الاحزاب الطائفية الصفوية .. لا عراق ولا ديمقراطية

 

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس  / أكاديمي عراقي

 

أكدنا مرارا ان ما أصطلح على تسميتها باحزاب المعارضة للنظام الوطني العراقي قد جمعها جامع واحد فقط لا غير هو معاداة النظام الوطني وقيادته التاريخية كل لاسبابه الخاصة غير ان ما كان يفرقها من العوامل لا يعد ولا يحصى واساس الافتراق هو اختلاف المشاريع التي يحملها كل طرف من هذه الاطراف الى حدود التناقض الفاضح.

 

اتفقت اطراف العمالة والخيانة مع اميركا على ان يكون شعار اسقاط الدكتاتورية هو احد مسوغات الغزو. كان هذا الشعار بالنسبة لاميركا لا يشكل أية اولوية بل كان في ذيل اهتماماتها ولم ترفعه بصوت عال، الاّ بعد ان تبين وانفضح زيف وكذب مسوغاتها الاكثر اهمية وتلك التي حشدت ما استطاعت ان تحشده لها من تاييد دولي واهمها امتلاك العراق لأسلحة التدمير الشامل التي تهدد العالم برمته وارتباط العراق بالعلامة الفارقة للارهاب تنظيم القاعدة. غير ان شعار اسقاط الدكتاتورية كان هو المنطلق الاول للاحزاب الصفوية وللحزبين الكرديين العميلين ليس لانهم يؤمنون بالديمقراطية كبديل لما يسمونه بالحكم الشمولي بل لان لكل منهما اغراضه وغاياته من تحويل العراق الى دولة غير مركزية ضعيفة واهنة القرار وبغير أي ضابط حقيقي يضبط حركة الاجزاء  _ المحافظات _ بالمركز بغداد. سنستعرض أدناه ما نراه وما قد اضحى الآن واضحا ويستدل عليه بعشرات الادلة.

 

وقراءتنا تتلخص في ادناه ...

المعارضة الكردية العميلة ...

 

احتمت الاحزاب الكردية العميلة بخطوط الطول والعرض التي انشاتها اميركا عام 1991 اثر احداث الكويت. وتصرفت هذه الاحزاب على انها خارج سلطة الدولة في كل شئ عدا امدادات الوقود والغذاء وميزانية المحافظات واسست عمليا لصيغة ادارية اقل ما يقال عنها انها صيغة انفصال كونفدرالية ان اردنا ان نتجنب الاسوأ في الوصف وهو الانفصال الفعلي. لذلك وبمنتهى البساطة صارت احدى اهم اجندات الاحزاب الكردية هو انهاء العراق دولة واحدة قوية لان مثل هكذا عراق سوف يعني عدم استمرار الوضع الانفصالي الذي خلقته اميركا بما اسمته بالملاذ الآمن في شمال العراق, انه يعني ببساطة انهاء الحلم الانفصالي الذي يعتمد عليه ويشكل البناء الايديولوجي الذي تتحرك ضمنه زعامات الاحزاب الكردية العميلة الخائنة.

 

ان الاتفاق على شراكة ما بعد الاحتلال بين الاحزاب الكردية العميلة وبين الاحزاب الصفوية العميلة هو اتفاق يحمل روحا مرحلية حتمية رغم ان الطرفين حاولا ان يمنحاه اطارا سترتيجيا ويعزى ذلك الى ان لكل من الطرفين اهداف مطمورة تحت اللفظيات المتداولة وان اللقاء والشراكة لا تعدو كونها اتفاق يقتصر على بث الفوضى في ارجاء البلد لتأمين سرقة الوقت ورأس المال الكافي لتقوية قواعد التواجد على الارض.

 

هل يستطيع احد ان يقدم لنا دليلا واحدا ان الخونة المتوافقين تحت قبضة اميركا قد وضعوا أي تصور فيه ادنى قدر ممكن من تفاصيل الفيدرالية التي اعلنوها كنظام  لهيكل الدولة البديلة التي سيؤسسونها على انقاض دولة العراق الوطنية؟  هل كان من باب التعجيز ان تحسم اميركا نوع الفيدرالية قبل الغزو والاحتلال؟ لماذا تركت اخطر حلقة من حلقات تقويض الدولة العراقية مفتوحة النهايات؟

 

الاجابات في غاية السهولة .. وهي ان العملاء الكرد الانفصاليين يعلمون علم اليقين ان الدخول في التفاصيل سيقوض الاتفاق الظاهري ... فساروا في طريق يحمل معنى واحد وهو ان يعرضوا العراق والعراقيين الى تدمير وهلاك غير مقنن ولا محسوب العواقب وفي هذه الاثناء يحاولون ترتيب الاوراق التي تعزز الانفصال تدريجيا مع كل سبل التمويه والخداع والضبابية التي يجيدونها وتحسب لهم على انها .. خبرة سياسية ..!! ان الاحزاب الكردية المجرمة قد مارست تدريجيا وبشكل متزامن مع الشريك المرحلي تفجير الصراعات الدموية العرقية والطائفية في الحافات المحاذية لخط الملاذ الآمن الامريكي وهم يعلمون علم اليقين ان هذه الصراعات هي التي تؤمن لهم ذبح العراق كدولة .. لقد اخذوا على عاتقهم تنفيذ المخطط الدموي التفتيتي الاجرامي في هذه الرقعة من ارض العراق الطاهرة.

 

ويمكننا الآن ان نلتقط نتيجة عرضية للعملاء الخونة الصغار الذين تكاتفوا مع الطرفين الفارسي والكردي ممن اسموا انفسهم ممثلين للاقليات العراقية، وهي ان هؤلاء الآن يجنون عقابهم الرباني اذ بدات كلتا الجهتين الممثلتان لحجم الفيل الخائن لا تكتفي بذبحهم واقصاءهم تدريجيا بل واكثر من هذا حيث انهم الآن يصرخون وجعا من عملية الخداع الديمقراطي التي صاروا فيها محض سكاكين قذرة لذبح وطنهم .. وهاهم الآن يخسرون الارواح والعراق والديمقراطية ولسان حالهم يقول .. على نفسها جنت براقش. لقد كان ضم اطراف من الاقليات الى المعارضة هو بهدف اعطاء هذه المعارضة العميلة غطاء شمولي لا اكثر ولا اقل وتم اشراكها في حكومات وبرلمان الاحتلال كغطاء للتصفية الجسدية والتطهير الاجرامي.

 

المعارضة الطائفية الصفوية العميلة ..

 

سأتعامل معها الآن على انها تشكيل واحد رغم انها ليست كذلك ولكن هذا التعامل مقصود من الآن وحتى نضع نقطة النهاية لهذه القراءة المتواضعة. ان هذه الكتلة تعمل على هدف مطمور باطني حيث انهم اتخذوا من كل ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر لندن الخياني وكل ما ستتمخض عنه مرحلة سنوات ما بعد الاحتلال محض خطوات تمهيدية للوصول اليه .. والهدف الصفوي هو الحاق العراق من دهوك حتى كاظمة بالدولة الفارسية. ان الاعلان عن هكذا هدف قبل الغزو كان سيمزق أي وصلة تجسير بين الكرد والصفويين وسيكون ايضا فضح للشراكة الايرانية في خطة احتلال العراق واحراج للمخطط الامريكي برمته ..

 

ان كلا الهدفين .. الصفوي الفارسي من جهة والكردي العميل من جهة اخرى يلتقيان في نقطة تفجير الاوضاع الداخلية وفق تدرج معين لكن لكل منهما اغراضه المتناقضة .. فالحزبين الكرديين يريدان تثبيت حالة اللا مركزية التي توفر لهم في اقل تقدير بقاء الوضع الكونفدرالي الى سنوات قادمة ريثما يتمكنون من ضم كركوك لتصبح مصدر الثروة الذي يؤسسون عليه احلام الانفصال .... في حين يهدف العجم الشيعة الى تقليص عدد السكان العراقيين من الاقليات التي تشكل بالنسبة لهم هاجسا مرضيا لا يتوافق مع الروح الطائفية من جهة ويزعج الى قدر ما فكرة الغاء الروح العراقية المتأصلة عند هذه الاقوام ومنهم الاقليات الدينية بشكل خاص باعتبارهم من اهل الذمة ولا يمكن احتواءهم في دولة الحجة المنتظر ... مقتدى الصدر او عمار الحكيم. هنا نلاحظ ان محطات ومواقع الاحتراق السهل مشتركة بين الكرد العملاء والعجم الشيعة ... غير ان غايات كل منهم النهائية لا تلتقي بأي حال من الاحوال.

 

ان الكتلة الصفوية التي بدى للبعض انها متراصة وانها ستكون كتلة ذات ارضية جماهيرية صعبة المراس وان اسس التقاءها نهائية هي في الواقع خليط من مكونات يستحيل ذوبانها مع بعضها البعض وان جذور الخلافات بينها اعمق بكثير من ان يراها الاّ من هم على تماس حقيقي بجوهر مكوناتها وان الكتلة الجماهيرية التي راهنوا على غلبتهم من خلالها هي ليست ملكهم وان حصتهم فيها لا تعدو سوى المستعجمين والجهلة وان تحشدها معهم الذي اعلن عنه بطرائق ممجوجة بعد الاحتلال ان هو الدليل القطعي على عدم تجانسهم كونه حشد اعلامي مفبرك ومؤسس على نفعية وخداع واستقطاب لغرائز عفوية . وهنا نصل الى استنتاج هام وهو ان فكرة التحالف مع الكرد هي فكرة هشة ولا نظن ان جلال طالباني واعوانه تضيع عليهم خيوط العنكبوت التي مدّوا ايديهم لها وصورت لهم على انها حبال قنّب. فالكتلة الصفوية تشكلت من المجلس وميليشياته البدرية مع الدعوة العميل بأجنحته المختلفة وان الغاطس من مرارات الصلة بين الطرفين اضخم بكثير من نفاق الظاهر. وقد كان لايران دور حاسم في زرع روح الحقد الاسود بين الطرفين رغم ان كلاهما ايراني الكيان والهوى، غير ان الدعوة يريد ويدّعي لنفسه عراقة ومسيرة عمل سياسي تمنحه حق الزعامة في حين ترى ايران بالمجلس وليدها البار والذراع التي اعطاها سحنة سمراء عراقية حين كانت قوات الفيلق بقيادة المقبور محمد باقر الحكيم تستخدم كقوافل بشرية تزيل حقول الالغام العراقية عن طريق هجمات الجراد الخميني ووصل الشق العميق بين الطرفين العميلين ليس فقط في تسويد عيشة الدعوة العملاء وعوائلهم في ايران بل والى اصدار فتوى باقرية بتحريم الانتماء الى الدعوة !!!. هذه التفاصيل وسواها كثير لا يمكن ان تغيب عن اذهان الشركاء الكرد ... وعليه فان من المرجح ان كلا الطرفين يدركان ان شراكة ما قبل وما بعد الاحتلال ان هي الاّ لفترة محددة لابد ان تنفرط، غير ان من المستبعد ان يكون الكرد على دراية بخطة فرسنة العراق كله بما في ذلك محافظات الحكم الذاتي.

 

ويبقى سؤال يفرض حاله بين هذا الغاطس وذاك المكشوف ... هل يعقل ان يصدق الكرد العملاء ان ايران يمكن ان توافق على ضم كل اجزاء العراق تحت ادارة عملاءها عجم العراق وتترك محافظات الشمال تشكل جيبا يتواصل مع اكراد ايران الذين لا يوجد أي عائق لا عقائدي ولا جغرافي يمنع تسويق فكرة الالتحاق بدولة الكرد الحلم ؟

 

الجواب في تقديري ان الفكرة الاجمالية معروفة لدى الطالباني وجماعته على الاقل بحكم تعامله كعميل مزدوج مع ايران لسنوات طويلة ... غير ان جموح فكرة الانفصال واحتمالات الحماية الامريكية كثمن للعمالة قد استحوذت على عقولهم المشوشة بانتظار ما تفرزه الاحداث .... وان الاحداث القادمة ستشهد محاولة ميدانية لتصفية الدعوة لصالح المجلس وبدر لتامين هيمنتهم على ما يسمى بمجالس المحافظات و لقبر الخلاف القديم المتجدد والذي قد يؤدي الى عرقلة تنفيذ خطة الاستعجام بسبب اختلاف الرؤى في طريقة تحقيق الهدف وليس في الهدف النهائي نفسه، الاّ اذا تم, وهذا مستبعد, دمج كلا الحزبين في حزب واحد وهو امر يعني نهاية حزب الدعوة تاريخيا.

 

الآن .... قد ظل لدينا مكون طائفي آخر تحت نظر الصفويين ومهمل نهائيا من قبل الاحزاب الكردية العميلة .... سنة العراق ... اقول بثقة ويقين مطلقين ان سنة العراق في خطة فرسنة العراق هم في نهاية المطاف شقين .. من ادخلتهم اميركا عنوة في العملية السياسية ممثلين بالحزب اللاّ اسلامي بدءا، واولئك الذين ورطتهم المخابرات الامريكية في تشكيلات الصحوة وكلاهما سيكونوا مصدر حمام الدم القادم لعملية تحويل العراق الى دولة صفوية .. وستكون الخيارات امامهم هي اما التشييع على الخط الصفوي او الهرب خارج العراق او الموت. ان خطة ضم المراقد المقدسة الى الدولة الصفوية في سامراء ومناطق صلاح الدين الاخرى لا يمكن ان تتم الاّ بفرض الخطة اعلاه .. من جهة, وخطة الوصول الى تأسيس رأس جسر جغرافي لتحقيق اللقاء بجناح ايران في لبنان جغرافيا ليس لها من منفذ الاّ من هنا .... غرب والغرب الشمالي لحدود العراق  ...

 

قد يتهمنا البعض بخيالية الصورة التي رسمناها .. ونحن نقول ان من يعرف فكر ومنهج وايدلوجية وسبل تفكير الاحزاب الطائفية الشيعية الصفوية هو غير من يتعامل معها باسلوب اكاديمي او اعلامي بحت. فنحن ابناء الوسط والجنوب العراقي بل وكل العراقيين العرب الشرفاء والاقليات الاخرى من ابناء شعبنا بما فيهم الكرد يعرفون ان هذه الاحزاب لا يمكن ان تعيش الاّ بعمقها الايراني ولا يمكن لايران ان تديم زخم صلة الرحم بها الاّ وفق هذه البوصلة الاحتلالية التوسعية وان الكثير من العراقيين قد ادركوا الآن بما لا يقبل الشك هذه الصلة العضوية بعد ان سالت دماء الشيعة المقاومين الرافضين للطائفية مع بقية مكونات شعبنا الكريم على ايدي احزاب ايران الطائفية المجرمة.

 

اذن .. عملاء اميركا الخونة يتوزعون بين خطين احدهما يريد الانفصال والثاني يريد تحقيق الالتحاق بالأم التي ولدته وغذته وربته وامدته بكل وسائل الحياة , أي ايران. وكلاهما مارس ومازال كل انواع القهر والتعسف والمذابح والتطهير الطائفي والعرقي والاقصاء والتهجير .. وهذا يعني انهما لا يتعاطيان بالديمقراطية ولا يفقهون معانيها الاّ في حدود الاستخدام اللفظي الذي تقتضيه مرحلة التمويه والخداع وتغطية الغاطس من الاهداف .. وكلاهما ايضا لا يؤمن بعراق واحد موحد. بل انهما عدوان لدودان للعراق الواحد الموحد وفقا لكل معطيات تعاطيهما في السلطة ما بعد الاحتلال ووفقا لاتضاح جزء هام من غاطس الخطط والتفكير.

 

بقى ان نقول .. ان كل ما خططت له اميركا وعملاءها في العراق قد تاسس على خلفية فهم غبي وبليد مفاده استبعاد رد فعل شعبنا العظيم ضد الاحتلال وتفريخاته وافرازاته. ان حسابات البيدر هي ان الشيعة في غالبيتهم المطلقة هم عراقيون عرب وطنيون ولا يمكن ان يشكلوا الارضية التي تدوس عليها اقدام الطبطائية والسستانية والحائرية باتجاه تمزيق العراق والحاقه ضيعة وضيعة بيد ايران، وان اخوة الشيعة في دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم من اهل السنة ليسوا رقما سهلا يضيع بين فكوك الاستعجام الصفوي فذلك هدف دونه الموت الزؤام ... وشعبنا الكردي لا يمكن ان يرتضي بغير حظن العراق الواحد الابي الاشم. هم مكروا ويمكرون .... ونحن نتكئ ونتوكل على مكر الجبار المتجبر .. وستقتلع مقاومتنا البطلة باذن الله كل مَن اراد بعراقنا شرا وسيرى الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت  / ١٧ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٥ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م