسارية يضر بعلاقة اليهود الأميركيين بالحزب الجمهوري  وبالمسيحيين المتدينين المساندين لإسرائيل في الولايات المتحدة  خاصة أن أبرامز عبر عن انتقاده القوي للكنائس الليبرالية الأميركية التي تساند الفلسطينيين وتتعاطف معهم على حساب إسرائيل من وجهة نظره.

ويقول أبرامز في معرض تحديد أيديولوجية واضحة للتعامل مع الملف العربي الإسرائيلي الذي يهيء الظروف دائما لدعم مستمر ومتواصل لأسرائيل بقوله:

 

(إن إسرائيل دفعت ثمن وقوفها مع أميركا في الحرب الباردة  في حين وقف العرب مع الاتحاد السوفياتي مما جعل الكنائس الليبرالية تنظر إلى الفلسطينيين باعتبارهم حركة مقاومة ضد الاحتلال).

 

ويخاطب أبرامز اليهود الأميركيين بالتركيز على الطابع الديني المتعصب ويطالبهم بالانفتاح على الجماعات المسيحية المتدنية التي تؤمن بحق إسرائيل الديني في أرضها..ويروج بشدة في مطالبتهم  بالانفتاح على الحزب الجمهوري..  ويستبشر خيرا بإقبال الشباب اليهودي الأميركي على الإنخراط بالحزب الجمهوري.. ويضع إستنتاجا مباشرا الى ان هذا التيار سينهي سيطرة اليهود الليبراليين على يهود أميركا.

 

ويستمر الباحثين عن خفايا هذا العنصري الذي يستخدم الحيلة والكذب كنهج مشروع في عمله ودعوته حيث يذكر أحد التقارير المكتوبة عن أبرامز وخلفيته أن ليلى المرياتي التي عينت عضوا بلجنة الحريات الدينية الأميركية التي كان أبرامز أول رئيس لها شعرت بتحيز أبرامز حين رفض مصاحبة فريق من اللجنة إلى إسرائيل للبحث عن مشاكل الحريات الدينية هناك ..وإصراره الغريب على عدم وجود مشكلة حريات دينية بإسرائيل في وقت يعرف أصدقائها واعدائها عكس ذلك..في حين أنه زار السعودية ومصر وكاد أن يتسبب في أزمة دبلوماسية كبيرة بسبب تجاهله لأكبر قيادة دينية إسلامية في مصر لولا تدخل السفير الأميركي لدى القاهرة لإصلاح ما أفسده أبرامز.

 

في كتاباته التي ظهرت للعيان ينتقد أبرامز عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية وإتفاقات أوسلو  ويقول إنها لم تعد على إسرائيل إلا بالتنازلات التي أضعفت موقفها أمام العرب والفلسطينيين..ويحاول في كل كتاباته تمرير مايصفها  (بالحقيقة) من أن موقف الفلسطينيين وهو موقف لن يرضى بأي تنازلات إسرائيلية مهما كان حجمها  لأن هدف الفلسطينيين الحقيقي هو إزالة إسرائيل.

 

وكان أبرامز ينتقد دائما مواقف عرفات ..وقد رد على تنازلات إيهود باراك الكبيرة بانتفاضة الأقصى  ويرحب في مقالاته التي نشرها في أوائل عهد الرئيس جورج دبليو بوش بقدوم شارون إلى السلطة  ويقول إن شارون رجل يدرك أن السلام لن يقوم على أساس من التنازلات بل على أساس من القوة  وإنه قادر على أن يمنح الإسرائيليين الأمن من خلال مواجهة عنف الفلسطينيين بشد وحزم..كان أيديولوجيا متعصبا بصفة دبلوماسية ولا يؤمن بغير القوة وسيلة لتحقيق الأهداف!..

وكان أبرامز معارضا لعملية السلام واتفاقات أوسلو وتقول التقارير المختلفة التي نشرت عنه أن هذه المباديء هي من أساسيات تفكيره  وإن ذلك يعود إلى إيمانه القديم مثل عدد كبير من المحافظين الجدد بأن السلام يقوم على القوة وليس على أساس من التنازلات أو المفاوضات.

ويذكر المتابعون الهجوم الذي شنه أبرامز على كلينتون بسبب دبلوماسيته النشطة في مجالات مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية  حيث رأى أبرامز أن كلينتون كان يخاطر بأمن إسرائيل من أجل بناء مجده الشخصي قبل ترك الرئاسة الأميركية!..

وأبرامز من أشد المنتقدين لخارطة الطريق في بدايتها ورفض مبدأ الضغط على إسرائيل في أي حال من الأحوال!.. وكعادتهم في المناورة والتملص والكذب والتبرير عاد أبرامز وساند الخارطة وإتفاق أوسلو  بعد ما بدا له وللمتابعين في إسرائيل أن الخارطة لا تفرض سقفا زمنيا محددا وأنها تمنح إسرائيل الوقت والغطاء لتفادي الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها.

 

كان أبرامز رسول الإدارة الأميركية إلى إسرائيل والمنظمات اليهودية الأميركية.. حيث ينصت إليه بوش ويستبشر المسؤولون الإسرائيليون والقيادات اليهودية الأميركية برؤيته كما تذكر تلك التقارير أنه مرافق دائم لرايس في رحلاتها في المنطقة وأنه يتخلف عنها عادة ليبقى في المنطقة فترات إضافية لكي يتحدث مع المسؤولين الإسرائيليين ويقوم بترتيب الإتفاقات السياسية والتحضير للخطوات اللاحقة.

أن قوة أبرامز الإضافية تكمن بشكل أساسي في علاقاته القوية والمباشرة بأهم مستشاري شارون وإيهود أولمرت وبمستشاري نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني لعملية السلام والشرق الأوسط، والمتابع لتحركاته يلمس سفراته المتعددة ليلتقي مستشاري أولمرت ومن قبله شارون في أوروبا وأماكن أخرى ليستمع لرؤاهم ويطمئنهم  ويبقى خلال ذلك على اتصال بمستشاري تشيني لغرض التنسيق والتخطيط وتبادل وجهات النظر والتهيؤ للقرارات.

وقد فسّر الكثيرين تعثر العلاقة بينه وبين كونداليزا رايس الى طبيعة وعمق صلات أبرامز ونفوذه ومواقفه والتي جعلته أحيانا سبب إزعاج لكوندوليزا رايس خاصة خلال حرب إسرائيل على لبنان في صيف 2006 حيث وقف موقفا متشددا يطالب إسرائيل بإستمرار الحرب وتوسيعها لتصل إلى سوريا كما تشير بعض التقارير على عكس رايس التي كانت تشعر بالخسائر التي تكلفها الحرب لأميركا وسمعتها ومصالحها لدى الدول العربية ..وهذا التناقض في الرؤى جعل الإدارة الأمريكية في أحيان كثيرة تتخبط في تصريحاتها وفي تنفيذ المتفق عليه من خطوات.

وكانت علاقات أبرامز الوثيقة بالقيادات الإسرائيلية ووعيه بحقيقة مواقف الإدارة الأميركية  العامل الأساس الذي جعله يقف أحيانا موقف النقيض لبعض القيادات اليهودية الأميركية  حيث ساند خطة شارون للانسحاب الأحادي من غزة في الوقت الذي عارضتها فيه منظمات يهودية أميركية أخرى.

 

وكغيره من المتلونين والباحثين عن رضا الرئيس فقد ساند أبرامز سياسات الرئيس بوش في وقت عارضتها فيه منظمات يهودية أميركية  ويقول بعض المراقبين إن مواقفه السابقة أدت إلى غضب بعض المنظمات والقيادات اليهودية الأميركية منه وإعلان شكها في مواقفه ونواياه  والتساؤل حول ما إذا كان أبرامز قد تغير وإنحرف عن مبادئه . لكن مواقف أبرامز تلك لم تزعج مناصريه ومتابعيه الذين يعرفونه على حقيقته والمقربين منه من أمثال دانيال بايبس المعروف بمواقفه المتطرفة تجاه المسلمين والعرب الأميركيين ومنظماتهم وتجاه عملية السلام وحقوق الشعب الفلسطيني  حيث كان يقف في وجه منتقدي أبرامز مؤكدا لهم أنه :

( لا داعي للقلق عليه أو الإستغراب من مواقفه فهو يعرف جيدا ماذا يفعل وماذا يريد!)..

 

 

 

إلتحق أبرامز بإدارة بوش في عام 2002 مستشاراً أوّل لشؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض  ووفقا للأيديولوجيته الدينية السياسية فقد عمل على إعتماد سياسات تغييريّة في الشرق الأوسط شريطة جعل اسرائيل مركز الثقل في تلك المنطقة.

وأبرامز هو المسؤول مباشرة عن فشل الإدارة الأميركيّة في سياساتها الشرق أوسطية  وبالتحديد في جرّ اسرائيل إلى حربها على لبنان.. إنّ خطورة هذا الرجل تكمن في أنه يعتنق رؤية إيديولوجية للشرق الأوسط الجديد  شرق أوسط يدور في الفلك الإسرائيلي.. إن أبرامز هو  بحسب مدير مركز العلاقات الدولية في واشنطن توم باري:

(محافظ كرّس عمله  منذ السبعينيات  لإعادة صياغة السياسات الخارجية الأميركية)..

خلال ولاية بوش الأولى  كان أبرامز كبير مستشاري الرئيس لمنطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا  وقد صرّح في حديث له إلى (نيويوركر)  حينها بأنّه مسؤول عن منطقة تحوي (ثلثي محور الشرّ)!.. وهو بالطبع يقصد هنا كل من العراق وإيران !..

وخلال ولاية بوش الثانية  شغل أبرامز وظيفتين في البيت الأبيض: رئيس (إستراتيجيّة الرئيس لنشر الديموقراطية في العالم).. وكذلك نائب مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي. وعلى رغم كونه مسؤولاً عن مجمل السياسات الأميركية في الشرق الأوسط  فهو قد أعطى عناية خاصة للصراع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني رافضاً إعطاءه صبغة صراع (حقّ تقرير مصير).. معتبراً إيّاه صراعاً عربيّاً ـــــ إسرائيليّاً. وهو عادة ما يسبق أو يرافق وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في رحلاتها إلى الشرق الأوسط، حيث الوجهة الأساسية طبعاً هي القدس المحتلّة.

يعتزّ أبرامز بانتمائه إلى (المحافظين والريغانيين الجدد) وهو زوج ابنة كل من نورمان بودهوريتز وميدج داكتر  الثنائي النشط الذي أدى دوراً فاعلاً في تأسيس المحافظية الجديدة كتيار سياسي مؤثّر منذ السبعينيات من القرن الماضي. وكما كانت حال معظم المحافظين الجدد من الجيل الثاني  استهلّ أبرامز نشاطه السياسي عضواً في الجناح اليميني من الحزب الديموقراطي الأميركي ومستشاراً لصقور مجلس الشيوخ المقرّبين جداً من إسرائيل. وفي نهاية السبعينيات من القرن الماضي  عمل مع ديموقراطيّين آخرين من الجناح اليميني في (التحالف لأكثرية ديموقرطية) وهي كانت محاولة غير موفّقة  برأي طوم باري  لتحويل الأنظار عن هزيمة الديموقراطيين في حرب فيتنام نحو التشدّد في مواجهة الشيوعيّة  وبعد ذلك أصبح مع ديموقراطيين آخرين من داعمي الرئيس رونالد ريغان ومؤيديه خلال الحرب الباردة.

 


كان أبرامز يتابع نشاطاته في معاهد المحافظين الجدد وجماعات الضغط المؤثّرة بما فيها مركز السياسات العامّة وخصوصاً (
مشروع لقرن أميركي جديد) و(تجمّع لأجل عالم حرّ) و(مؤسّسة المقاومة النيكاراغوية).. ولكونه (ريغانيّ)  النزعة  خدم أبرامز في إدارة ريغان  في البدء سكرتير دولة لحقوق الإنسان وبعد ذلك سكرتيراً للشؤون الأميركيّة الداخلية. ومع احتلاله منصباً دبلوماسياً ساعد في إعطاء دعم غير قانوني لحركة (الكونترا) في نيكاراغوا  التي عُرف أعضاؤها في عهد ريغان بـ(مقاتلين من أجل الحريّة) وساهم في بيع الأسلحة إلى إيران بواسطة إسرائيل  وهي عملية غير قانونية نفى تورّطه فيها أثناء إدلائه بإفادته أمام لجنة التحقيق في الكونغرس.

 

وخلال عهد ريغان اعتُبر أبرامز صلة الوصل ما بين العسكريّين في مجلس الأمن القومي ودبلوماسيّي الإدارة. وقد عمل حينها في مكتب البيت الأبيض للديموقراطيّة العامة حيث كان دور هذا المكتب القيام بحملات دعائية لإقناع الرأي العام الأميركي بصوابيّة سياسات ريغان التدخّلية في أميركا اللاتينيّة والعالم.

قبل التحاقه بإدارة بوش الابن رأس أبرامز اللجنة الأميركية للحريات الدينية  وهي لجنة حكومية أسّسها رئيس الغالبيّة نيوت غينغريتش وتحالف المحافظين الجدد والمنظّمات المسيحيّة اليمينيّة. إلا أنّ إدارته لتلك اللجنة كانت شديدة التحيّز حيث رفض أبرامز بحسب ليلى ماراياتي العضو في اللجنة  أن تكون المملكة العربية السعودية ومصر ضمن زيارات اللجنة للشرق الأوسط  معتبراً أنّ إسرائيل بلد يحترم الحريات الدينية وهو أمر مستغرب نظراً إلى ممارستها سياسة التمييز العنصري والديني تجاه غير اليهود.

 

وانطلاقاًَ من هويّته (الريغانية) دافع أبرامز في التسعينيات عن وجهة نظره التي تقول بضرورة إعادة تجديد السياسة الخارجية الريغانية التي كانت تقوم على مبدأ (السلام من خلال القوّة) وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط. وفي عام 1992  ساهم أبرامز في تأسيس (لجنة المصالح الأميركية في الشرق الأوسط) وهي لجنة كانت تسعى في الحقيقة لجعل التطابق كاملاً ما بين السياسة الأميركية الشرق أوسطية وسياسات حزب الليكود الإسرائيلي. وقد ضمّت تلك اللجنة من بين أعضائها  كلاً من ريتشارد بيرل ودوغلاس فيث وفرانك غافني وجون ليهمان إلى جانب عدد كبير من المحافظين الجدد المقرّبين من الصقور ذوي الصلة الوثيقة بإسرائيل.

 

وقد عبّر هؤلاء عن قلقهم إزاء المسافة الخطرة الفاصلة ما بين إدارة بوش وإسرائيل بسبب ممارسة الإدارة الأميركية ضغوطاً على حكومة إسرائيل للانسحاب من بعض المناطق الفلسطينية المحتلّة ولإيقاف عمليات الاستيطان في تلك المناطق  وقد عبّروا عن رفضهم لسياسات بوش التي لا تتوافق بنظرهم  مع المصالح القومية الأميركية.

لقد كان أبرامز وهو العضو المؤسّس في (مشروع لقرن أميركي جديد) من الداعين لتغيير النظام في العراق. وفي عام 2000  وقد شارك في دراسة لفريق متخصص إنبثق عن مجموعتين هما (فوروم الشرق الأوسط) و(اللجنة الأميركية للبنان حرّ) والذي طالب الولايات المتحدة بنزع أسلحة الدمار الشامل من يدّ سوريا وفرض عقوبات عليها وإخراجها عنوة من لبنان.

وفي عام 2000 أيضاً  كتب أبرامز تقريراً عنوانه (الأخطار الراهنة) ليكون مسوّدة السياسة التي يجب على الرئيس بوش اتباعها. نقرأ في هذا التقرير ما يلي:

(إنّ قوّتنا العسكرية وإرادتنا وتصميمنا على إستخدامها سوف تبقى العامل الحاسم في قدرتنا على نشر السلام في الشرق الأوسط. إن تقوية إسرائيل  حليفنا الأساسي في المنطقة  يجب أن تكون من صلب سياساتنا الشرق أوسطية. ويجب ألا نسمح بقيام دولة فلسطينية إذا لم تقم تلك الأخيرة بتقديم الدعم العلني للسياسات الأميركية في المنطقة).. وفي الوقت نفسه  حذّر أبرامز إدارة بوش من السياسات المعتمدة قائلاً:

(إنّ المصالح الأميركية لا تكمن في تقوية الفلسطينيّين على حساب الإسرائيليّين  ولا تكمن أيضاً في التخلّي عن أهدافنا لناحية نشر الديموقراطية وتعزيز حقوق الإنسان  أو عدم إعطاء الأولوية لتحقيق أهدافنا السياسية والأمنية تحت حجّة إنجاح عملية السلام العربية ـــــ الإسرائيلية)..

 

لذلك نرى أبرامز يقدّم المصالح الأميركية والاسرائيليّة على أي اعتبار آخر  رافضاً تقديم التضحية لإنجاح عملية السلام معتبراً تلك الأخيرة (وهماً) وداعياً الأميركيين اليهود للخروج منه.

وفي كتاباته في الـ(كومنتري).. وهي مجلّة تابعة للمحافظين الجدد في اللجنة الأميركية ــــــ اليهودية  أعلن أبرامز صراحة دعمه لمواقف صقور الجناح اليميني في حزب الليكود الإسرائيلي  بما فيها مواقف كل من بنيامين نتنياهو وآرييل شارون  معلناً رفضه معادلة (الأرض مقابل السلام) كأرضية تفاوض مع الفلسطينيين معتبراً اتفاقيات أوسلو (وهماً) ومنتقداً في الوقت نفسه سياسة تقديم الحكومة الإسرائيلية (التنازلات)للفلسطينيّين.

وقد ذهب أبرامز أكثر منذلك بدعوته وهو الذي يعيش عدد من أفراد عائلته في إسرائيل  الولايات المتحدة إلى الاعتراف صراحة بسيادة دولة إسرائيل على القدس من خلال نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس.

ولأبرامز قناعة راسخة وهي إن السلام في الشرق الأوسط، سوف يأتي نتيجة القوّتين العسكرية الأميركية والاسرائيلية!.. وقد  كتب في شباط 2000 ما يلي:

(بعد مرور عقد من إيهام وخداع الذات  يجب على اليهود الأميركيّين أن يعوا الحقيقة: إنّ الزعيم الفلسطيني لا يريد إقامة السلام مع إسرائيل)!..

 

وفي معرض انتقاده المنظّمات الأميركية ــــــ اليهودية الداعمة لعملية السلام  كتب أبرامز:

(إن سنوات الضغط الأميركي على إسرائيل يجب أن تنتهي)..  

وبعيد انتخاب شارون رئيساً للوزراء  كتب أبرامز:

(إن شارون يجسّد مقاربة جديدة تتميّز بالصرامة والمقاومة في مواجهة العنف والتهديد الفلسطينييّن)..

وقد ذهب أبرامز الى حدّ تشبيه عودة شارون إلى رئاسة الحكومة الاسرائيلية بعودة ونستون تشرشل إلى رئاسة الحكومة البريطانية عندما كانت بريطانيا العظمى تتعرّض للتهديد الخارجي.

ومن الجدير بالذكر إنّ آراء أبرامز لا تتوقّف عند حدود العلاقات الأميركية ــــــ الإسرائيلية  بل تتعدّاها إلى القضايا الدينية ومسائل الهوية الوطنية ليهود الولايات المتحدة. وباعتباره انفصالياً متطرّفاً  يجادل أبرامز في أنّ على اليهود الامتناع عن إرسال أولادهم الى المدارس التي يرتادها غير اليهود. وبحسب أبرامز  يجب على اليهود خارج اسرائيل رفض الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها والامتناع عن الاختلاط بغير اليهود  مبرّراً ذلك بالعقد المبرم ما بين الله والنبي إبراهيم!.
وعلى رغم إطلاقه تلك المواقف المتشدّدة ينفي أبرامز أن تكون مواقفه تلك (
قليلة الوفاء) للولايات المتحدة كما يحلو للبعض من منتقديه القول مبرّراً ذلك بأنّ على اليهود البقاء أوفياء لإسرائيل بسبب العقد المبرم بينهم وبين الله وأرض إسرائيل وشعبها.

 

 

وعلى الرغم من القناعة الكاملة لدى كل الإدارة الإمريكية وفي كل مفاصلها بأهمية وضرورة دعم إسرائيل المطلق إلا ان هناك من يريد دعما يتخطى كل حدود المناورة السياسية التي تقوم بها الإدارة الأمريكية أحيانا وهذا ما يؤيده المحافظون الجدد  في سياسة بوش  الذي يقدم الدعم الكامل الى إسرائيل في وقت ينتقدون رايس بشراسة ويتهمونها بإتباع سياسة مهادنة بذلك. إن الذي يقود

حملة الانتقادات تلك لوزيرة الخارجية الأميركية  ليس سوى ريتشارد بيرل الذي عمل مع أبرامز منذ السبعينيات  إضافة إلى دوغلاس فيث. وهكذا تتعرّض رايس لهجوم دائم من بيرل في صحيفة (واشنطن بوست) التي رصّت صفوف المحافظين الجدد في مواجهة رايس. وقد جاء في مجلة (إنسايت) في تمّوز من عام 2006 أنّ حلفاء الرئيس بوش من المحافظين الجدد في مجلس الأمن القومي  قد ثاروا على وزيرة الخارجية التي اعتبروها غير كفوءة وغير مؤهّلة للتعامل مع قضايا الشرق الأوسط  وذهبوا الى حدّ اتهامها بقلب أولويات إدارة الأمن القومي الأميركي في مجال السياسة الخارجية الأميركية.

ومن أخطر الإنتقادات ما يذهب إليه صقور المحافظين الجدد من أمثال نيوت غينغريتش وويليام كريستول اللذين أجمعا على القول إن إيران قد إستفادت من قلّة خبرة رايس وعدم كفاءتها كما من سياسة (التهدئة) المعتمدة من قبلها.

إنّ تعاون أبرامز مع رايس  خلال عمله تحت سلطتها في مجلس الأمن القومي خلال ولاية بوش الأولى  وأخيراً كأهم مستشاري الإدارة في قضايا الشرق الأوسط  قد طرح أسئلة وشكوكاً لدى المحافظين الجدد بصدد صفاء التوجّه الإيديولوجي لأبرامز. فحين أعلن شارون إرادته الإنسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة  تعرّض لانتقادات حادّة من كل من المحافظين الجدد  الصهاينة المسيحيّين ومتطرّفي مجلس الأمن القومي إلى جانب متطرّفي حزب الليكود كرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو  فيما أعلن أبرامز تأييده لخطوة شارون تلك.

 

ومن جانب آخر فإن المقرّبين من أبرامز لم يشكّوا مطلقاًَ في توجّهات أبرامز. ففيما بدأ بعض المحافظين الجدد بالتساؤل عما إذا كان أبرامز قد استسلم لـ(المحافظين المعتدلين) مثل رايس والفريق الحكومي الداعي لاعتماد سياسة (التهدئة)  دافع كل من سكرتير وزارة الدفاع دوغلاس فيث وعضو (فوروم الشرق الأوسط) دانيال بايبس  عن أبرامز  (لكون أبرامز يعمل دائماً لخدمة مصالح إسرائيل).

وخلال عمله في إدارتي كل من ريغان وبوش الابن برهن أبرامز عن قدرته على تسويق أجندة سياسته الراديكالية في كل مفاصل إدارات السلطة التنفيذية الأميركية. وانطلاقاً من تاريخه الطويل في خدمة مصالح إسرائيل داخل الإدارة الأميركيّة وإنتمائه إلى جماعة المحافظين الجدد ركّز أبرامز دوماًَ على اعتماد سياسة براغماتية لتسويق أجندته بدل اتخاذ مواقف إيديولوجية متسرّعة. وكما اعتبر أحد كبار موظفي الإدارة  فإنّ عبقرية أبرامز تمكّنه من خدمة إسرائيل بشكل دائم ومتواصل.


وأعتمدت كونداليزا رايس  على أبرامز بإعتبارها مبتدئة في قضايا الشرق الأوسط (
حين كانت مستشارة الأمن القومي خلال توليها منصب وزيرة خارجية) وبإعتباره ذا خبرة كبيرة غير مشكوك فيها في قضايا المنطقة. وقد قال أحد أصدقاء رايس في (نيويوركر)  إن تلك الأخيرة لا ترى في أبرامز مجرّد مدير جيّد بل أيضاً إستراتيجي جيّد يتمتّع برؤية شاملة وشخص (يمكنه إدارة اللعب الخطر)!. بكلام آخر  يُعتبر أبرامز محافظاً جديداً ذا رؤية إيديولوجية قادراً من موقعه في الإدارة على تحويل الأيديولوجيا إلى إستراتيجية وسياسة قابلة للتنفيذ. من هنا تكمن أهميته لا بل خطورته في إطار إدارة ملف الشرق الأوسط والصراع العربي ــــــ الإسرائيلي. فلكونه إيديولوجياً متعصّباً في خدمة إسرائيل  يذهب أبرامز إلى إعتماد سياسات خطرة قد تشعل المنطقة. من هنا يطرح السؤال المحوري التالي:

هل رؤية أبرامز الثاقبة تلك ومؤهّلاته لتحويل الإيديولوجيا الى استراتيجيا  سوف تخدم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة أم ان إيمانه الديني مسخر لخدمات اخرى؟..

 

 

نلاحظ وانطلاقاً من عمله المزدوج مسؤولاً عن خطّة البيت الأبيض لنشر الديموقراطية حول العالم ونائب مستشار في مجلس الأمن القومي ..كيف تمكن وبمسؤوليته لهذين المنصبين وبشخصية أبرامز ان يوفّر مناخ وظروف وصلاحيات وإمكانيات لإمكانية تطبيق أفكاره الراديكالية في مجال (الحملة الصليبية الديموقراطية الأميركية)!.. لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط مع ضمان موقع إسرائيل المحوري والمركزي فيها.

واليوم يتوضح لهؤلاء الصقور من امثال أبرامز وغيره في إدارة بوش  أن استراتيجيتهم في نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط واعتماد سياسة (السلام من خلال القوّة)  هي سياسات إيديولوجية باءت بالفشل.

وفي إطار عمله داخل البيت الأبيض ضمن تسمية (الثورة الديموقراطية العالميّة) حاول أبرامز تنظيم لقاء في واشنطن للمعارضين الإيرانيين وفي اليوم نفسه أرسل موفدين إلى المنظمات اليهودية مطمئناً إيّاها بشأن دعم الإدارة الأميركية المطلق لإسرائيل!. إلا أنّ معظم المدعوين الإيرانيين رفضوا حضور اللقاء معتبرين أنّ التدخّل الأميركي في القضايا الإيرانية يضعف من قدرتهم على نشر الديموقراطية في بلادهم. وقد رفض المعارض الإيراني المعروف أكبر غانجي دعوة البيت الأبيض للقاء  معتبراً أن لقاءات كتلك تفقد المعارضة الإيرانية مصداقيّتها. وفي خطاب له في واشنطن اعتبر غانجي أنّ حرب العراق قد ساهمت في تضخّم حجم الحركات (الأصولية الإسلاميّة) وفي الوقت نفسه أعاقت تقدّم المسار الديموقراطي في الشرق الأوسط.


إنّ رؤية (
السلام من خلال القوة) في المنطقة وضمان أمن اسرائيل قد أثبتت فشلها وبُعد واضعيها عن الواقع.

وقال أنه بدل التخلّص من النظام المعادي لإسرائيل والولايات المتحدة  فإنّ غزو العراق المدعوم من أبرامز وإيديولوجيين آخرين من فريق المحافظين الجدد قد أوجد أرضيّة جديدة لعمل المجموعات (الإرهابيّة) العابرة للحدود  وأدّت إلى نشوء دولة قد تنضمّ للمحور المناهض لإسرائيل في المنطقة (في ظلّ النفوذ الطاغي لإيران داخل العراق). وفي الوقت نفسه فإن الحملة الاسرائيلية  المدعومة أميركياً لمطاردة (الوحوش)! حسب تعبير المحافظين الجدد  كحزب الله وحركة حماس إضافة إلى إيران وسوريا  إنّ تلك الحملة قد تعيد تشكيل الشرق الأوسط وخلق شرق أوسط جديد  ولكنه شرق أوسط سوف تكون فيه إسرائيل أقلّ أمناً والولايات المتحدة مكروهةً أكثر.

وحول المشكلة اللبنانية.. وعلى الرغم من إن اللبنانيين يعرفون المسؤولين الأميركيين جيداً فقد طمأن  جورج بوش اللبنانيين الى نفاد صبره من الرئيس بشار الأسد ولم يعد يريد سماع اسمه!.  لا مجال لأي حوار بين واشنطن ودمشق!. وإن إدارته موحدة في هذا التوجه. لا مجال للقول إن فيها صقوراً يأتمرون بأمر نائبه تشيني وحمائم موالين للوزيرة رايس. وهكذا أرسل بوش الى بيروت مساعد وزيرة الخارجية ديفيد ولش ونائب مستشار الأمن القومي إليوت أبرامز في كانون اول 2007 .

 

وفي كانون الثاني (يناير) عام 2006 زار أبرامز بيروت. جاء ليطلع على انجازاته وقد تحققت. جاء ليشهد على تحقق حلمه بتحول لبنان من بلد مؤيد لحقوق الفلسطينيين ملتف حول المقاومة الى بلد تعمه الفوضى. يومها أيضاً جاء مع ولش ليؤازر أصدقاءه. ويبرر العدوان الاسرائيلي ويشدد على أن الدولة العبرية لم تهزم في حرب تموز (يوليو). ويسمع ردحاً في (سلاح الغدر). ولم يكن أحب الى قلبه من سماع هذه العبارة التي تعني أن اسرائيل كانت على حق.

بعد عام تماماً عاد ابرامز الى بيروت مع ولش  مضطلعين بالمهمة ذاتها:

 

شد عزيمة الأصدقاء. والوقوف الى جانبهم  اذ كاد تحالفهم ينتهي  بعدما اكتشف وليد جنبلاط السر خلال رحلته الى واشنطن فعاد الى بيروت ليعلن تراجعه عن كل مواقفه السابقة خوفاً من صفقة أميركية - سورية على حساب 14 آذار (وللحفاظ على المكاسب التي حققها التحالف، طالما أن الهزيمة وقعت وكي لا نتنازل عن المزيد ولصون المقاومة)!.

عاد أبرامز الى بيروت ليحتفل بانتصاره مرة أخرى. ليتأكد أن لبنان على حافة الهاوية. وجوده بين الأصدقاء المخلصين يكفي كي يكون هذا الاستنتاج صحيحاً فكيف اذا اقترن ذلك بنفاد صبر بوش من الأسد؟ ..

يجري كل ذلك في وقت تدور في أوساط وزارتي الخارجية والدفاع وفي البيت الأبيض مناقشات حيال المساعدات العسكرية التي ينبغي تزويد الجيش اللبناني إياها في المرحلة السياسية الجديدة  وتتقاطع وجهات النظر المختلفة  والمتعارضة أحياناً  بإزاء نوعية السلاح الذي يمكن إعطاؤه للجيش وسط معلومات تحدّثت في خضم هذه المناقشات عن اقتراح تزويده طوافات عسكرية اصطدم برفض إليوت أبرامز وتحبيذه عدم رفع مستوى المساعدات العسكرية إلى مثل هذا النوع من السلاح المتطوّر!.

 

 

لقد جرت رياح الديمقراطية المشبعة برطوبة حرب العراق العالية على الرغم من مناخ العراق الجاف بما لا تشتهي سفن المحافظين والصقور ..

هذه الرياح التي حملت معها مآسي هذه الحرب المفروضة على الشعبين العراقي والأمريكي بإرادة متعصبين من امثال أبرامز!..

لقد توجه الناخبين الأمريكان الى صناديق الإقتراع مصممين على هزيمة المحافظين وصقورهم الذين مرغوا امريكا بوحل الهزيمة والعار..

 

 

وهذه الأيام يتنهد أليوت أبرامز مؤملا نفسه بشيء يقوم به بوش قبل نهاية ولايته بقوله:

 

( من الصعب التكهن  ولكن الرئيس بوش مازال الرئيس الفعلى حتى 20 يناير -كانون الثانى-  2009 ولقد فتح الرئيس ريغان علاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية فى نهاية 1988 وبعد إنتخاب رئيس جديد )!..

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٠٤ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٠٢ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م