( القادة الأكراد ) .. تأريخ حافل بتناقض الوسائل والغايات

 

 

شبكة المنصور

الدكتور محمود عزام

 

للقادة الأكراد تأريخ حافل بالتبريرات المتغيرة..والقفز فوق التعهدات والإلتزامات ..

 

ودائما تكون الدوافع لهذا السلوك يقع تحت حجة " خيمة الحقوق الكردية " و"حق الأكراد في تقرير المصير "..ويقول التأريخ العراقي أن "الحركة المسلحة الكردية " إنطلقت في زمن "الزحف الأحمر البطيء في العراق" والذي ظل يداعب مخيلة من وضع "الأهداف" وركبوا موجة هذا المد وعبّروا عن منتهى التفاعل مع هذه الأفكار عندما أعلنوا العصيان المسلح..

 

وأستمر هذا العصيان الذي أصبح ديدنا وسلوكا ونهجا في زمن الحكومات المتعاقبة وكان "المبرر" الدائم للإستمرار هو السعي للحصول على الحقوق القومية الكردية..

وكتبت الكثير من الصحف وأشارت العديد من التقارير إلى التقارب بين إسرائيل والقيادة الكردية وكان التبرير في حينها هو " أن لا وجود لهذه الإتصالات وإن الذي يصطاد في بحيرات كردستان العكرة سوف لن يجد سمكة واحدة!"..

 

وكان تقبل المواطن العراقي البسيط في حينها والمواطن الكردي خصوصا بسيطا في فهمه أيضا ..ودأب على عدم تصديق كل شيء كما يحدث اليوم!..

وظلت مظاهر وفعاليات "التمرد"الكردي على السلطة المركزية ظاهرة عراقية مستديمة وأصبحت جزءا من حياة العراقيين ويومياتهم وخاصة منتسبي الجيش العراقي ..

 

وكانت ظاهرة قيام "البيشمركة"الأكراد والذين خرج من بين صفوفهم الآن رئيس أركان الجيش ووزير الخارجية وبقية من إستلم مسؤولية في العراق الجديد!..نقول إستمرت البيشمركة بأسر الجنود العزل والمراسلين وجنود الربايا وحتى بعض المصطافين وعوائلهم وإختفائهم لعشرات السنين بل وفي الكثير من الأحيان نهائيا تصرفا بشعا أصبغ على هذا التمرد صفة اللاوطنية وأثر تأثرا بالغا حتى على أولائك الذين كانت لهم أهدافهم القومية ضمن الحركة الكردية في حينها والذين إنسلخوا منها لاحقا معبرين عن رفضهم وإستنكارهم لهذه الأعمال الهمجية غير المبررة والتي لا تخدم القضية الكردية وتؤثر بالضد على "أهداف العصيان" وسمعة الأكراد..

 

وكان تبرير القيام بتلك الأعمال هو كون الجيش النظامي العراقي يقوم بعمليات عسكرية في تلك المناطق وإن منتسبيه يعتبرون أعداءا للعصيان بالرغم من وجود نسبة كبيرة من الأكراد ضمن تشكيلات الوحدات العسكرية العاملة في قواطع العمليات..

 

وكان في وقتها تبرير سلوك القادة الأكراد بتبني ظاهرة " أسر الجنود وإعدامهم" بأنها"ضرورات العمليات العسكرية " التي تستوجب مثل هذه الفعاليات!..

 

وعندما تحقق نصر الأكراد والعرب التاريخي في 11 آذار وألقى الأكراد الكثير من بنادق البرنو وسمحوا للعجلات المدنية والمصطافين بالمرور من المضايق التي كانوا يسيطرين عليها رفع الأكراد شعار" حكومة الوحدة الوطنية " تحت تبرير أن البيان يحقق جميع مطالب الأكراد القومية ..

وعندما عاد القتال ليندلع من جديد برر القادة الأكراد ذلك " بتنصل الحكومة عن التزاماتها"!..

 

وإستمر الموقف الكردي المعارض لحين إتفاقية الجزائر التي بينت بشكل واضح وصريح هوية الجهة التي كانت تقف وراء كل هذه التبريرات والعمليات والتي شكلت أساس العصيان والتمرد والتي كانت تغذي ناره بكل الوسائل  وهي إيران..

 

ونذكر إن كل فعاليات وظواهر العصيان والتمرد على السلطة توقفت فورا  " وتبخرت مظاهرها وهدأ غبارها  " وإنتهت عمليات التصدي للقطعات والإغارة على القرى الآمنة  حالما سحبت إيران قواتها من شمال العراق!..

 

وعند إندلاع الحرب العراقية الإيرانية عادت ظواهر العصاة والخروج عن القانون بشكل أقوى لتستمر إلى عام 1988 حيث كان المد والجزر في العلاقات بين الحكومة المركزية والقادة الأكراد (البرزاني والطالباني) هو سمة مميزة للتعامل ..

 

وفي كل مرة يتقرب أحد القائدين من بغداد كان يحمل تبرير وإتهام يستخدمه القائد الآخر عندما  ترغمه الظروف على السفر إلى بغداد أيضا لحين دخول العراق إلى الكويت وقيام العدوان الثلاثيني وفرض مناطق الحضر الجوي وإعطاء الأمريكان الضوء الأخضر للقادة الأكراد للعمل على إنشاء (إقليم كردستان) ..

 

وهكذا تحولت لغة القادة الأكراد من " إن السلطة في بغداد تنفذ المشروع الأمريكي ضد الأكراد" إلى " تبني الأكراد للمشروع الأمريكي في إقامة دولة كردستان" ..

وأيضا كان للقائدين الكرديين تبريراتهما المتشابهة وكان أحدهما يكمل الحديث الذي بدأه الآخر على الرغم من وجود إختلافات فكرية وشخصية بينهم إلى أن احتدم الصراع بينهما إلى الحد الذي دفع بالطالباني لاحتلال أربيل عام 1996 ليقوم الحرس الجمهوري العراقي بموجب أمر رئاسي واضح بتحريرها وإعادة تسليمها إلى البرزانيين وفي حينها اختلف التبرير لكل منهما ونذكر كيف أن الطالباني عبر عن فرحته بدعم الحكومة المركزية للبرزاني عندما قال:  

 

" الآن تساوينا معا في العمالة للحكومة وليس للبرزاني بعد اليوم مآخذ علينا " ..

 

واستمر المد والجزر في العلاقة مع الحكومة في بغداد وعلى كل المستويات بحجة " إستمرار العلاقات من أجل مصلحة الإقليم" إلى أن تقرر البدء بغزو وإحتلال العراق ليصطف الجميع تحت المشروع الأمريكي "لتحرير العراق" ليتخلى القادة الأكراد مرة أخرى عن كل إلتزام وتحالف مع الحكومة في بغداد!..

 

وعندما رفض البرلمان التركي السماح للقوات البرية الأمريكية بالمرور من تركيا إلى العراق لإكمال إطباقها على بغداد صرحت حكومة الكويت بأنها مستعدة لاستقبال هذه القوات ورعايتها وتسهيل دخولها الى العراق ..وإستعاضت الولايات المتحدة عن إدخال قطعاتها برا من تركيا من خلال إنزالها جوا في القرى والقصبات والمدن التي حررها الحرس الجمهوري أيام زمان!..

 

ونزل القادة الأكراد وقواتهم مع القوات الأمريكية لإطباق وإحكام السيطرة الكاملة على أنفاس " الديكتاتورية!" التي كانوا يتعاونون معها..وكانت خطواتهم سريعة لغرض الوصول إلى بغداد قبل أن تتداخل الرؤى وتضيع الحصص!..

وكانت قوات البيشمركة تسير جنبا إلى جنب مع الدبابات الأمريكية  وهي تحمل "أحلام ومشاريع " الديمقراطية والحرية والرفاه لكل شعب العراق! ..

ودخلت هذه القوات إلى الموصل وكركوك وديالى ووصلت القوات الكردية إلى بغداد بعد أن أنهت القوات الأمريكية تدميرها وإحتلالها لتبدأ أهم صفحة لاحقة وهي تقاسم الغنائم التي بدأت بتحميل كل ما وجد على الأرض من معدات ومواد ونقلها إلى "الإقليم!" لتنتهي بمجلس الحكم والرئاسات والوزارة والدوائر والمؤسسات..

 

حدث كل ذلك والجرح العراقي مستمر بالنزف..

 

والشعب مذهول من فعل الصدمة والنتائج والخوف من المستقبل !..

 

وكان البرزاني والطلباني قد إتفقا وكان لهم تبرير مشترك واحد هذه المرة وهو:

 

" إن لهم في كل العراق حق"..مثلما كان للآخرين الذين " هيئوا للنصر!"..

 

يومها لم يفكر أحد بحق الشعب !..

 

ولم يخطر في بال أحد من حلفائهم أن ذلك يعني أنهم " سيحددون لا حقا ما هي حقوقهم على كل أرض العراق " وان "كركوك وخانقين والكثير من الموصل وديالى والكوت " هي واحدة من  هذه الحقوق ..

وان لهم الحق "بالتحالف مع من يحقق لهم مطالبهم" بغض النظر عن تلاقي الأيديولوجيات فهم أفضل من يجيد الرقص واللعب حول الوسائل والغايات ..

 

ومع مرور هذه الخمس سنوات العجاف من زمن الإحتلال إطلع العراقيون عربا وكردا وأقليات وطوائف وأديان كم من التبريرات المتغيرة كانت قد صدرت من القادة الأكراد إبتداءا من الإصرار على المناصب الوزارية السيادية وطبيعة تحالفاتهم وإصرارهم على عدم حل البيشمركة والتعامل مع حكومة المركز الحالية معاملة الند للند ومصافحة الطالباني  للمسئول الإسرائيلي واجتياح كركوك والتلويح بالعصا لمجلس النواب!..الى موقفهم الغير قابل للنقاش في توقيع إتفاقية الذل مع الأمريكان وكيف لعبوا دورا أساسيا وبارزا في ذلك بحيث وصل الأمر بالمزايدة على المالكي بتصريح البرزاني بأنه سيسمح بإقامة قواعد أمريكية دائمة في الشمال إذا لم توقع الإتفاقية!..

 

ربما هم يُذَكّرون الذين جاءوا مع "المحررين الأمريكان" بوعودهم السابقة!..ويلوحون بالعصا والبرنو!..

 

 فهل نَسي المتحالفون وحكام العراق اليوم ما أتفقوا عليه في مؤتمرات لندن وبيروت وصلاح الدين حول كيفية تقسيم العراق والذي كان شرطا للدعم الأمريكي ؟!..

 

قد يكون من الجائز أنهم لم ينسوا ذلك ولكن الجميع راهن  على المرونة الأمريكية بتغيير الأهداف!..

 

ومثلما يغير القادة الأكراد من طبيعة تبريراتهم دائما..

 فإن الأمريكان هم الذين إختلقوا بالأساس منطق التبرير!..

وسنرى كيف ستنقلب الأدوار عن قريب!..

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد  / ٠٢ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٣٠ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م