اوباما سيخلف بوش لكن من سيخلف بارني ؟

 

 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

 

العلاقة بين الانسان والكلب علاقة وطيدة ترجع الى عصور متأخرة يرجعا البعض الى عصر المشاعية البدائية اأو إنتقال الإنسان الى الصيد والتوطن في مجتمعات صغيرة, وتروي لنا الكتب التأريخية الكثير من الحوادث المشتركة التي تجسد هذه العلاقة الانساحيوانية , وحتى الكتب المقدسة كالتوراة والقرآن الكريم اشارت الى هذه العلاقة في قصة اهل الكهف الذي رافقهم في رحلة السبات لفترة تزيد عن ثلثمائة سنة وفي الوقت الذي خفي علينا عدد البشر لكن الكلب لم يخفى علينا فقد كان كلبا واحدا فقط, هذا الحيوان كان مضربا طول تأريخه للوفاء حتى هناك من يضرب الأمثال بقوله " انه وفي كالكلب" أو " يتبعه كالكلب الوفي", وكان الفيلسوف الأيرلندي الساخر برنارد شو قد ذكرة ماثورة رائعة بقوله " كلما إزدادت معرفتي بالناس زاد إحترامي لكلبي", حتى الشاعر المصري المعروف احمد فؤاد نجم له قصيدة رائعة عن كلب مميز يدعى فوكس له مكانة مرموقة على الصعيد الرسمي فأشعرنا " هيص يا كلب الست هيص لك مقامك في البوليس.. بكرة تتولف وزارة للكلاب يأخذوك رئيس .. انت تسوى في النيابة تسعمية من الغلابة.. طب يا ريت يا فوكس كنا ولا تربطنا القرابة" فيجيبه احد المتنفذين " أنت فين والكلب فين أنت قده يا إسماعيل.. طب ده كلب الست يا ابني.. أنت تطلع أبن مين؟" ولكن هذه الكلاب بأستثناء بارني فوكس والبعض الذي رافق كبار القادة والزعماء دخلوا التأريخ من أوسع أقفاصه, بل ان بعض الكلاب كان ينافس بجدارة صاحبه بغض النظرعن موقع وخطورة هذا الصاحب ومن هذه الفصيلة بارني كلب القطب الاوحد, انه كلب الرئيس الامريكي بوش لمن لا يعرفه, وقد احتل المرتبة الثانية من ناحية الأهمية في البيت الأبيض لكن إحتراما لسيدة امريكا الأولى ومشاعرها فقد قدموها على بارني فجعلت مكانته الثالثة مراعاة للبروتوكول.


في أوربا الكلب له مكانة كبيرة ومجرد إهانته او ضربه تتعرض الى احكام القضاء بل ان بعض الدول صنفت العائلة تصنيفا غريبا من حيث الأهمية فقد بدأوا بالطفل وتلته المرأة ثم الكلب وأخيرا الرجل, وعندما أعترضنا نحن الشرقيات على هذه الصيغة المجحفة التي لا تتناسب مع الدين والاخلاق والعادات والتقاليد والقواعد العامة للتربية احتجت بعض الغربيات بأن الرجل يمكن ان يؤذي الطفل والمرأة والكلب في حين انهم غير قادرين على اذيته لذا جاءت مرتبته متأخرة, ويحاول البعض ان يتنكر لهذا التصنيف البليد لكنه يمكن لمسه ببساطة في الحياة العامة في أوربا ومن خلال الاختلاط بالآخرين, ويكفي الكلب مفخرة تخصيص مكان لأغذيته المعلبة والطازجة في معظم الاسواق الكبيرة وتشير بعض المحلات بأن الكثير من الزبائن يتذوقوا غذاء الكلب قبل شرائه ربما بسب وحدة الشهية أ و تشابه الرغائب أو حاسة الذوق بين الكائنين.


بارني يختلف عن بقية الكلاب فقد كان رمزا مهما للرئيس بوش بإعتباره يمثل الجانب الوقائعي في إدارته المبنية على الكذب والرياء والخداع وهو ما يتعاكس مع مفهوم الوفاء للكلاب بشكل عام, فقد رافق بارني صاحبه منذ دخوله البيت الأبيض لغاية خروجه القريب, واذا ظهر الرئيس بوش متماسكا رابط الجأش أمام أنظار الكاميرا فأن بارني كان أبلغ من صاحبة قدرة على الإبانة والتعبير عن الانزعاج فهو بحكم غريزته الحيوانية قادر على الكشف عن المعاني الكامنة خلف الوجوه الكالحة دون الحاجة الى استخدام أدوات التحليل النفسي والأستنطاق فقابلية الاستدلال والأستشفاف عند بارني حادة كأنيابه وخلال الفترة الرئاسية كان بارني حكيما أكثر من صاحبه فقد التزم الصمت تجاه الحوادث التي تجري أمامه ليس بخلا بالكلام أو عجزا عن النباح أوخوفا من الثرثرة التي قد تؤدي بصاحبها الى الهلاك وإنما حكمة منه وصبرا في إنتظار نتائج ما تسفر عنه عقلية صاحبه من فوضى خلاقة تجاوزت حدود الولايات المتحدة لتنعكس آثارها السيئة على بقية دول العالم التي ترفض الهيمنة الامبريالية بأشكالها المتجددة من عولمة وخصخصة وشحططة.


استمرت مسيرة العلاقات الثنائية البوشبارنية(بوش - بارني) بشكلها الطبيعي طوال سنوات الحكم الماضية وكانت تبادل الافكار والنباح المزدوج ووحدة الهدف بالبقاء أطول فترة ممكنة في البيت الابيض يجري على قدم وساق لم تعكره هفوات نائب الرئيس ووزير الدفاع السابق او شمبازي الخارجية كوندوليزا رايس. ولكن مع بدء الحملة الانتخابية بدأت أعراض القلق تبدو اكثر وضوحا على الأثنين رغم معرفتهما بأن ايامهما معدودة في البيت الأبيض لكن القلق حالة مشروعة لاسيما ان النتائج الاولية تشير بوضوح الى فوز ابو عمامة (اوباما) المرتقب في الانتخابات وهذه بحد ذاتها تشكل صدمة لهما بسبب خسارة حزبهما في الانتخابات وهي خسارة كما اكدها الحزب نفسه واتفق عليها المحللون الاستراتيجيون بسبب غزو العراق. كانت نظرات اللوم بادية على سحنة بارني مع محاولات الرئيس بوش تجنبها وهي نظرات خيبة واعتراف بالهزيمة لا تقل حدتها عن نظرات زوجة الرئيس التي كانت توبخ الرئيس بأستمرار عن هفواته الصبيانية, لقد كان بارني وزوجة الرئيس متفقان كل الاتفاق من هذه الناحية فقد راح العويل والنباح أدراج الرياح بسبب إصرار الرئيس على هفواته المتكررة الى أن ظهرت النائج النهائية لتتوج ابو عمامة كرئيس قادم للولايات المتحدة, بدأت الانفعالات تاخذ مجراها غي السوي خصوصا ن الرئيس بوش لم يصرف سوى نصف دقيقة من وقته لتهنئة غريمه وإذا كان البروتوكول يحتم على الرئيس تقديم هذه التهنئة فأن بارني غير ملزم بتقديم التهنئة لكلب اوباما لدخوله البيت الابيض خلفا له سيما ان اوباما كان له موقفا غير وديا مع بارني عندما وعد أبنتيه بكلب آخر سيشرف البيت الابيض في خطاب الفوز الانتخابي, لذلك عندما تقدم جون ديكير مراسل تلفزيون رويترز في البيت لابيض لمداعبة بارني قام الاخير بنهش أصبعه وتركه نازفا وهو تعبير صارخ عن الألم والحزن والمرارة عن مغادرته البيت الابيض كما صرح بعض الصحفيين و تعبير بارني كان اكثر وضوحا من موقف بوش نفسه من اوباما!


كانت عضة بارني مدخلا جديدا لدراسة وتحليل من قبل علماء النفس والاجتماع والبيطرة والسياسيين على حد سواء وكانت تدور الكثير من الاسئلة في مخيلة الشعب الامريكي بعد ان انتهت معركة الرئاسة ليشغل نفسه بمعركة بارني وتصرفه الغريب الذي يتنافى وتقاليد البيت الابيض فصفة العض تخص الرؤساء وليس كلابهم وليس من اللائق ان تظهر في وسائل الاعلام في تلك اللحظة الحرجة, ومع هذا اعتبر تصرف بارني غير حكيم وفسره البعض بأنه نتيجة طبيعية لأزمة عصبية هزت عواطفه او نوبة من الاكتئاب الفكري بسبب نتائج الانتخابات, وربما ارهاقا ذهنيا بسبب الخسارة المخزية التي حظي بها حزب صاحبه, بينما يرى السياسيون ان السبب يكمن خلف المصير الضبابي القادم الذي لا يعرف عنه بارني شيئا فقد تعود على حياة ترف وسلطة ونفوذ يضاهي نفوذ الكثير من المسئولين الامريكان وليس من السهل فقدان كل هذه الامتيازات دفعة واحدة.


المعارضة لها وجهة نظر مختلفة حول تصرف بارني تلخصه بالعار الذي سيلازمه ما تبقى من عمره سيما ان أصله يرجع الى فصيلة راقية النسب ومشهورة جدا لا تقل شهرة عن شبكة نسب صاحبه وان النهاية المخجلة التي أنتهى لها ستسجل في تأريخ العائلة وهذا أمر خطير ربما سيؤثر على الأجيال القادمة من الكلاب التي سيلاحقها العار دون ان يكون لها دورا في تركة بارني الثقيلة, التحليلات تتناقض وتتباين لدى الناس وفي مخيلة الكلب الوفي حيث تمتد الى حدود مفتوحة تجمع ما بين الصدمة والشعور بالذنب والغيرة والحسد وربما تصل الى الحقد المكبوت الذي وجد الفرصة المناسبة لينفجر كالبركان الثائر متقيئا الحمم التي تغلي في داخل بارني.


وحتى يتبين المرشح الجديد الذي سيحل محل بارني خلال الشهرين القادمين سيكون للحديث منحى آخر.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت  / ٠١ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٩ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م