الاتفاقية الأمنية ... والمحميات العرقية والطائفية

 

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس  / أكاديمي عراقي

 

لا اظن ان احدا عاقلا في العالم يصدق لوهلة واحدة ان الاتفاقية الامنية التي تريدها ادارة السفاح بوش مع حكومة الاحتلال في المنطقة الغبراء في بغداد المحتلة تقوم على اساس اتفاق طرفين متكافئين. والمؤكد ان الحوارات التي جرت عبر الاشهر الماضية بين الجانب الامريكي وموظفي حكومة الاحتلال الامريكي كان هدفه الاساس استخدام الموظفين في عملية انتقاء الكلمات والعبارات باللغة العربية الاقرب الى القبول في الشارع العراقي عند ترجمة النص الانجليزي، باعتبار ان هؤلاء يمتلكون معرفة ادق بنفسية الانسان العراقي وبنوع اللغة التي يمكن ان تكون اكثر او اقل استفزازا له. اما ان يقول موظفي الاحتلال بانهم فاوضوا وغيّروا وقبلوا ورفضوا فهذه المقولة لا تعدو كونها نكتة او مزحة سمجة لا يضحك منها حتى سفهاء القوم.

 

بالخط العام والعريض فالاتفاقية ضرورة للرئيس بوش حيث تطرح الاتفاقية امريكيا وعالميا على انها تتويج لفكرة الغزو والاحتلال ونجاحها في تحقيق كيان حكومي عراقي بديل للدولة العراقية الوطنية التي حاولت اميركا ذبحها بسبب مواقفها الوطنية والقومية العربية المسلمة وقدراتها المذهلة في بناء عراق متقدم متطور وبأفق قومي جدي وصادق وعميق الامر الذي يتعارض مع كل توجهات اميركا والصهيونية, من جهة ومن جهة اخرى, فان الاتفاقية تعبر عن تاكيد لمصداقية اميركا في حماية حلفاءها من الاحزاب العميلة الخائنة سواءا كانت احزاب طائفية سنية ام شيعية او علمانية او كوردية عرقية انفصالية. بمعنى آخر فان الاتفاقية ضرورة لعملاء اميركا التي جاءت بهم وسلّطتهم على رقاب شعبنا المجاهد العظيم بعد ان دمرت بلادنا وقتلت الملايين وهجّرت ما لا يقل عن خمسة ملايين عراقي الى خارج العراق ونفس العدد من ملايين البشر المهجّرين داخليا ومئات الآلاف من المعتقلين والاسرى. ان بوش وادارته المجرمة يريدون ان يقولوا انهم وعدوا عملاءهم ولم يتخلوا عنهم وبذلك يثبت بوش الصغير ويرد التهمة عن ابيه التي وجهتها له الاحزاب الايرانية بالتخلي عنها عام 1991 حيث لم يدعم صفحة الغدر والخيانة التي نفذتها ايران وعملاءها اثناء انسحاب الجيش العراقي من الكويت من جهة، وانهم قد نجحوا في تحقيق اهداف الغزو والاحتلال المختلفة ومنها بل وفي مقدمتها توطين الاحتلال في العراق لزمن طويل ياتي مع رهان على ان الزمن القادم سيكون لصالح تثبيت اتجاهات الحكم الطائفي والعرقي التي اسسوها ولصالح تحقيق استقرار في جني الارباح الاقتصادية والمالية كمردودات للاحتلال المجرم من جهة أخرى. وهذا حصرا وتحديدا ما تسميه ادارة بوش المجرم فشلا في السياسة الخارجية الامريكية حين تحاجج دعاة الانسحاب الفوري من العراق.

 

في ندوة تلفازية على فضائية البغدادية امس الاحد 23-11 صرّح المدعو كمال الساعدي, احد رموز الائتلاف الطائفي الفارسي, وبلهجة حاسمة, غاضبة, حاقدة .. بانهم يعرفون ان هناك خطة مبيّتة للانقضاض على الوضع الذي جاءت به اميركا تتزامن مع الانسحاب الامريكي المتوقع في حال عدم مصادقة البرلمان على الاتفاقية الامنية تعيد الامور الى ما كانت عليه قبل الاحتلال ..... واضاف هذا الطحطوح الحنقباز .. بانهم لن يسمحوا بتكرار ما حصل عام 1921....

 

ما حصل عام 1921 هو تحرير العراق من الاحتلال البريطاني في ثورة وطنية تاريخية باسلة شارك فيها كل ابناء العراق الغيارى وكانت ذروة فعلها في مناطق الفرات الاوسط وعشائرها العروبية البطلة ومنهم عشيرة كاتب هذا المقال. وتشكلت حكومة عراقية يقال ان المرجعية الدينية في النجف قد افتت بعدم جواز مشاركة الشيعة فيها وهذا بالضبط هو ما ينبه كمال الساعدي باستحالة تكراره .. اي ان ( الشيعة ) ومرجعيتهم  لن يتنازلوا عن الحكم ويضيّعوا فرصتهم التاريخية.  وبنفس القدر من الحماس والهمة فان الاحزاب الكردية تعمل جاهدة على ضمان اكتمال مسرحية التصديق على الاتفاقية لانها لن تفرط بفرصتها التاريخية باقامة دولة الانفصال الكردية التي هي الآن قائمة ولا يعوزها غير بيان التاسيس النهائي.

 

كوني احد ابناء المذهب الجعفري وعروبي وعراقي واحمل فكرا عروبيا قوميا ارى ان الساعدي قد فضح جزءا من الباطنية الفارسية التي تملأ كيانه المسخ واخفق اخفاقا شائنا في التستر على النوايا الحقيقية التي يحملها ويطبقها هو وامثاله .. كيف ؟؟

 

أولا": عام 1921 كان عام تحرير للعراق كله من الاحتلال الانجليزي المجرم في حين ان ما يجري الآن في العراق فانه يجري تحت حماية البسطال والكلب الامريكي المحتل.

 

ثانيا": انا كعراقي كنت سأقبل ان لا يتنازل الساعدي والمالكي والطالباني عن قيادة الدولة العراقية ( على افتراض انهم شيعة حقيقيين وعراقيين حقيقيين ) بل وسأعضده بكل الوسائل لو كان قد حرر العراق ولم يبقى امامنا الاّ التصدي لتاسيس الدولة ومؤسساتها.

 

ثالثا": ان فرصة الساعدي ( الشيعي ) التي يتحدث عنها هي فرصة العار والشنار. لانها فرصة خلقها احتلال غاشم ومجرم احدث وما زال يحدث بالعراق اضرارا جسيمة بالبشر وبالثروات والممتلكات وهو يسجل على نفسه والاحزاب التي ينتمي اليها سبقا عالميا في السقوط الوطني والديني والمذهبي، ونمطا خيانيا لم ولن يضاهيه مثيل.

 

رابعا": ان الساعدي يريد ابقاء الاحتلال لانه يعرف ومتيقن ان نهايته ونهاية احزابه ومن يتحالف معها ستكون مع الانسحاب وهذا ما قاله بعظمة لسانه.

 

خامسا": ان رابعا اعلاه تعني بوضوح ان قرابة ستة سنوات من الاحتلال المجرم وتقديم الحماية الكاملة للساعدي والخونة العملاء من امثاله لم تمنحهم الفرصة في ايجاد وبناء وسائل حماية الكيانات المسخ التي اسسوها وان قوى الرفض للاحتلال وعملاءه قادرة على أن تكنسهم في ساعات قليلة رغم مئات الآلاف الذين غدروا بهم وصفوهم جسديا ورغم كل وسائل الارهاب والتعسف والطغيان والظلم التي استخدموها ضد ابناء العراق الاحرار  .. فهل ثمة بلاغة بالاعتراف باللا شرعية وبالجبن وبالوهن امام المقاومة البطلة ابلغ من اعلان هذا الرعديد؟

 

سادسا": أنا كشيعي جعفري عراقي عروبي بعثي صدامي رافض ومقاوم للاحتلال ارى ان المسلم الشيعي او السني الذي ياخذ ما يراه استحقاقا وطنيا بالاستقواء بالاحتلال بدءا والاحتماء به تواصلا انه لا مسلم ولا شيعي بل عميل مجرم وخائن للدين وللوطن. وان شيعة العراق العروبيون النجباء براء الى يوم الدين من هكذا فئة باغية ساقطة شاذة منحرفة لم يسجل تاريخ المسلمين كله شبيها لعمالتها وخيانتها.

 

سابعا": على شيعة العراق العروبيون من غير المنتظمين في صفوف البعث العظيم او اية قوة مناهضة للاحتلال ان يجدوا الوسائل المناسبة التي تغسل عنهم عار الصلة ... حتى لو كانت لفظية .. بهؤلاء الخنازير الاوغاد .... والاّ فانني كواحد منهم اعلن عني وعن عشيرتي ومن اعرفه من ابناء العراق العروبيين الاصلاء على رؤوس الاشهاد ان العار والخزي والمهانة والمذلة تركبهم الى يوم الدين وان مَن يبرر انما يخدع نفسه ويغطي راسه بالرمل.

 

لقد افرز الجدل البيزنطي حول معاهدة توطين الاحتلال ادلة اضافية وبراهين على ان الطرفين الاكثر استفادة من الاحتلال وهما الطائفي الصفوي والكوردي الانفصالي هما الاكثر تمسكا ببقاء الاحتلال والاكثر التصاقا اعمى بوسائل البحث عن مسوغات بقاءه بما في ذلك تدبيرهما للتفجيرات الاجرامية التي تستهدف المدنيين الابرياء في كل انحاء العراق لغرض فرض قناعات فاسقة وسفيهة بأهمية الوجود العسكري الاحتلالي لحين يتمكنان من تقسيم العراق تحت غطاء الفيدرالية وعندها ايضا سيبحثون عن مسوغات لابقاء اسيادهم لحماية كياناتهم الذليلة .. انها سياسة تشكيل المحميات تحت حماية الكلب الامريكي فسحقا لكم من اذلة خانعين جبناء.

 

المجد المؤثل لمقاومتنا البطلة التي جعلت عبيد اميركا يزيدون كل يوم تعلقهم بالبسطال الامريكي وهم يدركون ان هذا البسطال يهتز هلعا وخوفا وارتباكا ويبحث عن وسيلة مناسبة للهرب.

 

سحقا للعار الاذلاء الذين يعرفون باليقين ان المحتل يمكن في اية لحظة ان يرفسهم ويتركهم يواجهون قدرهم المقدر من رب العزة والجلال ... ويدركون ان كل الخنوع الذي يظهرون والذلة التي يحملون والعار الذي يلبسون إن هو الاّ سلاح شعبنا العظيم الذي سيمسكه حقائق دامغة تصفع وجوههم المغبرة الصفراء ويحرق كياناتهم المتهرئة كي لا يشم منها غير رائحة الشواء .. والعين بالعين والسن بالسن والبادئ اظلم.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٢٧ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٥ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م