المقاومة العراقية ...

 

 

شبكة المنصور

جلال عقاب يحيى

 

لم يعد مستغرباً، في مرحلة الاستثناء، أن يجري قلب الحقائق، وإغراق البديهيات بأطنان فلسفية، ومصطلحات، وأفكار تتعمّد الغوص في الغموض، وتعقيد المفاهيم، والرؤى سوقاً، ووصولاً إلى نتائج تصبّ مباشرة، أو من حيث النتيجة في المطحنة التي ترحي كافة مقومات الفعل ورد الفعل والصمود في شعوبنا، ودفعها إلى هاوية اليأس حين لا تجد في مواجهتها، أنّى التفتت سوى المشاريع الأمريكية المتهاطلة، وقرع نتاج الخضوع، والانبطاح، والواقعية المستسلمة التي تكثر من الموجبات لتبرير المواقف الانهزامية .

 

نعم، لم يعد مستغرباً أن نقرأ، ونسمع إدانات متعددة اللبوس، والمبررات، والتوصيفات للمقاومة العراقية..تارة عبر وصمها بالإرهاب الدارج في قاموس وحيد القرن وذيوله وأتباعه، وتارة أخرى بتحميلها مسؤولية أعمال لم يعلن عن جهتها المحتل صراحة حتى الآن، وهناك من يدعو إلى إسقاطها بدعوى : الحفاظ على وحدة الشعب العراقي، أو انتظاراً حتى تنضج كافة ظروف المقاومة عند الجميع، ولدى الجميع. أو : بحجة الخوف على العراق من خروج القوات الأمريكية الغازية....وما قد يحدثه ذلك من مخاطر الاقتتال الداخلي، والحرب الأهلية..!!.


****

 

ومن التهم (القاسية) لهذه المقاومة القول بأنها من "فلول النظام السابق" !. أو " بعثية"، وكأن مقاومة البعثيين وأنصارهم حرام، وممنوعة، ولا يجوز .وأن عليهم السجود للمحتل ومن حمله معه من أنصار وعملاء، وانتظار رحمتهم، وما يجيدون به من قوانين (البراءة)، و(التوبة) التي قد ينظر فيها ضمن " قانون اجتثاث البعث " !!.

 

هذا في الوقت الذي تسعى فيه جهات عديدة إلى نفي الصفة العراقية عن هذه المقاومة الباسلة بنسبها إلى جهات أخرى (شبحية)، أو عبر محاولة زجّ، أو تضخيم دور القاعدة، والوهابية، والسلفية، و(الأجانب)، و(عابري الحدود )..وصولاً إلى نتائج مقررة سلفاً...


****

 

بداية ، فإن المقاومة ، أية مقاومة، في العهود الموغلة، أوالعصر الحديث . عندنا أو عند غيرنا، هي بالأساس ردّ فعل طبيعي، مشروع، معروف، مكرّس ضد أية قوى خارجية تمس سيادة واستقلال التراب الوطني لأي بلد..فكيف ونحن في القرن الواحد والعشرين الذي اعتقد فيه الكثيرون أن عهد الاستعمار المتوحش، الاحتلالي قد ولى وانتهى ؟؟!!


وكيف لا تكون هناك مقاومة وغزو العراق مخطط فاضح مفضوح انتهك كل القوانين والمواثيق الدولية، وأعلن بفجاجة قلّ نظيرها في التاريخ..على أن تدمير العراق، وتحطيم قواته المسلحة، العمود الفقري في جميع حروب الأمة العربية، واستباحته للصهاينة وشركات النفط والسلاح، واستخدامه قاعدة استراتيجية للسيطرة على عموم الوطن العربي، والعالم الإسلامي..أمر يتجاوز النظام العراقي، أياً كانت طبيعته، والقوى التي يستند إليها، أو ممارساته، خاصة في مجال الحريات الديمقراطية ، ومستوى الشمولية والأحادية؟!!..وأنها جزء من استراتيجية جرى الإعداد لها منذ عقود
ليكون العراق قاعدة ومنطلقاً إلى عموم البلدان العربية، والجوارية .


كيف لا تكون هناك مقاومة، ومقاومة نوعية وهذا هو العراق التليد، ابن الحضارة البكر التي علّمت البشرية الحروف الأولى، والقوانين، وألف باء المعمار والهندسة..؟!!..وهو الذي كان عاصمة العباسيين لأزيد من ستة قرون ، حين كانت الحضارة العربية الإسلامية تصول وتجول في العالم ؟..


*ـ ثم كيف لا تتولد مقاومة نوعية وعراق التاريخ الحديث، عراق ثورة العشرين، وعراق احتضان آلام وآمال الأمة لم يبخل يوماً عن تقديم التضحيات السخية في جميع معارك الأمة؟!.


****


المقاومة العراقية، وبغض النظر عن تلاوينها، وقواها الرئيس، ومن ينضوي فيها، ومن التحق بها، وتلك التي ستنضوي تحت راياتها : اليوم أو في الغد ..هي رد الفعل الطبيعي، الشرعي، المشروع على ذلك الاجتياح الإجرامي الذي اخترق الشرعية الدولية وحطّم دولة بالكامل . وذلك أياً كانت مفرداتها وقواها، وطبيعة المنضوين فيها، وساحات عملياتها، وقياداتها، ومشروعها السياسي المعروف، أو الغامض، أو غير المعلن..


****

 

الأكيد، الأكيد، وطبول احتلال العراق تقرع منذ مجيء الإدارة الأمريكية الحالية..أن القيادة العراقية كانت تدرك جيداً أن الغزو قادم لا محالة، وهي وإن حاولت الدفاع عن العراق بما تستطيع من حشد وإعداد( بغض النظر هنا عن الانهيار وخلفياته، وعن وضع البلد في ظلّ حصار مرعب، وما يحكى عن الخيانات، والتخاذل، والفوضى، أو الاختلال المريع في موازين القوى)، فإن تلك القيادة قد وضعت، فيما وضعت، احتمال الانكسار العسكري، وبالتالي الإعداد لمرحلة المقاومة الطويلة . وهذا ما يفسر سرعة، وقوة، وشمولية، وحرفية المقاومة العراقية التي نهضت في زمن قياسي
قلّ أن عرفناه في حالات أخرى .

 

****

 

إن المتتبع لبيانات المقاومة العراقية، خاصة على الأنترنيت، يعرف، دون لبس، أو محاولة تشكيك وتتويه، أن المقاومة العراقية بجسمها الرئيس، وقواها الأساس قد انطلقت من البعث. وأنها، بجذرها، وتنظيماتها الأولى، وما يستلزمه العمل من مقومات مختلفة، قد جرى التفكير به، والإعداد له في مرحلة ما قبل الغزو. الأمر الذي يفسر تلك السرعة، والانتشار، والفاعلية.

 

هذا دون أن نتجاهل، أو أن نغفل دور أحزاب وقوى قومية وإسلامية ويسارية، أعلنت منذ مرحلة الغزو وقوفها في خندق المقاومة، وانتقالها إلى الفعل ضمن تشكيلات عبرّت عن نفسها في الأشهر الأخيرة فيما يعرف ب" جبهة تحرير العراق" التي تضم مجموعة من القوى والتلاوين السياسية .

 

ودون أن نغفل، أيضاً، إقدام مجموعات شعبية(عادية)، وإسلامية لا تنضوي في أي تنظيم محدد على العمل المقاوم، بما في ذلك بعض العمليات الفردية التي تمثل رد الفعل الطبيعي على الاحتلال والامتهان والإذلال، وعمليات القتل اليومي، والاستباحة الشمولية للعراق، والقيم، والأعراف والتقاليد، والشرف.

 

وبالوقت نفسه، وإذا كان فخراً للمقاومة العراقية أن تضم في صفوفها متطوعين عرب قدموا إلى العراق للقيام بواجب الأخوة، وكذا بعض المسلمين الغيورين على دينهم وعقيدتهم، فإنه مما لا شك فيه أن العراق المستباح قصداً، والمفتوح الحدود من كل الجهات ، هو ساحة مواجهة لجميع من يريد الاقتصاص من الممارسات الأمريكية، بما فيهم تنظيم القاعدة، أو غيره من التنظيمات الإسلامية، وربما العالمية .

 

لكن، وفي جميع الحالات، وبغض النظر عمّن يكون المسؤول عن بعض التفجيرات التي يذهب ضحيتها عراقيون أبرياء، بهدف خلق فتنة داخلية، وإيجاد مبررات لا ستمرار الاحتلال الأمريكي، وهي العمليات التي لا يد للمقاومة العراقية بها..


فإن المقاومة التي تعرف تصاعداً شاملاً هي مقاومة عراقية جسداً وروحاً وتخطيطاً وتنفيذاً..وهذا ليس بغريب على العراق وشعبه، وقواه الحيّة. وأن كلّ الاتهامات التي تقف وراءها ترسانة إعلامية عملاقة، وقوى دولية، وأبواقاً كثيرة، بمن فيهم الكثير من العرب، لتجريدها من عراقيتها، ومن مشروعها التحرري بطرد المحتل وتطهير العراق منه..هي اتهامات يفضحها الواقع، وعشرات آلاف المعتقلين، والشهداء، والفدائيين الذين ينتشرون في عموم أرض ومحافظات العراق .

 

****

 

المحدودية .. والشمولية ..

 

لقد جرى تركيز مقصود، ملغوم، منذ البداية، على ساحة عمليات المقاومة بمحاولة حصرها في مناطق العرب السنة، فيما أصبح شائعاً في جميع وسائل الإعلام ب" المثلث السني"، ثم محاولات التفسيخ والتقسيم الفئوي، والعرقي..بتوصيف المقاومة على أنها سنية الجسم، والعمليات، والميادين، وربما : البرنامج . وأن " الحالة الشيعية" خارجها، ولها حساباتها ومواقفها، ومراهناتها ..وكذا الأمر في " الحالة الكردية"، والتركمانية، والكلدانية والآشورية. أي جميع العراقيين عدا العرب السنة ..

 

ولئن كانت لوحة التعدد المذهبي ، العرقي في العراق تستلزم دراسات خاصة مستقلة، لما فيها من تنوع، وتشعب، وتداخل..


فإن المقاومة العراقية بما هي فعلاً، أي بمكوناتها البشرية، ليست وقفاً على العرب السنة. ذلك أن حزب البعث، إذا اعتبرناه جسمها الرئيس، وهو كذلك، لم يكن حزباً سنياً مقفلاً على هذه الفئة، ولم يكن الشيعة ممنوعين من الانخراط به. على العكس، فإن مناطق الجنوب العراقي كانت ، تاريخياً، الأرض الخصبة للأحزاب القومية والاشتراكية بكل تنوعاتها، وكان البعث واحداً منها الذي عرف انتشاراً واسعاً فيها، وبرزت منه قيادات معروفة(قبل الحكم وبعده). وتدلّ المعلومات أن عدد البعثيين المسجلين في حزب البعث، من مناطق الشيعة، كبير، ويتجاوز المليون .

 

هنا ، وبغض النظر عن نسبة المنتفعين والانتهازيين والمجبرين (لأكثر من سبب) على الانخراط في حزب حاكم، فمن المؤكد أن نسبة ملموسة من هؤلاء مؤمنة بالأهداف المعروفة، ومستعدة لحمل السلاح دفاعاً عن وطن احتل علانية. وهذا ما تعلنه المقاومة العراقية التي ترفض رفضاً قاطعاً تلك التوصيفات المذهبية الملغومة، مدللة، رغم التعتيم الإعلامي المرعب، أن الكثير من العمليات الجريئة تجري في المناطق الشيعية، وأن آلافاً من العراقيين الشيعة ينخرطون في صفوف المقاومة، كبعثيين، أو ضمن الفصائل الأخرى المقاتلة .


*ـ أما الحالة الشيعية السياسية، خاصة تلك التي تبرزها وسائل الإعلام والتي يجري تصويرها
على أنها حالة كلية، مترابطة، متماسكة، منضوية بكل انضباط في واحدة من المرجعيات، أو غيرها ، وتخضع تماماً لما يصدر عنها من فتاوى ..


فإنها، وإن كانت تحتاج إلى دراسات خاصة، وتلقي بالظلال على آثار الأحادية والشمولية، وغياب الديمقراطية، في حلّ المعضلات الاجتماعية ، فهي إفراز مكونات تاريخية قديمة.


*ـ إن الحالة الشيعية، الدينية..التي تحاول استقطاب الجمهور الشيعي البسيط عبر استغلال ممارسات النظام القمعيةـ العنيفة، وتأجيج نوع من المظلمة التاريخية..، وتغليب الديني على الانتماء الوطني والقومي، ومحاولة تجيير أوضاع معقّدة، وتراكمات لعبت فيها مجموعة عوامل، كي تصبح الحالة السياسية مندمجة بالحالة العقيدية، ومعبّرة عنها ، خاصة في ظلّ الانهيار الذي حصل، وغزو المحتل وما جاء به من أفكار وقوى ومشاريع.


وبرغم حالة الفراغ التي تلزم قطاعات شعبية على البحث عن الحماية والتعويض، وربما الانسياق في حالة جمعية أقرب إلى الكتلة المذهبية..فإن (الشيعة) ليست حالة متجانسة، مهما كان دور هذه المرجعية أو تلك فيها، وكذا الأمر دور ومدى تأثير الجوار الأقليمي، وحساباته، وإمكانية الاستفادة من هذا الوضع واستثماره لصالح أوضاعه الخاصة..


كما أن حالة الإحباط التي تعمّ الشارع العراقي من الوعود الأمريكية السخية، وحالة الغضب إزاء الممارسات التقسيمية، النهبية، الفئوية، وما تحمله من مخاطر على وحدة العراق..وذلك (القانون ـ الدستور المؤقت الذي يكرّس تقسيم العراق على أسس عرقية ومذهبية، ويؤسس لتأبيد الاحتلال باتفاقاته الأمنية وقواعده العسكرية التي يريد إقامتها ) تدفع حتى المرجعيات الشيعية، بمختلف تنوعاتها، إلى ممارسة نوع من المقاومة المتصاعدة، المفتوحة الأبواب على إمكانية امتشاق السلاح . وهذا ليس بغريب، أو جديد على الحالة الشيعية التي كان لها دور بارز في ثورة العشرين
ضد المحتل البريطاني . وفي جميع مراحل النضال الوطني والقومي .  خاصة وأن البعبع، أو الدريئة التي حاول البعض التخويف بها : النظام، والرئيس صدام حسين، لم يعودا موجودين، وأصبح الجميع وجهاً لوجه التحديات التي ينتجها المحتل ومشروعه الإجرامي الذي يطال الجميع، والعراق بالدرجة الأساس .


*ـ ولئن كانت للحالة الكردية، المرسمّة في الحزبين الكرديين : الإتحاد الوطني الكردستاني، والاتحاد الديمقراطي، (آخذين بعين الاعتبار بعض الفروقات بينهما، خاصة لجهة مواقف مسعود البرزاني، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي) تاريخيتها في المراهنة على الخارج لتحصيل ما تعتبره حقوقها المشروعة التي عجزت النظم العراقية المتعاقبة عن تحقيقها، (رغم إقرار النظام العراقي لقانون الحكم الذاتي منذ العام 1971 )..فإن قطاعات كردية هامة، ومختلفة لا ترى في هذا التجيير الكردي مصلحة لأكراد العراق، أياً كانت (المكتسبات) التي يتم انتزاعها في هذا الظرف الاستثنائي. ذلك أن مستقبل الأكراد لن يكون إلا من خلال وحدة العراق المعززة بالمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين، وعلى قاعدة تعزيز الأخوة العربية الكردية المعمّدة تاريخياً. ولذلك فإن بعض التنظيمات الكردية ، كأنصار الإسلام، وبعض العناصر المنضوية في البعث وغيره من القوى العراقية تمارس العمل المقاوم منذ البداية .

 

*****

 

المقاومة والحلفاء .. والبرنامج ..

 

يعيب البعض على المقاومة العراقية أنها مجردة من الحلفاء، وأنها بلا ظهير إقليمي أو دولي. ويقول بعضهم : (( ..لم يدخل في أوراق تاريخية مقاومة مجردة من الحلفاء الإقليميين


والدوليين، ولا مقاومة مجهولة الوجه والعنوان ..)) (*) .

 

والحقيقة أن هذه " التهمة" لا تخصّ المقاومة العراقية بقدر ما تمثل إدانة صارخة للوضع العربي أساساً، والإسلامي خصوصاً، والعالمي بشكل عام .


وإذا كان شرّ البلية ما يضحك..فهل يمكن لأحد أن يتصور أن تسقط عاصمة الرشيد تحت الغزو الحاقد الذي لم يستطع تأمين غطاء دولي...ولم تتجرأ عاصمة عربية من /ال21 /عاصمة أن تعلن الحداد ولو ليوم واحد حزناً، أو ألماً على بغداد العظيمة، أو استنكاراً، على الأقل ؟!!..


ومن يصدّق أن يأتي" مجلس حكم" يراد منه أن يقرر مصير العراق، ويرهنه في اتفاقات أمنية وغيرها، لا تحول  ولا يحق لأي حكم قادم أن يلغيها، ويعلن التاسع من نيسان / يوم سقوط بغداد / عيداً وطنياً للعراق، يلغي كافة أعياده السابقة!!!..وأن يلغي منطقة كانت تسمى بالسابع من نيسان/ذكرى تأسيس البعث/ ويستبدلها بالتاسع منه ؟!!..


*ـ ثم هل تتجرأ عاصمة عربية على رفض قرار أمريكي، حتى وإن تعلّق بأهم وأعزّ القضايا : فلسطين، التي يقولون أنها مركز الالتقاء..فكيف بهم لو أعلنوا نوعاً من التأييد، أو التعاطف مع المقاومة العراقية ؟!.


وهل مسؤولية المقاومة العراقية أنها دون سند عربي أو إقليمي، أو دولي ونحن في مرحلة التوحش الأمريكي لإدارة تمثل قمة اليمين المتطرف ؟!!..


*ـ لكننا لو أجرينا استفتاء للشعوب العربية لعرفنا وقتها موقع هذه المقاومة في قلوبها، ومدى تعلقها بها، وأمنيات الملايين بالانخراط فيها لو توفرت الظروف المناسبة..

 

إن المقاومة العراقية، إلى جانب شقيقتها المقاومة الفلسطينية، هي الأمل شبه الوحيد في هذا الظلام العربي الحالك..هذا الانهيار الذي لم تعرفه الأمة، وربما أمة أخرى في تاريخها، والتي وصلت، على يد حكامها، إلى درك يثير الشفقة التي لم ينفع معها كل أنواع الغضب.

 

*****

 

قد تكون المقاومة العراقية مطالبة بالكثير، خصوصاً وأننا نريد أن نحمّلها فوق طاقتها، وكثيرنا يريد إلقاء عجزه، وسخطه، وغضبه، واحتقانه، وما يعانيه من امتهان وقزامة ورد فعل عليها، مثلما هو الحال بشأن المقاومة الفلسطينية .

 

نعم المقاومة العراقية مطالبة بأن توضح برنامجها، واستراتيجيتها، وعراق الغد الذي تؤمن به، أو تتصوره، بما يتجاوز ما يقال : أن المهمة المركزية الآن هي طرد المحتل، وفقط ...


ومطالبة أكثر بأن تنفتح، وعلانية على جميع قوى وتشكيلات وأطياف العراق، باعتبار ذلك مدخلاً ومخرجاً لعراق موحد يكرس المواطنية الحقة، والتساوي في الحقوق والواجبات بين الجميع، ويفتح المجال لمصالحة شاملة تفرز وتعرّي الخونة والعملاء(أولئك الذين عرّتهم الأحداث والدبابات الأمريكية التي قدموا عليها)، وتسقط كافة المراهنات على عودة للنمطية السابقة، كما تسقط الأحادية، والدكتاتورية، وتؤسس لعراق ديمقراطي حر ..ونعتقد أن المقاومة العراقية لابدّ أن تنجز هذا العمل في الوقت الذي تراه مناسباً، خاصة بعد نجاحها في تشكيل " جبهة تحرير العراق" من
مجموعة من القوى والتيارات، والتي تعني اعترافاً وإقراراً بالغير، وبمستقبل عراقي مفتوح .

 

****

 

بقي أن نقول لمن يطالب بوفاة واندحار هذه المقاومة..أن هذه المقاومة البطلة حققت الكثير في جميع المجالات، وأنها الآن محور التغيير ليس على صعيد العراق، بل والمنطقة والعالم .

 

لقد أوقفت اندفاعة الوحش الأمريكي الذي جاء العراق وبحوزته مشروع متكامل للمنطقة، فتمكنت من تمريغه بوحل العراق، ومن تصدير أزمات شديدة له في كل صعيد، كان أكبر المستفيدين منها هؤلاء المتعاملين مع المحتل، الذين لم  يتصوروا أن يضطر الأمريكان لتصديرهم ومنحهم بعض الصلاحيات، وإبرام اتفاق معهم على تسليم السلطة في نهاية حزيران/جوان القادم لولا أن المقاومة العراقية هي التي فرضت معادلة تختلف عمّا كانت تحمله قوات المحتل من أشكال سياسية لحكم مباشر. مثلما كان المستفيد الأكبر نظم المنطقة المستهدفة، إن كان في إيران، أو سورية، أو السعودية،
أو مصر، أو عموم الأقطار العربية .


ولنا أن نتصور لو لم تكن هذه المقاومة موجودة، ولو لم تلحق به الضربات الموجعة، والخسائر الفادحة التي يحاول تغطيتها بكل الوسائل ..ما الذي كان سيحدث في العراق؟. وبلدان المنطقة ؟..وهل كان المشروع الأمريكي الغارق في المستنقع العراقي سيكون بهذا التخبط، والهشاشة التي هو عليها الآن ؟؟!!!..


*ـ نعم . المقاومة العراقية تضع الآن الإدارة الأمريكية، ومن خلفها مستقبل العالم في ميزانها. ذلك أن مصير هذه الإدارة في الانتخابات القادمة سيقرر في العراق، وإن كانت بعض الملامح تلوح إثر الضربات الموجعة التي توجه للقوات الأمريكية وأذيالها، ولانفضاح الأكاذيب التي ألّفوها كتبرير لاحتلال العراق .

 

****


*ـ إن من حق المقاومة العراقية التي تدفع ضريبة الدم عنّا جميعاً، أن تلقى الدعم المتعدد الأشكال من أخوتها العرب..إن طلبت ذلك أو لم تطلب..


إن صيغاً متعددة يمكن أن تنهض لدعم المقاومة، وعلى الأقل فكّ الحصار الإعلامي عنها، ومساندتها في مواجهة حملات التضليل والتشويه، وإقامة لجان مساندة ودعم بكل الوسائل المتاحة. وهي ممكنة على صعيد الشعوب العربية والإسلامية..عبر أحزابها وقواها وتنظيمات المجتمع المدني..


ومن حق المقاومة العراقية علينا أن نكون عوناً لها، وإن لم يكن بمقدورنا ذلك ، فعلى الأقل أن نسكت ، خاصة وأن أغلبية المتعاطين بهذا الشأن ، والذين يدبّجون المقالات النقدية، والاتهامية، أو يسهمون في ذبحها، وإعطاء صور قاتمة ومشوهة عنها لا يملكون الكثير من المعلومات عنها ، وعن حقيقة ما يجري في العراق، اللهم إلا ما تظهره وسائل الإعلام الملغومة، أو المغلوبة على أمرها، أو المحاصرة والممنوعة ..


ويكفي أن نقول أن العدو الذي كان يعترف، عبر قياداته العسكرية الرسمية، عن قيام نحو /25/ عملية في المتوسط اليومي، ولا يعلن سوى عن عدد محدود منها، إنما يقول لنا أن عمليات المقاومة تتجاوز المثلث السني، وأن خسائره أكبر بكثير مما يعلنه .


وبدلاً من أن نتهم المقاومة العراقية بأنها كانت خلف التفجيرات في كربلاء وبغداد، وقبلها بعض العمليات التي لم تعلن حتى قوات الاحتلال مسؤولية المقاومة عنها، بينما نفى تنظيم القاعدة مسؤوليته ...أن ندقق فيما نكتب، وألا نغلّف المواقف بهذا الستار الحرصي، التنظيري .


إن عراقاً حراً ، ديمقراطياً، يكرس التعددية، والمواطنية المتساوية الحقوق والواجبات، والتداول على السلطة الذي يقرره الشعب في انتخابات حرة لممثليه الحقيقيين، لن يأتي تحت الحراب الأمريكية وبظلّ احتلالهم للعراق، كما لن تستطيع قوى عميلة، وذيلية خانت الوطن، وتعاملت مع المحتل أن تعطي ما تفتقده، هي التي تدرك أن انتخابات نزيهة ستلفظها، وستضعها في المكان الطبيعي، شأن جميع العملاء والخونة على مرّ التاريخ .

 

 

(*) ـ إشارة إلى مقال صادر في جريدة السفير اللبنانية، لكاتبه : توفيق شومان، بعنوان :
" تفجيرات العراق بين براءة الذئب والطرب الوحدوي " .

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٠٣ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٠١ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م