العمالة أخطر أسلحة التدمير الشامل

 

 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

 

يبدو ان الكأس التي جرع منها قادة أيران السم الزعاف بعد هزيمتهم النكراء خلال حرب الثماني سنوات قد تركوا بقايا أشد كثافة في قاعه ليحتسيها العملاء الذين تربوا في كنفهم ونهلوا أبشع أنواع الصفات فكان تأثير السم أشد عليهم بحيث أمسوا أكثر تفرسا من الفرس أنفسهم وليس ذلك بغريب عمن باعوا انفسهم كالغواني, والعمالة بالتاكيد ليس حكرا على أحد فمن السهولة ان يكون الأنسان عميلا بمجرد ان يبيع شرفه ولا يتصبب عرق غيرته ويتخذ من سماسرة الرقيق الأبيض رمزا لمسيرة حياته وسلوك المجرمين نموذجا لخلقه سيتمكن عندئذ من قطع مسيرة العمالة بسرعة قياسية تكون موضع فخر الشياطين. ومنذ الغزو البربري على العراق توافدت كل صنوف العمالة على أرضه مع تنوع مصادرها عربية واجنبية وعراقية(بالاسم فقط) اسلامية ومسيحية ويهودية, عربية وكردية وفارسية وتركمانية, ضحلة واقل ضحالة وأكثر ضحالة, مفردات كثيرة من الصعب حصرها في نطاق محدد ورغم تباينها لكنها تجتمع تحت مظلة واحدة وهي تدمير العراق وطنا وشعبا, لكن مع هذا  يمكن الجزم بأن أشد العمالة خطورة أنحصرت بعملاء إيران حيث تربعوا في قمة الهرم يليهم عملاء أمريكا وبريطانيا والكويت وغيرها.  لذلك عندما كتبنا في مقال سابق ان العمالة درجات أعجبت الجملة بعض الكتاب الأفاضل واستشهدوا بها في مقالاتهم وتساءل البعض كيف يمكن تقسيم العمالة الى أصناف قلنا بأنه عندما يعمل الانسان مترجم مثلا مع الامريكان أو يتعاون معهم في نشاطاتهم المدنية فهو عميل أقل ضحالة, وعندما يتعاون معهم عسكريا ويداهم بيوت الآمنين مثل الحرس الوطني ومغاوير الداخلية فهو عميل ضحل, وعندما يبيع وطنه للأمريكان والايرانيين ويدعي انهم  ملائكة وليسوا شياطين الجحيم فأنه الأكثر ضحالة.

 

النوع الثالث من العمالة يصنف في باب أسلحة التدمير الشامل فهو كفيل بتدمير البلاد وهلاك العباد حيث يكحل العميل عينه وهو يرى شعبه ينقاد الى المجزرة وهو يودعه بإبتسامة خبيثة, ويقف على أطلال الوطن يتنفس الصعداء وهو ينظر الى الأنقاض نظرة تشفي, يتلذذ بمنظر الدماء النازفة.. ترتوي منها الارض و لا ترتوي منها نفسه, يشم دخان الحرائق كأنه يشم عبيق الأزهار, يتخذ من شريعة هولاكو مذهبا ومن أبي رغال دينا قلب بلون الفحم حقود وحسود يحسد الملك على عرشه ويحسد في نفس الوقت الكلب وهو يجد لقمة في المزابل, وسخ قذارته فوق مستوى الخيال تعجزعن تنظيفه البحار والامطار مجتمعة. تتنافس السماء والارض على شدة الغضب منه, وتنتظر ملائكة الجحيم موته بشغف وتلهف فمنزلته تأتي بعد الشياطين مباشرة, يعافه الذباب وتخشاه المكروبات والطفيليات وتهرع للهرب منه وتحترس الأويئة والامراض من التقرب منه.. هذا هو العميل بأبسط وليس أعقد صوره ويمكنك ان تقف أمام صورة عميل وتضيف اليه الكثير من الصفات والتشبيهات الأخرى التي لم تسعفنا الذاكرة لذكرها.

 

الصفة المييزة للنوع الثالث من العملاء هي الأستفزاز فهو يبذل كل جهده وطاقته وامكاناته ومهاراته وإبداعاته لاستفزاز الاخرين والكبس على مشاعرهم لحد الأنفجار, يتلذذ بالضغط على الجراح لتنزف بغزارة, ويسعده أنين الارامل كأنه يستمع الى سيموفنية رائعة, يترنح وهو يمسك الكأس بيده مملوء بدموع الأرامل فيحتسيه بنشوة فالدموع لديه ألذ من كل أنواع المسكرات, عويل اليتامى لا يفرقه عن شدو البلابل والعندليب, نقطة ضعفه الوحيدة فقط بضعة كلمات لا يستطيع أن يصبر على سماعها وتسبب له ألما في أذنه ومغصا في معدته ودوارا في رأسه وشللا في أطرافه ورجفة في بدنه  ونفرزة تجعله يهيج كثور حرم من النور أياما فيندفع الى الامام محطما كل من يقف أمامه تلك الكلمات الكرامة والسيادة والاستقلال والشرف والهوية والعروبة ولكن أكثر الكلمات وقعا هي الوطنية والجهاد والمقاومة انه لا يصبر عند سماعها ويصاب بغيبوبة طويلة قريبة من الموت.

 

وحتى نقرب المسافات للقراء الأعزاء سنقدم نموذجا حيا للنوع الثالث من العملاء ممن يمارس هذا النوع من الاستفزاز ومن المؤكد أن القاريء اللبيب سيجد هذا النموذج ليس فريدا في بابه فهناك المزيد من النماذج ستتوارد على الذاكرة فتقرب المسافات أكثر واكثر, هذا الاستفزاز شمل الاحياء والاموات على حد سواء وربما الأحياء من المستفزين سيعذرون العميل بسبب الخوف أو معرفتهم بجهالته وعمالته وحمقه والثمن الذي قبضه لقاء ذلك الاستفزاز, ولكن المشكلة مع الاموات لأنهم صنف مميز فهم أحب أنواع البشر للمولى العزيز" أولئك المقربون في جنات النعيم" أنهم الشهداء الذين كرم الله ارواحهم الطاهرة لتكون في حواصل طيور خضر في الجنة, المحظوظون " وما أدراك ما الشهادة لا ينالها إلا ذو حظ عظيم" المؤمنون المؤيدون بروح الله " اولئك كتب في قلوبهم الايمان  وأيدهم بروح منه" الصادقون بتزكية الرحمن" إنما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون". المتنورين الذين أستمدوا نورهم من رب السموات والأرض سبحانك ربي " والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم" هؤلاء هم الشهداء وتلك هي منزلتهم وقد حباهم الله بمثل هذا التكريم المهيب فهل يجوز للبشر أي كان أن يجرد الشهيد من لباس الشهادة ويجعله قتيلا شأنه شأن من قتل لأنه كافر أو مجرم أوسارق أو مغتصب أو جاسوس بغض النظر عن سبب وطريقة قتله؟

 

بمثل هذه الصفاقة والاستهتار خرج علينا من يجرد الشهداء من معدنهم الاصيل, والمصيبة ان العميل يشغل منصبا خطيرا فهو المتحدث الناطق بأسم الحكومة العراقية قطع لسانه من عرقه وليس عميل عادي, أي ان كلامه مسئول وهو لا ينطق عن هوى وأنما عن لسان رئيس الوزراء كما يفترض رغم علمنا انه أعجمي اللسان والقلب معا, وسبق لهذا العميل أن صرح تصريحات خطيرة كان يفترض ان يسرح بموجبها من أسطبل المنطقة الخضراء ليسرح في مروج بورصات الامارات العربية أو يدرس في جامعة طهران الشئون الحوزوية بأعتباره خبيرا بها. ولكن تلك التصريحات لم تكن بمستوى الصفاقة مقارنة بتصريحه الاخير عندما اعتبر شهدائنا خلال الحرب العراقية الايرانية تاج رؤس العراقيين مجرد قتلى, اولئك الابطال الذين قدموا انفسهم قربانا للوطن وهم يذودون عن سيادة العراق وكرامته وتطهير أرضه من رجس الفرس ويصدون الريح الصفراء القادمة أبدا من الشرق ويعيدون الثورة الاسلامية الى مصدرها بعد أن تبين أنها فاقدة للصلاحية والعفونة تفوح منها.

 

الأشد صفاقة ان يتزامن التصريح مع تبادل الرفاة بين الجانبين العراقي والايراني وفي الوقت الذي اشادت فيه القنوات الرسمية الايرانية برفاة جنودها وسمتهم" الشهداء" فأن الدباغ استكثر أطلاق كلمة الشهداء على رفاة الابطال العراقيين. وأكاد أن اجزم ان التصريح كان بود الدباغ ان يلقيه بصيغة اخرى هي" تبادل العراق والجمهورية الاسلامية رفاة الشهداء الايرانيين والقتلى العراقيين" وهي نفس النغمة التي تلائم أسماع أسياده الفرس ويطربون لها, نعتقد ان بعد هذا التصريح لابد ان يكنس الدباغ بكامله ويودع في أقرب حاوية للقمامة, وان كان المالكي قد غفر له هفواته واستفزازته السابقة فأن هذه الجريمة لا يجوز ان تفوت كسابقاتها فلقد بلغ السيل الزبى وما عاد هذا الناطق باسم الشيطان وجها مرغوبا به من قبل العراقيين فقد ملأ قلوبهم قيحا, أما إذا مرالتصريح كسابقاته فلا تعليق عندذاك واللبيب تكفيه الاشارة.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس  / ١٣ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١١ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م