فاز أوباما .. وخسِرَ الفاشل بوش !..
نهاية حقبة حكم رئيس كاذب وقاتل ومجرم ..
لعنة العراق تلاحقهم ..
جون بولتون .. مخادع ومغرور وفض وعدواني وسلعة فاسدة ..
''حاكم العالم'' الذي إنهار كضحية جديدة قبل أوانه

 ﴿ الحلقة التاسعة عشر ﴾

 

 

شبكة المنصور

الدكتور محمود عزام

في عام 1994 وفي احد الإجتماعات..قال جون بولتون الذي شغل منصب المندوب الأمريكي الدائم في المنظمة الدولية لاحقا جملته الشهيرة :

 

( لو فقد مبنى الأمم المتحدة في نيويورك عشرة طوابق  من طوابقه  لما أثر ذلك قيد خردلة.. (لأنه) لا يوجد شيء إسمه الأمم المتحدة )!!..

وقوله أيضا :

( إن الأمم المتحدة بحاجة إلى الولايات المتحدة  لتعيدها إلى الصواب.. ويجب أن تركز إهتمامها أكثر على تجاوزات حقوق الإنسان  وعلى مكافحة الإرهاب الدولي)!..

 

في 19 شبط 1998 وجه ريتشارد بيرل وعضو الكونغرس السابق ستيفن سولارز رسالة مفتوحة إلى كلينتون مطالبين فيها بحملة عسكرية شاملة تقودها الولايات المتحدة نحو (تغيير النظام) في بغداد!..وتضمنت الرسالة المخطط العسكري الفاشل والخطير لقلب النظام الوطني في العراق والذي تم نشره في تلك الرسالة المفتوحة والذي تم إحياؤه لاحقا من قبل شبكة ريتشارد بيرل من (الصقور الجبناء) في مكتب وزير الدفاع.. وقد تم رفض الرسالة في حينها بشكل مباشر من قبل قيادة أركان الجيش وكان من بين الموقعون الأصليين على رسالة بيرل- سولارز المفتوحة الموظفون في إدارة بوش الصغيرالحالية التالية أسماؤهم:(إليوت أبرامز - مجلس الأمن القومي)، (ريتشارد أرميتاج - وزارة الخارجية)، (جون بولتون - وزارة الخارجية)، (دوجلاس فيث - وزارة الدفاع)، (فريد ايكل - مجلس الدراسات الدفاعية)، زالماي خلي زادة - البيت الأبيض)، (بيتر رودمان - وزارة الدفاع)،(دونالد رامسفيلد- وزير الدفاع)، (بول وولفوويتز - وزارة الدفاع)، (ديفيد وورمسير - وزارة الخارجية)، (دوف زاكايم - وزارة الدفاع). وقد رفض كلنتون دعوات الحرب هذه في فبراير 1998 مسببا لكل من توني بلير ونتنياهو نوبات غضب هستيرية.. وإستمرت محاولاتهم والتي أدت الى رفض كلينتون مجددا في تشرين ثاني 1998 مطالب بلير ونتانياهو الداعية إلى الحرب ضد العراق.. ولكن عاد الرئيس كلنتون وتحت ضغط الهجمة الداعية إلى إقالته (على خلفية فضيحة مونيكا لوينسكي) وإستسلم في النهاية وأعطى تفويضا بشن عملية ثعلب الصحراء في كانون أول 1998 بينما كان عائدا من إسرائيل على متن طائرة الرئاسة الأمريكية ولكن حملة القصف ضد العراق لم تقضي على نظام الرئيس صدام حسين وبقيت القضية معلقة ومقلقة لهذا اللوبي لمدة ثلاثة سنوات الى أن حانت الفرصة لإثارة الموضوع بعد 11 سبتمبر 2001..وكان بولتون  قد تم تعيينه مساعدا لوزيرة الخارجية مكلفا بمسائل نزع الاسلحة في  أيار  2001. وما رافق ذلك من أحداث..

 

وفي ايلول/سبتمبر 2002 دافع بولتون عن فكرة شن هجوم وقائي ضد العراق. وقال آنذاك :

(إن واقع سعي الرئيس الأميركي الى إستصدار قرار جديد في مجلس الأمن الدولي مسألة قرار سياسي وبالتاكيد ليس ضرورة قانونية)..

 

وقد وقّع جون بولتون أيضا الرسالة التي وجهت في أيار/مايو 2002 الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان والتي نصت  على وقف مشاركة الولايات المتحدة في المحكمة الجنائية الدولية.

ووصف المسؤول السابق في وزارة الخارجية كارل فورد المخادع جون بولتن بانه : ( يتملق للمسؤولين عنه ويعامل الموظفين التابعين له بقسوة)..وأخذ عليه إنه قام بتهديد ثم بمحاولة طرد أحد المحللين لسبب وحيد إنه كان يعارضه الرأي حول موضوع الترسانة الكوبية!..

 

جون بولتون يوصف في واشنطن بأنه أحد المفكرين السياسيين الذي (يحلل الحرام.. ويحرم الحلال).. وأنه لو لم يتقلد المناصب الرسمية في أمريكا لكان من أشهر وأكبر زعماء المافيا في العالم..ويشتهر بولتون بالتحيز بشدة لليهود وتوجهاتهم في العالم مهما كانت المبررات والدوافع  إذ كان عضواً في المجلس الاستشاري للمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي.. وخدم في الإدارات الأمريكية المختلفة موظفاً بإمتياز لتنفيذ المصالح الإسرائيلية والصهيونية .

وجون بولتون.. إسم مثير للجدل داخل أروقة السياسة في أمريكا وخارجها ويراه الكثير من الجمهوريين شخصية حازمة تحتاجها الولايات المتحدة لدعم حملتها العالمية للإصلاح في الأمم المتحدة والدول المنضوية تحت لوائها في حين يراه خصومه أحد صقور اليمين المحافظ  ورمزاً لسياسة جورج بوش المتشددة  والتي جلبت الكثير من  الأعداء .

 

وهو أيضاً أحد أبرز زعماء اليمينيين في الإدارة الأمريكية  وتطارده الاتهامات بالعدوانية والغرور والفظاظة.

وكان بولتون قد عين سفيراً بالأمم المتحدة في يوم الاثنين 2-8-2005 رغم إحتجاجات الديمقراطيين والبعض من الجمهوريين من أعضاء مجلس الشيوخ الذين يزعمون إنه سيضر بمصداقية الولايات المتحدة حيث نجح بوش في تعيينه ـ حينها ـ مستخدما صلاحياته دون الحاجة إلى التصويت في مجلس الشيوخ متجاوزاً بذلك المجلس الذي كان مشرعوه في عطلة صيفية ومتفادياً أيضاً عدم تصديقهم الأمر الذي أثار غضب أعضاء المجلس القلقين بشأن حدة طباع بولتون وقيامه بترهيب محللي المخابرات أثناء عمله في وزارة الخارجية.

 

وأعلن بوش قراره في مراسم مقتضبة بغرفة روزفلت بالبيت الابيض حيث وقف بجانبه بولتون ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس وقال بوش :

 

(هذا المنصب اكثر اهمية من ان يترك شاغرا مزيدا من الوقت وخصوصا خلال حرب ومناقشة حيوية بشأن اصلاح الامم المتحدة. لذا فقد استخدمت اليوم سلطاتي الدستورية لتعيين جون بولتون سفيرا لامريكا في الامم المتحدة)..

وتجاوز بوش عملية التصديق التي يقوم بها مجلس الشيوخ بعد أن اصبح واضحا إنه لن يستطيع التغلب على الديمقراطيين الذين عطلوا تعيين بولتون عدة أشهر بسبب إتهامات بأنه حاول التلاعب في تقارير للمخابرات وتخويف محللين بالمخابرات لدعم مواقفه المتشددة بصفته أرفع دبلوماسي أمريكي مكلف بملف الحد من التسلح وقال بوش :(عقد مجلس شيوخ الولايات المتحدة جلسات مستفيضة للتصديق ويوافق غالبية أعضاء مجلس الشيوخ على أنه الرجل المناسب للوظيفة. ولكن بسبب أساليب حزبية من جانب قلة من أعضاء المجلس لتأخير العملية حرم جون ظلما تصويتا يستحقه على قبول أو رفض ترشيحه)..

 

وعين بوش بولتون بمرسوم رئاسي مستفيدا من ثغرة تسمح له بمثل هذه التعيينات عندما يكون الكونغرس في عطلة. ووصف السناتور الديمقراطي ادوارد كيندي قرار بوش بأنه: ( إساءة إستخدام للسلطة ) وقال : ( انها مناورة خادعة تستهدف تفادي الإجراء الدستوري بموافقة مجلس الشيوخ ولا تؤدي الا الى زيادة قتامة السحابة التي تظلل مصداقية السيد بولتون في الامم المتحدة)..وكان بوش قد أصر على أن بولتون شخص مؤهل لمواصلة الإصلاحات في الامم المتحدة ويريد أن يعينه في المنصب للإستعداد لإجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ ايلول من ذلك العام وقال بوش: ( إنني أوفد السفير بولتون الى نيويورك مع ثقتي التامة)..وبعد أن تحدث بوش تقدم بولتون وقال إنه مستعد للعمل دون كلل واضاف (ستكون فرصة فريدة أن اكون مدافعا عن القيم والمصالح الامريكية في الامم المتحدة والعمل على حفظ السلم والامن الدوليين حسب تعبير ميثاق الامم المتحدة)..

 

ووصف السناتور كريستوفر دود وهو من كبار الأعضاء الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بولتون بأنه (سلعة فاسدة).. وقال لتلفزيون فوكس نيوز صنداي : (سيكون هذا أول سفير لدى الأمم المتحدة منذ عام 1948 نرسله بمرسوم رئاسي. ليس هذا من تريد أن ترسله.. شخص لا يحظى بثقة الكونغرس)!..

 

وقد نقلت مجلة نيوزويك في مايس 2005 عن مسؤول سابق في إدارة بوش قوله : ( إنّ وزير الخارجية البريطاني جاك سترو إشتكى من بولتون لدى وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول في نوفمبر/تشرين الثاني 2003 ).وقالت المجلة إنّ سترو إعتبر أنّ بولتون كان يمثّل عائقا أمام التوصّل لاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي.وأضافت أنّ سترو طلب من الإدارة الأمريكية عدم إشراك بولتون في المفاوضات.وأوضحت أنّ سترو طلب أيضا عدم إشراك بولتون في المفاوضات التي أدّت إلى موافقة ليبيا على الكشف عن برنامجها النووي.وكان بولتون يعارض وفقا للصحيفة، أي اتفاق مع ليبيا.

 

وكان بوش قد فرغ من الأمر دون أن يأبه بالرسالة التي بعث بها إليه ستة وثلاثون من أعضاء الكونجرس في سابقة لم تتكرر كثيرا في علاقة الرئاسة الأمريكية بالكونجرس وقد مَثَّلت محوراً ساخناً بين جمهوريين لم يروا في التعيين سوى مكافأة وظيفية لمن ساندوا الرئيس في الفوز بفترة ثانية بينما أكد الديمقراطيون أن الأمر أبعد من ذلك بكثير.

 

ورأى المراقبون ـ في حينه ـ أن الدافع والغاية من وراء هذا التعيين كان إبراز العصا أمام كل من يفكر في عرقلة المشاريع الأمريكية من خلال المنظمة الدولية .. في حين اعتبره آخرون تعيين عقائدي ورغبة من بوش في إرضاء قاعدته السياسية حيث كان المحافظون الجدد قوة فاعلة داخل هذه الإدارة ولبولتون الكثير من الأنصار.

 

ولحقت بالمندوب الأميركي صفات أخرى فالديموقراطيون وصفوه بـ(البلطجي) الذي يحظى بتاريخ من تعنيف وتوبيخ من يعملون معه والسعي لإبعادهم إذا كانوا يختلفون معه في التقييم والرأي. واتهمه زملاؤه بإساءة معاملة مرؤوسيه وتعليقاته السلبية إزاء الأمم المتحدة باعتبارها مسؤولة عن تنفيذ القانون الدولي في ما يتعلق بالحرب والسلم.


وكان
بولتون من أشد المتحمسين للعلاقات الأميركية الإسرائيلية، ودافع مرات عديدة على دعم الولايات المتحدة لبرامج تعاون أميركية إسرائيلية والتزامها بتمويل مشاركة أميركية في مشاريع الأبحاث والتطوير. وعمل على إضافة سوريا وليبيا وكوبا إلى الدول التي يجب محاربتها بعد العراق. وساهم في تمرير القرارات المناهضة لسوريا في مجلس الأمن.وكان إصرار بوش على تعيين بولتون قد جاء في لحظة كان مشروعه الإمبراطوري في أوجه طبقاً للقانون الأميركي وليس القانون الدولي وطبقاً للتفسير الذي يقدمه متطرفو المحافظين الجدد.

 

في 4/12/2006  أعلن بوش قبوله إستقالة بولتون (مضطراً)  بعد أن رفض مجلس الشيوخ الطلب الذي تقدم به بوش لقبول إستمرار بولتون في منصبه لفترة جديدة  كسفير لبلاده في الأمم المتحدة. حيث قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، دانا بيرينو:

 

( إن الرئيس قبل ـ على مضض ـ ما أسمته (قرار بولتون ترك منصبه في الأمم المتحدة)).. زاعمة أن جورج بوش (فوجئ) بتقديم بولتون خطاب إستقالته بعد أن وصفه أعضاء جمهوريون بأنه (غير مناسب للمهمة) .

 

وقد تخلى بوش عن بولتون بعدما تأكد أن الحرب على العراق التي مثّلت بداياتها تألق المشروع الإمبراطوري الأميركي كانت قد بدأت أيضا مع تعاظم الخسائر الأميركية في العراق إلى جانب انهيار مشروع (الشرق الأوسط الكبير) وفشل (نشر الديموقراطية الأميركية) في المنطقة.وساهمت هذه الملفات في دق المسامير في نعش (المشروع الإمبراطوري الأميركي)..

وكانت خطوة بوش تلك محاولة لتجميل صورة الولايات المتحدة في العالم التي كان يقدمها السفير الأكثر تشددا في مجلس الأمن الذي وصفه المراقبون السياسيون سابقا بأنه (حاكم العالم) حيث كانت بصماته واضحة على مواقف الإدارة الأميركية وسياساتها ضد العراق وفلسطين ولبنان والسودان وأفغانستان وكوريا الشمالية وسوريا وغيرها إضافة لدوره السابق في تهيئة الرأي العام الدولي للقبول بوجود أسلحة دمار شامل وهمية في العراق.

 

ورأى مراقبون سياسيون أمريكيون أن على بوش التخلي عن بولتون المعروف بشراسته  وتركه يبحث عن وظيفة أخرى! وهو أمر لن يكون صعباً بمساعدة أصدقائه وهم كثر ..وإن بولتون لن يستحق أن يضحي بوش من أجله بإمكانية التعاون مع الأغلبية الديمقراطية خلال الفترة المتبقية من حكمه.

 

وتعد استقالة بولتون بمثابة حلقة أخرى في مسلسل التنازلات الاضطرارية التي لجأ إليها بوش في أعقاب النصر الذي حققه الديمقراطيون وإنتزعوا به السيطرة على أغلبية المقاعد بمجلسي النواب والشيوخ. وبولتون هو المسؤول الثاني في إدارة بوش الذي يغادر موقعه ـ في أعقاب ضغوط  نتائج وملابسات حرب إدارة بوش العدوانية على العراق ـ بعد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وكان قد واجه خلال فترة عمله بالأمم المتحدة حملة إنتقادات ورفض واسعة من جانب عدد كبير من أعضاء الكونجرس  سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين. حيث يُتهم ـ وهو المعروف بانتقاداته اللاذعة للأمم المتحدة ـ بممارسة ضغوط غير مقبولة على صغار الموظفين ومحاولة تشويه معلومات إستخبارية وتطويعها لوجهات نظره.

 

ويذكر العالم أنه بعد يومين من إعلان مسئولين في وزارتي الدفاع بكوريا الشمالية والجنوبية في نهاية أيلول 2006 من أن السلطات العسكرية في كلا البلدين اتفقتا على استئناف المحادثات بينهما على الصعيد العسكري في أول اتصال من نوعه بين الطرفين منذ مايو الماضي عندما ارتفعت وتيرة التوترات بينهما بعد أنسحاب  كوريا الشمالية من المفاوضات السداسية حول برنامجها النووي في العام الماضيومطالبتها واشنطن برفع العقوبات المالية والاقتصادية المفروضة ضدها، وهو الأمر الذي أيدته كوريا الجنوبية.. حث جون بولتون من موقعه في الأمم المتحدة على مواجهة تهديد كوريا الشمالية بعد أن أعلنت إجراء اختبار نووي مؤكدًا أنه سيكون تهديدًا خطيرًا للسلام العالمي والأمن.ووفقًا لشبكة (ألرت نت) قال بولتون قبل فترة وجيزة من مشاورات مرتقبة بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن: (من الواضح أن الصواريخ الباليستية الكورية الشمالية إذا ارتبطت بالأسلحة النووية، فستكون تهديدًا خطيرًا جدًا على السلام العالمي والأمن الدولي ولابد من تحرك قوي وسريع في مجلس الأمن لإدانة هذه التجارب الصاروخية الباليسيتية الكورية الشمالية)!..

 

درس جون بولتون المولود في 20 نوفمبر 1948 القانون في جامعة ييل الأمريكية وأصبح أحد كبار ومشهوري المحامين بعد ذلك حيث مارس العمل المهني في المحاماة واشتهر بقدرته على إيجاد الثغرات في القوانين والأنظمة وكيفية التحايل عليها..وهذا  ماقام به بدعم الحملات الانتخابية للجمهوريين عن طريق الالتفاف على القوانين والأنظمة مما مكّنه من استخدام أموال غير مشروعة لدعم الصقور الأمريكيين. وتولى عدة مناصب حكومية خلال عهد رونالد ريغان وجورج بوش الاب. وفي وزارة الخارجية الاميركية كلف بشؤون العلاقات مع المنظمات الدولية (1989-1993). وقبل ذلك عمل في وزارة العدل (1985-1989) ولدى الوكالة الاميركية للتنمية (يو اس ايد) بين 1981 و 1983.

 

 ويعرف عن بولتون أنه من المحتقرين للقانون الدولي والذي أكسبه (شهرة كتلك الشهرة التي إكتسبها بول وولفوفيتز بإحتقار المنظمة الدولية وقوانينها) !.. وكان قد أبدى اشمئزازه من هذا القانون.. وهولا يعطي المجتمع المدني بكافة مؤسساته أي وزن ويتأكد ذلك من خلال ما نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال) في عام 1997م في مقال له كان يتضمن نظرته إلى القانون الدولي فهو يعتبر أن المعاهدات الدولية ليست قانوناً ملزماً للولايات المتحدة الأمريكية وأنها ليست سوى ترتيبات سياسية يمكن التحلل منها إلا في حال كانت هذه المعاهدات تحقق خدمة للمصالح الأمريكية.

 

كان بولتون أحد أقوى مؤيّدي الحرب الأمريكية على العراق.. كما أنه من أشد معارضي التوقيع على معاهدة محكمة الجنايات الدولية. وهو واحد من المتحمسين بشدة لعلاقات إسرائيلية أمريكية متينة خاصة على الصعيد العسكري وقاد حملة دولية كللها بالنجاح في إلغاء القرار الأممي 3379 سنة 1991 والذي كان يعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية وهو إلى ذلك عضو في الهيئة الاستشارية للمعهد اليهودي للأمن القومي..وهو المعهد الذي يرفع شعار السلام من خلال القوة. ويعتبر بولتون واحداً ممن تبنوا أفكار ريجان الذي عمل مستشاراً له  وقام مع وتاتشر بتطويرها طبقا لمصالحهم فتضامنوا مع اللوبي اليهودي ولوبي صناعة الدواء ولوبي البترول كما كان أحد مساعدي نائب الرئيس الأمريكي، ديك تشيني في عامي 1991 و1992.

 

عمل جون بولتون وكيلا لوزارة الخارجية مكلفاً بالحد من التسلح وبالأمن الدولي وهو المنصب الذي عارض كولن باول وزير الخارجية الأسبق تكليف بولتون به وفور توليه المنصب قال باول:

(إن تعيين بولتون للإشراف على مسائل نزع السلاح يشبه تعيين مولع بالحرائق يشرف على معمل للمفرقعات)!..

 

وعُرِف بولتون بمواقفه المتشددة للغاية من الملفين النوويين لإيران وكوريا الشمالية مسانداً بقوة إحالتهما إلى مجلس الأمن ولعب دوراً بارزاً في التخطيط لحرب الخليج الأولى مساعداً لنائب الرئيس آنذاك ديك تشيني معتبراً الحرب على النظام العراقي حربا على بقايا النازية!.. كما كان له مواقف متطرفة أثناء التفاوض حول الرقابة على الأسلحة النووية مع الروس.

وبعد تعيينه في المنصب طلب بولتون من (خوسيه بستاني) المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية تقديم إستقالته أو أن يتغاضى عن بعض نتائج أعمال التفتيش في الولايات المتحدة وكذلك تعيين ممثلين للولايات المتحدة في بعض المراكز الحساسة في المنظمة لكي يتمتعوا بنفوذ أكبر حيث يتهِم بولتون بإساءة معاملة مرؤوسيه الذين يخالفونه الرأي وبفظاظة اعتبرتها وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس دبلوماسية جسورة تحتاجها الولايات المتحدة لتحقيق إرادتها خاصة تجاه أنظمة تناهض سياساتها.

 

جون بولتون ينتمي الى مدرسة المواجهة وهو الذي نقل الحديث الديبلوماسي في بداية تشرين أول 2006  الى خانة التحدث الى الصحافة عن (حماة) لكوريا الشمالية في مجلس الأمن الدولي في اشارة مبطنة الى روسيا والصين. وهذا ما أثار شبه غضب في ملامح السفير الصيني وانغ غوانغيا وجعله يحتج على استخدام تعبير (حماة) كوريا الشمالية لتشجيعها على التحدي.

 

في مايس 2007 هاجم جون بولتون أحد مذيعي هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) ناعتا اياه بأنه (يساري) وبأن (عقله فارغ)!.. وذلك أثناء مقابلة مع برنامج (توداي) على إذاعة (بي.بي.سي 4) حيث كان بولتون المستقيل من منصبه يبرر دور الولايات المتحدة في العراق وأشار الى أنه يمكن إستخدام القوة لوقف البرنامج النووي الإيراني. وحين طلب مقدم البرامج الشهير جون هومبريز من بولتون بإعتباره من المحافظين الجدد ما إذا كانت الإدارة الأميركية (خسرت الرهان) في العراق قال :  

 

(انت مخطئ تماما (..) والناس الذين يتبنون هذا الرأي هم منذ البداية مناهضون لأميركا على أي حال)!..

واضاف المقدم إن هذا الرأي هو أيضا رأي الملياردير الأميركي جورج سوروس. فرد بولتون:  (هل تسخر مني؟ هذا الرجل من اقصى اليسار (..) وانا على يقين أنك تشترك معه في الكثير من الآراء مثل الكثيرين في القارة) (الأوروبية). وعندما إحتج الصحافي بأنه غير منحاز وأوضح لبولتون أن الصحافيين يقومون أحيانا بالدفاع عن الشيطان (الأمر الذي قد يكون غير مرغوب فيه في الولايات المتحدة) وحينها قال بولتون بفظاظة :

(فهمت أنت بريطاني متفوق هكذا إذن (..) أنت ليس لديك آراء البتة ان دماغك فارغ)!..

وقاطع هومبريز بولتون ليسأله ما إذا كان رئيس البنك الدولي وولفوفيتز  المتهم بالمحاباة سيغادر منصبه؟. .رد بولتون  في حدة:

(ألاحظ انك أيضا مدمر وحفار (قبور). لست متأكدا من اننا سنشهد استقالته)!!..

 

وفي حديثه لمجلة الوطن العربي في تموز 2007 حيث يعمل فى مؤسسة الأبحاث اليمينية الكبرى (أميركان انستيتيوت) التي تبعد مئات الأمتار عن البيت الأبيض ويصغي لها الرئيس جورج بوش عن كثب.قال : (أنه لا يمكنه إثبات الدعم المباشر من إيران لتنظيم (القاعدة)) وفي مغالطة كبيرة وخروج عن تأكيدات المسؤولين الأمريكان المدنيين والعسكريين الذين يعلنون ذلك..وقال:

(أن انسحاب أميركا من العراق في 2009 ليس نهائياً)..وفي رده على سؤال المحرر:( الذين يحكمون العراق الآن صنعتهم إيران هم وحركاتهم وأحزابهم مثل الدعوة والمجلس الأعلى؟)..قال:

(لا شك أن إيران صنعت بعضهم ولهذا أرى أنه من المهم جدا سياسة الرئيس بوش بزيادة عدد القوات الأميركية فى العراق. ومشكلتنا ليست فى التعامل مع إيران بل الانقسام الحالى فى الولايات المتحدة وقرار الحزب الديمقراطى بالانسحاب من العراق. ولا أعتقد أن الانسحاب الأميركى من هذا البلد فى بداية عام 2009 هو نهائى، لأن هناك فرصة لفوز أحد المرشحين الجمهوريين بالرئاسة الأميركية.)..وحسنا فعل المحرربتعقيبه عندما قال :

( لكنك أنت الوحيد فى واشنطن ممن يتوقع فوز المرشح الجمهورى بالرئاسة فى عام 2008؟)


وحول اللقاءات الأمريكية الإيرانية في بغداد ..قال : (
إن اللقاء بين الولايات المتحدة وإيران حول العراق كان خطأ من حيث الشكل والترتيب، ولو كان القرار بيدى لماسمحت للعراقيين أن يستضيفوا اللقاء الأميركى الإيرانى، لأنه يعطى مؤشراً وكأن هناك مساواة أخلاقية بين إيران والولايات المتحدة.. وفى نفس الوقت لم أتوقع أن يحقق اللقاء مع إيران حول العراق أى شىء. ولقد التقينا مع الإيرانيين حول أفغانستان فى الماضى واكتشفنا أن طهران لا تريد تحقيق الاستقرار فى هذا البلد لأنهم الآن يسلحون الطالبان. والحجة بأن اللقاء مع إيران لأنها تريد أن تسهم فى استقرار العراق هى حجة خطأ دائما.لقد أزالت الولايات المتحدة نظامين كانا يهددان طهران .. الأول هو الطالبان فى شرق إيران والثانى هو صدام فى غربها، وكان على طهران أن تقدم لنا الشكر على ماقمنا به. ولكن ما تقوم به هو مد سيطرتها ونفوذها فى منطقة الشرق الأوسط وتطوير سلاحها النووى ودعم الإرهابيين فى المنطقة والراديكاليين فى العراق. يجب - كما سبق وذكرت - أن نعارض هذا التمدد الإيرانى ونواجهه. ويجب ألا نعالج كل قضية على حدة بل نأخذها فى الإطار العام.)!..

 

ليست السياسة الأمريكية وقادتها هما المتهمان فقط بما يعرف (بثقافة الخداع) التي  إستخدمها الناطق السابق باسم البيت الأبيض سكوت ماكليلان عند وصفه المفصل لذرائع ومبررات حرب العراق كما صنعتها وإختلقتها واشنطن في عهد جورج دبليو بوش..ولكن الإعلام الأميركي والرأي العام الأميركي يتحملان جزء كبير من الترويج والتسويق لهذه الثقافة ..وأخطر شيء تتحمله أجهزة الإعلام والرأي العام الأمريكي بخصوص العدوان الأمريكي على العراق هو عدم  التدقيق الضروري في إفرازات تلك الحرب التي غضا النظر عنها ثم قررا الإستفاقة إلى سوئها ومشاكلها ونتائجها متأخرا جدا في موجة الكراهية لجورج دبليو بوش والإختباء وراءها في موجة من الغضب العارم من ممارسات هذه الإدارة!..هذا الغضب الذي تم إختزاله بشيء واحد وهو: (المطالبة بإنهاء هذه الحرب وعودة الجنود الأمريكان الى البيت!) دون أي إهتمام بتحديد الجهات التي وقفت وراء هذه الحرب ولماذا قامت ومَن أجج أوار الرغبة العارمة بالتوجه الى العراق وتدميره وإحتلاله ثم الغوص في مستنقعاته!..

 

إن التخلص من الأمثلة السيئة من الشخصيات التي تمسك بها بوش تتلخص برفض وترك ثقافة الخداع والتي تتطلب التوقف عن خداع النفس وليس فقط الإحتجاج على تبني السياسيين من أمثال بوش وتشيني ورايس ورامسفيلد نزولا الى جون بولتون لتلك الثقافة.

المخادع بولتون الحاصل على جائزتين في وقت واحد تقريبا الأولى درع صديق إسرائيل من اللوبي اليهودي أيباك في 11 – 05 – 2005 والثاني درع ثورة الأرز الذي قدمه له سعد الحريري ترك منصبه هاربا من الشعب الأمريكي قبل أن يرميه بوش!..

 

والسفير الأميركي لدى الأمم المتحدة زلماي خليل زادة حل محل جون بولتون ..

وخليل زادة حطّم الأرقام القياسية في سرعة تبديل قناعاته وتصريحاته. ففي يوم واحد في أيلول 2007 وعبر أجهزة إعلامية مختلفة إتهم السعودية بعرقلة الأمور لإستتباب الوضع في العراق ثم عاد لينفي ويصحح مشيداً بدور الرياض في إرساء الإستقرار في المنطقة والعراق. لكنه عاد ومضغ تصريحاته السابقة وعندما سئلت رايس خلال وجودها في جدة عن هذا التضارب في مواقف خليل زادة تحاشت الإجابة بشكل واضح والسبب (الجاهز أبداً) أنها لم تقرأ التصريحات لكي تعلق عليها!.

 

ويقول المحللون والخبراء أنه كان على خليل زادة أن يحدد موقفه الأخير من هذه المسألة حتى لا يجري الترحم على سلفه جون بولتون السيء الذكر!.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت  / ٢٩ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٧ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م